أسواق وقضايا الطاقة

“كورونا” ليس سببا وحيدا.. خفض تاريخي لإنتاج النفط

اتفق تحالف “أوبك+”، الذي يضم أعضاء أوبك وعددا من المنتجين المستقلين وعلى رأسهم روسيا  أمس على خفض غير مسبوق للإنتاج بما يعادل نحو 10% من المعروض العالمي، بنحو 9.7 مليون برميل يوميا، لدعم أسعار النفط المتهاوية وإعادة التوازن مرة أخرى لأسواق النفط في ظل تفشي فيروس كورونا عالميا.

وتضمن الاتفاق أنه خلال مدة الستة أشهر القادمة، بداية من 1 يوليو 2020 إلى 31 ديسمبر 2020، سيكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو 8.0 مليون برميل يوميا. ويتبع ذلك تخفيض قدره 6.0 مليون برميل يوميا لمدة ستة عشر شهراً تبدأ من 1 يناير 2021 وحتى 30 أبريل 2022.

 ويوضح الرسم البياني التالي مدى التذبذب والانخفاض في أسعار خام برنت خلال الشهر الماضي:

أسعار خام برنت خلال شهر

ولم تكن الآثار الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا عالميا وحدها العامل الأساسي لانخفاض أسعار النفط خلال الفترة الماضية، بل إن هناك عديدا من العوامل التي جاءت على النحو التالي:

أولا: الحرب التجارية بين أمريكا والصين:

تخوض الولايات المتحدة الأمريكية حرباً اقتصادية مع أكثر من دولة تتمثل في الاتحاد الأوروبي، المكسيك، اليابان لكن على رأس هؤلاء توجد الصين؛ حيث أنه وبعد مرور ما يقرب من عامين على انطلاق الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي انطلقت أولى شراراتها يناير 2018، حينما أعلن “ترامب” فرض رسوم وضرائب بقيمة 25 % على 818 منتجا صينيا مستوردا بقيمة 34 مليار دولار؛ ما نتج عنه رد الصين في اليوم نفسه بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على 545 سلعة أمريكية المنشأ بقيمة 34 مليار دولار.

واستمرت المعارك التجارية بين الطرفين خلال العامين الماضيين، وشهدت مراحل من التصعيد والإعلان عن فشل المفاوضات البينية، والتهدئة إلى أن اتفق الطرفان على عقد هدنة وذلك قبل تفشي فيروس كورونا عالميا. ومع مطلع العام الجاري، أعلن “ترامب” توقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري مع الصين، في 15 يناير الماضي.

وأدت هذه الحرب التجارية المتبادلة إلى تباطؤ معدلات التجارة العالمية وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بسبب انخفاض الطلب على البضائع المصنعة التي تحتاج إلى الطاقة المولدة من النفط والغاز أساسا لإنتاجها، الأمر الذي أدى بدوره إلى خفض أسعار الطاقة بسبب انخفاض الطلب عليها، وقد أدى ذلك إلى انخفاض أسعار النفط بالفعل عالميا.

ثانيا: فشل مفاوضات “أوبك+” في مارس الماضي:

فشل تحالف “أوبك+”، في التوصل لاتفاق لتعميق خفض الإنتاج خلال مارس الماضي، حيث دار خلاف بين أطراف التحالف حول ما إذا كانت هذه الخطوة فعالة على نحو سوف يؤدي إلى استقرار أسواق النفط أم لا، حيث اعترضت روسيا على تعميق خفض إمدادات النفط الخام بنحو 1.5 مليون برميل إضافية، وهو ما كان سيجعل مجموع الخفض 3.6 ملايين برميل يوميًّا، وهي خطوة ربما تعتبرها موسكو ستصب في صالح منتجي النفط في الولايات المتحدة الذين زادوا من حصتهم السوقية العالمية بنحو 4 ملايين برميل منذ عام 2016، ناهيك عن تشديد الإدارة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على مشاريع النفط والغاز الروسي.

وما كان من السعودية وغيرها من أعضاء أوبك عقب فشل اتفاق “أوبك+”، إلا أن عدلوا خططهم للإنتاج وقرروا زيادات غير مسبوقة في الإمدادات بدايةً من شهر أبريل الجاري قبل القرار الجديد. وفي ضوء ذلك، جاءت الكثير من التوقعات على انخفاض أسعار النفط عالميا، لما يشهده سوق النفط من فائض قياسي، بالتوازي مع انخفاض الطلب عليه.

ثالثا: تبعات فيروس كورونا على قطاع الطاقة عالميا:

تباطؤ الطلب العالمي

مع تفشي فيروس كورونا المستجد عالميا، انخفض الطلب على النفط في ظل فائض سوقي كبير، ولأن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم. فـمع ضرب فيروس كورونا للتصنيع والسياحة، توقعت وكالة الطاقة الدولية IEA” أول انخفاض في الطلب العالمي على النفط منذ عقد كامل، حيث تأثر الطلب العالمي على النفط بشدة لإغلاق العديد من الشركات الصينية، مع توقعات باستمرار انخفاض الطلب بمقدار 435000 برميل على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2020.

بالإضافة إلى ضعف نمو تجارة السلع العالمية أوائل 2020 مع تفشي الفيروس، وبالتالي تأثر أنشطة الشركات عالميا من الإغلاقات الناجمة عن تفشي الفيروس كورونا؛ مما يؤثر على سلاسل التوريد العالمية، وبالتالي استمرار انخفاض الطلب على النفط مما زاد من احتمالية استمرار انخفاض الأسعار عالميا، مع زيادة المعروض العالمي كما ذكرنا من قبل.

تراجع عائدات الصادرات لدول الخليج وخاصة السعودية

تعتمد الكثير من الدول العربية على النفط في تحقيق إيراداتها المالية الرئيسية. ويبرز الاعتماد الأساسي على النفط في دول كالسعودية والكويت والإمارات والعراق والجزائر.

وتعد الصين المستورد الأول للنفط الخليجي تليها اليابان والهند وكوريا الجنوبية. وبالتالي مع تفشي الفيروس ومع توسع رقعة انتشاره توقفت عجلة الانتاج في آلاف الشركات والمؤسسات الصينية بشكل جزئي أوكلي، ما نتج عنه انخفاض أسعار النفط، وبالتالي يشكل ذلك خطرا على  إيرادات دول الخليج وخاصة السعودية والتي تعاني أيضا من استنزاف احتياطاتها المالية في الخارج بشكل متسارع منذ التراجع الدرامتيكي الأخير لأسعار النفط عام 2014، وبالتالي تعد السعودية من أهم الدول المستفيدة من تحسن أسعار النفط الوقت الحالي.

تضرر شركات النفط الصخري في أمريكا

واجه معظم منتجي النفط الصخري في أمريكا أزمة تراجع الطلب العالمي على النفط مع ارتفاع ديونهم لأكثر من 200 مليار دولار، ومنها 40 مليار دولار تستحق هذا العام. مما ترك انخفاض أسعار النفط الفترة الماضية شركات النفط الصخري أمام خيارات محدودة للتعامل مع هذه الأزمة، والتي قد أتى في مقدمتها اتخاذ تدابير سريعة لخفض النفقات الرأسمالية، وتقليص العمالة أو تعليق توزيع أرباح المساهمين بهدف تخفيف الأعباء المالية الواقعة عليها.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى