الصحافة العربية

من طهران 1979.. إلى بغداد 2019 .. اقتحام السفارات صناعة إيرانية

  أربعون عاما مرت على اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، لم تكن الثورة الإسلامية الخمينية طوت صفحاتها الأولى بعد حتى انتهى ربيع العلاقات الإيرانية الأمريكية، فبعد انسجام ساد العلاقات بين واشنطن وطهران طوال فترة حكم الشاه “محمد رضا بهلوي” خرجت الاضطرابات إلى السطح بعنف شديد انعكس في محاولة مجموعة من الطلاب الإيرانيين “الثوريين” اقتحام مقر السفارة الأمريكية في طهران.

فداحة ما جرى في ذلك التوقيت من احتجاز 52 رهينة أمريكية لمدة 444 يوما، جعلت واشنطن تدفع اليوم بكل السيناريوهات والبدائل المتاحة لتجنب تكرار نفس السيناريو. والقاسم المشترك بين الواقعتين هو صراع النفوذ الأمريكي – الإيراني، والاختلاف أن الصراع الآن قد نقل إلى الأراضي العراقية بعد استهداف أمريكا لكتائب حزب الله الموالية لإيران.

اقتلاع مخلب النسر

 بالعودة إلى عام 1979 فقد شكلت واقعة احتجاز الرهائن الأمريكيين أكبر فشل لإدارة ” جيمي كارتر” التي وقفت مكتوفة الأيدي أمام تحرير الرهائن عن طريق المفاوضات، وفي إبريل 1980 أقدمت الولايات المتحدة على عملية عسكرية أطلقت عليها في وقتها ” مخلب النسر” لتحرير الرهائن. وهي العملية التي باءت بفشل ذريع ونجم عنها تدمير طائرتين ومقتل ثمانية أمريكيين. وكان يناير 1981 التاريخ الذي شهد انفراج أزمة الرهائن الأمريكيين بعد التوقيع على اتفاق بهذا الخصوص في الجزائر. وكان ذلك بعد أداء الرئيس الأمريكي ” رونالد ريجان” القسم كرئيس جديد للولايات المتحدة بعد فشل سلفه ” جيمي كارتر” في الحصول على ولاية ثانية، وهي نفس الفترة التي شهدت خروج فضيحة “إيران- كونترا” إلى السطح. 

خصومة لا يلغيها الزمن

في الذكرى الأربعين لاقتحام السفارة الأمريكية في طهران جدد المرشد الأعلى ” آية الله خامنئي ” رفضه لأي حوار مع واشنطن وسط تخوفات من انهيار الاتفاق النووي وعقوبات اقتصادية وصلت لتصفير صادرات إيران النفطية، ولذلك يرجح محللون أن يكون عام 2020 هو عام الحسم في العلاقات الأمريكية الإيرانية.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\1-804585.jpg

فخلال العام الماضي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده بشكل أحادي من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الدولية مع إيران في 2015، وعلى أية حال فإن طهران تمتلك تاريخًا حافلا وسيئًا في تطبيق اتفاقية فيينا التي تنص على حماية البعثات الدبلوماسية المعتمدة.

الهجوم على السفارة السعودية عام 1987

  في عام 1987، وبعد وقوع أحداث شغب إيرانية في  موسم الحج، هاجمت مجموعات إيرانية مقر سفارة المملكة في طهران وقامت باحتلالها واحتجاز الدبلوماسيين السعوديين بداخلها. واعتدى أيضا مهاجمون على القنصل السعودي في طهران رضا عبد المحسن النزهة، وبعد توجهه إلى المستشفى للعلاج، اقتادته قوات الحرس الثوري واعتقلته قبل أن تفرج عنه بعد مفاوضات بين السعودية وإيران.

محاولة إحراق السفارة الفرنسية

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\1-804590.jpg

في 12 فبراير عام 2006، تجمع مئات الأشخاص أمام السفارة الفرنسية في طهران، احتجاجا على نشر رسوم مسيئة للرسول في الصحف الغربية. ورشق المتظاهرون مبنى السفارة بالزجاجات الحارقة والحجارة، وحاولوا اقتحام حرم السفارة لكن قوات الأمن منعتهم.

محاولة اقتحام السفارة البريطانية 

في 29 نوفمبر عام 2011، اقتحمت جموع إيرانية، يعتقد أنهم من قوات التعبئة العامة (الباسيج) مجمعين للسفارة البريطانية في طهران، وحطموا النوافذ وأضرموا النار في سيارة وأحرقوا العلم البريطاني.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\1-804589.jpg

وجاء الاعتداء بعد إعلان لندن عقوبات على طهران بسبب نشاطها النووي.  وقالت وزارة الخارجية البريطانية في حينها إن اقتحام السفارة ما كان ليحدث لولا موافقة السلطات الايرانية. وعلى إثر ذلك، قامت بريطانيا بطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية وإغلاق السفارة الإيرانية في لندن، قبل أن تعاد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل كامل في 21 أغسطس عام 2015، عقب توقيع إيران الاتفاق النووي مع الغرب.

إحراق السفارة السعودية 2016

هاجم متظاهرون، مبنى السفارة السعودية في طهران، وألقوا باتجاهه قنابل حارقة، ما أدى إلى اشتعال النيران به، ورشق المتظاهرين مبنى السفارة بالزجاجات الحارقة، وتمكنوا من اقتحام السور ودخول حرم المقر قبل أن تخرجهم منه الشرطة.  

بغداد..2019

C:\Users\DELL\Desktop\1220193112199277.jpg

الأسبوع الماضي قتل جندي أمريكي في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية عراقية، حملت واشنطن اللوم للميليشيات الإيرانية وجاء الرد سريعًا حيث نفذت القوات الأمريكية غارات جوية أسفرت عن مقتل 25 عنصرًا من ميليشيا كتائب حزب الله .

وأعقب ذلك على الفور، محاولة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد بعد تشييع قتلى الميليشيات. الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية شهدت تدفق أعداد كبيرة لرجال يرتدون زي قوات الحشد الشعبي مجتازين الحواجز الأمنية وصولاً إلى الأسوار المحيطة بالسفارة وتلا ذلك النفاذ داخل المجمع.

ويقول مراقبون إن ظهور قادة ميليشيات الحشد الشعبي ومحاولة تصعيدهم مع الولايات المتحدة الأميركية، هي محاولة للفت الأنظار عن ساحة التحرير التي يعتصم فيها العراقيون ويحتجون ضد النفوذ الإيراني وفساد الطبقة السياسية منذ ثلاثة أشهر. حيث قتلت تلك المليشيات أكثر من 460 متظاهرا، واغتال عناصرها ناشطين عراقيين واختطفوا عددا منهم.

وأظهرت لقطات مصورة  “قيس الخزعلي وهادي العامري”، زعيما ميليشيا العصائب وبدر، يقودان اقتحام السفارة الأميركية. كما انضم “أبو مهدي المهندس وحميد الجزائري” زعيم ميليشيا الخراساني لمحاولات اقتحام السفارة الأميركية ويعد ذلك الظهور العلني الأول.  

إيران تحكم المنطقة الخضراء

وثارت التساؤلات حول الكيفية التي تمكن بها المتظاهرون من التقدم إلى هذا المدى في المنطقة الخضراء” شديدة الحراسة والتأمين” وهو ما دفع بالسياسي ” فائق شيخ علي” المعارض للميليشيات المسلحة للتساؤل بسخرية عما إذا كان من يتحكم بالبلاد حقيقة قد انكشف أمره بعد؟!

وقال فائق الشيخ علي في تغريدة “أيها العراقيون الشرفاء: سؤال في منتهى البراءة والسذاجة السياسية! هل عرفتم اليوم بيَدِ مَنْ مفاتيح ومغاليق أسوار المنطقة الخضراء، يدخلون فيها مَنْ يريدون ويخرجون منها مَنْ لا يريدون؟ هل عرفتم المُلثَّم الذي كان يطلق النار على متظاهرينا ويقتلهم؟”.

المشهد العراقي الحالي يشير بقوة إلى أن صراع النفوذ بين واشنطن وطهران اتخذ وسيتخذ من العراق في الفترة المقبلة ساحة للمبارزة. وعلى الرغم من تمرس إيران في اقتحام السفارات ومحاصرتها إلا أن واشنطن بنفوذها المتغلغل في العراق استطاعت في مدة قصيرة إجبار ميليشيات إيران على التراجع والانسحاب، حيث لا يزال النفوذ الأمريكي داخل العراق هو الأكثر هيمنة حتى الآن.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى