
تشييد أكبر سد في تنزانيا بسواعد مصرية
“سد ستيجلر” أو “سد روفيجي” أو “سد نيريري” جميعها مسميات مختلفة لواحد من أكبر السدود في أفريقيا الذي يتم إنشاؤه حاليًا على نهر روفيجي في تنزانيا بسواعد مصرية، وذلك بعد فوز التحالف المصري بين شركتي “المقاولون العرب” و”السويدي إليكتريك”، بمناقصة بناء السد في عام 2018، على أن يتم الانتهاء من المشروع وافتتاح السد عام 2022.
سد تنزانيا من الفكرة للتنفيذ
ترجع فكرة إنشاء سد على نهر روفيجي في تنزانيا إلى بداية القرن العشرين، وتم إجراء أول دراسة للسد في عام 1940، تصورت هذه الدراسة بناء سد صغير الحجم للسيطرة على الفيضانات في المنطقة وحماية البنية التحتية للري، ولكن بحلول عام 1961 نشرت منظمة الفاو دراسة تتضمن إمكانية إنشاء سد بحجم أكبر يهدف إلى توليد كهرباء وتحويل المنطقة إلى بيئة صناعية بالإضافة للسيطرة على الفيضانات وتوفير مياه الري والشرب.
بعد استقلال تنجانيقا في عام 1961 رأى الرئيس “نيريري” في السدود الكهرومائية فرصة لتطوير تنزانيا والاتجاه نحو التصنيع بكهرباء رخيصة الثمن، للخروج من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها تنزانيا، الأمر الذي دعاه للبحث عن مصدر خارجي لتمويل السد. ولكن لم يتم التنفيذ بسبب رفض البنك الدولي تمويل المشروع؛ نظرًا لرؤية البنك حينها أن نمو الطلب على الكهرباء في تنزانيا محدود ولا توجد حاجة لبناء سد، بالإضافة إلى المخاوف البيئية المتزايدة حول المشروع. ثم تعقدت الأمور بعد إعلان اليونيسكو المنطقة محمية طبيعية وموقعًا للتراث العالمي عام 1982، مما دفع إلى مزيد من التعقيد في الحصول على التمويل الدولي.
وبالرغم من ذلك، لم تيأس الحكومات المتعاقبة على تنزانيا من البحث عن ممول وتطوير خطط السد باعتباره مخلّصًا للبلاد من أزمة الطاقة الحادة، ووضعته الحكومات التنزانية التي أعقبت “نيريري” على رأس أولوياتها للنمو الاقتصادي في البلاد، وأعربت العديد من الشركات العالمية عن اهتمامها بتمويل وتنفيذ سد تنزانيا، كانت آخرها شركة برازيلية ظلت تتفاوض لمدة 3سنوات مع الحكومة التنزانية من عام2009 وحتى 2012، وكان من المنتظر أن تقوم بتنفيذه، ومع ذلك بحلول عام 2014 توقف الحديث عن السد لأسباب لم يتم الإعلان عنها. وبحلول عام 2017، أعلنت حكومة الرئيس “ماجوفولي” أن مشروع سد تنزانيا سيكون مشروعًا قوميًا وسيتم تمويله من قبل الحكومة بدلا من اللجوء لممول خارجي.
فوز الشركات المصرية بمناقصة بناء سد ستيجلر
طرحت الحكومة التنزانية مناقصة لبناء السد، تنافست عليها مجموعة شركات من مختلف دول العالم منها شركات “مصرية” و”صينية” و”تركية” و”برازيلية” و”لبنانية”، فاز بها التحالف المصري بين شركتي “المقاولون العرب والسويدي اليكتريك“، على أن تعمل الشركتان تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، بطلب من الرئيس التنزاني “ماجوفولي” وبدعم مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتم توقيع العقد في ديسمبر 2018 بحضور رئيس تنزانيا ورئيس الوزراء المصري د. مصطفى مدبولي.
وفي سياق متصل، تعمل شركة المقاولون العرب في 20 بلدًا أفريقيًا، منها أوغندا والكاميرون وإثيوبيا، وذلك من خلال مشروعات الطرق والبنية التحتية بالإضافة لمشروعات تنموية أخرى.
