ليبيا

انقسامات طرابلس تتعمق … إرهاصات ما قبل الانهيار؟

الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية والتي هاجمت خلالها ميليشيا “النواصي”، و“الدعم المركزي”، مبنى مديرية أمن طرابلس، واعتقلت عددًا من الضباط، بجانب تنفيذ الميليشيات لمداهمات ليلية لاعتقال عدد آخر من الضباط، تأتي في سياق مسلسل الانقسامات المتتالية في الجسم السياسي والعسكري للحالة الميليشياوية في طرابلس.

الانقسام الميداني يتفاقم

المواقف التي صدرت عن وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، ربما كانت الأكثر تعبيرًا عن حالة الانقسام التي تعيشها طرابلس من الناحية الأمنية، فعقب اقتحام الميليشيات لمبنى وزارة الخارجية، عقد باشاغا مؤتمرًا صحفيًا، هاجم فيه بشدة الوضع الميليشياوي في العاصمة، وأظهر نفسه في صورة رجل الدولة الذي يريد إنهاء وجود الميليشيات في العاصمة، متهمًا المجموعات المسلحة الموجودة في طرابلس بأنها “ميليشيات”، لكنه تراجع عن تصريحاته في اليوم التالي، ووصف من تحدث عنهم في اليوم السابق بأنهم “شرفاء”.

بعد ذلك، زار باشاغا أحد المحاور القتالية جنوبي طرابلس تتمركز فيه ميليشيا “الكتيبة 301″، التي يقودها الميليشياوي عبد السلام زوبي، إلا أن ميليشيا ثوار طرابلس وميلشيا النواصي “التي تسمى أيضاً القوة الثامنة”، وميليشيا قوة حماية طرابلس، تعرضت له وأغلقت الطريق أمام موكبه.

هذا التوتر المتصاعد بين ميليشيات العاصمة، نتج عنه بدء انقسام الميليشيات ما بين مؤيد لباشاغا ووزارة داخليته، مثل ميليشيا الصمود، ومعارض له مثل ميليشيا النواصي، وميليشيا الدعم المركزي، وانضمت إليها ميليشيا “كتيبة ثوار طرابلس”، التي أعلنت عبر صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك، دعمها لميليشيا النواصي، وتأييدها لعمليات الاعتقال التي تمت لضباط وزارة داخلية حكومة الوفاق، كما وجهت له عدة ميليشيات من بينها “قوة حماية طرابلس”، رسائل شديدة اللهجة عبر تسجيلات مصورة.

https://www.facebook.com/351743958981079/videos/478311869512617/

هذا الانقسام الميداني بين ميليشيات العاصمة، سبقه تمرد في صفوف بعضها، بسبب وصول المرتزقة السوريين، واتضاح حجم المبالغ المالية والامتيازات التي حصلوا عليها بعد وصولهم، وهو ما أثار حفيظة بعض الميليشيات الليبية، ودفعتها لمغادرة مواقعها، ومنها ميليشيا “لواء المحجوب” التي انسحبت من مواقعها في العاصمة إلى مدينة مصراتة، بعد نشوب خلاف بينها وبين وزير الداخلية المفوض، حول المستحقات التي يتم تسليمها للمرتزقة السوريين، وقد سبق وهاجم أحد قادة ميليشيا “النواصي”، المدعو الرملي الطرابلسي، باشاغا، مهددًا إياه بطرده هو والمرتزقة الذين أتى بهم من سوريا خلال ساعتين،

مستقبل مظلم للوضع الميليشياوي في العاصمة

عمليًا باتت الميليشيات الموجودة حاليًا في العاصمة الليبية، محاصرة بين مطرقة الوضع الميداني الممتاز للجيش الوطني، وسندان الانقسامات الميدانية المتفاقمة بين بعضها البعض، بشكل يجعل من شبه المؤكد، أن تدخل هذه الميليشيات في معارك “إلغاء”، تقوم فيها الميليشيات الموالية والمعارضة لباشاغا ولحكومة الوفاق، بالاقتتال فيما بينها، في مشهد يشبه بشكل ما الوضع الميليشياوي في العاصمة اللبنانية بيروت خلال حقبة الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي.

وتتعرض الميليشيات في هذه المرحلة لضغوط متزايدة من الخارج؛ بسبب اقتناع الجميع داخل وخارج ليبيا بأن ملف الميليشيات سيُفتح عاجلًا أو آجلًا، وأن الوضع الميليشياوي القائم في العاصمة سينتهي بشكل أو بآخر، سواء كان حل الأزمة الليبية عسكريًا صرفًا، أو بتسوية سياسية إقليمية أو دولية.

وزارة الداخلية في حكومة الوفاق تبقى هي الأخرى تحت ضغط الوضع القائم في العاصمة، وعلى ما يبدو فإنها بدأت تجهز نفسها لبدء اشتباكات داخلية في العاصمة، وهو ما تم التمهيد له خلال ليلة أمس. عدد من قادة رئاسة أركان حكومة الوفاق، وعلى رأسهم قائد المنطقة الغربية أسامة الجويلي، وقائد المنطقة الوسطى محمد الحداد، عقدوا سلسلة اجتماعات مع عدد من قادة ميليشيات مصراتة الموالية لحكومة الوفاق، من أجل الإعداد للمرحلة المقبلة من تصاعد الاشتباكات، وبهذا بات من الواضح أن المعركة المقبلة ستكون داخل العاصمة، بين الميليشيات التي ترجع أصولها إلى العاصمة، والميليشيات الموالية للحكومة، والتي تنتمي أساسًا لمدينة مصراتة.

الدعم العسكري التركي للوفاق، آمال حطمها الميدان

https://twitter.com/LNA2019M/status/1232374803593678853

بعد إسقاط المضادات الجوية التابعة للجيش الوطني، طائرتين مسيرتين هجوميتين من نوع “بيرقدار” خلال 24 ساعة في محاور جنوب طرابلس، أصبحت الكفاءة المحدودة للعتاد التركي الذي وصل إلى قوات الوفاق، سببًا آخر من أسباب تزايد الضغوط على ميليشيات الوفاق في هذه المرحلة، ناهيك عن بدء سقوط قتلى في صفوف الضباط الأتراك الموجودين في العاصمة، حيث ناهز عدد القتلى منهم حتى الآن 20 ضابطًا، من بينهم ضابط برتبة عقيد، وتتوارد أنباء أن من بين القتلى، العميد خليل صويصل، قائد العمليات التركية في ليبيا، والذي سبق له قيادة فرقة المشاة الثالثة والعشرين في الجيش التركي، بجانب قيادته للواء الثالث في القوات الخاصة التركية. 

وقد قضى صويصل معظم سنوات خدمته في الجيش التركي ضمن سلاح المدفعية، ورُقّي إلى رتبته الحالية عام 2013، وشارك في إدارة عملية (درع الفرات) في سوريا، وفي عمليات الجيش التركي في شمالي العراق. وكان المشرف الأساسي على تدريب العناصر السورية المرتزقة، وإعادة تشكيلها للانتشار في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا. هذا التدريب الذي تلقاه هؤلاء كان من أسباب زيادة الضغط على ميليشيات الوفاق؛ نظرًا لأن هذا التدريب سواء الذي تلقاه السوريون أو الذي تلقاه الليبيون، لم يبدُ أنه أثّر بشكل إيجابي على أدائهم الميداني، بل بالعكس، تمكّن الجيش الوطني من مصادرة عدة عربات مدرعة تركية الصنع، في حالة فنية ممتازة، نتيجة لهروب أطقمها مع أول اشتباك!

https://www.facebook.com/EcssAlMarsadAlMasry/videos/222277342283467/

الطريق مقطوعة أمام مسار جنيف السياسي

في هذه الأثناء، تتالت الضربات الموجهة إلى مسار جنيف السياسي، فعلى الرغم من إصدار البعثة الأممية للدعم في ليبيا، بيانًا عقب انتهاء الجولة الثانية من مباحثات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة في جنيف، أعلنت فيه توصل اللجنة إلى تفاهم واتفاق على وقف دائم لإطلاق النار في طرابلس، يشمل عودة المدنيين إلى مناطقهم، وتأسيس لجنة مراقبة مشتركة لوقف إطلاق النار، تشارك فيها الأمم المتحدة.

إلا أن تصريحات رئيس وفد حكومة الوفاق في هذه المباحثات أحمد أبو شحمة، أوحت بأن نتيجة المباحثات كانت مغايرة لما تم الترويج له، فقد أشار إلى أن ما ناقشته اللجنة يرتكز على نقطة واحدة فقط وهي انسحاب الجيش الوطني إلى مواقع أبريل 2019، وهو ما يعنى فعليًا عدم وصول اللجنة إلى أي اتفاق! ولعل الدليل الأكبر على فشل مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة، هو القرارات المتزامنة من جانب كل من المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب، والحكومة المؤقتة، بتعليق مشاركاتهم في مسار جنيف السياسي الذي كان مقررًا أن يبدأ اليوم.

النائب الثاني لرئيس مجلس النواب في بنغازي احميد حومة، صرح بأن تعليق مشاركة المجلس في مسار جنيف السياسي، جاء بسبب طريقة تعامل بعثة الأمم المتحدة مع الأسماء المختارة من المجلس للمشاركة في الحوار، وعدم تزويد البعثة المجلس بالأجندة الخاصة بالمناقشات التي ستتم في جنيف، وقد أكد هذا الموقف وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة عبد الهادي الحويج الذي أعلن خلال مؤتمر صحفي، تعليق المشاركة في مسار جنيف السياسي.

من جانبه، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس خالد المشري، إن قرار تعليق مشاركة المجلس في حوار جنيف جاء بإجماع الأعضاء، مؤكدًا أنهم لن يتراجعوا عن هذا القرار ما لم يحدث تقدم في مسار جنيف العسكري.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى