المراكز الأمريكية

شرق المتوسط وأمن الغاز الأوروبي… هواجس وتحديات

أثمر الربع الأخير من عام 2019 عن عدد من الأزمات التي من شأنها تهديد الأمن القومي لعدد من الدول، ومن أبرز هذه الأزمات أزمة أمن الغاز الأوروبي، حيث أشار الحصاد الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن الاتفاق الذي أبرمته كل من روسيا وأوكرانيا قبل حلول 31 ديسمبر من العام الماضي، أدى إلى تجنبها الوقوع في أزمة غاز أخرى.

معركة الغاز الأوروبي

ففي الوقت ذاته فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كل من شركة Allseas، وشركة Nord Stream 2 AG السويسريتين جراء تنفيذهما مشروعات خطوط الأنابيب في روسيا. على الرغم من هذا، فإن متوسط الأسعار في الصناديق الاستثمارية الأوروبية TTF، أغلق في ديسمبر 2019 بأقل من 37 % عما حققه في ديسمبر عام 2018. 

حظيت هاتان الشركتان بعقد إمداد خطوط الغاز الروسي إلى أوروبا، وذلك عبر أوكرانيا والذي انتهى في 31 ديسمبر، بينما واجه مشروع توصيل الغاز الروسي عدد من العقبات التي كانت تُهدد استكمال المشروع، حيث شابت الاتفاقية مجموعة من العقبات القانونية، حيث سعت أوكرانيا إلى تطويع تشريعاتها متوافقة مع القوانين الأوروبية، وهو ما أدى في فترة سابقة إلى توقف أوكرانيا عن شراء الغاز من روسيا بشكل مباشر، ولا يمكن تجاهل العلاقات المضطربة ما بين أوكرانيا وروسيا.

على الرغم من هذا، تمكن الجانبان من التوصل إلى صفقة دفعها دعم المفوضية الأوروبية وبعض الدول بشكل فردي، مثل ألمانيا، وتوفر الصفقة نقل ما لا يقل عن 65 مليار متر مكعب في عام 2020، و40 مليار متر مكعب سنويًا في الفترة من 2021 إلى 2024، ويأتي هذا في إطار إيقاف شركتي غاز بروم ونفطوجاز جميع مشروعاتهم التي كانت قد اتفقت عليها، ولم تحل إحداهما أي مشكلات مرتبطة بمصادرة الأصول في شبه جزيرة القرم، ولا يغيب عنا التسوية التي دفعتها غاز بروم لنفطوجاز الذي بلغ 2.92 مليار دولار لتسوية النزاعات ورضوخًا لقرارات التحكيم في عامي 2017 و2018. 

لا يغيب عنا ما تضمنته العقوبات الأمريكية على شركة Nord Stream 2 AG، وخاصة فيما يتعلق بقانون ترخيص الدفاع الوطني للعام المالي 2020، الأمر الذي دعا شركة Allseas إلى تعليقها مشروعاتها. وأتى رد الفعل الروسي بإصرارها على أن لديها القدرة على إنهاء المشروع، وكذلك ظهر رد فعل ألمانيا شديد اللهجة، حيث سعت إلى الانتقام لما تعتبره تدخلًا في الشؤون الأوروبية، ولكن من السابق لأوانه الفصل فيما إذا كان هذا ممكن أم لا. 

بشكل عام أوضح نيكوس تسافوس، الباحث في مجال الطاقة والأمن القومي، أنه بالنظر إلى وضع الغاز الأوروبي في نهاية عام 2019، فإن الاستنتاج الشامل أنه حتى في الوقت الذي تبدو فيه أوروبا آمنة وهادئة بشأن أزماتها الكبرى، إلا أن روسيا وأوكرانيا – كما ذكرت آنفًا – توصلت إلى صفقة ضمنت لأوكرانيا دور مُتصاعد في مجال تصنيع خطوط الغاز.

على الرغم من هذا، فإن روسيا هي الأكثر قلقًا فيما يتعلق بشبكة الغاز التي تُنفذ في جنوب شرق أوروبا، حيث تتم بها مراحل تطوير تستهدف استيعاب تورك ستريم، والغاز الوارد من أذربيجان، وهو ما يجعل الغاز الأوروبي معركة حقيقية عبر الأطلسي، تتضمن داخلها قتال بين ألمانيا والولايات المتحدة.

غاز الشرق الأوسط

C:\Users\DELL\Downloads\648e8b12-b8bc-49b8-808b-3a5c0638fbd1_16x9_1200x676.jpg

قام “تسافو بتقسيم الشرق الأوسط إلى قسمان متوازيين، أحدهما دول الإنتاج الفعلي، وخطوط أنابيب الغاز، والتدفقات التجارية، والاستثمارات الأجنبية، والأخرى دول الاستثمارات الناشئة التي تشمل إسرائيل والأردن ومصر.

أعلنت نوبل إنرجي الأمريكية في نهاية العام الماضي عن إنتاج أول غاز من حقل ليفياثان في إسرائيل، والذي أعلن عن اكتشافه في 29 ديسمبر من عام 2010. فقط مثل الربع الأخير من عام 2019 زخمًا لشركة نوبل إنرجي وشركائها، حيث قامت بتعديل اتفاقية لتزويد مصر بالغاز في أكتوبر الماضي، وفي نوفمبر حصلت على حصة في خط أنابيب EMG بلغت 39 %، والذي كان يتدفق من مصر إلى إسرائيل، في حين وقعت اتفاقية أخرى للحصول على أول رخصة لاستخدام الغاز في قبرص، وكذلك تم تطوير حقل أفروديت (عبر خط أنابيب إلى مصر).

