الصحافة الدولية

“السترات الصفراء”..عام مر وجذوة ظلت مشتعلة

عام مر على الحركة الاحتجاجية “السترات الصفراء” التي قامت في فرنسا، اعتراضا على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث كانت الفتيل الأول في هذه التظاهرات لإعلان الحكومة الفرنسية بقيادة إيمانويل ماكرون عن فرض ضرائب المحروقات، وهو الأمر الذي رفضه الشعب الفرنسي، مما أدى إلى خروج الآلاف منهم إلى شوارع باريس وبعض المدن الفرنسية، بناء على دعوات بعض النشطاء الفرنسيين على وسائل التواصل الاجتماعي.

حققت حركة السترات الصفراء عددا من النجاحات في طريقها على مدار عام، حيث يجتمع المتظاهرون كل يوم سبت من كل أسبوع، وعلى الرغم من عدم انتمائها لقيادة أي جهة سواء حزبية أو مجتمعية أو غيرها، إلا أنها حصدت عدد المكاسب التي لا يمكن غض الطرف عنها.

لم تتوقف السترات الصفراء، حتى بعد مرور العام، وإنما مازالت هناك جذوة تشتعل مع اندلاع الإضراب العام الذي أعلنت عنه اتحاد النقابات الفرنسية والذي يستمر منذ 26 يوما، منذ الخامس من ديسمبر الجاري، وهو ما يضع السترات الصفراء في قائمة الإضراب العام إيمانًا من أعضاءها بأهمية دورهم وفاعلية مشاركتهم فيها.

إرهاصات المظاهرات

حصلت الحكومة الفرنسية على عدد من المؤشرات التي تُنذر بوقوع مظاهرات ضخمة جراء سياساتها المتبعة منذ وقت طويل، إلا أنها لم تنتبه لها، كان من أهم هذه الإرهاصات ردود الأفعال التي أبداها الفرنسيين تجاه إجراءات الإصلاح الاقتصادي، حيث قام ماكرون بخفض الضرائب على الشركات الكبرى بما يُقدر بحوالي 10 مليار يورو، إلى جانب تخفيض ضريبة الشركات بوجه عام إلى 25 % بحلول عام 2022، وهو ما يُعتبر انخفاض كبير جدًا مقارنة بالنسبة المقررة عام 2018، والتي بلغت 33 %، وهو ما دفع الشارع الفرنسي بوصف ماكرون ببطل الأغنياء.

لم يتوقف عند هذا فقط، بل أعلن ماكرون عن عدد من القرارات التي من شأنها أن تضغط على الفقراء، ومنها: خفض الإنفاق الحكومي على قطاع الرعاية الصحية العامة، وتجميد مشروعات البنية التحتية والتخلص بما يُقارب من 1600 وظيفة في الخدمة المدنية، إلى جانب تخفيض المعاشات التقاعدية.

وعلى ما يبدو أن السترات الصفراء لم تكن تُمثل فقط اعتراض على الإجراءات الاقتصادية فحسب، وإنما احتوت خطابات ماكرون على نبرة غطرسة وتعالي على الفئات المتوسطة والفقيرة في فرنسا، مما أدى إلى زيادة احتقان الشارع الفرنسي منه.

وهو ما جعل حوالي 300 ألف فرنسي يخرجون بشكل غير منظم إلى الشارع مرتدين سترات صفراء، مُعبرين عن غضبهم واحتقانهم جراء كل ما سبق.

التعامل الأمني مع السترات الصفراء

على الرغم من محاولات حكومة ماكرون لاحتواء حركة السترات الصفراء، إلا أنها لم تنجح بشكل كبير، ازدادت عنفًا في بعض الأوقات، حيث أصيب على مدار عام من التظاهر 2500 فرنسي، إلى جانب إصابة 1800 فرد شرطة.

ألقت طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع متظاهري السترات الصفراء على التظاهرات طوال عام كامل الظل على أزمة الشرطة، حيث تعرض المتظاهرين للعنف الأمني بشكل واضح جدًا، فقد أدت بعض الاشتباكات التي دارت أثناء التظاهرات إلى سقوط قتلى في صفوف المتظاهرين، إلى جانب فقدان بعض المتظاهرين لأعضائهم، حيث فقد بعضهم أعينهم والتي استهدفتها قوات الشرطة.

حصاد عام على بداية السترات الصفراء

في الوقت العصيب الذي مرت به حكومة ماكرون طوال عام من التظاهر، رضخت إلى بعض المطالب، حيث انعكس هذا في أعداد المتظاهرين في أوقات معينة من العام، فقد تمكنت الحكومة من امتصاص بعض الغضب الذي كان يعم الشارع.

تمكن ماكرون من تغيير بعض سياساته الإصلاحية نتيجة للضغط القائم من تظاهرات السترات الصفراء، حيث دعا إلى حوار وطني تُشارك فيه جميع الفئات في كافة أنحاء فرنسا، وذلك في الفترة من يناير 2019 وحتى مارس 2019، والتي أفضت في النهاية إلى اتخاذ ماكرون لبعض القرارات التي من شأنها تهدئة الأوضاع في الشارع الفرنسي.

حيث أعلنت حكومة ماكرون عن منح ومساعدات بمقدار 17 مليار يورو التي وضعها على مائدة الحوار، إلى جانب خفض الضرائب، مما أدى إلى رفع الإنتاج الإجمالي المحلي بمقدار 0.1 نقطة في الربع الأخير من عام 2018، وفقًا لمؤسسة الإحصاء الاقتصادي الفرنسية INSEE، إلى جانب إعادة جدولة المعاشات التقاعدية التي تقل عن 2000 يورو، وكذلك إعادة النظر في ساعات العمل الإضافي المُعفاة من الضرائب.

اشتملت الإجراءات الإصلاحية على عدد من التدابير الاجتماعية الطارئة، التي ساعدت في دعم القوة الشرائية للفرنسيين والذي أدى إلى زيادة شعبية ماكرون بين أوساط المجتمع الفرنسي، حيث أجرت مؤسسة Odoxa دراسة استطلاعية أوضحت أن سبعة من كل عشرة فرنسيين يجدون أن تظاهرات السترات الصفراء هامة جدا وذات جدوى.

بينما أجرت صحيفة “لاتريبيون” الفرنسية استطلاع رأي حول شعبية ماكرون في فرنسا، والذي انخفضت شعبيته في نهايات العام الماضي بسبب الاحتجاجات المستمرة التي أطلق عليها حركة السترات الصفراء، في حين أن نتائج هذا الاستطلاع خلال العام الحالي أظهرت أن شعبية ماكرون زادت من 32 % إلى 35 % وفي المقابل انخفضت نسبة الآراء السلبية خلال نفس الفترة من 68 % إلى 65 %.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى