ليبيا

ما بعد استقالة سلامة … مسار الحل السياسي في ليبيا يراوح مكانه

لم تشكل استقالة المبعوث الأممي للدعم في ليبيا غسان سلامة من منصبه، أدنى مفاجأة لأي من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بالمسار الليبي، بل ربما يعتبرها البعض اعتراف متأخر من جانب سلامة، بفشل رؤيته للحل في ليبيا.

وقع سلامة في مجموعة من المطبات المتعلقة بكيفية فهم الذهنية الداخلية الليبية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة من مجلس النواب والقبائل الليبية. رهان السيد غسان على المسارات السياسية الدولية، دون تأمين توافق دولي عام على أجندات هذه المسارات، جعله يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه سابقه، خلال عمليات التحضير لمؤتمر باليرمو وباريس حول ليبيا، وهذا انعكس على مخرجات مؤتمر برلين، ومسارات جنيف الثلاثة التي تمخضت عنها.

المقاربة السياسية التي أنتجها سلامة في تجهيزه لمسار جنيف السياسي، الذي لم ينعقد فعلياً حتى الآن، كانت تحاول فرض أجندة غير ليبية على المناقشات ومسارها، فحتى الآن لم تعرف أي من الأجسام السياسية المشاركة في هذا المسار (مجلس النواب – المجلس الأعلى للدولة)، آلية اختيار البعثة الأممية للأفراد المستقلين الذي يبلغ عددهم 14 شخص، ناهيك عن تجاهله لمطالب هذه الأجسام السياسية، خاصة مجلس النواب، الذي قدم مراراً عدة مطالب للبعثة الأممية، منها تحديد جدول أعمال واضح لمباحثات المسار السياسي، لكن تم تجاهل هذه المطالب جميعها، بالإضافة الى محاولة البعثة الأممية التواصل بشكل فردي، مع أعضاء في مجلس النواب، من أجل طلب حضورهم إلى جنيف، وذلك دون التنسيق مع رئاسة البرلمان، وهو ما أعتبره البعض، محاولة لسحب البساط من تحت المجلس، من خلال فرض لجنة الـ 40، كجسم سياسي بديل لمجلس النواب.

حتى على مستوى التصريحات الصادرة من السيد سلامة، كانت دوماً تضع ميليشيات طرابلس على قدم المساواة مع الجيش الوطني الليبي، وظل لعدة أسابيع يتجاهل السلاح والمرتزقة المرسلان من تركيا إلى طرابلس، ناهيك عن جولة القصف الأخيرة من جانب المدفعية التركية، لأحياء جنوبي طرابلس، خاصة منطقة قصر بن غشير. كذلك تجاهل المبعوث الأممي السابق، دور القبائل في المعادلة الداخلية الليبية، وهو ما جعل القبائل متحفزة ضده بشكل دائم، كما ظهر خلال مؤتمرها الأخير في مدينة ترهونة.

أكاديمي ليبي: الحسم العسكري وإنهاء الانقسام هما الحل الوحيد للأزمة الليبية

C:\Users\DELL\Desktop\DpM_cI19_400x400.jpg

علق الأكاديمي الليبي الدكتور باهر العوكلي، في حوار خاص مع المرصد المصري، على التطورات الأخيرة في الملف الليبي، حيث أكد على أن استقالة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الدكتور غسان سلامة، تأتي عقب سلسلة من المؤتمرات الدولية والإقليمية لمحاولة حل الاحجية الليبية، وآخرها مؤتمر برلين، وما تلاه من مباحثات في القاهرة وجنيف ضمن بحث المسارات الاقتصادية والسياسية، والتي لم تفضي أغلبيتها العظمى، حسب رأيه، إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، واقتصرت مخرجاتها على استكمال المعلومات ونشر الأخبار والتقاط الصور التذكارية، عوضاً عن الجهد الجاد من أجل الوصول إلى أقصى طاقة لحل النزاع. ويرى العوكلي أن التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية الليبية هو حجر الزاوية الأساسي للأزمة القائمة حالياُ في ليبيا، والتي قد تتحول إلى حرب إقليمية ودولية نيابة عن قوى إقليمية ودولية.

 وأضاف العوكلي، أن الدكتور غسان سلامة يمارس من خلال استقالته في هذا التوقيت، نوعاً من أنواع الضغط السياسي على أطراف النزاع الليبي، ويرى أن هذه الاستقالة مناورة ذكية من سلامة، التي يستبعد أن يتم قبولها من الأمين العام للأمم المتحدة، خاصة في مثل هذا التوقيت، حيث لا تزال مفاوضات جنيف و المسارات الاقتصادية و العسكرية مستمرة، على الرغم من غياب معظم الأطراف المعنية التي تجاوزتها البعثة الاممية في ليبيا، وذلك عبر محددات متمثلة في مقولة ( المفاوضات مستمرة بمن حضر )، وهذه الرؤية جعلت كل الأطراف المشاركة تجتمع على رأي واحد للمرة الأولى منذ انطلاق النزاع، وهو الهجوم على البعثة الاممية في ليبيا ممثلة في شخص الدكتور غسان سلامة، والذي يراه العوكلي شخصية ذات كعب عالي في مجال السياسية الليبية و الدولية، ومن كبار المنظرين والمفكرين العرب في مجال السياسة الدولية، التي يحمل فيها درجة أستاذ دكتور و له العديد من المؤلفات المرجعية في هذا المجال

وحول رؤيته للمشهد السياسي الليبي بعيد استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أكد الدكتور العوكلي ان هذه الاستقالة لن تغير من الأمر شيئا، لان الإرادة الدولية والإقليمية والعربية للتفاوض لحل نزاع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية الليبية لم تتبلور حول وجهة نظر واحدة، بل تتباين وجهات النظر فيما بينها حول مستجدات الأمور في الأزمة الليبية. مؤكداً أن الحل الوحيد في ليبيا يكمن في الحسم العسكري وإنهاء الانقسام ودحر المرتزقة والإرهابيين من كل شبر من التراب الليبي.

سيل من التصريحات المباركة لاستقالة سلامة

ما سبق من تفاصيل، عكسته المواقف الداخلية الليبية من استقالة المبعوث الدولي. عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي، طارق الجروشي، أعتبر أن المبعوث الأممي فشل في مهمته، بسبب بعض الضغوط الدولية التي مارستها عليه، دول تدعم جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها تركيا وقطر وبريطانيا. وذكر الجروشي أن سلامة قال خلال زيارته الأخيرة إلى بنغازي” خلف الكواليس دول ضاغطة ولديها مصالح تتقاطع، وهناك ضغط كبير جداً يمارس علينا”.

مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، رأى في منشور له على صفحته الشخصية على موقع فيس بوك، إن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة فشل، وسيفشل من سيأتي بعده، مشيراً إلى أن مشكلة سلامة ومن سبقه، أنه لم يتعاطى مع ممثلين حقيقيين للشعب الليبي، واكتفى بالتعامل مع متصدري المشهد السياسي الذين أتت بهم الصدفة.

عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، أعتبر في تصريحات صحفية، أن غسان سلامة تجاوز حدود مهمته، لدرجة أنه تم توصيفه في بعض الأحيان، على أنه الحاكم الفعلي لليبيا، لدرجة أن بعض المؤسسات أصبحت ترى آرائه وكأنها تعليمات، وهذا ما دفع الأجسام السياسية المنبثقة عن الاتفاق السياسي، لانتقاده بشكل دائم، خاصة بعد محاولته تجاوز مجلسي الدولة والنواب، والتعامل مع أعضائهم على أنهم أفراد مستقلين. وأضاف كرموس، أت سلامة أثبت في كثير من الأحيان عدم حياده وانحيازه لطرف على حساب طرف آخر، نتيجة عدم التوافق الدولي، مما أضعف من دور البعثة الحقيقي الذي هو في الأساس الوصول إلى الاستقرار السياسي.

المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب فتحي المريمي، رأى من جانبه أن غسان سلامة سعى بشكل كبير لحل الازمة الليبية، لكن ونظراً لتعقيدات الأزمة الليبية، طلب سلامة الاستقالة من الأمم المتحدة التي لم توافق عليها أو ترفضها حتى الآن. ولفت إلى أن استقالة غسان سلامة نتيجة طبيعة لأي موظف يخفق في عمله أو يمرض والحقيقة هو بذل جهود كبيرة في الأزمة الليبية.

قتلى وأسرى ميليشيات الوفاق.. عرض مستمر في طرابلس

https://twitter.com/LNA2019M/status/1234815268427370496

تستمر في هذه الأثناء، عمليات الجيش الوطني الليبي، في محور العزيزية جنوبي العاصمة، وخلال الساعات الماضية، سيطرت قوات الجيش على منطقة المجمع السكني في مدينة العزيزية، وقد أسرت خلال معارك اليومين الماضيين، عدد من المرتزقة ذوي الجنسية التشادية، الذين كانوا يقاتلون ضمن ميليشيات الوفاق قرب معسكر اللواء الرابع قرب مدينة العزيزية.

للمرة الثانية، استهدفت مدفعية الجيش الوطني، مواقع الميليشيات والضباط الأتراك داخل مطار معيتيقة في العاصمة طرابلس، بجانب مرابض المدفعية في غابة النصر وحديقة الحيوانات، وذلك لإسكات مصادر النيران والمدفعية، التي تستهدف منذ أيام عدة، أحياء العاصمة الجنوبية، وقد كان لافتاً، نشر أحدى القنوات الفضائية التركية، صور من جنازة أحد ضباط المخابرات التركية، ويدعى الرائد (سنان كافلر)، الذي دفن في سرية تامة وتحت تدابير أمنية مشددة، بمسقط رأسه بمدينة أكساراي التركية، وكان ضمن الضباط الأتراك الذين قضوا في استهداف المدفعية التابعة للجيش الوطني، لشحنة أسلحة تركية في ميناء طرابلس البحري، في الثامن عشر من فبراير الماضي. وأثر نشر هذه الصور، تم اعتقال مدير الأخبار في القناة التركية، المسماة ODATV، وهو الصحفي التركي (باريس تيركوغلو).

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى