سياسة

اجتماع القاهرة.. نحو تعميق مسار التكامل بين مصر والعراق والأردن

تأتى زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وكذلك وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى القاهرة لعقد اجتماع آلية التنسيق المشترك بين الدول الثلاث في أكتوبر 2020 تجسيدًا للتعاون والتنسيق المشترك بين  مصر والأردن والعراق والتي سبقها لقاءات قمة، وآخرها القمة التي عقدت في العاصمة عمان في 25 أغسطس 2020 بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني ملك الأردن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وقد سبقها أيضا قمة ثلاثية في القاهرة بين الدول الثلاث في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدى في 24مارس 2019، وأخرى في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر 2019.

نتائج اجتماع القاهرة

تم بحث عدد من الملفات العربية بين وزراء خارجية الدول الثلاث في إطار التنسيق والعمل العربي المشترك منها:

القضية الفلسطينية: تأكيد محورية القضية الفلسطينية وتفعيل الجهود الدولية لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يلبي حقوق الشعب الفلسطيني من حيث دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية وفقًا لما جاء في قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بالإضافة إلى تأكيد ما جاء في بيان قمة عمّان من حيث ضرورة وقف إسرائيل ضم أية أراضٍ فلسطينية وجميع الإجراءات التي تقوض فرص تحقيق السلام العادل وتستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

الملفين الليبي والسوري: محاولة التوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمات لاستعادة استقرار سوريا وليبيا والحفاظ على وحدة أراضيها والتأكيد على حل شامل للأزمة الليبية من خلال المسار السياسي، وطبقا لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين وإعلان القاهرة وصولًا إلى الاستحقاق الانتخابي.

الأمن المائي: دعم موقف الدولة المصرية بما يحفظ حق مصر في مياه النيل وأمنها المائي، وكذلك حماية العراق من أي خلافات إقليمية أو تهديدات بما يحقق الأمن العربي ودعم العراق في مواجهة الإرهاب. 

التكامل العربي: التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط، بالإضافة إلى ملف إعادة الأعمار في العراق من خلال الاستفادة من الشركات المصرية والأردنية في إعادة إعمار المدن التي دمرت في العراق، وذلك يعكسه مشروع الشام الجديد.

مشروع الشام الجديد: تعود فكرة مشروع الشام الجديد إلى عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وتم استكمالها من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدى وفقا لما تم إطلاقه “آلية التعاون الثلاثي” في إطار قمة القاهرة مارس 2019 والقمة المنعقدة على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك سبتمبر 2019، ثم جاء الكاظمي لتطوير الفكرة لترتقي إلى تحالف تكاملي بين الدول الثلاث. 

ويرتكز المشروع في جوهره على التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والكهرباء حيث يتم في مجال الطاقة مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن ثم إلى مصر، ويقوم العراق باستيراد الكهرباء من مصر والأردن، بالإضافة إلى تطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم الابتكار وريادة الأعمال والتعاون في قطاعات الصحة والبنية التحتية بالإضافة إلى زيادة التبادل التجاري.

أهمية المشروع للدول الثلاثة

مصر: ستتمكن مصر من الاستفادة من تصدير الكهرباء إلى الأردن والعراق، حيث حققت مصر فائضًا في إنتاج الكهرباء بأكثر من 27 ألف جيجاوات نتيجة لمشروعات إنتاج الكهرباء التي أنجزتها خلال السنوات الست السابقة، ومن ثم تسعى مصر إلى توقيع اتفاقيات للربط الكهربائي ضمن خطتها للتحول لمركز إقليمي للطاقة. 

بالإضافة إلى أن خط أنبوب النفط (الممتد من ميناء البصرة جنوب العراق إلى العقبة في الأردن إلى مصر) يتيح لمصر تنويع واردتها من النفط ويقلل من اعتمادها على عقود النفط قصيرة الأجل التي تعرضها للتذبذب في أسعار النفط، حيث سيؤمن النفط الخام لمصر بشكل مستمر. وقد بدأت مصر الحصول على النفط العراقي الخام في أبريل 2014 بواقع 12 مليون برميل سنويًا، وكذلك سيؤدي المشروع إلى تقليل فاتورة استيراد النفط حيث ستحصل مصر على النفط العراقي بأقل من ثمنه بـ 16 دولارًا للبرميل، وفتح السوق العراقي والأردني أمام الصادرات المصرية.

العراق: يحقق المشروع للعراق جزءًا من احتياجاته من الكهرباء عن طريق مصر؛ إذ يعاني هذا البلد من أزمة طاقة حادة دائمًا ما تكون الدافع وراء اندلاع احتجاجات عنيفة في البلاد من وقت لآخر. ويحتاج العراق إلى 22 ألف جيجاوات من الكهرباء في حين أنه ينتج نحو 12 ألف جيجاوات فقط، ويستورد 3 آلاف أخرين.

وإلى جانب أزمة الكهرباء، يعاني العراق من أزمة بطالة حادة وارتفاع معدلات التضخم والفقر، لذلك سيفتح هذا المشروع بابا أمامه لتدفق الاستثمارات المصرية في قطاعات متنوعة وخاصة الطاقة وإمكانية إقامة مدن صناعية وتجارية مشتركة، ما يوفر فرصًا للعمل وينقل خبرات مصر والأردن في مجالات الصناعة والتجارة إلى القطاع الخاص العراقي. كذلك سيجعل من الأردن ومصر سوقَا للمنتجات العراقية.

الأردن: يمثل مشروع الشام الجديد أهمية للأردن بما يجعله مركزًا لوجستيًا إقليميًا لتبادل النفط والكهرباء والبضائع. كما سيقلل المشروع من فاتورة استيراد النفط؛ إذ سيحصل عليه أيضًا بسعر أقل بنحو 16 دولارًا للبرميل. ومن الجدير بالذكر أن الأردن يحصل بالفعل على النفط العراقي بهذا الخصم في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في 5 فبراير 2019، والتي حصلت بموجبها عمّان على النفط الخام العراقي للمرة الأولى بواقع نحو 10 آلاف برميل يوميًا، تشكل 7% من حاجة البلاد للطاقة، وتوفر 160 دولار يوميًا تقريبا، أي نحو 4.8 مليون دولار شهريًا. وهو ما سيساعد الأردن في الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة التي ضاعفتها جائحة فيروس كورونا.

في الختام يمكن القول إن اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث يأتي في سياق التنسيق المشترك لتنفيذ ما توصلت إليه قمة عمّان من حيث آلية تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي أو خطوط نقل النفط، وكذلك مساهمة الشركات المصرية في إعادة الإعمار في العراق، ومن المقرر أن تعقد لقاءات مشتركة سواء على المستوى الثلاثي أو التنسيق الثنائي ومنها اجتماع اللجنة المصرية العراقية المشتركة في بغداد نهاية شهر أكتوبر 2020 لتنسيق التعاون في مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي وفي مجال الموارد المائية والبيئة والاتصال وتكنولوجيا المعلومات.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى