أوروبا

جدار أثينا على حدود تركيا … الخطة والأهداف

تلقت الجهود اليونانية لمواجهة أية موجات هجرة جديدة قد تحاول الوصول إلى أراضيها من تركيا دفعة جديدة إلى الأمام، بعد أن أنهت الحكومة اليونانية في التاسع عشر من الشهر الجاري خطتها لتدعيم كامل الحدود الشمالية الشرقية المشتركة بينها وبين تركيا، وإنشاء جدار يمتد بطول 26 كيلو مترًا، تصل تكلفته الإجمالية إلى 63 مليون يورو (74 مليون دولار)، على أن تكتمل عمليات إنشائه بشكل تام في أبريل المقبل.

هذه الخطة، التي دشنها فعليًا رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، بعد زيارته أوائل الأسبوع الجاري، المنطقة الحدودية مع تركيا، لاختبار تركيب جزء من الجدار الجديد، كانت مثار نقاش في أثينا خلال السنوات الماضية، خاصة بعد أن ظهرت مقترحات بتركيب سياج عائم بطول 2.7 كيلو متر، قبالة ساحل جزيرة (ليسفوس) اليونانية، كوسيلة لإيقاف تدفق المهاجرين من تركيا إلى الساحل اليوناني عن طريق البحر. لكن تم تأجيل البت في هذا المقترح، وبدلًا من ذلك تم المضي قدمًا في فبراير الماضي، في تفعيل خطة الجدار البري، بعد أن قامت تركيا بفتح حدودها مع أوروبا أمام اللاجئين القاطنين على أراضيها، مما تسبب في موجة نزوح كبيرة في اتجاه الأراضي اليوناني، أدت إلى اشتباكات دارت رحاها خلال شهري فبراير ومارس الماضيين بين الشرطة اليونانية والمهاجرين، تدخلت فيها أحيانًا قوات حرس الحدود التركية. 

رغبة منها في عدم تكرار هذا الوضع مرة أخرى، شرعت أثينا بخطوات متسارعة في الإعداد لخطة بناء هذا الجدار، الذي تم الانتهاء من صياغة الدراسات الفنية الخاصة به في يونيو الماضي، وتم في شهر يوليو طرح عملية البناء في مناقصة محلية، فازت بها أربعة شركات محلية.

تضم خطة البناء قسمين أساسيين، الأول يقتضى تشييد سلسلة من الأسوار المكونة من أنابيب فولاذية متقاربة، يبلغ طولها خمسة أمتار، ومزودة بأساسات حديدية مدعمة بالخرسانة المسلحة، بإجمالي طول يصل إلى 27 كيلو متر، على طول نهر (ايفروس) الذي يمر على خط الحدود بين البلدين، لكن تم تقسيم هذا السور على مراحل تراعي الطبيعة الجغرافية لهذه الحدود، نظرًا لأن الأراضي بين البلدين تصبح متداخلة في بعض المناطق، لذا تم تقسيم الجدار الجديد إلى أربعة مراحل، مرحلة أولى يبلغ طولها تسعة كيلومترات، تغطي منطقة (بيتالو – فيرون)، التي تقع في الجانب التركي من الحدود، ومرحلتين ثانية وثالثة يبلغ طولهما معًا خمسة عشر كيلو مترًا، تغطيان منطقتي (تسيروزي) و(مافراجاثوا)، ومرحلة ثالثة تغطي منطقة (نيا أجناتيا).

استفادت السلطات اليونانية من دروس اشتباكات أوائل هذا العام في المنطقة الحدودية بينها وبين تركيا، وراعت في تصميم الجدار الجديد أن يكون مستوفيًا لعدة شروط تستهدف تأمين الحدود بشكل شبه كامل، منها أن يكون منيعًا أمام محاولات تسلق أو اختراق الأفراد والمجموعات، حتى لو كانوا يحملون معدات للتسلق، كذلك أن يقاوم محاولات تدميره أو صدمه بمعدات أو مركبات، وأن تسمح أساساته بمنع أية محاولات للحفر تحته، حتى عمق 2 متر. 

كذلك روعي في تشكيل وتصميم الألواح الفولاذية المكونة لهذا الجدار، أن تسمح بشكل دائم برؤية كل ما يحدث على الجانب الأخر، كما تيسر مرور المياه في حالات الفيضانات والأمطار الغزيرة، وتتميز بسهولة التشييد والتركيب، وتكاليف صيانتها المحدودة مقارنة بالجدران الخرسانية.

القسم الثاني من هذه الخطة، يتضمن تدعيم وتحسين جدار قائم بالفعل بين منطقتي (كاستانيا) و(نيا فيسا)، يبلغ طوله الإجمالي 12.7 كيلو مترًا. هذه العملية ستتضمن تدعيم بدن السور بألواح فولاذية وأسلاك شائكة، ترفع طول السور الإجمالي من ثلاثة أمتار ونصف إلى قرابة خمسة أمتار، نظرًا لأن هذا السياج تعرض لأضرار خلال اشتباكات فبراير – مارس، كما تضرر جزء يبلغ طوله 400 متر من هذا السور، بفعل العوامل الجوية السيئة خلال الشتاء الماضي.

تتضمن خطة تشييد هذا الجدار دورًا أساسيًا للقوات المسلحة اليونانية، حيث سيتم إنشاء ثمانية أبراج رئيسية للمراقبة على طول الجدار الجديد، مصممة بشكل يجعلها منيعة أمام الأعيرة النارية الخفيفة والمتوسطة، مما سيوفر من جهة رصدًا مستمرًا للخط الحدودي بين الجانبين، ومن جهة أخرى حماية وتأمين لعناصر حرس الحدود اليوناني، البالغ عددهم على طول الحدود بين البلدين نحو 1200 عنصر (ثمانمائة عنصر على طول نهر ايفروس، وأربعمائة عنصر يتمركزون في الجزر اليونانية في بحر إيجة)، الذين تعرضوًا لاستفزازات تركية عديدة خلال الفترة الماضية. كذلك تتضمن الخطة تحسين نحو 57 نقطة مراقبة وحراسة حدودية، وتعبيد وإنشاء طرق جديدة خلف الجدار الجديد، من أجل ضمان حرية التنقل وسرعته في حالات الطوارئ.

جدير بالذكر أن الجيش اليوناني دخل منذ أوائل الأسبوع الجاري، في حالة طوارئ بدأ فيها في نشر حواجز من الأسلاك الشائكة، وتعزيز نقاط المراقبة على طول الحدود مع تركيا، تحسبًا لاستئناف تركيا لعبها بورقة المهاجرين، وإطلاقها موجة جديدة منهم في اتجاه الأراضي اليونانية، في سياق تصاعد التوتر بين أنقرة وعدة دول أوروبية. الجيش اليوناني يضع في ذهنه أيضًا شرقي المتوسط، في ظل تزايد احتمالات التصادم العسكري مع تركيا، بسبب عودة سفن التنقيب التركية إلى العمل في المياه الاقتصادية اليونانية.

تنفيذ هذه الخطة وإتمامها بشكل كامل، سيوفر لأثينا ليس فقط تأمينًا جيدًا لحدودها المعقدة مع تركيا، وحماية لأراضيها من المخاطر التي يمكن أن تمثلها موجات الهجرة، خاصة في ظل الموجة الثانية من تفشي جائحة كورونا، بل سيوفر لها أيضًا تحكمًا في الفيضانات التي يشهدها نهر ايفروس كل موسم، مما سيخدم بصورة كبيرة الإنتاج الزراعي المحلي في اليونان. يضاف إلى ما سبق، أنه يمكن اعتبار هذه الخطة، بمثابة ورقة ضغط ورد على التصعيد التركي الأخير تجاه أثينا، والذي يتمثل في إعلان أنقرة نيتها إعادة سفينة التنقيب (عروج ريس) إلى شرق المتوسط، لتنفيذ عمليات بحث في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان.

أثينا في هذه المرحلة تحاول الضغط على تركيا، تارة بعمليات الاستعداد والإنشاءات على الحدود المشتركة بينهما، وتارة أخرى بمساعيها في الاتحاد الأوروبي، لفرض عقوبات صارمة على أنقرة، وتفعيلها التعاون المشتركة مع قبرص ومصر، وكذا فتحها المجال واسعًا مع فرنسا والولايات المتحدة، لتحديث القوات المسلحة اليونانية، ولكن يبقى سؤالين اثنين، الأول عن كيفية تعامل أثينا مع مشكلة الهجرة عبر البحر من تركيا في اتجاه الجزر اليونانية، والثاني هو عن مدى القدرة الأوروبية في كبح جماح أنقرة، قبل أن يتحول الموقف بينها وبين اليونان إلى حرب شاملة قد تستدعي مشاركة أطرافًا أخرى ترى ضرورة ملحة في أيقاف تركيا عند حدها، ليس فقط في شرق المتوسط، لكن في كافة الجبهات المشتعلة في الشرق الأوسط والقوقاز. هذا ما ستجيب عنه تطورات الأيام القليلة المقبلة على الحدود اليونانية التركية، وفي المنطقة الاقتصادية اليونانية الخالصة.

المصادر

1-https://www.thraki.com.gr/aytos-einai-o-neos-fraktis-ston-evro-ti-provlepei-to-ergo-poy-xekinise/

2-https://www.ekathimerini.com/258318/gallery/ekathimerini/in-images/army-sets-up-barbed-wire-obstacles-along-evros-border

3-https://mantoles.net/blog/2020/10/17/evros-aftos-einai-o-frachtis-pou-tha-stamatisei-ta-vromika-paichnidia-ton-tourkon-eikones/

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى