
د.محمد شادي يكتب : رسائل “السيسي” خلال افتتاح “الأسمرات 3 “
افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي أول أمس الأحد عددا من المشروعات القومية أهمها المرحلة الثالثة من حي الأسمرات، وجاء ذلك ضمن مؤتمر وجهت خلاله المجموعة الاقتصادية من وزراء الحكومة كشف حساب للرئيس والمواطنين عما اتخذوه خلال فترة الإصلاح الاقتصادي، وما تم حتى الآن خلال جائحة كورونا، بالإضافة إلى ما تنتوي الحكومة تقديمه من مبادرات لاستعادة زخم النمو بمُعدلات ما قبل الجائحة.
نخصص هذا المقال لتسليط الضوء على ما تضمنه المؤتمر من رسائل وجهه الرئيس والحكومة بشكل مباشر وغير مُباشر للمواطنين.
*- انتهاء عصر الفساد المسكوت عنه: تمثل ذلك فيما تضمنه خطاب الرئيس من تصميم على فتح بعض من أعقد ملفات الفساد المُسكوت عنه، ومن بين أهمها في الفترة السابقة التصدي لظاهرة الاعتداء على أملاك الدولة العقارية، والتي مازالت مُستمرة حتى وقتنا هذا وتُطلعنا وزارة التنمية المحلية بشكل شبه دوري بنتائج حملتها الموسعة لإزالة المُخالفات ضمن هذا الملف واسترداد ما تم اغتصابه منها. ويُعتبر ما أعلنه الرئيس خلال المؤتمر من التصدي للبناء العشوائي غير المدروس، أو حتى المُرخص دون دراسة امتداد لها، حيث يصُب كلا الإجراءين في اتجاه السيطرة على الفساد المُجتمعي والحكومي المُنتشر في أدنى درجات السلم الوظيفي وبين عموم طبقات الشعب مما أدى إلى التسامح مع الفساد ورعايته على المستوي الشعبي.
*-انحياز لصالح المواطن: أكد الرئيس خلال كلمته على أن ما أتخذ من إجراءات وما سيجري اتخاذه إنما هو في الأساس لصالح المواطن، رغم ما قد يبدو من أن الإجراءات المُتخذة شديدة الصعوبة وفي غاية التعنت، وبالأخص عندما قال “مش جبروت يعني” واصفًا قرارات الحكومة بعدما منح تراخيص بناء في بعض مناطق القاهرة القديمة، أو تقليص عدد طوابق المباني في بعض المناطق من ستة إلى اثنين بحد أقصى، ومُبررًا ذلك بأنه لم يُعد هناك مجال للعشوائية أو النمو غير الموجهة في الكتلة السُكانية، وذلك بما يوفر للمواطنين في النهاية حد أدنى من مقومات الحياة السليمة.
*- الدولة فاقت: مرر الرئيس رسالة أخرى في غاية الأهمية تمثلت في أن أجهزة الدولة ستعمل بكامل طاقتها لتنفيذ القانون فرضه على الجميع سواسية وفي شتى نواحي الحياة، ومثل على ذلك بجراجات العمارات السكنية، حيث يصدر الترخيص بوجوب تضمن المبنى جراج لاستيعاب سيارات السُكان بما يضمن عدم صفها بالشارع، لكن ما يحدُث فعليًا عكس ذلك، حيث يقوم المالك بإغلاق الجراج واستغلاله بطُرق أخري كمخزن أو غيره، وحذر الرئيس من أن الدولة ستتجه إلى مُصادرة الجراجات غير العاملة وإسنادها إلى غير المُلاك بما يجعلها تُنفذ الغرض الأساسي من إنشائها.
*- حكومة يقظة: أهم ما يُمكن استخلاصه من خطاب رئيس الوزراء والمجموعة الاقتصادية هو أن الحكومة كانت يقظة للغاية سواء أثناء تعرض البلاد للجائحة في بداية الجائحة حيث اتخذت من الإجراءات الصحية والاقتصادية التي تلقت على إثرها الإشادة من المواطنين والمنظمات الدولية الاقتصادية، أو في ذروة الجائحة عندما تحولت الإشادة الشعبية إلى غضب مكتوم هاجم الإجراءات الحكومية بالجملة على المستويات، واتضح بعد ذلك -رغم استمرار الجائحة- أن هذه الإجراءات جاءت على قدر كبير من الصحة، خاصة بعدما استطعت الموازنة بقدر كبير بين الاقتصاد والصحة.
*- فوائد برنامج الإصلاح الاقتصادي: بعد مرور عام على نهاية البرنامج وما شهدته الدولة خلال الجائحة، تبين جليًا أثر البرنامج الذي عانى منه المصريين على مدار ثلاث سنوات، واتضح لماذا أصر الرئيس على اتخاذ خطواته الجريئة بتصحيح هيكل الاقتصاد المصري، حيث أظهرت جائحة كورونا مدى صلابته عندما تلقى الصدمة الاقتصادية الناتجة عنه واقفًا على قدميه، فلم تظهر عليه الآثار التي ظهرت على غيره من الاقتصادات الأكثر تقدمًا أو الأكثر غنى، ولذلك قال الرئيس أنه لولا البرنامج “كان زمان وضعنا دلوقت سيئ للغاية”.
*- فرص جديدة للنمو: تبين من خلال عرض وزراء المجموعة الاقتصادية مُراقبة الحكومة للتحولات التي سيُنتجها كورونا في الاقتصاد العالمي، خاصة في سلاسل الإمداد العالمية، واستعدادهم لاستغلالها كُلًا في مجاله، ولعل أبرز ما جاء في هذا السياق هو رفع وزارة التخطيط استثماراتها في مجالات الاتصالات بنحو 300% بحيث تُسرع من تطوير البنية التحتية بما يوافق ما خلقه الفيروس من فرص جديدة في ظل بيئة العمل الجديدة المُتوقعة بعده.
*- مُبادرات جديدة لدفع النمو: تضمن المؤتمر كما سبق طرح الحكومة عدد من المُبادرات التي تهدف إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي في عدد من القطاعات لعل أهمها القطاع العقاري والسلع المُعمرة بالإضافة إلى صناعة السيارات والصناعات المُغذية لها، بما يُساهم في دفع مُعدلات النمو المُستند أساسًا على الاستهلاك، ومن بين أهم هذه المُبادرات صندوق تحفيز الاستهلاك، صندوق استبدال السيارات المُتقادمة، مُبادرة تسيير السيارات بالغاز الطبيعي، وغيرها…
ولعل أهم ما تضمنه المؤتمر من رسائل هو الاستمرار في التركيز على الاقتصاد المصري رغم ما يواجه الدولة من تحديات خارجية تمُس بشكل مُباشر أمنه القومي، فقد أوضح الرئيس والحكومة بما لا يدع مجالًا للشك أن للدولة عين على هذه التحديات وعين على الاقتصاد المصري الذي يُمثل أحد أهم مكونات القوة الشاملة للدولة.