ليبيا

دوافع عدم حضور “تونس والمغرب” مؤتمر برلين حول ليبيا

في خضم الحديث عن الأزمة الليبية، وتطورات المشهد المتعلق بها والُمتمثل في انعقاد مؤتمر السلام بالعاصمة الألمانية برلين “الأحد 19 يناير 2020″، بمشاركة طرفا النزاع القائم، “المشير خليفة حفتر” قائد الجيش الوطني الليبي، وفايز السراج رئيس المجلس السيادي لحكومة الوفاق الوطنية، وبمشاركة أحد عشر دولة “بخلاف الدولة المُضيفة” من بينهم إثنين من دول الجوار المباشر لليبيا وهما “مصر والجزائر”، وذلك برعاية أممية من الأمم المتحدة، وبمشاركة جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك غياب واضح لكلاً من تونس والمغرب إحدى دول الجوار، الأمر الذي يستدعي معه الوقوف على الأسباب الكامنة وراء ذلك التغيب.

دوافع متعددة

يعود السبب المباشر لعدم مشاركة تونس في مؤتمر برلين إلى ما صرحت به وزارة الخارجية التونسية بأن دعوة الموجهة إليها جاءت بشكل متأخر جداً، الأمر الذي أدى إلى رفض المشاركة في المؤتمر علاوة على أن قرار عدم المشاركة جاء نتاجًا لغياب تونس وعدم انخراطها في المسار التحضيري للمؤتمر والذي انطلق منذ شهر سبتمبر 2019، وذلك بالرغم من أن تونس تُمثل دول جوار لصيق لليبيا من الناحية الشرقية بالإضافة إلى ترأسها جامعة الدول العربية في دورتها العربية وشغلها منصب عضو غير دائم في مجلس الأمن للفترة من 2020-2021.

ولكن المتأمل لأجندة مؤتمر برلين يجد وبشكل واضح أن الغرض الأساسي منه يتمثل بشكل كبير في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي يُجسد أحد الدلالات المُفسرة لتأخر دعوة تونس واعتذارها في اللحظات الأخيرة فضلاً عن عدم توجيه الدعوة من البداية إلى المغرب، وذلك رغبة من الجانب الألماني في إقصار الأمر على الأطراف المباشرة والمعنية بتحقيق ذلك الهدف، ويُستدل على ذلك بالحالة الجزائرية والتي لم تتلقى دعوة رسمية حتى بعدما مرت الجزائر بتجربة الاستحقاق الرئاسي بنجاح وأفرزت رئيسًا جديدًا، إلا أنها لم تتلقى الدعوة إلا مؤخرًا وذلك عقب التصريح الذي أدلى به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “بأن طرابلس خط أحمر” وأن بلاده ستبقى فاعلة في الأزمة الليبية، أيضًا بعدما تحركت الجزائر في إطلاق مبادرات سياسية ومساعدات إنسانية لليبيا، وهو الأمر الذي لاقى قبولاً كبيرًا من الأطراف المهتمة والمعنية بذلك الصراع، وذلك على خلاف كلأً من

كما أن فشل تشكيل حكومة تونسية عدم نيل الفريق الوزاري المقترح بهذا الخصوص من قبل الحبيب الجملي ثقة البرلمان وحالة اللا-توافق البرلماني بشأن تلك الحكومة وعدم منحها الثقة عقب ثلاثة أشهر من الاستحقاق النيابي، واحدة من بين الأسباب التي ساعدت في تذبذب الموقف الألماني من توجيه الدعوة إليها من عدمه، وهو الامر الذي يختلف عن الحالة الجزائرية التي سارعت بتشكيل حكومة تسير أعمال إبان الانتخابات الرئاسية.

وانطلاقًا من مبدأ المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أن ” من ليس له موقف لبس له مكانة” يدلل على الرغبة الألمانية والدولية في عدم تعويم المسألة والإقتصار على دعوة الدول المتدخلة والتي لها دوراً فاعلاً في ليبيا وتوحيد الاتجاهات تمهيدًا لوضع خارطة عمل متفق عليها لوضع حل جذري للأزمة الليبية، وهو الأمر الذي يمكن أن نُرجع عدم توجيه الدعوة إلى المغرب نظرًا لعدم مشاركتها الواضحة منذ اتفاق الصخيرات 2015، وانخراطها بمبادرات حول منع التصعيد العسكري الذي تشهده ليبيا، فضلاً عن أن بنود الوثيقة الصادرة عن مؤتمر برلين تشير ضمنيًا (إن جاز القول) بتخطي محطة اتفاق الصخيرات وفتح آفاق جديدة للحل السياسي للأزمة.

أحد الأسباب الأخرى حول ذلك التهاون بشأن دعوة تونس يرجع إلى المواجهة الدبلوماسية التونسية الألمانية في نهاية مارس (2019)، على خلفية اعتقال الخبير الأممي “المنصف قرطاس” – عضو فريق خبراء الأمم المتحدة المكلف بالتحقيق في شحنات الأسلحة المحتملة من وإلى ليبيا – وذلك في مطار تونس وتجاهل الخارجية التونسية الطلبات الألمانية المختلفة حول الإفراج عنه.

التداعيات المحتملة

لا شك أن أحد التداعيات المُحتملة لعدم مشاركة كلاً من تونس والمغرب هو الانخراط المُكثف خلال الفترة المقبلة في هذا الملف، والتحول من المنطقة الرمادية والضبابية تجاه الأزمة إلى التقارب مع أحد الأطراف ومن المحتمل أن تشهد تقاربًا ملحوظًا مع الجانب التركي في دعمه لحكومة فايز السراج، كما أن من المحتمل أن تلعب أدوراً مختلفة في مجلس الأمن حول ذلك الملف انطلاقًا من كونها عضوًا غير دائمًا به، في محاولة لتحول الدبلوماسية الغامضة إلى أخرى فعالة تُعيد من خلالها تونس للعب دور فعٌال على الساحة الإقليمية.

ختامًا؛ لا شك أن مؤتمر برلين يعتبر نواة جيدة نحو حلحلة الأزمة الليبية ووضع حد لتفاقم الأوضاع الإنسانية بها، وكذلك عمليات التدخل العسكري من قِبل تركيا ودعمها للعناصر المتطرفة والزج بها في الداخل الليبي، وأن اقتصار المؤتمر على الأطراف ذات الصلة المباشرة والتي تُمثل طرفاً قوياً في المعادلة كان هو الأصلح بالنسبة للملف ككل.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى