ليبيا

“النفط والميليشيات”… ملفات الربع ساعة الأخيرة قبل عودة المعارك في ليبيا

على الرغم من أن كافة المؤشرات الميدانية، تؤكد أن الأيام القليلة المقبلة، قد تشهد تصعيداً عسكرياً كبيراً في ليبيا، مترافق مع جمود مستمر للمسارات السياسية، وفشل لكافة المحاولات الإقليمية والدولية، من أجل إثناء تركيا عن توجهها التصعيدي، وإطلاق عملية سياسية، باتت معظم القوى الإقليمية والدولية، ترى أن إعلان القاهرة يمثل أرضية أساسية وواقعية لها. 

رغم هذا الواقع، إلا أن ملفين أساسيين من الملفات الليبية، وهما ملف الميليشيات وملف النفط، شهدا تطورات هامة خلال الأيام القليلة الماضية، نستطيع من خلالها التكهن بتوجهات بعض الأطراف الدولية، في ما يتعلق بالملف الليبي، خلال المدى المنظور.

ملف النفط .. اهتمام أمريكي واضح

أبدت الولايات المتحدة الأمريكية، منتصف الشهر الماضي، اهتماما واضحاً بملفي النفط والميليشيات، وهما ملفان تمت مناقشتهما بشكل متواز، خلال أربعة اجتماعات تمت منذ أواخر الشهر الماضي وحتى الآن، حظي ملف النفط منها باجتماعين اثنين، الأول تم في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، في مدينة زوارة غربي العاصمة، وضم كل من  السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند، وقائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا الجنرال ستيفين تاونسند، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، ووزير داخليته فتحي باشاغا. الاجتماع الثاني تم في الأول من الشهر الجاري، افتراضيا عبر الأنترنت، بين ممثلين عن الحكومة الأمريكية والجيش الوطني الليبي.

وضم الاجتماع من الجانب الأمريكي، المدير الأول في مجلس الأمن القومي اللواء ميغيل كوريا، ونائب مساعد وزير الخارجية هنري ووستر، وسفير الولايات المتحدة في ليبيا ريتشارد نورلاند. ومثل الجيش الوطني الليبي في هذا الاجتماع، رئيس هيئة القيادة والسيطرة العميد عون الفرجاني، والأمين العام للجيش عبد الكريم هدية، ومدير مكتب القائد العام للجيش خيرى التميمي.

كان واضحاً بشكل كبير خلال هذه الاجتماعات، حرص واشنطن الواضح على إعادة فتح الحقول والموانئ النفطية الليبية، رغم علمها بصعوبة هذا نتيجة للأوضاع الحالية، وهذا يمكن قراءته على أنه أستهداف لدور القبائل ومن خلفها الجيش الوطني، الذين تمكنوا من إيقاف عملية واسعة لاستغلال العوائد النفطية، من أجل تمويل الحملة العسكرية التركية في ليبيا، والتي تشمل أيضاً تكاليف إستقدام وإعاشة أكثر من 16 ألف مرتزق سوري، وكذا عمليات أكثر (فجاجة) لدعم الإقتصاد التركي، قامت خلالها حكومة الوفاق، بدعم الصناعات العسكرية التركية، بملايين الدولارات منذ أواخر عام 2018، ثم تطور هذا الدعم ليصبح دعماً مستمراً للأقتصاد التركي، حصلت من خلاله أنقرة على أكثر من 31 مليار دولار، مقسمة ما بين تعويضات عن المشاريع التركية المتوقفة في ليبيا، وفوائد ديون غير مسددة، وغرامات حكم بها القضاء التركي، نتيجة لعدم تنفيذ التعاقدات التي تم الاتفاق عليها سابقاً، بين تركيا وليبيا، في الفترة ما قبل عام 2011. وقد كانت أخر فصول دعم حكومة الوفاق لتركيا، هو تحويل ودائع ليبية في أوروبا، تبلغ قيمتها ثمانية مليارات دولار، إلى البنك المركزي التركي، من أجل دعم الليرة التركية، بدون فائدة، ولمدة أربعة سنوات كاملة، وكافة هذه المبالغ هي من أموال الشعب الليبي، وهي أرباحه من عمليات بيع النفط وتصديره خلال السنوات الماضية.

