
صواريخ تضرب معسكر التاجي … ثأر طهران لم ينتهِ بعد؟
يوم بعد آخر، تتلاشى القناعة الإقليمية والدولية بأن الضربات الصاروخية الباليستية التي استهدفت بها إيران عدة معسكرات داخل الأراضي العراقية، في الثامن من يناير الماضي، هي رد طهران على عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. لكن تكرار تعرض مواقع تمركز القوات الأمريكية داخل العراق للضربات الصاروخية على مدار الشهر الماضي وهذا الشهر، يؤكد أن طهران لم تنتهِ بعد من ثأرها لاغتيال سليماني.
آخر هذه الهجمات الصاروخية كان الليلة الماضية، حين تعرض معسكر التاجي الواقع شمالي العاصمة العراقية، لضربة بصواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى، أسفرت عن مقتل جنديين أمريكيين وجندي بريطاني واحد، بجانب إصابة 12 آخرين، وذلك حسب بيان رسمي لقوة المهام المشتركة، لعملية (العزم الصلب) التابعة للتحالف الدولي.
خلية الإعلام الحربي التابعة لمكتب رئيس الوزراء العراقي، أكدت هي الأخرى نبأ الضربة وأعداد الضحايا الذين سقطوا من قوات التحالف، بعد أن كانت في وقت سابق من الليلة الماضية، نفت سقوط أي ضحايا نتيجة هذه الضربة. التضارب بين ما قالته المصادر العراقية وما قاله التحالف الدولي حول ما حدث أمس، شمل أيضًا عدد الصواريخ التي تم استخدامها في هذا الهجوم، خلية الإعلام الأمني قالت عقب الهجوم مباشرة إنه تم بعشرة صواريخ، في حين قال التحالف في بيانه إن الهجوم تم باستخدام ثمانية عشر صاروخًا على الأقل.
القوات العراقية عثرت بعد الهجوم مباشرة، على راجمة محلية الصنع، مثبتة على سيارة نقل مدنية، تم منها إطلاق الصواريخ المستخدمة في هجوم الليلة الماضية، وتتكون هذه الراجمة من 40 أنبوب مقسمة على مجموعتين، وهي مصممة لإطلاق قذائف المدفعية الصاروخية من عيار 107 ملم، والتي تم استخدامها في كافة الهجمات السابقة على القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، عدا الضربة الإيرانية في يناير الماضي، وعُثر على هذه الراجمة في منطقة الراشدية التي لا تبعد سوى بضعة أميال عن معسكر التاجي، وعُثر بداخلها على ثلاثة صواريخ لم يتم إطلاقها.
عقب هذا الهجوم، حلقت المقاتلات التابعة لسلاح الجو الأمريكي، بكثافة ملحوظة في أجواء محافظة الأنبار، وشهدت قاعدة عين الأسد نشاطًا ملحوظًا للمروحيات الأمريكية، ولم يتأخر سلاح الجو الأمريكي كثيرًا في الرد على هذا الهجوم، فبعد نحو الساعة منه، أعلن التلفزيون السوري أن طائرات مجهولة أغارت بشكل متكرر على نقاط عسكرية، في الجانب السوري من الحدود السورية العراقية جنوب شرق البوكمال، وقد تبين لاحقًا، وحسب معلومات نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن 26 مقاتلًا ضمن تشكيلات وحدات (الحشد الشعبي) العراقي، قتلوا جراء هذه الغارات.
في ردود الفعل المحلية والدولية على ضربة التاجي الصاروخية، أدانت كل من رئاسة الجمهورية العراقية ورئاسة مجلس الوزراء هذه الضربة، التي وصفها الرئيس العراقي بـ “الاعتداء الإرهابي”، وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية أن رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، أمر بفتح تحقيق موسع حول هذه الضربة والمتسببين فيها، واعتبرت القيادة أن هجوم ليلة أمس يمثل تحديًا أمنيًا خطيرًا، تم على إثره اتخاذ إجراءات حازمة، سيتم من خلالها التصدي بقوة لأي استهدافات مقبلة للمعسكرات والقواعد العسكرية. رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، أدان بدوره ضربة أمس، منوهًا إلى أن تواجد ضباط قوات التحالف الدولي في العراق، هو بطلب من الحكومة العراقية، وذلك بهدف تدريب القوات الأمنية والعسكرية، ودعمها في مواجهة تنظيم داعش.
دوليًا، أدان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون استهداف معسكر التاجي الذي أسفر عن مقتل جندي بريطاني، وهو ضمن 200 جندي بريطاني موجودون في معسكر التاجي، مضافًا إليهم عدد مماثل في قاعدة أخرى داخل العراق. الصحافة الأمريكية تحدثت عن إعلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل فوري بهجوم أمس، وأن رد الفعل الأمريكي الذي تمثل في الضربات الجوية على تمركزات قوات الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، كان بمثابة تكريس لخط أحمر أمريكي، يجعل مقتل أي جندي أمريكي في العراق الذي ينتشر فيه حاليًا نحو خمسة آلاف جندي، محركًا آنيًا لضربات جوية أمريكية ضد وحدات الحشد الشعبي.
الخارجية الأمريكية في بيان أصدرته فجر اليوم، أفادت بأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونظيره البريطاني دومينيك راب، أكدا في مكالمة هاتفية فجر اليوم، على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الضربة.
في تحليل إرهاصات وخلفيات ضربة أمس الصاروخية في العراق لابد من الإشارة إلى انه يأتي في سياق سلسلة طويلة ومستمرة من الهجمات الصاروخية التي تستهدف الوجود العسكري الغربي في العراق بشكل عام، والوجود العسكري الأمريكي بشكل خاص. فهذا الهجوم هو الثاني والعشرون من نوعه منذ أكتوبر الماضي، والثالث من نوعه هذا الشهر، والأول الذي يسفر عن مقتل جنود أمريكيين، منذ هجوم ديسمبر الماضي على قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة كركوك في كردستان العراق، الذي قُتل خلاله مقاول أمريكي.
لذلك يكتسب هجوم أمس أهمية أكبر من الهجمات السابقة المماثلة، والتي تمت جميعها بنسق مشابه، خاصة فيما يتعلق باستخدام المدفعية الصاروخية، فقد تعرضت القواعد الجوية العراقية لعدة هجمات بهذه الصواريخ، منها هجوم في الثاني عشر من يناير الماضي، تعرضت فيه قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين لهجوم بثمانية صواريخ، وتم استخدام قذائف الهاون في هجمات أخرى، في ذي قار وبعقوبة خلال نفس الشهر، بجانب سقوط خمس قذائف قرب قاعدة القيارة الجوية بمحافظة نينوى.
قاعدة التاجي نفسها سبق وأن تعرضت لهجوم بثلاثة صواريخ في الرابع عشر من يناير، وتكرر استهداف السفارة الأمريكية والمنطقة الخضراء في العاصمة بالصواريخ، مرتين أواخر يناير الماضي، ومرة في السادس عشر من فبراير الماضي، بجانب مرة واحد أخرى في الثاني من الشهر الجاري، تم فيها إطلاق صاروخين من منطقة زيونة، وتم العثور لاحقاً على منصة الإطلاق التي تم استخدامها في هذه العملية. أخر هجوم من هذا النوع تم تسجيله قبل ضربة أمس، كان في الخامس من الشهر الجاري، واستهدف منطقة المنصور بالعاصمة بغداد.
سابقًا صرح حسين دهقان، المستشار العسكري للمرشد الإيراني على خامنئي، أن ضربات صاروخية متفرقة قد تتم ضد القوات الأمريكية في العراق، بهدف إجبار الولايات المتحدة على إنهاء وجودها العسكري في العراق، وعلى ما يبدو فإن هذه الاستراتيجية هي المتبعة حرفيًا في الوقت الحالي داخل العراق، وبالتالي يُتوقع خلال الأيام المقبلة أن يتعرض الوجود العسكري الأمريكي في العراق، لمزيد من هذه الضربات، طالما ظل الخلاف محتدمًا بين طهران وواشنطن، حول عدة ملفات، أهمها ملف الاتفاق النووي.
وما يرجح هذه الفرضية هو إصرار الإدارة الأمريكية الواضح، على استمرار وجودها العسكري على الأراضي العراقية، حتى بعد الضربة الباليستية الإيرانية الواسعة في يناير الماضي، وذلك يعود لعدة أسباب استراتيجية، تتعلق بالرغبة الأمريكية في موازنة الدور الإيراني في العراق وسوريا، وكذلك حقيقة أن نشاط تنظيم داعش في العراق بدأ يتصاعد مرة أخرى، عبر سلسلة من العمليات الخاطفة، منها عدة هجمات تمت هذا العام، مثل الهجوم على نقطة تفتيش شمالي منفذ الوليد الحدودي، وعلى منطقة تل الذيب في مدينة كركوك، وعلى منطقة مطيبيجة في قضاء سامراء بمحافظة صلاح الدين، ولهذا تستمر عمليات التطهير والتفتيش التي تنفذها القوات العراقية بدعم أمريكي، وآخرها عملية (السلام الواعد) في قضاء الطارمية شمالي بغداد، وعملية (أبطال العراق) لتطهير محافظة الأنبار والمثلث الحدودي بين العراق والأردن وسوريا.
باحث أول بالمرصد المصري