
الساحل الإفريقي: تدابير متعددة وثغرة “كورونا” الأمنية
استغلت جماعة “بوكو حرام” انشغال الحكومات فى منطقة الساحل الإفريقي فى مجابهة فيروس كورونا المُستجد (كوفيد– 19) وقامت بتنفيذ هجماتها الإرهابية على الجيوش بدولتي تشاد ونيجيريا، وفى الرابع والعشرين من مارس 2020 أعلن الجيش التشادي عن مقتل 92 جنديًا بوحدة للجيش في شبه جزيرة بوما بغرب تشاد بالقرب من بحيرة تشاد، وهي المرة الأولي التى يخسر فيها الجيش التشادي هذا العدد من الجنود، أما فى الخامس والعشرين من مارس 2020 فقُتل ما يزيد عن 70 جنديًا فى ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا، وجاءت هذه الهجمات منفصلة فى كلٍ من تشاد ونيجيريا، وكرد فعل على مقتل 50 من عناصر الجماعة فى وقت سابق فى سلسة من العمليات الأمنية بين الجيش النيجيري وجماعة “بوكو حرام”.
جهود حكومات الساحل الإفريقي لمُجابهة فيروس “كورونا”
أولاً: نيجيريا
نُقل فيروس “كورونا” إلى دولة نيجيريا في 25 فبراير 2020، من قِبل مهندس إيطالي سافر من ميلانو (المركز الأوروبي لتفشي الفيروس) عبر إسطنبول من خلال الخطوط الجوية التركية إلى لاجوس وبقاءه ليلة في فندق بمدينة لاجوس، ثم انتقل إلى مكان عمله، وهو مصنع أسمنت في ولاية أوجون بنيجيريا. وعليه, تحركت السلطات النيجيرية بسرعة لحجره وتعقب جميع أولئك الذين اتصل بهم، بما في ذلك 156 من ركاب الخطوط الجوية، وتم وضع إجراءات الفحص المختبرى في موانئ الدخول، كما تم حشد جميع أدوات الحكومة لمواجهة فيروس كورونا المُستجد، والذي أصبح الآن حالة طوارئ صحية وأزمة اقتصادية عالمية من خلال اعتماد استراتيجيات مستخدمة عالميًا وتصميم برامج للتنفيذ لتعكس الواقع المحلي في خطوتين؛ حماية المواطنين والحفاظ على سُبل عيش العمال وأصحاب الأعمال، واتخاذ تدابير الرعاية الصحية وأمن الحدود والسياسات المالية والنقدية.
وأهم ما قامت به الحكومة النيجيرية من الإجراءات:
- دور المركز الوطني لمكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها NCDC: قام المركز بتنفيذ العديد من الاستراتيجيات والبرامج في نيجيريا لضمان تقليل التأثير السلبي لفيروس كورونا من خلال الكشف عن انتشار الفيروس، وإنشاء مركز للعمليات للتعزيز الاستعداد على مستوى الولايات، ونشر فرق الاستجابة السريعة الوطنية، وعلاوة على ذلك تدريب العاملين فى مجال الرعاية الصحية على إدارة الحالات المُصابة بالفيروس وطرق الوقاية.
- نظام الإبلاغ عن الفيروس في الوقت المُناسب: من خلال نظام إدارة وتحليل الاستجابة والمراقبة عبر تجميع المعلومات من خلال منصة إلكترونية، وتشغيل مركز اتصال مجاني من قبِل ستة أشخاص للإجابة على التساؤلات والاستفسارات العامة حول الفيروس من خلال وكلاء الاتصال بجميع ال 36 ولاية فى نيجيريا.
- حظر السفر وإغلاق الحدود: قامت الحكومة الفيدرالية فى نيجيريا بفرض حظر السفر بين الولايات كإجراء رقابي، وإغلاق جميع الحدود البرية والجوية وتحديدًا في مدينتي أبوجا ولاجوس، وحظر السفر من وإلى 13 دولة تعاني من كورونا؛ الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الصين، اليابان، إيران، سويسرا، النرويج، هولندا، فرنسا، كوريا الجنوبية، ألمانيا، إيطاليا، وإسبانيا.
- مزيد من التبرعات: جاءت عمليات التبرع من مصادر مختلفة سواء من جانب الحكومة والنواب والأفراد وذلك على النحو التالي:
- مجموعة البنك المتحد لأفريقيا: في السادس والعشرين من مارس 2020 أعلنت المجموعة عن التبرع لمحاربة فيروس كورونا في نيجيريا، من خلال 2,8 مليون دولار لحكومة ولاية لاجوس، 1,4 مليون دولار للعاصمة أبوجا، 2,8 مليون دولار لباقي الولايات الأخرى، حيث يعمل البنك على توفير مواد الإغاثة ومرافق الرعاية الحرجة والدعم المالي ومرافق العناية المركزة وضمان وصول المشورة الطبية بشكل مباشر إلي450,000 مواطن يومياً.
- دعم الحكومة النيجيرية: وافقت الحكومة الفيدرالية على منحة بقيمة 10 مليار دولار لمكافحة فيروس كورونا، وأيضا ًمنح 5 مليارات نايراً لصندوق خاص تابع للمركز الوطنى لمكافحة الأمراض.
- النواب في المجلس التشريعي الأعلى (مجلس الشيوخ): تبرعوا بنسبة 50% من رواتبهم بدايةً من شهر مارس لمكافحة فيروس كورونا، وفي الخامس والعشرين من مارس 2020 قدم نائب رئيس نيجيريا السابق “أتيكو أبو بكر” تبرعًا لصندوق مكافحة فيروس كورونا في البلاد بمبلغ 50 مليون نايرا.
- صمود الجيش النيجيري: قام الجيش النيجيري بنقل المصابين إلى المستشفى وفرض قيود على الحركة لحماية البلاد من فيروس كورونا، كما يؤجر معدات للدفن الجماعي المحتمل، ووفقًا للمذكرة الصادرة عن مقرات الجيش هناك خططًا لحماية تخزين المواد الغذائية الحكومية من السرقة، حيث رأى رئيس أركان الجيش النيجيري أنه من الضروري للجميع اتخاذ تدابير وقائية لضمان سلامة أفراد الجيش، وحسب المذكرة فالجيش يعلق جميع تصاريح الإجازات لجميع الأفراد ويدعوهم إلى أن يكونوا في حالة تأهب أمني قصوى وأن يكونوا مستعدين للانتشار.
ثانيًا: دولة تشاد
في العشرين من مارس 2020 أعلنت الحكومة التشادية عن أول حالة مُصابة بفيروس كورونا، وتعود الحالة لمغربي دخل البلاد قادمًا من دولة الكاميرون، وعليه قامت تشاد بمجموعة من الإجراءات الحاسمة لمجابهة الفيروس التاجي “كوفيد– 19” من خلال إتاحة موارد كبيرة لوسائل الإعلام العامة والخاصة لنشر التوعية على نطاق واسع ضد جائحة الفيروس التاجي، بالإضافة أنشطة المراقبة والتدابير الوقائية، والتي تمثلت في:
- أنشطة المراقبة: فى السابع والعشرين من مارس 2020 تم إطلاق أنشطة لواء المراقبة لرفع مستوى الوعي، ومراقبة تنفيذ الإجراءات التي أصدرتها الحكومة بدقة، وإجبار كل من يعارضها إذا لزم الأمر تحقيقًا لهذه الغاية، ويضاعف نظام لواء المراقبة سلسلة من العمليات التقييدية لتشجيع السكان على تطبيق تدابير وقائية ضد فيروس كورونا، كما تقوم عناصر اللواء بدوريات في المناطق المختلفة، وإجراء فحوصات في قرى معينة على ضفاف نهر لوغوني حيث يعبر الناس بشكل غير قانوني للدخول إلى الأراضي التشادية.
- إجراءات صارمة: فى ظل إجراءات مجابهة كورونا، أرسلت تشاد جنودًا إلى النيجر ونيجيريا في إطار عملية مكافحة جماعة بوكو حرام بعد عملية مقتل جنود من الجيش التشادي، وأطلقت عملية “غضب بوما” من اسم الجزيرة التشادية التي هاجمتها بوكو حرام، وذلك بعد زيارة الرئيس “إدريس ديبى إنتو” إلى المواقع المتقدمة لقوات الدفاع والأمن على حدود بحيرة تشاد، كما أعلن إن إقليمي فولي وكايا منطقة حرب جديدة لمواجهة جماعة “بوكوحرام”.
- دعم من الصين: تبرعت الصين بمجموعات تتكون من أقنعة وكواشف ومواد أكسجين بالإضافة إلى العديد من مواد الحماية الأخرى لجمهورية تشاد لمكافحة الفيروس، وفى السابع والعشرين من مارس 2020 تلقت تشاد حصتها من التبرعات من مؤسسة جاك ما وعلي بابا، وهذا التبرع يتكون من مجموعات الفحص المختبري والأقنعة والبدلات الواقية.
تصعيد الهجمات الإرهابية لجماعة “بوكو حرام”
من منطلق إن خطر الإرهاب لا يقل أهمية عن جائحة فيروس “كورونا” فى الوقت الراهن، ولذا ينبغي ألا يصرف فيروس “كورونا” انتباه حكومات الساحل الإفريقي عن جميع التحديات المُلحة الأخرى وتحديدًا مخاطر التنظيمات الإرهابية التي تواجه المنطقة، وذلك لعدة أسباب:
- فرصة للتصعيد: تنظر جماعة “بوكو حرام” إلى فيروس “كورونا” المُستجد على أنه نافذة من أجل الوصول إلى أهدافها مهما كلفها ذلك من خسائر بشرية، ولم تأبه بما يواجه العالم من أزمة حقيقية، حيث أن الجهاد والقيام بمزيد من العمليات أضمن طريقة لضمان الحماية من الفيروس، والاعتقاد أيضاً بعدم انتقال الفيروس إلى عناصرها بحكم الانغلاق وعدم انخراط أعضائها فى عمليات ميدانية مع المواطنين داخل إقليم الساحل.
- حالة التخوف: تسود حالة من الارتباك في صفوف القوات الأجنبية المتواجدة في الساحل الإفريقي من انتقال الفيروس إليها، ففي الثاني من إبريل 2020 أعلن الجيش الفرنسي إصابة أربعة من جنوده في إطار عملية برخان جراء الإصابة بفيروس كورونا، وعليه تم إجلاء هؤلاء الجنود إلى فرنسا، وهذه أول إصابات يكشف عنها في صفوف القوات الفرنسية بالخارج.
- التمدد الجغرافي: استغلت جماعة “بوكو حرام” حالة التخوف من انتشار فيروس كورونا كفرصة للتمدد والانتشار بالمنطقة، والانتقال من دولة إلى أخري في المنطقة من منطق تكيك إرهابي مُسبق قبل انتقال الفيروس من خلال الاختلاف في طريقة تنفيذ عملياتها بالتركيز على الثكنات العسكرية، حيث صعّدت الجماعة هجماتها في منطقة بحيرة تشاد حيث تلتقي حدود الدول الأربع؛ تشاد ونيجيريا والنيجر والكاميرون.
- أعباء إضافية: وفي ظل مكافحة انتشار وباء كورونا في أفريقيا ستمثل جهود مُكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي عبئًا إضافيًا خلال الفترة المُقبلة، مما قد يؤثر سلبًا على الجهود القارية في هذا الإطار، ومن ثم يتعين توفير دعم دولي لمساندة دول الساحل الأفريقي وقوتها المعنية بمكافحة الإرهاب وذلك للحيلولة دون تطور تهديد الإرهاب في تلك المنطقة والقارة بأكملها.
وختامًا، هناك قلق شديد للقارة الإفريقية بشكل عام وللبلدان غير الآمنة مثل دول الساحل الإفريقي على وجه الخصوص من تداعيات انتشار فيروس كورونا المُستجد، وفى ظل استجابات حكومات الساحل لمجابهة وباء “كورونا”، تعمل جماعة “بوكو حرام” على استعراض قوتها وإعادة ترتيب صفوفها من جديد مُستغلة أزمة كورونا للتمدد العنيف فى نطاق بحيرة تشاد، وتكمن الخطورة أيضًا فى تصعيد التنظيمات الإرهابية الأخرى من عملياتها فى ظل ضعف الأنظمة في دول الساحل وعدم قدرتها على المواجهة المباشرة، ولابد من حشد الدعم الدولي لتعزيز جهود مكافحة تفشي وباء كورونا بالساحل الإفريقي.