مواصفات السد التنزاني
تضمن الاتفاق بين الحكومة التنزانية والتحالف المصري إنشاء سد خرساني بارتفاع 134متر يشتمل على 9توربينات، بقدرة 235ميجا وات للتوربين، وبقدرة إجمالية تصل إلى 2115ميجا وات، بالإضافة إلى 4 سدود فرعية، وطرق دائمة تربط الموقع بشبكة الطرق الحالية بطول حوالى 21 كيلو متر، وأخرى مؤقته للخدمة الداخلية تربط جميع المنشآت الدائمة بطول حوالى 59 كم، ومحطة ربط كهرباء فرعية بقدرة 400 كيلو فولت، وخطوط نقل كهرباء، فضلًا عن نفق لتحويل مياه النهر بطول 660 مترًا ومفيض للمياه في منتصف السد الرئيسي يتكون من سبعة بوابات قطاعـية ومفيض للطوارئ على السد الفرعي الأول بدون بوابات، وكوبري خرساني دائم على نهر روفيجي، ومجمع سكني متكامل على مساحة 19ألف متر مسطح. وتبلغ حجم المياه المخزنة في بحيرة المشروع حوالي 33مليار متر مكعب، بتكلفة 2.9مليار دولار.
بالإضافة لما سبق، يقع مشروع السد على مساحة حوالي 1350كم، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه خلال 42 شهر، وسيتم تنفيذ السد على مرحلتين، المرحلة الأولى: 6 أشهر تتضمن تجهيز موقع المشروع وتدريب العمالة، فيما تمثل المرحلة الثانية المدة الفعلية لتنفيذ السد ومدتها 3 سنوات، على أن يتم الانتهاء منه في عام 2022، ليصبح رابع أكبر سد في أفريقيا، وأحد أكبر السدود في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من أن تنزانيا أحد دول حوض النيل إلا أن السد الضخم الذي بدأت في إنشائه لا يقع على أي منبع من منابع نهر النيل، وإنما يوجد نهر روفيجي بالكامل داخل الحدود التنزانية، يبلغ طوله حوالي 600 كيلو متر، ينبع من جنوب غرب تنزانيا ويصب في المحيط الهندي، ويبعد حوالي 200 كيلو متر عن جنوب دار السلام.
لماذا تلجأ تنزانيا إلى بناء سد ستيجلر
تتثمل أبرز الفوائد التي تعود على تنزانيا من بناء سد ستيجلر في السيطرة على موجات الجفاف الحادة والفيضانات الموسمية التي تتعرض لها البلاد وتقضي على عشرات الأرواح وآلاف المنازل سنويًا، بما يضمن توافر المياه بشكل دائم على مدار العام لأغراض الزراعة والشرب، بالإضافة إلى توليد الكهرباء التي تحتاجها تنزانيا لتلبية الاحتياجات المحلية المتنامية لاستهلاك المواطنين، حيث يرتبط 10% فقط من السكان بشبكة الكهرباء الوطنية، بينما يستطيع السد توفير الكهرباء ال17مليون أسرة تنزانية، فضلًا عن قدرة السد على مساعدة تنزانيا في التحول نحو التصنيع الذي ترى حكومة “ماجوفولي” أنه المخلّص للاقتصاد التنزاني، وسيؤدي إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتعزيز الاقتصاد التنزاني على المدى المتوسط والطويل، ولذلك تعتبر حكومة تنزانيا مشروع سد ستيجلر مشروع قومي يصعب التنازل عنه تحت أي ضغط.
ويهدف المشروع أيضًا إلى توفير فرص عمل للتنزانيين، حيث من المتوقع أن يصل عدد العمالة في السد إلى 12000 عامل، وحتى مارس 2020 بلغ عدد العاملين بالسد 5233 عاملاً، منهم 526 عاملاً مصرياً، و3974 عاملاً تنزانياً، و733 عاملاً أجنبياً من دول أخرى،
وبالنظر إلى حماية البيئة، فتتعرض تنزانيا إلى القطع الجائر للغابات بسبب نقص الطاقة، حيث تفقد البلاد حوالي 400هكتار من الأشجار يوميًا لاستخدامها كمصدر بديل للطاقة من قبل المواطنين غير القادرين على الوصول للكهرباء، مما يتسبب في تلوث بيئي كبير، في الوقت الذي يستطيع فيه السد أن يمد جزءًا كبير من تلك الأسر بالكهرباء، وبالتالي يسهم في المحافظة على البيئة في المدى الطويل.
