
مركز كندي يستعرض تداعيات اغتيال سليماني على وضع الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط

استعرض مركز بحوث “العولمة” الكندي موقف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من اغتيال قاسم سليماني، قائد لواء “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، والذي لقي حتفه بقصف أمريكي في الثالث من يناير الجاري بمنطقة مطار بغداد الدولي.
وذكر المركز – في تقرير له نشره عن تداعيات عملية مقتل سليماني – أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتوهم في الوقت الحالي أن الساحة الإيرانية خالية من النزاعات بعدما وجهت ضربة صاروخية إيرانية على القواعد الأمريكية في العراق، والذي اعتبرها خطوة لتفريغ طاقة الغضب التي أعلنت عنها طهران للانتقام.
وأوضح المركز، الذي يصف نفسه بانه (مركز مستقل للأبحاث والإعلام ويقدم تحليلا للمشاكل التي تتم تغطيتها من قبل التيار السائد في الإعلام) ، أنه في حين أن نظرية تفريغ طاقة الغضب خطأ وأن هذه الضربات الصاروخية هي مجرد أول بداية في سلسلة من الدفاعات أو الهجمات المشهورة بها المقاومة الإيرانية. فقد أعلن المرشد الأعلى الإيراني الأربعاء الماضي بأن هذه الهجمات لم تكن ثأرا كافيًا لاغتيال “البطل العسكري الإيراني قاسم سليماني” وأنها ” مجرد صفعة في أول جولة من السلسلة الدموية التي ستنفذها إيران بهدف إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط”.
وطرح المركز تساؤلا حول ” مدى استيعاب ترامب لما قام به؟ فهو يهدد ويعاقب دولة “مُنافسة”، تقع في محيط من النفط، في منطقة ذات موقع استراتيجي مثل الشرق الأوسط وفي نفس الوقت أمر باغتيال القائد العسكري الأعلى مكانة فيها والذي أُطلق عليه رومل إيران، الذي خدم في منصبه ما يُقارب من 40 عاما.
واعتبر المركز أن هذه الأخيرة خطيئة لا تُغتفر، وأمرا لا يمكن تجاهله، وهو ما يتطلب من إيران الرد وبقوة للانتقام، فمن اُغتيل لم يكن مجرد شخص عادي، وبالتالي من المتوقع أن تُقاتل إيران، لكن الإشكالية التي تطفو على السطح هي كيف ستنتقم؟
سيناريوهات مستقبلية لما بعد اغتيال سليماني
استراتيجية حرب الجيل الرابع
من المتوقع أن تُكثف إيران الاستراتيجية التي وضعها سليماني، وهي خوض حرب هجينة من الجيل الرابع غير التقليدية، والتي ستنفذها إيران عبر وكلائها في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان ولبنان. وستتخلى عن استخدام ترسانة الصواريخ الباليستية طولية المدى، في مقابل اتباعهم لاستراتيجية غير متناظرة، تهدف إلى اجتياح الأسواق، وعرقلة الممرات البحرية، وهدم مصانع البتروكيماويات، وإهدار ناقلات النفط.
الهدف الرئيسي لهذه الاستراتيجية نشر الفوضى في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما سيؤدي إلى تآكل الوجود الأمريكي في المنطقة. وهو ما سيجعلها حرب خفية، فالشرق الأوسط هو بيئة غنية بالأهداف بالنسبة لإيران، مما جعله بيئة قابلة لحرب الفوضى التي تستعد إيران للقتال فيها.

وأشار المركز إلى أن إيران تمتلك خيارات أكثر تطرفًا، وحدة، حيث أن الحرس الثوري الإيراني يمكنه السيطرة على ممرات الشحن في منقطة الخليج العربي، وخليج عُمان وبحر قزوين، عن طريق التحكم في الغواصات والطوربيدات والمناجم والقواعد البرية والتي تحتوي على صواريخ مضادة للسفن. ليس هذا فحسب، وإنما يمكن لإيران أن تُعطل بهذه الاستراتيجية الأخيرة شبكة نقل النفط العالمية، لبعض الوقت.
يُذكر أن خُمس إنتاج النفط العالمي يتم شحنه عبر المضيق ما بين إيران وشبه الجزيرة العربية، وبسيطرة إيران عليه سيُصبح مضيق هرمز ممر غير آمن لعبور السفن.
في حال تطبيق هذه الاستراتيجية لن تتأثر فقط الولايات المتحدة، وإنما ستؤثر على عدد كبير من الدول حول العالم. وهو ما يُعرض بدوره الولايات المتحدة إلى ضغط كبير لإنهاء أي حرب يمكن أن تقوم مع إيران في أسرع وقت ممكن.
تداعيات هذه السيناريوهات على قرارات ترامب

لم يضع ترامب نصب عينه هذه السيناريوهات قبل اتخاذه خطوة اغتيال سليماني، بل من الواضح أنه حتى لم يُفكر في سبب عدم قيام أوباما وجورج بوش الابن باغتيال سليماني، هل كانوا يعلمون بالعنف الذي ستتضمنه ردود الفعل الإيرانية بهذا الشأن؟
لم يترك ترامب لنفسه الفرصة لمراجعة نفسه أمام مواقف سليماني الداعمة في هزيمة داعش والقاعدة في العراق وسوريا. ظل ترامب معتمد على مستشاريه المتعصبين في اتخاذه لمثل هذه القرارات، خاصة مايك بومبيو. على الرغم من هذا، فإنه لا يعفيه من مسؤوليته تجاه هذا القرار، لكنه على الجانب الآخر يُظهر للقارئ للمشهد السياسي في هذا الوقت، أن مصادر معلومات الرئيس الأمريكي تشوبها في الغالب أجندات سياسية متضاربة.
ورأى المركز أن الأصوات تعالت حول ترامب لقتل أهم قائد عسكري في إيران، وكان أبرزهم وزير الخارجية، مايك بومبيو، وظهرت سطوة بومبيو في إدارة ترامب باعتباره ثاني أقوى مسؤول رسمي في الإدارة الأمريكية، في أكثر من مشهد، بدأت بإطلاق غارة بدون طيار، والتي نفذت خطة قتل قاسم سليماني، وكذلك برز دوره في دفع ترامب للانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية عام 2018، وبالتالي فهو يقوم بدور غير عادي في تشكيل سياسة الأمن القومي.
بومبيو رجل الظل في قرارات الإدارة الأمريكية
بومبيو الأمريكي البالغ 56 عاما ، هو الرجل الذي قاد الولايات المتحدة إلى صراع آخر في الشرق الأوسط، مُخترقًا بذلك أحد الوعود الرئيسية للحملة الانتخابية لترامب. صرح بومبيو بأنه ومسؤولون أمريكيون آخرون قاموا بتقييم المخاطر ذات الصلة التي يمكن أن تترتب على اغتيال سليماني، مؤكدا استعدادهم لما قد ينتج عن هذه الخطوة، والتي يمكن أن تُهدد أمن المواطنين الأمريكيين.
على الرغم من هذا، فإنه لا يوجد أي أدلة حول صحة ما سبق ذكره من تقييم مخاطر، أو غيره من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية قبل الانطلاق في تنفيذ توصياتهم. وبدلًا من اعترافه بهذا، بدأ بومبيو بتوجيه الأنظار إلى حادثة أخرى، باستخدام تكتيك الطعم والتبديل، وهو تكنيك غير قانوني يستخدمه غالبًا المُسوقين في أعمالهم الدعائية. في الواقع لم يُمثل سليماني أي تهديد على الإطلاق للقوات الأمريكية، فقد تم قتله بلا هدف، لمجرد أن ترامب وبومبيو قررا قتله.

يظل تاريخ بومبيو زاخر بالتوترات المتصاعدة ما بين الولايات المتحدة وإيران، حيث دعا بومبيو عام 2018 بعد توليه منصبه وزيرا للخارجية، ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات صارمة على إيران، بل ودعم سياسة الشراكة مع أعداء إيران البارزين ممن لهم جداول أعمال تتعارض بشكل أو بآخر مع المصالح الأمريكية بعد اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد ديسمبر الماضي، ضغط بومبيو على الإدارة الأمريكية لتنفيذ عملية اغتيال سليماني، على الرغم من تحذيرات وزارة الدفاع الأمريكية لترامب بهذا الصدد، وتبعاته المختلفة.