ويُعد إطلاق حقل ليفياثان نقطة تحول لغاز الشرق المتوسط، حيث أن الغاز سيتدفق ما بين البلدان، وليس داخلها فقط، وهو ما يسمح بظهور تجارة كبيرة ما بين إسرائيل والأردن ومصر. على الجانب الآخر، فإن التطور الكبير في إنتاج مصر إلى إيجاد منافذ لإنتاج الغاز الزائد، خصوصًا بعد بدء الإنتاج في حقل ظهر. 

بينما تنشب المنافسة شديدة ما بين الغاز في إسرائيل والغاز الطبيعي المُسال في الأردن، وكذلك خط الأنابيب، والصادرات من الغاز المصري.

وقعت تركيا اتفاق مع حكومة السراج في ليبيا والتي تحظى باعترافها، لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وهو ما عرضها للتوبيخ، في الوقت الذي تم فيه إقرار قانون تفويض الدفاع الوطني في العام 2020، والذي تضمن عدد من الأحكام في المنطقة، وأسفر عن رفع الحظر على الأسلحة في قبرص، وقنن الأوضاع في نقل طائرة F – 35 إلى تركيا، وهو ما يُعزز من بُعد النوايا الأمريكية في الاعتماد على تركيا كشريك أساسي في منطقة الشرق الأوسط.

وقعت اليونان وإسرائيل وقبرص اتفاقية حكومية دولية لخط أنابيب في الشرق الأوسط، في الثاني من يناير 2020، إلى جانب الوصول إلى اتفاق مبدئي بين شركتين لبيع الغاز. هذه التطورات السريعة لا تُغير بشكل أساسي ديناميكيات الطاقة في المنطقة، فقد سمحت قبرص ببناء منشأة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وأضف إليها دعم أردوغان لصفقة بيع الغاز من إسرائيل إلى قبرص، وهو ما يُثبت أن التقلبات السياسية في المنطقة لم تؤثر بشكل كبير على هذه الاتفاقيات، حيث تشهد كل من اليونان وتركيا وقبرص وبعض القوى العالمية الناشطة في المنطقة تقلبات سياسية من شأنها التأثير على نشاط الغاز والتنقيب. 

تطورات اقتصادية تتحكم في وضع الغاز

من المتوقع أن يشهد النصف الثاني من عام 2020، طفرة في نشاط الغاز في العالم ككل، وهو ما قد يترتب عليه تغير هائل في الأسعار والتدفقات التجارية، وأمن الطاقة، وتطور الأسواق، وهو ما يجعل من الضروري السماح بتطوير إمدادات الغاز الطبيعي المسال الذي تم في الربع الأخير من عام 2019، والتي تُعزز حقيقة أن هناك زيادة قادمة لا محالة في سوق العرض على الغاز، خاصة في 2020.

فقد بدأت شركة قطر للبترول التي قامت مؤخرًا بالتوقع في مشروع حقل الشمال بطرح حوالي 126 مليون طن بحلول عام 2027، والذي يُمثل زيادة قدرها 64 % مقارنة باليوم، حيث كان هدفها السابق 110 مليون طن، وتُعد قطر ذات بصمة صناعية متميزة في مجال الغاز، حيث أنها تعتبر المنتج الأقل تكلفة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي تعتبر قطر مستعدة للتنافس بحصتها في السوق، بغض النظر عن السعر الذي تُقدم به منتجاتها. 

بينما وافقت اللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة FERC في الولايات المتحدة على أربعة مشروعات في نوفمبر الماضي، وهو ما زاد من تعزيز المرشحين في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2020، وأعلن عن مشروع ليك تشارلز الذي تم تطويره بشكل مشترك بين شيل وإنرجي ترانسفير، وذلك بطرح مناقصة تجارية لخدمات الهندسة والبناء والمشتريات. وأبرم الكومنولث للغاز الطبيعي المسال عقد مع شركة غانفور الذي يسمح له بالخروج في وقت لاحق من المشروع، إلى جانب المساعدة في تسويق الكميات المتبقية. 

بينما في ألاسكا اقترح مشروع مشترك لبناء منشاة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في الشمال وبالتالي تجنب التكاليف التي ينطوي عليها إنشاء خط أنابيب عبر الولاية.

على الجانب الآخر، أصدرت جمعية الغاز الأمريكية دراسة أعدها معهد ICF حول إمكانية خفض العرض والانبعاثات من المصادر المتجددة للغاز الطبيعي، والذي يتضمن السماد الحيواني، ونفايات الطعام، وغيرها. فيما قيمت الدراسة تسعة مصادر مختلفة كمادة وسيطة وثلاث تقنيات إنتاج، على إمكانيات السوق، حيث أوضحت الدراسة أن الغاز الطبيعي المتجدد قد يرتفع انتاجه بحلول عام 2040 إلى مستوى قد يتيح تغطية الاستهلاك الحالي للغاز السكني.

بينما أشارت الدراسة فيما يتعلق بالتكاليف، إلى أن غالبية الإنتاج من الغاز الطبيعي المسال متوفرة في حدود 7 دولار إلى 20 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مما ينتج عنه تكلفة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة ما بين 55 دولار للطن، إلى 300 دولار أمريكي للطن في عام 2020.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى