دول الخليج العربي

الحوار الاستراتيجي الأمريكي- السعودي.. أجندة الحوار وأهم الدلالات

استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن في14 أكتوبر الجاري، الحوار الاستراتيجي الأمريكي-السعودي، بحضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ويهدف الحوار لمناقشة القضايا الاستراتيجية المشتركة بين البلدين. ويكتسب الحوار الاستراتيجي بين البلدين أهمية في ضوء المستجدات الدولية والإقليمية مما يتطلب تبادلًا للآراء وتنسيقًا للمواقف بين البلدين في القضايا في محل الاهتمام المشترك. وفيما يلي سيتم استعراض أهم الملفات التي تناولها الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وأهم الدلالات التي يطرحها الحوار بين البلدين.

أبرز الملفات المطروحة على طاولة الحوار الاستراتيجي الأمريكي- السعودي

تناول الحوار الاستراتيجي مجموعة من الملفات والقضايا الاستراتيجية في عدد من المجالات، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

  • مواجهة التهديد الإيراني في المنطقة: يتسم النظام الإيراني بسلوكه المزعزع للاستقرار في المنطقة، ويتضح ذلك من هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية على منشآت النفط السعودية العام الماضي، وتقديم النظام الإيراني على تقديم الدعم المالي للجماعات الإرهابية وتزويدهم بالأسلحة، ويتضح ذلك جليًا في اليمن، فقد قصف الحوثيون الأراضي السعودية باستخدام الصواريخ والطائرات دون طيار التي زودها النظام الإيراني للحوثيين لتهديد أمن السعودية وزعزعة استقرارها. 

ونجد أن هناك تقارب كبير في وجهات النظر السعودية الأمريكية حيال رفض الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، ويتضح ذلك من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي بأن “هناك التزامًا متبادلًا بالتصدي للنشاط الإيراني الخبيث وما يشكله من خطر على الأمن والازدهار الإقليمي وأمن الشعب الأمريكي أيضًا، والولايات المتحدة ستدعم برنامجًا قويًا لبيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يساعد المملكة على حماية مواطنيها”.

والجدير بالذكر، أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاهلت تصرفات ايران المزعزعة للاستقرار في الإقليم، وأبرمت الولايات المتحدة إلى جانب الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا اتفاقًا مع ايران في يوليو2015، الذى ينص على رفع جزئي للعقوبات الدولية مقابل ضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية، وقد اتخذ الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب على النقيض من ذلك نهج متشدد تجاه إيران الذى انسحب بشكل منفرد من الاتفاق النووي في مايو 2018، وانتهج استراتيجية “الضغط القصوى” حيال إيران، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، بهدف لإجبار إيران على إبرام اتفاق جديد وشامل يشمل سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي.

  • السلام في الشرق الأوسط: تنطلق الرؤية السعودية للسلام في الشرق الأوسط من خلال إعادة إسرائيل والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، والتوصل للاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بهدف الوصول للسلام واستقرار دائم في الشرق الأوسط، وقد اتضح ذلك من خلال تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحات خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الأمريكي. وتسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى ضم السعودية ودول عربية أخرى لقائمة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ويتضح ذلك من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذى أبدى أمله في أن تنضم السعودية إلى “اتفاق أبراهام” الذى تم أبرامه بين إسرائيل من جانب والإمارات والبحرين من جانب آخر.
  • التطورات في الملف اليمني: تدعم السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إيجاد حل سياسي في اليمن، وقد أشادت الولايات المتحدة الأمريكية بجهود المملكة العربية السعودية في التوصل إلى تسوية سياسية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في ضوء اتفاق الرياض الذي تم توقيعه في نوفمبر 2019.
  • محاربة التطرف والإرهاب: هناك شراكة قوية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية في مواجهة قوى التطرف والإرهاب، وتؤكد الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على محورية الدور السعودي في مكافحة الإرهاب إقليميًا ودوليًا. وبذلت المملكة العربية السعودية جهودًا لمواجهة الإرهاب، أشادت بها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أطلقت السعودية مركز دولي لمكافحة الإرهاب في مايو2017، كما قامت السعودية في ديسمبر 2015 بتشكيل تحالف عسكري إسلامي من 41 دولة لمحاربة الإرهاب، كما أسست المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في 2017 للتصدي للفكر المتطرف ونشر الوسطية والتسامح والاعتدال. 
  • تعزيز التعاون العسكري والأمني: تعززت العلاقات العسكرية السعودية- الأمريكية، في عهد الرئيس دونالد ترامب ويتضح ذلك من خلال عقود التسليح الضخمة المبرمة بين الجانبين، فقد أبرم دونالد ترامب خلال زيارته للمملكة في مايو 2017 صفقة توريد أسلحة للسعودية بقيمة 110 مليار دولار. ويٌظهر تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الصادر في مارس2020، أن واردات السعودية من الأسلحة زادت بنسبة 8.7 % خلال الفترة من 2015 إلى 2019، فقد زادت من 3.38 مليار دولار في 2015 إلى 3.67 مليار دولار في 2019. ونجد أن ثلاثة أرباع الأسلحة التي استوردتها السعودية خلال تلك الفترة مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، نجد الأسلحة التي استوردتها السعودية من الولايات المتحدة بما يعادل 13.01 مليار دولار، وهذا يعكس اعتماد السعودية في تسليحها على الولايات المتحدة الأمريكية.
  • تعزيز التعاون في مجال الطاقة والاقتصاد: جرى خلال الحوار الاستراتيجي بحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين والاستثمارات في مجال الطاقة. وتتمتع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية، فهناك حرص من البلدين على تنمية التجارة والاستثمار لخدمة مصالح البلدين في مجالي التجارة والاستثمار، من خلال المجلس السعودي الأمريكي للتجارة والاستثمار الذي يتكوّن من ممثلين عن الجانبين. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 48 مليار دولار سنويًا، وذلك بحسب تصريح السفير الأمريكي في السعودية جون أبي زيد خلال كلمته أمام أعضاء مجموعة رجال الأعمال الأمريكيين في الرياض في سبتمبر 2019. 
  • التبادل العلمي والثقافي: تزدهر العلاقات السعودية- الأمريكية على الصعيد العلمي والثقافي إذ حصل أكثر من 250 ألف مواطن سعودي وأفراد أسرهم على تأشيرات للدراسة في الولايات المتحدة في السنوات العشر الأخيرة، وذلك وفقًا لموقع وزارة الخارجية الأمريكية، كما توفر الولايات المتحدة للشباب السعودي والقادة السعوديين عددًا من الفرص التدريبية كبرنامج القيادة الدولية والعديد من برامج التبادل الأخرى. وقد تلقى ما يقرب من ثلاثة آلاف من الشباب السعودي برامج تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية تتعلق بتعزيز مهارات روح المبادرة وتمكين النساء والشباب.

دلالات الحوار الاستراتيجي الأمريكي- السعودي

يهيئ الحوار الاستراتيجي الأميركي- السعودي فرصة لاستعراض الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين في عدد من المجالات، ويعكس الحوار الاستراتيجي عدة دلالات، يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:

  • توقيت عقد الحوار الاستراتيجي: يأتي موعد عقد الحوار في سياق بالغ الحيوية للجانب الأمريكي لاسيما في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما يبرهن على أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترتبطان بعلاقات استراتيجية قوية، وحرص البلدين على توطيد العلاقات الثنائية التي امتدت لثمان عقود. 
  • تعزيز الشراكة الأمنية والتصدي للتهديدات: يمثل الحوار الاستراتيجي الأمريكي- السعودي تأكيدًا على رغبة البلدين في التصدي لتهديدات مصالح أمنهما المشتركة في المنطقة، وتتعاون الدولتان في مكافحة الإرهاب والتطرف، ومواجهة التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. فهناك تقارب في الرؤى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بعدم قبول الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في الإقليم عبر وكلائها في المنطقة، خاصةً في اليمن. 
  • دعم رؤية المملكة 2030: تدعم الولايات المتحدة الأمريكية رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي ترتكز على تنويع مصادر الدخل، وإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، بشكل يضمن تنويع الاقتصاد، وإنهاء الاعتماد كليًا على “النفط” باعتباره مصدرًا واحدًا للدخل، والعمل على إشراك القطاع الخاص في عملية التطوير، وجذب الاستثمار الأجنبي. وقد عقدت العديد من الشركات الأمريكية شراكات مع المملكة العربية السعودية وفقًا لرؤية المملكة 2030، وهو ما يساعد على زيادة نسبة الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، وتنويع مصادر الدخل. 

مُجمل القول، يعكس الحوار الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية الاهتمام المتبادل لتعزيز الشراكة بين الدولتين في العديد من المجالات. فالبلدان لديهما علاقات مشتركة على كافة الأصعدة ورؤية مشتركة للقضايا محل الاهتمام، كما ترتكز العلاقات على أساس المصالح والقيم المشتركة، بما يحقق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى