
كاتب روسي: الخلافات حول قضايا الهجرة تعطي زخما لتنامي التناقضات في فضاء الاتحاد الأوروبي
عرض – داليا يسري
اعتبر الكاتب الروسي “بيوتر إسكنديروف” أن الخلافات حول قضايا الهجرة تُعطي زخما لتنامي التناقضات في فضاء الاتحاد الأوروبي وفي مجالات أخرى من السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد، مشيرا إلى أن تفشي وباء “كورونا” وما يرافقه من أزمات اجتماعية واقتصادية في القارة الأوروبية أدى إلى موجة جديدة من موجات تفاقم مشكلة الهجرة.
وذكر إسكنديروف، في مقال تحت عنوان “مجددًا.. أزمة المهاجرين تُهدد الاتحاد الأوروبي“، نشره موقع صحيفة الحياة الدولية الروسية، أن مشكلة الهجرة تفاقمت بشدة حتى بلغت أوجها في الفترة ما بين عامي “2014- 2015″، بفعل مسببات خارجية أدت لتدفق مزيد من المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وقال: “إنها الآن تتفاقم بفعل أسباب مختلفة تمامًا تتعلق جميعها بمدى التفاوت في توزيع الوافدين داخل البلاد، ومدى قدرتهم على الاندماج في المجتمعات الأوروبية التقليدية”.
علاوة على ذلك، يضيف الكاتب، أن الأزمة التي يعانيها الاقتصاد الأوروبي تسهم في تدهور إضافي للوضع، مما يؤدي بالنهاية إلى أن يسير الجميع في حلقة مفرغة، تشكل خطورة كبيرة على مستقبل الاتحاد الأوروبي بأسره من ناحية، ومن ناحية أخرى تنعكس بوضوح على وحدة هذه المنظمة.
ويسرد الكاتب بعد ذلك، كيف بدأت موجات المهاجرين تتدفق نحو الاتحاد الأوروبي بدءا من عام 2014 ، قائلا :” إنه وفقًا لأضعف التقديرات، فإن مجموع هؤلاء اللاجئين بلغ 5 ملايين مهاجر، مما ساهم في تعاظم معدلات الجريمة ورفع مستويات ما تواجهه القارة من تهديدات إرهابية، بالإضافة الى ما يواجه منظومة الدولة القائمة على أساس “دولة الرفاهية”، التي لطالما كان الأوروبيون يفخرون بها منذ عقود من تهديدات”.
وبناءً عليه، ينقل الكاتب عن “جيروم ريفيير”، عضو في البرلمان الأوروبي، رأيه، حيث قال “إنه يتوافر اليوم كل ما هو ممكن من أسباب للحديث عما تواجهه سياسات الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي من فشل ذريع” ، مضيفا أن هذا الأمر يُعد فشلا في منظومة اللجوء بأكملها، حيث يتم مقابلة ثلثي طلبات الهجرة بالرفض.
ويعقب الكاتب على هذا الأمر، بأن يشير الى أن الخطر الرئيسي الموجود في الوقت الراهن لا يُكمن فقط في مجرد زيادة أعداد المهاجرين والتهديدات المرتبطة بوجودهم، ولكنه يشتمل أيضًا على تنامي ظواهر الأزمة في المجال السياسي للاتحاد الأوروبي وتعميق خطوط المواجهة. كما أن دولاً مثل بولندا والمجر عادة ما يرفضون بشكل قاطع الانصياع وراء طلبات المفوضية الأوروبية بشأن استكمال الحصص المقررة لهم من استقبال المهاجرين غير الشرعيين، والتي كان قد تم تطويرها بالفعل في بروكسل.
وعلاوة على ذلك، يرى الكاتب أن الخلافات حول قضايا الهجرة تُعطي زخما لتنامي التناقضات في فضاء الاتحاد الأوروبي وفي مجالات أخرى من السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد الأوروبي، وكذلك لتعزيز مواقف المتشككين في أوروبا ونرى أن الموقف الحالي لما يدور حاليًا في بولندا يعد نموذجا واضحا على هذه التناقضات.
ويقول الكاتب، إنه وفقًا لما أتيحت له من معلومات، فإن وارسو لديها رغبة في اتباع سياسة أمنية ذات توجه وطني أكثر فاعلية، والدليل على ذلك هو عودة “يوروسلاف كازينسكي”، رئيس الوزراء البولندي السابق مرة أخرى الى الحكومة البولندية بعد غياب دام لـ 13 عامًا، وهو الشخص المعروف بأنه كان أحد أكبر المعارضين الرئيسيين لبروكسل. وجاءت عودته نتيجة للتعديلات الوزارية التي تم الإعلان عنها خلال أوائل أكتوبر الجاري، وأصبح بموجبها رئيس حزب القانون والعدالة نائبًا لرئيس الوزراء، وهو نفس الشخص الذي ترأس لجنة قضايا أمن الدولة، التي تضم تحت مظلتها وزارات العدل والدفاع والشؤون الداخلية، بمعنى أن هذا الشخص يعمل على ملفات تتصل جميعها بملف واحد فقط، وهو ملف الهجرة.
ولهذه الأسباب، يرى الكاتب أن عودة “يوروسلاف كاتشينسكي” إلى الحكومة يمكن أن يؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقات التي تربط بولندا مع الاتحاد الأوروبي، حيث يعتبر رئيس الوزراء السابق رمزا من رموز أوروبا الشرقية. وعلى سبيل المثال، نتذكر معًا ما حدث في صيف 2018، عندما قال رئيس حزب القانون والعدالة إن بولندا قد تتلقى تعويضات ضائعة من ألمانيا نتيجة ما حدث في الحرب العالمية الثانية.
وانتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن مواقف معارضة للاتحاد الأوروبي ولكن هذه المرة داخل بلد أوروبي آخر، وهذه المرة الحديث يدور عن ألمانيا نفسها. وفي هذا الصدد يقول الكاتب أن جماعة المتشككين في سياسات الاتحاد الأوروبي داخل ألمانيا تعتبر أن السياسة الغامضة التي تتبعها بروكسل إزاء مشكلة المهاجرين أحد الأوراق الرابحة في يدها.
يشير الكاتب أيضًا إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن كذلك، في أن مسؤولي بروكسل اليوم باتوا غير قادرين على الاستجابة بشكل متناسب مع التهديدات المتزايدة في مجال الهجرة. بحيث تعتزم المفوضية الأوروبية تعزيز وتشديد المراقبة على الحدود، وهي فكرة يرى الكاتب أنها تستحق الثناء ولكن يتم تنفيذها بوسائل سخيفة للغاية. ويتابع الكاتب مُعلقًا على سياسة التوزيع الإجباري التي ترغب بروكسل في اتباعها، تهدف في المقام الأول الى الحد من سيادة الأوروبيون على بلدانهم.
وفي نفس الصدد، لفت الكاتب الى التصريحات التي أطلقها “هورست سيهوفر”، وزير الداخلية الألماني في وقت سابق من هذا العام، عندما قال “نحن بحاجة الى الحصول على مساعدة شركائنا الأوروبيين لتوفير المزيد من السيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وفي حالة عدم تلقينا للمساعدة اللازمة، فإننا سوف نواجه موجة جديدة من اللاجئين كما كان الحال في عام 2015، وربما حتى ما يزيد عنها”.
وفي ضوء كل ما سبق، قد يؤدي المزيد من تطور الأوضاع في أوروبا الى تعميق الأزمة داخل جدران المنظمة. كما أنه لتوصل الى حلول بشأن هذه الأزمة، فإن الأمر يعتمد بشكل كبير على ديناميكيات ما يربط بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من علاقات خاصة وأن هذه العلاقات تميل في الوقت الراهن نحو التدهور في ظل ما تتبعه أنقرة من سياسات نشطة في مناطق شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط والقوقاز.
وعلى الجانب الآخر، يرى الكاتب أن ظواهر هذه الأزمة، تخلق فرصا جديدة أمام روسيا فيما يتعلق بالتفاعل مع القوى، التي تتبنى مواقف أكثر مسؤولية واستقلالية داخل الاتحاد الأوروبي إزاء مسائل السياسة الدولية.
باحث أول بالمرصد المصري