تحديات أمام استكمال بناء سد تنزانيا
بالرغم من كل الفوائد التي قد يولدها السد لتنزانيا يوجد بعض التحديات أمام إتمام إنجاز المشروع المنتظر، تتمثل أبرز تلك التحديات في:
- ارتفاع التكاليف وضيق الوقت:
يجادل البعض بأن التكلفة والوقت اللازم لإنجاز السد غير منطقيين، حيث يرى بعض المنتقدين أن بناء سد بهذا الحجم يحتاج إلى حوالي 8 إلى 9 سنوات وبتكلفة تتراوح بين 7 إلى 10مليار دولار، في الوقت الذي أعلن التحالف المصري قدرته على إنجاز المشروع في 42 شهرًا بتكلفة 2.9مليار دولار، فإذا استطاعت الشركات المصرية إنجاز المشروع في الموعد المحدد بالجودة المطلوبة سيكون ذلك أبلغ رد على أولئك المتشككين، ودليلًا قويًا على قدرة قطاع المقاولات المصري على إنجاز المشروعات الكبرى بجودة عالية وفي الوقت المناسب داخل مصر وخارجها، مما يسهم في فتح مزيد من الأسواق أمام الشركات المصرية سواء في قطاع المقاولات أو القطاعات الأخرى.
- الفيضانات والأمطار الغزيرة:
واحد من أبرز التحديات التي يواجهها العاملون في المشروع، هي الأمطار الغزيرة والفيضانات التي تتعرض لها المنطقة، حيث شهد موقع السد حدوث أربعة فيضانات بين ديسمبر 2019 ومارس 2020، ومع ذلك تحاول مجموعة العمل بالموقع التكيف مع الظروف المستجدة وإيجاد حلول للتعامل معها كي تظل أعمال البناء مستمرة، حتى يتم الانتهاء من المشروع في الوقت المحدد.
- اعتماد منطقة “سيلوس جام” كمحمية طبيعية:
على جانب آخر، يواجه المشروع انتقادات من قبل المدافعين عن البيئة لتداعياته على الحياة البرية بمحمية “سيلوس غام” أحد مواقع التراث العالمي بحسب اليونيسكو، وواحدة من أكثر مناطق الحياة البرية شهرة في أفريقيا التي لم يزعجها النشاط البشري نسبيًا، والتي تحتوى على أنواع فريدة ومتنوعة من الحيوانات التي يخشى المدافعون عن البيئة من تأثرها ببناء السد، بينما تؤكد حكومة تنزانيا انه سيتم تدارك أي أثر محتمل والتعامل معه، بالإضافة إلى أن حجم المشروع لا يتعدى 3% من مساحة محمية “سيلوس جام”، فضلًا عن أن عدم بناء السد يتسبب في مزيد من التلوث البيئي والقطع الجائر للغابات من قبل السكان لتلبية احتياجاتهم المتزايدة من الطاقة، الأمر الذي يجعل الفوائد البيئية من بناء السد مجدية على المدى المتوسط والطويل.
الفوائد التي تعود على مصر من تنفيذ مشروع سد تنزانيا
يأتي فوز شركتي المقاولون العرب والسويدي اليكتريك بإنشاء سد تنزانيا، في إطار حرص مصر الدائم على دعم جهود التنمية في دول حوض النيل، كما يمثل فرصه أمام الشركات المصرية في قطاعي المقاولات والطاقة لإثبات نفسها والتوسع بشكل أكبر في الأسواق الأفريقية، ويمهد الطريق لغيرها من الشركات. ونجاح الشركات المصرية في إنجاز مشروع سد ستيجلر يُعد مُعبرًا قويًا عن قدرة قطاع المقاولات المصرية على إنجاز المشروعات الكبرى بأعلى جودة داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى أن 10% من العمالة الموجودة في المشروع حتى الآن عماله مصرية.
أما الفائدة الأهم والأكبر فهي استعادة مصر لمكانتها ودورها التنموي وتأثيرها داخل القارة الأفريقية، ليكون ذلك امتدادًا للنجاحات المصرية التي يتم تحقيقها في مختلف المجالات على الصعيد الأفريقي، ويبعث برسالة تأكيد واضحة للعالم على أن القاهرة ليست ضد قيام أي دولة أفريقية ببناء سدود وتحقيق التنمية الاقتصادية لشعوبها، بل بالعكس تقف مصر إلى جانب الدول الأفريقية وتدعمها لتحقيق تنميتها من خلال تنفيذ مشروعات تنموية مشتركة، ولكن دون الإضرار بمصالح دول أخرى.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



