
الجارديان.. وسط حالة الرفض العالمي للعنصرية لابد من النظر إلى “الرق المعاصر” في ملاعب كأس العالم بقطر
عرض داليا يسري
تحت عنوان “في الوقت الذي حثت فيه الفيفا على اتخاذ إجراءات لأجل دعم عدم المساواة. ما تبحث عنه قطر في 2022 خلال هذه الأيام؟”، نشرت صحيفة الجارديان مقالًا للكاتب بارني روني، أوضح من خلاله أن بناء الملاعب التي يتم اعدادها لكأس العالم، قد حصد آلاف الأرواح. واستهل الكاتب مقاله بطرح تساؤل حول هل يجب علينا أن نجلس في هذه الساحات التي تم بناؤها على الأرواح لأجل مشاهدة مباريات كرة القدم؟!
ولفت الكاتب الى تصريحات اللاعب الإنجليزي رحيم سترلينج خلال هذا الأسبوع بشأن الاحتجاجات ضد العنصرية، والتي أوضح من خلالها ان العنصرية هي المرض الوحيد الذي نحاربه في هذا العصر. كما ركز الكاتب على ما قاله سترلينج بشأن الحاجة الى عمل تغييرات تدريجية في هياكل السلطة بهيئات كرة القدم من أجل محاربة التحيز العنصري.
يقول “بارني” أنه ربما لا توجد هناك أدنى مقارنة بين معدل انتشار فيروس كوفيد-19 ومعدلات انتشار العنصرية في عقول البشر. ولكنه أوضح في نفس الوقت، أن التشابه الذي يجمع بين وجود وباء كوفيد والعنصرية هو أن هناك عدد لا بأس به من البشر لا يزال متشككًا بشأن وجود كليهما؛ ظنًا منهم أن الوباء والعنصرية كلاهما مزيفان ولا وجود فعليًا لهما.
كما لفت “بارني” النظر إلى أن الاحتجاجات ضد العنصرية قد ركزت في الوقت الراهن على الرموز القمعية البارزة بوضوح شديد، وتحديدًا ركزت على التماثيل. في لفتة تسببت في حدوث تراجع لدى هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم فجأة متلهفين للعودة إلى الوراء واعتناق ثقافة التجار المتجولين عبر البحار خلال القرن الثامن عشر.
ويرى الكاتب أنه من الواضح أن تماثيل أفراد الطبقات الحاكمة قد صنعت خصيصًا حتى يتم الإطاحة بها وإسقاطها في نهاية المطاف. ويطرح تساؤلًا حول إلى متى سوف يظل من المحتم علينا أن نستمر في تبجيل شخص ما على أي حال؟! وعليه، يعتقد الكاتب أن سحب التمثال الذي يحتفي بشخصية تاجر الرقيق يمثل خطوة مبشرة تجاه التعامل بالمثل مع نماذج لشخصيات على غرار ديكنز وتشرشل. ويشير الى أن خطوات مثل هذه سوف تسهل الاعتراف بأن هناك بعض الأشياء والرموز يمكن أن ننعتها بلفظة –سيئة- بكل بساطة.
كما يعتقد الكاتب أن الاحتفاظ بهذه الرموز وتبجيلها يعد بمثابة دلالة بارزة على نوع آخر من الاستعباد، الذي يتمثل في أن يتم النظر الى أحد الأشخاص باعتباره شيئًا أسمى من هيئة البشر. ويضيف على ذلك، أنه من غير المنطقي أن يقوم أشخاص موجودون على قيد الحياة في الوقت الراهن بتقديم الاعتذار على ما فعلوه هؤلاء منذ مئات السنوات السابقة. على الرغم من ذلك، يوضح الكاتب، أنه من المهم للغاية أن نفهم كيف يُعد التحيز العنصري جزءًا لا يتجزأ من الاحتفاظ بهذه النماذج. مشيرًا إلى أن هذه النماذج تمتلك صدى صوت يمكن للآذان أن تظل تسمعه حتى الوقت الحالي، وهذا الصوت يمكن التخلص منه بمجرد أن يتم التخلص من كل ذكرى لكلماته وصوره وتماثيله التي تساهم بشكل كبير في تعزيز ونشر المفاهيم الخاصة لهذا الشخص الذي عاش منذ مئات السنوات.
ومرة أخرى يعود الكاتب، ليتناول الحديث عن التداخل الكبير الذي يجري في الوقت الراهن بين كرة القدم باعتبارها اللعبة التي تمثل القوة والثقافة الشعبية السائدة وبين العنصرية والتحيزات العرقية. ويقتبس من كلمات ستيرلنج ما يبرهن على أن اللعبة لها قواعدها الخاصة ونوافذها المضيئة ومنصاتها القوية.
ينتقد “بارني” التناقض في التصرفات، بين النداءات المتكررة والقادمة من قِبَل كل مكتب تنفيذي من مكاتب كرة القدم والتي تطالب بضرورة أن نأخذ في الاعتبار عدم المساواة في المجتمع. وبين حقيقة ما تقوم قطر بفعله أثناء الاستعدادات الخاصة بمونديال قطر 2022 خلال الفترة الراهنة؟!
يقول الكاتب أن ما تفعله قطر في الوقت الراهن إزاء العمالة المخصصة لبناء الملاعب الجديدة، يمكن أن يطلق عليه “الرق المعاصر”، والذي في الكثير من الأحيان يمكن وصفه بأنه يشبه سجون عملاقة للعمال. كما يسترسل الكاتب، مشيرًا إلى أن المقاعد الجميلة المخصصة لاستضافة كأس العالم، وأنظمة الصوت والضوء الخلابة، تشيد بكفاءة قوة العمالة البنغالية والنيبالية والهندية المستعبدة في قطر. من هؤلاء اللذين تم تكريسهم لأجل تنفيذ هذه الاسقاطات الواسعة النطاق للسلطة المفرطة.
يشير الكاتب الى أن الأرقام الرسمية التي تفصح عنها السلطات، توضح عكس كل ما سبق. لكن شهود العيان من هؤلاء الذين يراقبون الأوضاع على الأرض، يؤكدون وقوع آلاف القتلى على طول رحلة بناء الاستعدادات والتجهيزات الخاصة بالفيفا 2022. ومرة أخرى يطرح الكاتب نفس التساؤل، هل هذه هي المقاعد التي يجب أن نجلس عليها لأجل مشاهدة مباريات فيفا 2022؟!
أما فيما يتعلق بالحديث عن القوانين التي أدرجتها السلطات القطرية بالعام الماضي لتقليص نظام العمل بـ “الكفالة”، والذي يعني أن يرتبط العامل بشكل أساسي برب عمله بالشكل الذي يحول دون السماح له بالبحث عن عمل ورب عمل بديل مما يضطرهم في نهاية المطاف للاختيار بين البقاء في ظل الأوضاع غير العادلة أو المريحة او الرحيل. يُعلق الكاتب قائلاً، إن هذه الإصلاحات الجديدة لا يمكن وصفها سوى بكلمة “سطحية”. ويلفت الانتباه الى ما كشفته منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع، حول حقيقة أن العمال المهاجرين لم يحصلوا على أي أجر من إحدى الشركات القطرية الخاصة نظير قيامهم بالعمل على بناء الاستاد الرياضي لفترة وصلت الى سبعة أشهر! كما أنها منعتهم من مغادرة العمل أو مغادرة الوظيفة!
يرى الكاتب أن المفارقة بين المشهد الرائع الذي تبدو عليه الاستعدادات والمغزى الحقيقي وراء لعبة كرة القدم، وبين الطريقة القسرية التي تم من خلالها بناء هذه التجهيزات، تعد بمثابة صورة غريبة للغاية تظهر بوضوح عجز لعبة “كرة القدم” عما بمقدورها أن تفعله بشأن القمع والظلم.
يقول الكاتب إنه يتوقع أن تقوم النخبة القطرية بإصدار الاعتذارات المغمورة بالدموع عبر موقع انستجرام، وأن تتحرك ببطء نحو تطبيق المزيد من الإصلاحات، مؤكدًا اتفاقه مع اللاعب سترلينج عندما قال إن هناك مشكلات هيكلية في بنية لعبة كرة القدم يجب أن يتم هدمها على الفور، ولكنه في الوقت نفسه يرى أن سترلينج باعتباره لاعب كرة قدم لا يزال عالقًا في منتصف كل هذه المشكلات، لأنه ببساطة لا يزال عالقًا في شبكات اللعبة الاستغلالية وغير المنصفة.
باحث أول بالمرصد المصري