الضغط الأمريكي في هذا الملف، أسفر عن قبول القبائل الليبية والجيش الوطني، بدخول الناقلة (كيرتي باستيون)، التي تحمل العلم الليبيري، إلى ميناء السدرة النفطي، وتحميلها بنحو 600 ألف برميل، لتصبح الناقلة الأولى التي تقوم بهذا، منذ أيقاف القبائل لعمليات ضخ وتصدير النفط، أواخر فبراير الماضي. عقب هذا أصدرت الولايات المتحدة وإيطاليا، بيانات مرحبة بهذه الخطوة، التي تزامنت مع رفع المؤسسة الوطنية للنفط، المنضوية تحت لواء حكومة الوفاق، لحالة القوة القاهرة، التي كانت قد أعلنت عنها، عقب أيقاف القبائل لعمليات ضخ وتصدير النفط. وهنا تولد شعور لدى الولايات المتحدة، أن ملف النفط في ليبيا قد تم حله، الا أن الواقع كان معاكساً تماماً لهذا الشعور.

فقد أصدر الجيش الوطني الليبي، بياناً مصوراً، أكد فيه على أستمرار إغلاق كافة الحقول والموانئ النفطية، إلى حين تحقيق كامل مطالب القطاعات الشعبية والقبائلية الليبية، والتي تتلخص في فتح حساب مستقل في أحدى الدول، يتم فيه إيداع كافة العوائد المادية الناتجة عن تصدير النفط، ومن ثم يتم تحت إشراف دولي، توزيع هذه العوائد بشكل عادل على كافة القطاعات والمناطق الليبية، بحيث يتم ضمان استفادتهم منها، وحرمان الميليشيات والمرتزقة من الحصول على أية مبالغ منها، كما تضمنت هذه المطالب، التدقيق في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط، بحيث يتم تحديد كيفية استغلال العوائد النفطية خلال السنوات الماضية، وأوجه أنفاقها، وقد أشار البيان إلى أن تحميل ناقلة النفط الليبيرية في ميناء السدرة، جاء بشكل استثنائي، استجابة لأطراف دولية، طلبت السماح بتحميل هذه الشحنة النفطية، التي كان قد تم التعاقد عليها، في وقت سابق، قبيل قرار القبائل الليبية بإغلاق الموانئ النفطية. موقف الجيش الوطني جاء متوافقاً مع موقف المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الذي كان قد التقى هذا الشهر في جنيف، مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، وناقش معها بشكل مفصل، مطالب القبائل وشروطها لإعادة ضخ النفط، وهي مطالب لم تستجب لها الولايات المتحدة ولا حكومة الوفاق حتى الآن.

إعلان الجيش الوطني الليبي عن موقفه هذا، دفع السفارة الأمريكية في طرابلس، إلى إصدار بيان غير متوازن، ولافت في لهجته ومضمونه، هاجمت فيه الجيش الوطني، واتهمت أطراف خارجية لم تسمها، بعرقلة إعادة فتح الموانئ النفطية، كما أعادت الحديث فيه مرة أخرى عن عناصر (فاجنر)، الذي تتهمهم بالتمركز في الحقول النفطية وسط وجنوب البلاد. اللافت في هذا البيان، هو ذكره لمعضلة التلاعبات المالية والإدارية في العوائد النفطية، التي كانت تودع في حسابات البنك المركزي الليبي، وهي معضلة لم تقدم واشنطن لها حلاً واضحاً، يسمح بإعادة فتح التصدير مرة اخرى، دون الخشية من وصول عوائد التصدير إلى غير مستحقيها.

الرد على بيان السفارة، جاء من كل من وزارة الخارجية في الحكومة الليبية في طبرق، والشيخ السنوسي الحليق نائب رئيس مجلس مشايخ وأعيان ليبيا. وزارة الخارجية أصدرت بياناً مطولاً، أكدت فيها على أنه ترحب بإعادة تصدير النفط، لكن في حالة الإستجابة لمطالب الشعب والقبائل، وأبرزت في هذا البيان، الإدارة الغير مسئولة من جانب حكومة الوفاق، للعوائد النفطية. الشيخ السنوسي الحليق، قال في تصريحات صحفية، أن إغلاق آبار وموانئ النفط مازال مستمراً، وأن ما تم تصديره على متن السفينة الليبيرية، هو نفط كان مخزناً في خزانات ميناء السدرة منذ فترة، وأكد الحليق على مطالب القبائل، وهي إيداع اية مبالغ نقدية متحصلة من تصدير النفط، في حساب مستقل تحت إشراف دولي، ومن ثم يتم إنفاقها على الاحتياجات الأساسية للشعب الليبي، مثل المرتبات والسلع التموينية والدواء والمشتقات النفطية، وأنتقد الحليق أيضاً بعض البنود (المبهمة)، في الميزانية الحالية لحكومة الوفاق، مثل بند (التنمية)، الذي تم من خلالها أنفاق أكثر من مليار دولار من متحصلات تصدير النفط هذا العام، دون أن تتضح بصورة وافية أوجه أنفاق هذا المبلغ.

ملف ميليشيات غرب ليبيا … محاولة التفافية جديدة

الملف الثاني الذي ركزت عليه واشنطن خلال الأسابيع الماضية، هو ملف الميليشيات، وقد تناولته في الاجتماعين السالف ذكرهما، بجانب اجتماع آخر تم عن طريق الأنترنت، في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، مثل الولايات المتحدة فيه المدير الأول لمجلس الأمن القومي اللواء ميغيل كوريا، ونائب مساعد وزير الخارجية هنري ووستر، ونائب مدير القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) العميد ستيفن ديميليانو، والسفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند، ومثل حكومة الوفاق في هذا الاجتماع كل من، وزير الداخلية فتحي باشاغا، وعدد من قيادات وزارته، منهم وكيل الوزارة للشؤون الأمنية العميد محمد المديغي، ومدير الإنتربول العميد عبد الحميد الغزالي، ومدير التعاون الأمني ​​العميد علي النواصري، ومدير الإدارة المركزية العميد محمود فتح الله، ومدير إدارة التدريب العميد فتحي عون، ورئيس هيئة التحقيق الجنائي العميد محمود عاشور.

تلا هذا الاجتماع، اجتماع آخر تم عبر الأنترنت، في الثاني عشر من الشهر الجاري، وترأسته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، وشاركت فيه نفس الشخصيات التي شاركت في اجتماع الرابع والعشرين من الشهر الماضي، وقد تم هذا الاجتماع تحت عنوان (إصلاح قطاع الأمن، ونزع السلاح، وإعادة الدمج).

تم في كافة هذه الاجتماعات، خاصة اجتماع الرابع والعشرين من الشهر الماضي، تجديد الحديث حول مستقبل الميليشيات الموجودة حالياً في المنطقة الغربية، وإحياء فكرة (الحرس الوطني)، وهي فكرة طرحتها قطر سابقاً على المستشار مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والذي رفضها حينها نظراً لأنها تسمح بتواجد عناصر متطرفة ضمن تشكيلات الدولة، وقد رفضت كافة الحكومات الليبية المتلاحقة، تطبيق هذه الفكرة، إلى أن أقرتها حكومة خليفة الغويل المؤقتة في مارس 2015، الا أن تطبيقها كان كارثياً، نظراً لأن الحرس الوطني تحول نتيجة لتشكيله من فصائل معينة، إلى قوة لتصفية الحسابات السياسية والمناطقية.

واشنطن بدأت في محاول إحياء هذه الفكرة، في يناير الماضي، لأنها تتيح انهاء (شكلياً) لوجود الميليشيات في الغرب الليبي، وفي نفس الوقت تضمن لواشنطن سيطرة معينة على هذه الميليشيات، التي يغرد بعضها خارج السيطرة الأمريكية منذ فترة طويلة. لتحقيق ذلك،  تمت مناقشة هذا الملف خلال اجتماع عقدته السفارة الأمريكية في طرابلس، في الثالث من يناير الماضي، مع ممثلين عن حكومة الوفاق، تلاه عدة اجتماعات تمت خلال مارس الماضي، بين مسئولي السفارة وممثلي الوفاق، منها اجتماع بين السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نولاند، وعضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، واجتماع أخر جمع بين القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى ليبيا، جوشوا هاريس، وبين وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، ومستشاره للأمن القومي، تاج الدين الرزاقي، وكان المحور الأساسي لهذه اللقاءات هو (تقليص دور المليشيات كجزء من بناء قوات أمنية شرعية).

المعلومات المتوفرة تشير إلى حدوث اتفاق ما بين حكومة الوفاق والولايات المتحدة، على تفعيل الأولى لقوة (الحرس الوطني)، حيث تم بالفعل إرسال مشروع القانون الخاص بهذه القوة، من رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق، إلى رئيس المجلس الرئاسي للحكومة فايز السراج، وقد تم إرفاق هذه الخطوة بخطوات أخرى، منها بعض الخطوات الشكلية التي قام بها وزير الداخلية فتحي باشاغا، مثل طلبه من وزير المواصلات، عدم إعطاء أية تصاريح لهبوط أو أقلاع الطائرات الخاصة أو الرحلات الجوية الاعتيادية، إلا بعد الرجوع إلى وزارة الداخلية، (وهي خطوة دعائية، نظراً لأن عمليات نقل المرتزقة السوريين، تتم منذ أشهر تحت بصر باشاغا، عبر المطارات والطيران الليبيين). كذلك بدأت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، في حصر مجموعات المرتزقة المتواجدة غرب البلاد، من أجل أختيار أعداد منهم، لتجنيسهم ومنحهم الجنسية الليبية، تمهيداً لضمهم إلى قوة (الحرس الوطني)، لتفادي ترحيلهم، في حالة ما اذا دعت الظروف او التفاهمات، إلى إعادة المرتزقة السوريين إلى بلادهم. 

رئيس الأركان العامة الأسبق يوسف المنقوش، ألقى مزيد من الضوء على الأهداف الحقيقية من وراء تشكل قوة الحرس الوطني، حيث أشار في تصريحات صحفية، أن تشكيل هذه القوة هو أشبه بعملية إعادة تدوير للميليشيات، حيث قال “لن يتم تفكيك القوات المساندة، بل ستتم إعادة هيكلتها، وضمها للقوة الجديدة”، وأشار المنقوش إلى أن الأنتشار والسيطرة على الموانئ والحقول النفطية، سيكون من أهم مهام هذه القوة. 

بهذا يتضح أن تشكيل القوة الجديدة، هو غطاء لتغلغل الميليشيات والمرتزقة السوريين في نسيج القوات التابعة للوفاق، وتجنيبهم أي إلغاء أو إقصاء، وكذا أستخدامهم في المعارك المقبلة، بشكل يظهروا فيه بمظهر شرعي وقانوني، يختلف عن وضعهم الحالي كميليشيات ووحدات غير نظامية وغير قانونية، وهذا أتضح أكثر مؤخراً، بعد ظهور تشكيلات عسكرية جديدة في العاصمة طرابلس، منها (الكتيبة 166)، التي تبين أنها في الحقيقة ميليشيا (ثوار طرابلس)، لكن تم إعادة تشكيلها تحت أسم جديد، وضمها مجدداً إلى رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق، ويضاف إلى ذلك نقطة أخرى بالغة الأهمية، وهي الأشراف التركي المباشر على تشكيل بعض غرف العمليات التابعة لحكومة الوفاق، مثل (غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية)، وهي غرفة مشكلة حديثاً، تحظى برعاية ودعم تركي مباشر، ويظهر بوضوح في شعارها، الدرون التركي الصنع (بيرقدار)، وهي إشارة تحمل ملامح واضحة، تؤشر إلى تجربة جديدة، تماثل تجربة الفصائل المسلحة التي أشرفت تركيا على تأسيسها شمال وشمال شرق سوريا.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى