كورونا

“تتبع – فحص – علاج”…استراتيجية كوريا الجنوبية لمجابهة كوفيد-19

على الرغم من أن كوريا الجنوبية كانت من أوائل الدول التي انتشر بها فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، بجانب التركيبة السكانية لكوريا الجنوبية من حيث زيادة نسبة كبار السن “14% تقريبا اكبر من 60 عام” بها والجوار الجغرافي من الصين ووجود عدد كبير من الطلاب الصينيين والعمالة الصينية الوافدين على كوريا الجنوبية بشكل مستمر، كانت تمهد أن تكون كوريا الجنوبية أحد الدول التي يمكن لفيروس الكورونا أن يحصد بها أرواح الكثيرين،  إلا أن واقع الأمر أنه مرة أخرى تثبت معجزة نهر هان أنها تستطيع التعامل مع أي كوارث تحيط بها لينخفض عدد الحالات بها وتصبح في المستوى العاشر عالميا من حيث عدد الإصابات متفوقة على دول أوروبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وألمانيا واسبانيا وفرنسا، وهو الأمر الذي دعا مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث لعقد مؤتمر بتاريخ 27 مارس عبر المنصات الإلكترونية للحديث عن كيف تعاملت كوريا الجنوبية مع فيروس الكورونا.

بداية ظهور فايروس الكورونا

يقول دكتور “وانج جون لي” رئيس مستشفى “ميونجي”، أن الحالة الأولى للإصابة بفايروس الكورونا ظهرت في كوريا الجنوبية في 20 يناير من العام الحالي، ثم تبعها في 25 يناير اكتشاف الحالة الثانية والثالثة حيث تم ارسالها إلى المستشفى التي يعمل بها، وظل الأمر مستقر، حتي يوم 17 مارس عندما تم اكتشاف عدد 31 حالة في مدينة ديجو (رابع اكبر المدن في كوريا الجنوبية بعدد سكان 2.5 مليون نسمة وتقع في الجنوب الشرقي لكوريا الجنوبية)، ثم جاءت حالة الوفاة الأولى في 20 فبراير الماضي لينفجر الأمر بعد ذلك خلال الفترة من 21 فبراير وحتى 8 مارس ليرتفع عدد الحالات التي يتم اكتشافها بين 500 و 800 حالة يوميا معظمها في مدينة ديجو، ليتزايد عدد الحالات المكتشفة التراكمي من أقل 1000 إلى اكثر من 5000 خلال تلك الفترة، قبل أن يعود الوضع للاستقرار وتقل عدد الحالات اليومية المكتشفة إلى أقل من 250 حالة يوميا.

استراتيجية معجزة نهر هان في مواجهة كوفيد-19

عرض دكتور “لي” استراتيجية كوريا الجنوبية تحت مسمي “Trace, Test, Treat” لمواجهة كوفيد-19، تشتمل تلك الاستراتيجية على 4 محاور رئيسية، يتمثل المحور الأول، في الشفافية وإتاحة المعلومات عن المرض وطبيعة الانتشار، أما المحور الثاني، فهو احتواء وتخفيف أثار الفيروس، ثم المحور الثالث، الفحص والعلاج، ويأتي أخيرا المحور الرابع، بزيادة سرعة الفحص والتتبع.

 بدأ تنفيذ المحور الأول والثاني من اللحظة الأولى لاكتشاف كوفيد-19، وقد تم ذلك من خلال اتاحة جميع المعلومات اللازمة للتعامل مع الفيروس وعدد الإصابات من خلال موقع إلكتروني وتطبيق على الهاتف المحمول مرتبط بالخدمات المدنية (الصحة، الشرطة، المطافئ وغيره)، وقد تم استخدام المرافق العامة مثل وسائل النقل العام (الحافلات، ومترو الأنفاق) والتي ينتشر بها اكبر عدد من المواطنين لتعريف المواطنين بطريقة التعامل مع الفيروس اثناء استخدام تلك المرافق، بالإضافة إلى عرض عدد من اللافتات في الشوارع والميادين العامة بعدد من اللغات للتوعية بالتعامل مع الفيروس، وتخصيص رقم ساخن يعمل على مدار الساعة لاستقبال أي استفسارات او تساؤلات عن أقرب المراكز الصحية للكشف والتعامل مع كوفيد-19، هذا فضلا عن الاستعانة بتطبيقات نظم المعلومات الجغرافية وتغذيتها بعدد الحالات المكتشفة و أماكن اكتشافها وتحركها خلال الفترة قبل الاكتشاف وهو امر سمح للمواطنين بتجنب زيارة تلك الأماكن.

أما المرحلة الثالثة والتي تتمثل في الفحص والعلاج، وقد تم تنفيذ تلك الاستراتيجية بكفاءة بعد أن تمكنت عدد 4 شركات أدويه بالتتابع بداية من 4 فبراير وحتى 27 فبراير من انتاج الأدوات المستخدمة في تشخيص الفيروس، بطاقة انتاجيه تسمح بفحص 430 ألف حالة أسبوعيا، مما سمح بتقديم خدمات الفحص لعدد كبير من المواطنين، بالإضافة إلى تجهيز عدد 100 معمل قادر على اجراء التحليل الخاص بكوفيد-19 بطاقة 20 الف عينة يوميا، وقد تم فحص المواطنين من خلال منظومتين، المنظومة الأولى تسمى “Drive-thru” وهي أماكن تم تخصيصها يمكن للمواطنين زيارتها وإجراء الاختبار داخل سياراتهم وهو نظام عادة ما يطبق في تقديم خدمات الوجبات السريعة، أما المنظومة الثانية تسمى “walk thru” وهي أماكن تم تخصيصها يذهب إليها المواطنين لأجراء الفحص.

أما عن العلاج فقد تم تقسيم المؤسسات العلاجية المجهزة لاستقبال الحالات إلى 4 اقسام، مباني مثل (السكن الجامعي، شقق حكومية) تستخدم لإجراءات الحجر الصحي للحالات التي زارت الصين أو أي من الدول المصابة خلال الفترة الماضية ولم يثبت إصابتها حيث يتم الاستضافة بها لمدة 14 يوم. 

أما عن الحالات التي يتم اكتشافها فعليا فيتم تقسيمها إلى حالات غير خطيره، حالات خطيرة، حالات حرجة، وفقا لعدد من المعايير التي ترتبط بالتاريخ المرضي، والسن والأعراض وبناء عليه يتم توجيه كل حالة إلى الأماكن المخصصة لاستقبالها، وقد سمح ذلك التقسيم بتقديم خدمات أفضل للمصابين من خلال تخصيص درجة الخدمة التي تتناسب مع طبيعة الحالة، وتوفير جزء من نفقات تجهيز جميع المستشفيات او الوحدات الصحية لتكون على مستوى الحالات الحرجة.

استطاعت كوريا الجنوبية من خلال تطبيق تلك المنظومة من السيطرة على معدلات انتشار كوفيد-19 و الاكتشاف المبكر لها قبل أن يتطور الأمر إلى المستوي الخطير، وسمح نظام تصنيف الحالات بتقديم الخدمات الصحية المناسبة لكل حاله في خفض نسب الوفاة من الفيروس إلى معدلات هي الأقل عالميا 1.4%، بالإضافة إلى أن وسائل التكنولوجيا الحديثة في التواصل مع المواطنين والشفافية سمحت بتوعية المواطنين بكيفيه التعامل مع كوفيد-19 وأتاحت المعلومات اللازمة للتعامل مع الأزمة، لتصبح نموذجا عالميا يمكن الاستعانة به في تصميم برامج وسياسات عامة لمواجهة كوفيد-19 في باقي الدول.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى