ليبيا

ميليشيات الوفاق ومرتزقة تركيا … الحرب الباردة تبدأ في طرابلس

بدأ الشرخ الذي أحدثه، تواجد مجموعات المرتزقة السوريين في العاصمة طرابلس، في العلاقة بين بعض ميليشيات العاصمة، وحكومة الوفاق ووزارة داخليتها، في التوسع أكثر وأكثر خلال الأيام الماضية، بشكل يجعل المشهد الميليشياوي في طرابلس، منقسماً بين صراع داخلي يدور حالياُ بين ميليشيات مصراتة وميليشيات طرابلس، وصراع ما بين بعض ميليشيات العاصمة، وبين مجموعات المرتزقة السوريين، الذي تتضح يوماً بعد أخر، حجم الامتيازات المالية والعينية، التي يحصلون عليها بعد وصولهم إلى العاصمة، وهي امتيازات مدفوعة من ثروات ليبيا، في وقت لا يجد فيه موظفو حكومة الوفاق، رواتبهم الشهرية!

أخر مشاهد هذا الشرخ، تصفية أحد قادة ميليشيات الوفاق، ويدعى محمد أرفيده، والعثور على جثته في أحد شوارع منطقة صلاح الدين، جنوبي العاصمة طرابلس. أرفيده الذي ينحدر من مدينة مصراتة، كان المسؤول الميداني عن المرتزقة السوريين في محور صلاح الدين. وقد تم رصد حدث مماثل في الأسبوع الماضي، بمنطقة الفرناج، حيث قام بضعة ملثمين، بإطلاق النار على مجموعة من المرتزقة السوريين، مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم على الأقل.

هذا الوضع أدى إلى تفاقم الصراع الداخلي بين ميليشيات العاصمة بشكل عام، فالقتيل أرفيده ينتمي إلى ميليشيات مصراتة، وهذه الأخيرة حملت ميليشيا النواصي مسئولية هذا الاغتيال، والحوادث التي سبقته، ناهيك عن أن تواجد المرتزقة السوريين في العاصمة، أصبح مثار قلق وغضب من جانب بعض الميليشيات، التي اكتشفت أن الرواتب المجزية التي يتلقاها هؤلاء، أكبر بكثير مما يحصل عليه منتسبو هذه الميليشيات، وقد سبق وأنسحبت عدة فصائل تابعة لميليشيا (لواء المحجوب)، من مواقعها في العاصمة إلى مدينة مصراتة، على خلفية ملف المستحقات التي يتم تسليمها للمرتزقة السوريين. 

في نفس السياق، كتب قائد ما يسمى بسلاح المدفعية في ميليشيات الوفاق، العقيد فرج اخليل، على صفحته بموقع (فيسبوك)، بعض التفاصيل حول المشهد الميليشياوي الحالي في طرابلس. تحدث أخليل عن أن ميليشيات العاصمة تضع على مقراتها لافتات تفيد بمنع تواجد أو دخول أية قوات نظامية سواء كانت تابعة لوزارة داخلية الوفاق أو رئاسة الأركان، وفي حالة مخالفة ذلك يتم اعتقال المخالفين، ومصادرة سياراتهم الحكومية. أما اذا كان المخالف لهذه التعليمات منتمياً إلى ميليشيا قوية أخرى، فأن ذلك يكون بمثابة حصانة له، ولو كانت الميليشيا التي ينتمي أليها ضعيفة، يكون مصيره هو نفس مصير المنتمين للشرطة أو الجيش.

في سياق متصل، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن إجمالي عدد المرتزقة السوريين في ليبيا حالياً، يبلغ 4750 مرتزق، تم قتل 117 مرتزق منهم حتى الآن في معارك طرابلس. منطقتي الزاوية وتاجوراء أصبحتا نقطتا التجميع الأساسية للمرتزقة عقب وصولهم إلى ليبيا، ورغم أن وتيرة وصول هؤلاء إلى طرابلس قد تناقصت بعض الشئ، لعدة عوامل من بينها معارك إدلب السورية الأخيرة، إلا أن تواجد هؤلاء في محاور القتال بات حالياً يشكل عبء على ميليشيات الوفاق، يضاف إليه عبء أخر يتعلق بتصاعد أهتمام بعض الأطراف الدولية، بملف الميليشيات في طرابلس، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد ألتقى منذ يومين، القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى ليبيا، جوشوا هاريس، مع وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، ومستشاره للأمن القومي، تاج الدين الرزاقي، وكان المحور الأساسي لهذا اللقاء هو (لتقليص دور المليشيات كجزء من بناء قوات أمنية شرعية). وقد أكد السفير هاريس خلال هذا اللقاء، على أنه سيعمل لضمان تنفيذ القرار الأمريكي رقم 13726، الذي يفرض عقوبات على الأفراد الذين يهددون الأمن الداخلي الليبي. جدير بالذكر أن هذا الأجتماع يعد الثاني من نوعه، عقب اجتماع عقدته السفارة الأمريكية في طرابلس، في الثالث من يناير الماضي، مع ممثلين عن حكومة الوفاق، تم فيه تناول مشكلة الميليشيات داخل العاصمة.

المثير للدهشة هنا أن باشاغا، الذي رعى لسنوات التواجد الميليشياوي داخل العاصمة، خاصة وصول المرتزقة السوريين إليها مؤخراُ، أعرب خلال هذا الأجتماع، عن رغبته في تفكيك المليشيات وجماعات الجريمة المنظمة، التي تغلغلت في العاصمة، وتهدد رجال الشرطة والأمن الحقيقيين حسب تعبيره. باشاغا بهذا الموقف، يؤكد أن العاصمة مقبلة على تصعيد أكبر في العلاقة بين ميليشيات مصراتة وميليشيات طرابلس، وربما تكون نتيجة هذا التصعيد، إنهيار التحالف الضمني بين ميليشيات الزاوية وطرابلس ومصراتة. باشاغا عزز هذا الانطباع، عبر سلسلة من الزيارات الميدانية المكثفة، لعدة مناطق داخل العاصمة، منها مقر غرفة عمليات (سرت – الجفرة)، ومركز شرطة تاورغاء، ومديرية أمن مصراتة، حاول من خلالها، إظهار نفسه ووزارته وحكومته، في مظهر يقترب فيه من الدولة، ويبتعد عن المشهد الميليشياوي الذي رعته وعززته حكومة الوفاق خلال السنوات الماضية.

خروقات ميليشيات الوفاق مستمرة جنوبي وشرقي العاصمة

كما توقع المرصد المصري في المادة السابقة، بدأت ميليشيات حكومة الوفاق خلال الساعات الماضية، عدة هجمات على مواقع الجيش الوطني الليبي، بعدة محاور على رأسها محور الهيشة – أبو قرين شرقي مدينة مصراتة، بجانب محاور أخرى أهمها محور العزيزية جنوبي العاصمة.

قائد غرفة عمليات سرت، اللواء سالم درياق، أكد بالفعل محاولة ميليشيات الوفاق التقدم بإتجاه منطقة الهيشة شرقي مصراتة، إلا أن هذه التحركات تم إجهاضها، في ظل استنفار مستمر من جانب وحدات الجيش الوطني، التي رصدت خلال الأيام الماضية التحشيدات التابعة للميليشيات في هذا المحور. الناطق الرسمي باسم ميليشيات حكومة الوفاق محمد قنونو، أعترف أن المدفعية التابعة لقواته قصفت منطقة قصر بن غشير، وهي المنطقة التي تتعرض منذ ما يقرب من الشهر، لعمليات قصف مستمرة من جانب مدفعية ميليشيات الوفاق، مضافاً إليها عدة مناطق، منها منطقة الحي الدبلوماسي، وعدة مناطق في عين زارة جنوبي العاصمة. إزاء هذا الوضع، بدأت وحدات المدفعية والمدفعية الصاروخية التابعة للجيش الوطني الليبي، في الإستهداف اليومي، لمرابض المدفعية الخاصة بالميليشيات، وأماكن تمركز وسائط الدفاع الجوي، خاصة في مطار معيتيقة، ومنطقة مشروع الموز، ومقبرة سيدي حسين، ومعسكر فاطمة في عين زارة، وحديقة الحيوان في حي بوسليم، وتجمعات المدفعية شمالي منطقة السواني جنوبي العاصمة.

الحويج … هل يُنهي دور خارجية الوفاق؟

كانت الجزائر العاصمة هي المحطة الأخيرة في جولة وزير خارجية الحكومة الليبية (المؤقتة) عبد الهادي الحويج، التي ضمت كل من روسيا وسوريا والمغرب، وقد أستقبل وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، الوزير الليبي أمس، بعد أن زار الجمعة الماضية العاصمة المغربية، وألتقى هناك بوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، وزار أيضاً مقر حزب الاستقلال المغربي. نشاط الحويج ونوعية الزيارات التي قام بها خلال الفترة الماضية، مثلت تطوراً نوعياً في مستوى العلاقات الخارجية بين الحكومة الليبية الموجودة في مدينة بنغازي، وبين الدول العربية والغربية، ومثلت في نفس الوقت تراجعاً في دائرة العلاقات الخارجية لحكومة الوفاق، التي تفتخر دائما انها حكومة (معترف بها دولياً). 

جولة الحويج كانت مهمة على مستوى تطويق المحاولات القطرية للتدخل في مجرى الحل في ليبيا، والتي بدأت الشهر الماضي، بزيارة الأمير القطري إلى كل من تونس والجزائر، وأتبعها هذا الأسبوع، بمكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإيطالي حول ليبيا، وزيارة وزير الخارجية القطري إلى العاصمة الفرنسية، ولقائه مع وزير الخارجية الفرنسي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى