
ليلة حاسمة.. ماذا تخبرنا شواهد الجولة الأخيرة من سباق الانتخابات الأمريكية 2020
إنها ليلة الانتخابات الأمريكية، التي عقد مرشحو الرئاسة فيها جولاتهم الانتخابية الأخيرة، لتوضح تلك الجولات الاستراتيجية التي يتبعها كل مرشح للفوز في هذه المنافسة الشرسة. فقد فضل الرئيس دونالد ترامب أن يخصص هذا اليوم لعقد تجمعات في أربع ولايات كان قد فاز بها عام 2016، بعد ما أظهرت الاستطلاعات أن منافسه يمكنه إعادتها إلى الديمقراطيين. أما جو بايدن، فقد قرر زيارة ولايتين فقط هما بنسلفانيا وأوهايو اللتين كانتا من حصة الجمهوريين في الانتخابات السابقة.
وفي مواجهة منافسة تبدو شديدة للفوز بفترة رئاسية أخرى، ذهب ترامب إلى ولايات من المرجح أن يكون لها دور حاسم في تحديد ما إذا كان سيبقى في البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة، أم أنه سيصبح أول رئيس أمريكي يخسر مساعيه للفوز بولاية ثانية منذ جورج بوش الأب عام 1992. وكثف ترامب مساعيه الانتخابية في الولايات المتأرجحة على مدى اليومين الأخيرين، وذلك في محاولة مستميتة منه لتحدي استطلاعات الرأي وتحقيق انتصار مفاجئ على المرشح الديمقراطي.
وعقد ترامب يومي الأحد والاثنين 10 مؤتمرات انتخابية، بمعدل 5 مؤتمرات في اليوم، في أقصى تكثيف لنشاط حملته الانتخابية على الإطلاق. ويهدف المرشح الجمهوري إلى إثارة ما يكفي من الزخم لدفع أنصاره على الإقبال بكثافة شديدة على التصويت لصالحه. ويختتم ترامب فترة الدعاية المكثفة بمؤتمر انتخابي في في جراند رابيدز بولاية ميشيجان، وهو المكان الذي كان قد اختتم فيه حملته الانتخابية للفوز بالفترة الرئاسية الأولى عام 2016.
في المقابل، ذهب بايدن، الذي ركز حملته على انتقاد تعامل ترامب مع جائحة فيروس كورونا، إلى ولاية بنسلفانيا التي يُرجح أن تكون هي الفيصل في تحديد الفائز. وسافر بايدن بشكل شبه حصري إلى ولايات فاز بها ترامب في عام 2016 وانتقد أسلوب تعامل الرئيس مع وباء فيروس كورونا، الذي هيمن على المراحل الأخيرة من السباق الانتخابي. واتهم بايدن ترامب بالتقاعس عن مكافحة الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 230 ألف أمريكي وكلف الملايين وظائفهم. وتظهر استطلاعات الرأي أن الأمريكيين يثقون في بايدن أكثر من ترامب في محاربة الفيروس.
ومن المتوقع أن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة سيتم تحديدها ليس ليل 4 نوفمبر وإنما لاحقا بسبب أعداد قياسية للمشاركين في التصويت المبكر. وثماني ولايات فقط من أصل 50 ولاية أمريكية ستتمكن من فرز الأصوات حتى منتصف يوم 4 نوفمبر.
وقد صوت أكثر من 94 مليون ناخب أمريكي مبكرا في الانتخابات العامة، وعدد الذين أدلوا بأصواتهم بلغ 94 مليونا و6161، منهم 34 مليونا و45137 حضروا شخصيا مراكز الاقتراع، و59 مليونا و961024 بالبريد. ويعكس العدد المرتفع للتصويت المبكر، الذي تجاوز أكثر من ثلثي إجمالي المشاركين في انتخابات عام 2016، الاهتمام الشديد بالانتخابات التي يتنافس فيها الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما.
احتدام السباق الرئاسي في بنسلفانيا
تعد ولاية بنسلفانيا واحدة من أبرز الولايات المتأرجحة التي قد تحسم السباق، وتعطي المرشح 20 صوتاً في المجمع الانتخابي. ووفقاً لتوقعات مراكز الاستطلاع حول الانتخابات الرئاسية، فإن بنسلفانيا هي الولاية الأكثر ترجيحاً لتزويد الرئيس ترامب أو منافسه جو بايدن بالتصويت الحاسم في الهيئة الانتخابية. ولدى الولاية فرصة بنسبة 31% لأن تكون ولاية نقطة التحول. فولاية بنسلفانيا تعتبر مهمة جدا لدرجة أنها قد تمنح ترامب فرصة بنسبة 84% للفوز بالرئاسة إذا فاز فيها، كما تمنح بايدن فرصة بنسبة 96% للفوز إذا أصبحت ولاية بنسلفانيا زرقاء.
ويسعى الديمقراطيون إلى كسب أصوات هذه الولاية، لأنها تضم ناخبي الطبقة العاملة البيض، ونساء الضواحي والناخبين السود واللاتينيين، وأيضًا الأشخاص الذين ربما صوتوا للرئيس ترامب في عام 2016، والذين قد يعودون إلى الديمقراطيين في عام 2020، لذا فإنهم يسعون إلى جمع هؤلاء الأشخاص معاً فيما يأملون أن يكون تحالفاً رابحا. وقد فاز الرئيس ترامب في بنسلفانيا في عام 2016 بنحو 44 ألف صوت، وهو هامش ضئيل نظراً إلى الولاية بأكملها. وتأمل حملة بايدن في تحويل ولاية بنسلفانيا إلى الأزرق هذا العام.
ويسعى الديمقراطيون العودة إلى قوتهم السابقة بين الناخبين السود في الولاية، حيث إن 44% من سكان مقاطعة فيلادلفيا هم من السود، وقد فازت كلينتون بـ 89.8% “فقط” من أصوات السود في بنسلفانيا. وبغض النظر عن كسب الناخبين البيض غير المتعلمين بالجامعة أو الناخبين السود، قد يرى بعض الديمقراطيين طريقًا ثالثًا للمضي قدمًا في بنسلفانيا، خصوصا زيادة هامشهم في الضواحي، والاتجاه الآخر هو أن الديمقراطيين يكتسبون أرضية في المقاطعات الغنية والمتعلمة جيدًا حول فيلادلفيا.
وحاليا، يتصدر بايدن متوسط استطلاعات الرأي في ولاية بنسلفانيا ويتقدم بفارق يتراوح ما بين 5 نقاط إلى 7 نقاط على ترامب بين الناخبين المحتملين في الولاية، وتشير التوقعات إلى أن بايدن قد يفوز في الولاية بمقدار 4.6 نقطة.
وقد قضى بايدن وزوجته والمرشحة لمنصب نائبته في الانتخابات كمالا هاريس معظم اليوم الأخير في ولاية بنسلفانيا، وسيحشد بايدن أعضاء النقابات والأمريكيين من أصل أفريقي في منطقة بيتسبرج قبل أن تنضم إليه المغنية ليدي جاجا في موكب مسائي في بيتسبرج. في المقابل دعا ترامب سكان بنسيلفانيا إلى توخي أقصى درجات الحذر والحيطة خلال التصويت، أكثر مما في أي ولاية أخرى، محذرا: “قراركم ومستقبلكم على المحك. انتخابات 2016 كانت حادثا لا يصدق، بمثابة زلزال، لكن انتخابات 2020 (ولم أرجح قبل أربع سنوات أنني سأقول ذلك) وما نفعله الآن أهم بكثير.. هذه ستكون ربما أهم انتخابات في تاريخ بلدنا”.
التشكيك في نزاهة الانتخابات
يشكك الرئيس ترامب دوماً في نزاهة الانتخابات، قائلا إن إحصاء الأصوات الذي سيستمر بعد يوم الانتخابات سيكون “أمرا مروعا” وأشار إلى أن محاميه قد يتدخلون. واعتبر ترامب مرارا دون دليل أن التصويت عبر البريد عرضة للتزوير، على الرغم من أن خبراء الانتخابات يقولون إن هذا نادر الحدوث في الانتخابات الأمريكية. والتصويت عبر البريد هو سمة قديمة للانتخابات الأمريكية، وأدلى شخص من كل أربعة بأصواتهم بهذه الطريقة في عام 2016. وروج الديمقراطيون للتصويت عبر البريد كوسيلة آمنة لكي يدلي الناس بأصواتهم خلال جائحة فيروس كورونا، بينما يعتمد ترامب والجمهوريون على إقبال شخصي كبير في يوم الانتخابات.
وفي الانتخابات الأمريكية عام 2016، صوت 33 مليون أمريكي بالبريد، ولكن هذا العام، بسبب جائحة فيروس كورونا، طلب 82 مليون ناخب التصويت عبر البريد. ولا تزال العديد من الولايات تكافح من أجل إلغاء قوانين يعود عمرها إلى عقود، وتحدد متى يمكن فتح التصويت البريدي، وكيفية إدارته، وفرز الأصوات التي جاءت من خلاله. فمن المتوقع على سبيل المثال في ولاية ميشيجان، وهي ولاية رئيسية متأرجحة، أن يصوت نحو ثلاثة ملايين ناخب عبر البريد. وعلى الرغم من ذلك، ونظرا لعدم استطاعتهم بدء عملية فرز الأصوات البريدية إلا بعد الساعة السابعة صباحا يوم الانتخابات، فقد يستغرق الأمر أياما حتى تعلن ولاية ميتشيجان النتيجة. وهذا على افتراض عدم اللجوء إلى إعادة فرز الأصوات.
هل يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي؟
عزز المرشح الديمقراطي تقدمه على الرئيس الأمريكي في ولايات حزام الصدأ الثلاث الحاسمة التي فاز بها ترامب بفارق ضئيل قبل 4 سنوات. وحسب استطلاعات رأي أجرتها “رويترز – إبسوس”، فإن بايدن يتقدم على ترامب بنسبة عشر نقاط مئوية في ولايتي ويسكونسن وميشيجان. كما أشار الاستطلاع إلى أن المرشح الديمقراطي يتقدم بفارق 7 نقاط في ولاية بنسلفانيا. وتقدم بايدن على ترامب في جميع الولايات الثلاث في كل استطلاع أسبوعي لـ”رويترز – إبسوس” من منتصف سبتمبر، وعزز تقدمه في كل ولاية خلال الأسبوعين الماضيين.
ويعود تراجع ترامب في استطلاعات الرأي في جانب منه إلى تآكل الدعم من مكونين كبيرين من قاعدة ناخبيه التي منحته الفوز عام 2016، وهما البيض الذين لا يحملون شهادة جامعية وكبار السن، وكذلك رفض المواطنين طريقة تعامله مع الجائحة التي أصبحت القضية المهيمنة في السباق.
ووفقاً لموقع “ realclearpolitics” حصل بايدن على 51.0% مقابل حصول ترامب على 44.1% وذلك بفارق 6.9

وبشكل عام لا يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي نظراً لما حدث في انتخابات 206، والتي أعطت تفوقاً واضح لـ هيلاري كلينتون ببضعة نقاط مئوية، ولكن هذا لا يعني أنها كانت على خطأ لأن كلينتون فازت بثلاثة ملايين صوت أكثر من منافسها. وواجه القائمون على إجراء الاستطلاعات بعض المشاكل في 2016، ولاسيما فشلهم في تمثيل الناخبين من غير الحاصلين على شهادات جامعية تمثيلا حقيقيا، مما أدى بدوره إلى الإخفاق في رصد التقدم الذي كان يتمتع به ترامب في بعض الولايات غير المحسومة حتى وقت متأخر. ولكن معظم شركات الاستطلاعات قد تداركت هذا الخلل الآن. ولكن هناك قدرا أكبر من الغموض هذه السنة نظرا لانتشار وباء فيروس كورونا وتأثيره على الوضع الاقتصادي وميول الناخبين، ولذا فيجب النظر إلى الاستطلاعات بشيء من التشكيك.
مخاوف من وقوع أعمال عنف
بغض النظر عن اسم الفائز بالانتخابات فقد تواجه الولايات المتحدة مخاطر جدية غير مسبوقة، على رأسها تهرب ترامب من الإقرار بتسليم السلطة في حال خسارته، وكذلك التصريح بأنه لن يخسر الانتخابات إلا في حالة وقوع تزوير واسع النطاق.
وأعلنت عدة جماعات ناشطة سياسيا في الولايات المتحدة اعتزامها الخروج في مظاهرات الأسبوع المقبل إذا بدا أن الرئيس ترامب يتدخل في عملية فرز الأصوات أو في نتائج التصويت غداة الانتخابات. وتزعم هذه الجماعات أنها تمثل ملايين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وقال ائتلاف “احمِ النتائج” الذي يضم أكثر من 130 جماعة إنه أعد نحو 400 تجمع حتى الآن. ويستعد المشاركون للخروج في مظاهرات حاشدة فور تسلم رسائل قصيرة بدءًا من بعد منتصف يوم الأربعاء الرابع من نوفمبر غداة يوم الانتخابات.
وأصدرت مجموعة بارزة من الخبراء التي ترصد العنف في جميع أنحاء العالم تحذيرا غير مسبوق قبل الانتخابات الرئاسية. وحذرو من أن أمريكا المستقطبة بشدة تواجه “خطرًا غير مألوف” في الأيام المقبلة. قد يعود إلى رفض الرئيس الحالي النتيجة وما سيترتب على ذلك من وقوع أعمال عنف مسلح. وهناك عدد من العوامل يمكن أن تؤدي إلى أعمال عنف يوم الانتخابات وبعده، منها: انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت وخطاب الكراهية، والجدل الأخير حول العدالة العرقية في أمريكا، وصعود الجماعات المسلحة.
وتلقي المجموعة باللوم على أعمال العنف المحتملة على عاتق الرئيس دونالد ترامب، حيث ترى أن خطابه السام وتأجيج الصراع لتعزيز مصالحه الشخصية ليس لهما سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. فخلال حملته الانتخابية، زعم ترامب أنه يرفض كل أشكال العنف. ومع ذلك، فإن رفضه لشجب وإدانة الفصائل المتطرفة والعنيفة لليمين المتطرف، إلى جانب التعليقات التحريضية حول أعدائه السياسيين، لا يزال يثير تساؤلات حول ما إذا كان يستخدم كامل ثقل منصبه لقمع العنف المحتمل.
وعلى جانب آخر، فقد ارتفعت مبيعات الأسلحة النارية قبيل الانتخابات الرئاسية. بسبب المناخ السياسي الحالي والمخاوف من الاضطرابات الاجتماعية بعد الانتخابات التي تدفع الناس إلى شراء الأسلحة النارية. وحسب دراسة أجرتها شركة Small Arms Analytics & Forecasting فإن مبيعات الأسلحة النارية وصلت إلى 1.8 مليون قطعة سلاح في الولايات المتحدة في سبتمبر 2020، بزيادة قدرها 66% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.