الصحافة العربية

معضلة لبنان.. تأثير سيطرة حزب الله على الحكومة الجديدة

لم تتصاعد الاحتجاجات الشعبية في لبنان عقب تشكيل الحكومة الجديدة، من فراغ أو رغبة في التظاهر ومواجهة قوات الأمن، بل جاءت رداً على تجاهل المطالب التي خرجت بها الاحتجاجات في 17 أكتوبر الماضي. ومحاولة رئيس الوزراء الجديد “حسن دياب” خداع المحتجين بوعوداً زائفة، حيث كشف تشكيل الحكومة عن سيطرة ممثلي “حزب الله” على الحقائب الوزارية.

منذ انطلاق الاحتجاجات في أكتوبر الماضي، طالب المتظاهرون بتشكيل حكومة تكنوقراط لا ينتمي أعضاؤها للنخبة السياسية الحاكمة، يتركز هدفها الرئيسي على معالجة المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجهها لبنان، ووضع قانون إنتخابي عادل وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة على أساسه. وتمت الاستجابة لمطالب المحتجين، وتم تشكيل حكومة معظم أعضائها أكاديميون دون انتماء سياسي واضح. ولكن الحكومة عكست تأثير حزب الله القوي على النظام السياسي، عندما سارع الوزراء إلى شكر مرجعياتهم السياسية على تسميتهم (حزب الله، حركة أمل، 8 آذار)، وعشر وزراء من أصل عشرين لا علاقة لاختصاصهم بالحقيبة التي أوكلت إليهم.

أعلن رئيس الوزراء أن الحكومة الجديدة هي “حكومة إنقاذ” تهدف إلى تلبية مطالب المتظاهرين الذين سعوا إلى استبدال من هم في السلطة ودفع الإصلاحات التي قد تساعد في تحسين الوضع الاقتصادي الضعيف في لبنان. واتخذ رئيس الوزراء تدابير فورية تهدف إلى إثبات نيته الوفاء بالوعود. وتم تمرير ميزانية 2020 خلال الأسبوع الأول من الحكومة، وتمت الموافقة على نشر “خطة إنقاذ” مالية. ومع ذلك، لم يكن هذا كافيًا لاسترضاء المتظاهرين، الذين يوجهون الآن انتقاداتهم إلى الحكومة الجديدة.

ويعني ذلك أنه بالرغم من بقاء “حزب الله” وراء الكواليس، فإن هذه الحكومة ستعمل في الواقع تحت رعايته، ويمثل تشكيل الحكومة خطوة أخرى في تعميق قبضة الحزب على النظام السياسي اللبناني وقدرته على التأثير في عمليات صنع القرار لدى مفاصل السلطة الرئيسية.

السمات العامة للاحتجاجات

على وقع وضع اقتصادي يزداد صعوبة داخليًا مع ارتفاع سعر صرف العملة اللبنانية، تصاعدت الأوضاع في لبنان وشهدت تطورات متلاحقة مع وقوع مصادمات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، لتتخذ الاحتجاجات سمات معينة:

التحول للعنف: في البداية كانت موجة الاحتجاجات غير عنيفة وجمعت مساحات شاسعة من جميع قطاعات الجمهور وبدت أشبه بعطلة وطنية احتفالية. حرصت قوات الأمن من جانبها على الحفاظ على النظام وعدم الانجرار إلى مواجهات مع المتظاهرين، ومع ذلك، ففي الأسبوع السابق لتشكيل الحكومة، اتخذ الاحتجاج اتجاهًا جديدًا وأصبح أكثر عنفًا. ولجأ المتظاهرون إلى العنف، خاصة ضد البنوك (التي تُلام على الوضع الاقتصادي الصعب) وضد رموز الدولة، ومبنى البرلمان بشكل خاص.

تصعيد أمني: كان هناك تصعيد في أعمال العنف من جانب قوات الأمن، التي استخدمت الرصاص المطاطي والهراوات وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتعطيل المظاهرات. تسببت هذه المواجهات في سقوط مئات القتلى وفوضى في الشوارع واعتقالات شملت العشرات إن لم يكن المئات من المتظاهرين.

غياب القيادة المنظمة: تبرز عفوية التظاهرات وعدم التخطيط لها غياب القيادة المنظمة، خاصة في ضوء تجنب الكتل السياسية المشاركة الفعلية بها، وتمثل هذه الاحتجاجات للفئات الأكثر احتياجًا داخل المجتمع اللبناني. ويعتمد المحتجون في تجمعاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

تزايد مشاركة الشباب: يبرز من هذه الاحتجاجات سطوة العنصر الشبابي في الفئة العمرية بين 17-29 عامًا، حيث يعاني معظمهم من البطالة، والفساد في التعيينات الحكومية التي تعتمد على المحسوبية وغياب العدالة.

ضغواط اقتصادية: تزامناً مع التظاهرات تم وضع قيود على السحوبات النقدية بسبب هروب رؤوس الأموال من لبنان (وفقًا لمحافظ البنك المركزي، تم سحب حوالي مليار دولار من لبنان منذ بدء الاحتجاجات)، وأغلقت العديد من الشركات، وارتفعت معدلات البطالة، و انخفضت قيمة الليرة اللبنانية، ويجد لبنان صعوبة في تسوية ديون الدولة التي تصل إلى 92 مليار دولار، ما يوازي 150% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة من بين الأعلى في العالم. كما أن رواتب الموظفين في الدولة غير متوفرة إلا لشهرين فقط.

معضلة الحكومة الجديدة

ينظر المجتمع الدولي إلى الحكومة الجديدة على أنها “حكومة حزب الله”، وسوف تجد صعوبة أكبر من سابقتها في إقناع الدول الغربية التي تعتبر مرشحة محتملة لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة الاقتصادية، بالموافقة على تحويل الأموال التي قد تخدم مصالح “حزب الله“. وبالتزامن مع ذلك، حدث ارتفاع في عدد البلدان التي تصنف “حزب الله” كجماعة إرهابية (بريطانيا، ألمانيا، الأرجنتين، باراجواي، فنزويلا، جواتيمالا، هندوراس) ما يعني إمكانية توسيع العقوبات.

ولم يعرب المجتمع الدولي حتى الآن عن دعمه للحكومة الجديدة، باستثناء الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، الذي أعلن أنه سيتعاون معها من أجل دفع عجلة الإصلاحات. في المقابل، رفض وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” تأييد الحكومة اللبنانية الجديدة، وذلك في أول تعليق له عن الحكومة في 22 يناير، وأعلن “بومبيو” أن الإدارة لن تساعد حكومة لا تلبي مطالب الشعب في الحرب ضد الفساد والتقدم في الإصلاحات. وتخطط الولايات المتحدة لوقف جميع المساعدات إلى لبنان، وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية الكونجرس، بأنها ستلتزم بوقف المساعدات المالية إلى لبنان، كي لا تذهب أموال دافعي الضرائب إلى “حزب الله” الذي تصدر الواجهة الآن.

وتشير التقديرات إلى اتجاه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض عقوبات على وزراء لبنانيين سابقين ومسؤولين من اتجاهات سياسية مختلفة لتورطهم في أعمال فساد واستغلال سلطة وعمليات غسل أموال، ويتم التحضير لتلك العقوبات تحت مظلة “قانون ماجنيتسكي” الذي وافق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي عام 2012 ويخول الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على من يرتكب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان من خلال تجميد الأصول والأموال ومنعهم من دخول الولايات المتحدة.

أخيراً، إن الحكومة الجديدة تعكس لأول مرة واقع القوة الطويل الأمد في لبنان. وسيطرة حزب الله على نقاط القوة الرئيسية في المجالين العسكري والاستخباراتي. وتأثيرها العميق أيضاً على القطاع الاقتصادي. فسيطرة “حزب الله” على الحكومة يعد حدثاً تاريخياً سيصحبه تأثيرات سلبية على لبنان وسط توقعات برفض المانحين تقديم المساعدات المالية من أجل إخراج لبنان من أزمته الحالية. ومن المتوقع أن تستمر الحكومة الجديدة وسط مظاهرات قد تقل حدتها بعد فترة، وتشير التجربة التاريخية في لبنان أنه لا توجد حكومة عبر تاريخها حازت على الشرعية الشعبية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى