
هكذا تقوم تركيا بنقل الإرهابيين من سوريا إلي طرابلس الليبية
حين هدأ وقع ميدان الحرب في سوريا بجملة محصلات استراتيجية منها؛ تثبيت الدولة السورية موقعها كفاعل لا يمكن تجاهله بطاولة التفاوض وميدان القتال – رغم القدرة التدميرية الهائلة التي أحدثتها وقائع الحرب والتنظيمات المسلحة والإرهابية للقدرات الدفاعية السورية – ومع تأكيد روسيا ارتباطاها الاستراتيجي بسوريا، علي نحو تدخلها العسكري المباشر في العام 2015 وتعزيز موقفها كفاعل دولي قادر علي انتهاج سياسية إيجابية نشطة للتعاطي مع الأزمة، وهجومية أحياناً في الميدان، ومع انحسار رقعة الأراضي التي تسيطر عليها التنظيمات والجماعات الإرهابية بامتداد الأراضي العراقية – السورية؛ أفضي ذلك لتدكس الإرهابيين التنظيمات المسلحة في جيوب جغرافية ضيقة، ارتبطت أكثر فأكثر بأجندات القوي الإقليمية الداعمة لها وكذا التصقت أحياناً بحدودها الجغرافية.
سياقات ميدانية
الشمال السوري أوضح صور ذلك، حين استدارت دفعة الحرب السورية بعد معركة حلب 2016، لصالح محور روسيا – سوريا – إيران، لتتجه بعدها تركيا إلي إعادة هندسة خريطة التوزيع العسكري لجماعات “المعارضة المعتدلة” كما يُصنفها الغرب، وكذلك التنظيمات الإرهابية المدرجة علي قوائم الإرهاب بالأمم المتحدة كجبهة النصرة.
المساعي التركية في الشمال السوري من بعد معركة حلب ذهبت للتعامل مع تحديين أساسيين هما:
- التعامل مع فائض العناصر الإرهابية المنضوية تحت أكثر من 20 تنظيم وفصيل مسلح.
- دمج التنظيمات المسلحة تحت قيادة عملياتية واحدة تشكل رأس حربة لمواجهة التقدم السوري المنتظر من جهة، وتنفيذ أعمال التمهيد لخطط الاجتياح التركي لمناطق شمال شرقي سوريا علي نحو ظهر في ثلاثة عمليات نظامية رئيسية ( درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام).
أدت المساعي التركية لتحقيق هدفين، الأول، سيطرة نارية محدودة علي جبهة يقدر طولها بنحو 400 كم وبعمق 30 كم، تم تحجيمها بالوساطة الروسية مطلع أكتوبر الماضي، حيث وصل الجيش السوري ووحدات من الشرطة العسكرية الروسية للقامشلي وأصبحوا في خطوط تماس مع الجماعات المسلحة الموالية لتركيا وكذا بعض من وحدات جيشها النظامي. والثاني، تحويل إدلب السورية التي يقطنها أكثر من 3 ملايين نسمة، إلي خزّان بشري من العناصر المسلحة المرهونة للقرار الاستراتيجي التركي. لتتجه الأنظار مرة أخري لفائض العناصر المسلحة والإرهابية الموالية لتركيا حين انتهت العمليات العسكرية الكبرى، وأصبحت العناصر المسلحة وقدراتها التعبوية شاغرة المهام بعدما انتهي دورها في تنفيذ الالتحامات المباشرة مع قوات سوريا الديمقراطية وشغلها للخطوط الأمامية في المواجهات.
مؤشرات وتحذيرات دولية
بعدما أدي النشاط الإرهابي العنيف بالميادين السورية والعراقية علي وجه الخصوص في الفترة الممتدة بين 2014 -2017، إلى إحداث تغيير ديموغرافي كبير من الموصل وصولاً لعفرين، خدم مصالح تركيا وإيران تحديداً، ظهرت العديد من المؤشرات الكاشفة لأبعاد عمليات إعادة تموضع وانتشار الجماعات الإرهابية بالمنطقة.
ففي ديسمبر من العام 2017، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن عناصر تنظيم داعش الإرهابي، قد غادرو الرقة وأرسلوا إلي سيناء. ولم يكشف مزيداً من التفاصيل حول عدد الإرهابيين، الذين انتقلوا لسيناء أو طريقة دخولهم الأراضي المصرية.
وذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية، أن المئات من عناصر “داعش” استطاعوا مغادرة الرقة، المعقل الرئيسي السابق للتنظيم في سوريا قبل سقوطه في أكتوبر الماضي، ضمن ترتيب هدف لإخراج المدنيين منها قبيل السيطرة عليها وآخر لإخراج المسلحين المحليين إلى دير الزور المجاورة.
السياقات الميدانية التالية لتحرير الرقة بدورها دفعت باتجاه كشف أنماط استراتيجيات إعادة التموضع والانتشار للإرهابيين برعاية إقليمية، ففي إبريل الماضي، وبتوقيت متزامن، بدأت عمليتين عسكريتين قد تحققا استدارة كبيرة في الصراع والتنافس الإقليمي والدولي بالمنطقة، وترتبطا بصورة مباشرة بالأهداف التركية بالمنطقة، هما علميتي أدلب السورية، وطرابلس الليبية. حيث بدأ الجيش السوري هجومه بدعم روسي في المناطق الجنوبية والشرقية لإدلب، وأعلن المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي عن انطلاق عمليات تحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات العسكرية التي تحكم سيطرتها علي مفاصلها وتُدار من قِبل أفراد مدرجين علي قوائم الإرهاب الدولي. إذ بدأ الزحف للجيش الوطني الليبي انطلاقاً من بنغازي ووصولاً لسرت والجفرة، ما حصر الميليشيات أمام البحر وخطوط الدعم التي تأتي عبره وفي الأجواء.
في هذا السياق، وفي مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي في روما، في يوليو الماضي، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه إزاء تسلل المسلحين من إدلب السورية إلى ليبيا، مشيرا إلى أن هذا الأمر يشكل خطرا على الجميع.
بدوره نوّه الرئيس السيسي في آخر نسخة من منتدي شباب العالم، منتصف الشهر الجاري، ارتباط كل من ليبيا والسودان بالأمن القومي المصري، وأن مصر لن تسمح بتهديد استقرارهما من طرف القوي الأخرى. تزامنت تصريحات الرئيس السيسي بانخراط تركي مباشر في الأزمة الليبية علي نحو هدد جهود التسوية وأزكي الصراعات الجارية، كان أبرز صوره توقيع مذكرتي تفاهم بين حكومة الوفاق وتركيا، شملت بنود ترسيم الحدود البحرية بما يخالف القانون الدولي، وتقديم دعم عسكري تركي مباشر، بما يتضمن إرسال قوات عسكرية نظامية. وافق البرلمان التركي قبل أسبوع علي تمرير واعتماد مذكرتي التفاهم، كما يستعد حالياً للتصديق علي إرسال قوات تركية للأراضي الليبية. في هذه الأثناء تكشفت مؤشرات أبعاد تنفيذ تركيا عبر أجهزة استخباراتها، إعادة تموضع وانتشار العناصر الإرهابية وتكتيكات نقلها من إدلب السورية للعاصمة الليبية طرابلس، يمكن حصرها في الآتي:
- إرسال عناصر الاستخبارات أولاً:
كشف كاتب تركي عن قيام تركيا بإرسال أحد الأسماء المقربة من رئيس جهاز الاستخبارات حقان فيدان إلى ليبيا بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط الذي وقع في نوفمبر الماضي بين أنقرة وطرابلس. الكاتب التركي أحمد طاقان قال في مقال نشره مؤخراً على موقع “قورقوسوز” الإخباري التركي ونقلته صحيفة “العين الإخبارية” أن الشخص الذي تم إرساله كان أحد المسؤولين السابقين بجهاز الاستخبارات وأن عملية إرساله تمت قبل نحو أسبوعين .وأشار إلى أن ذلك تم قبل إقرار البرلمان التركي إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، لافتاً نقلا عن مصادر موثوق بها داخل أجهزة الدولة إلى أنه لن يكشف عن هذه الشخصية لكن من المؤكد أنها مقربة من رئيس جهاز الاستخبارات حقان فيدان .وتابع “هذه الشخصية تعتبر من القوات الخاصة ولقد تولى العديد من المهام الحساسة عقب المحاولة الانقلابية في 2016 ولربما إرساله إلى ليبيا من أجل إراحته ونسيانه، رافضاً الخوض في مزيد من التفاصيل حول طبيعة المهمة التي كلف بها هذا الشخص”.كما بيّن أنه لفت إنتباهه ما تضمنته المذكرة الأمنية الموقعة مع ليبيا من عبارات مثل (موظف ضيف) و(موظف مدني) التي ربما جاء بموجبها إرسال تلك الشخصية. وأضاف أن “الأيام القليلة المقبلة ستشهد ذهاب وفد تركي إلى روسيا لبحث الأوضاع الليبية وعند النظر إلى عقلية العدالة والتنمية نجد أن هذا النظام دائماً ما يفضل الخيارات العسكرية بديلاً عن الدبلوماسية”. تمثل العناصر الاستخباراتية التركية الأداة الفعلية لاتمام عمليات النقل والتعبئة فضلاً عن إدارة المعارك.
- تفعيل القدرة التعبوية في إدلب:
ذكر تقرير لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، اليوم، أن الفصائل الموالية لتركيا افتتحت مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا، التي تشهد بدورها تدخلا تركيا لدعم حكومة فايز السراج في “طرابلس” والخاضعة لسيطرة الميليشيات الإرهابية.
وأوضحت المصادر لـ”المرصد السوري”، الذي يتخذ من “لندن” مقرا له، أنه افتتح في منطقة “عفرين” شمال حلب 4 مراكز لاستقطاب المقاتلين ضمن مقرات تتبع للفصائل الموالية لتركيا، حيث افتتح مكتب تحت إشراف ما يسمى بـ”فرقة الحمزات” في “مبنى الأسايش” سابقا، وفي مبنى الإدارة المحلية سابقا تحت إشراف “الجبهة الشامية”، كما افتتح “لواء المعتصم” مكتباً في قرية “قيباريه”، وفي حي “المحمودية” مكتبا آخر تحت إشراف “لواء الشامل”.
ورصد “المرصد السوري” أن عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز، للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، وأكدت مصادر أن الفصائل الموالية لتركيا، تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية وتقدم مغريات ورواتب مجزية تتراوح بين 1800 إلى 2000 دولار أمريكي لكل مسلح شهريا.
في هذا السياق، أعلنت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، قبل أسبوع، مقتل 19 من الميليشيات الإرهابية إثر غارة جوية علي مواقعهم في منطقة بوهادي بمحيط مدينة سرت منهم 11 يحملون الجنسية السورية.
- استخدام الطيران المدني في عمليات نقل الإرهابيين
رصد موقع flight radar المعني بمراقبة حركة الطيران المدني والعسكري، عن رحلات جوية مدنية انطلقت من المطارات التركية والجزائرية وكان هدفها مطاري مصراتة وطرابلس. حيث نفذت طائرة شحن مسجلة ضمن دولة مولدوفا، أربع رحلات منذ بداية الشهر بين إسطنبول وأزمير التركيتين، والعاصمة الجزائرية ومطاري مصراتة وطرابلس. حركات الطيران المدني المشبوهة من وإلي إسطنبول – طرابلس، اتخذت محني أكثر وضوحاً، حتي كشفت صحيفة المرصد الليبية عن تفاصيل رحلة فجر الأربعاء بين إسطنبول وطرابلس، كشفت عن وجود جسر جوي برعاية استخبارات تركيا.
امس تحدثت منصات ليبية عن طائرات ليبية قيل أنها إثنان واحدة تابعة للخطوط الليبية وأخرى للخطوط الأفريقية ، وقد قامت وفقًا لهذه المنصات برحلة منفصلة لكل منهما جُلب على متنها مقاتلون من سوريا بلغ عددهم 60 في كل طائرة ، في ذات السياق قالت قناة ” ميادين اللبنانية ” المقربة من دمشق ليل يوم 24 ديسمبر أن موعد التسفير سيكون الساعة الواحدة بعد منتصف الليل من يوم 25 أي بعد ساعات قليلة من نشرها الخبر .
كما تحصلت صحيفة المرصد على نسخة من بريد إلكتروني وُصف بالحساس والهام يتعلق برحلة قامت بها ليلة 25 ديسمبر ( فجر الأربعاء ) طائرة تابعة للخطوط الليبية وهو عبارة عن رسالة بين المدير الرئيسي لمحطة الأفريقية في إسطنبول والإدارة العامة في طرابلس .
كانت فحوي الرسالة تتضمن طلب من المدير الرئيسي لمحطة الافريقية، في إسطنبول، وهو تركي الجنسية، من الموظف الليبي، عدم تضمين مسارات الرحلة وتفاصيلها وعدد الركاب، بطلب من جهاز المخابرات الوطني “أي التركي”، وبالفعل لم تُدرج الطائرة بموقع مراقبة الملاحة الجوية العالمية Flight radar، رغم وصولها لطرابلس حسبما أفادت المرصد الليبية.
تلجأ تركيا للطيران المدني لنقل العتاد والعناصر الإرهابية، لتجنب استهدافها من قبل الطيران الليبي، وملاحقتها من أية جهود قد تسفر عنها إجراءات دولية مرتقبة نظراً لتعدي الانخراط التركي الخطوط الحمراء.
- اختراق الجبهة الجنوبية وتفعيل خط إمداد بديل
حيث أعلن جهاز الأمن الوطني في النيجر القبض على مجموعة إرهابية تتكون من ثلاثة أشخاص يحمل اثنان منهما الجنسية التركية ومتعاون محلي تسللوا إلى العاصمة نيامي قادمين من تركيا مؤكدًا إرتباطهم بتنظيم داعش الإرهابي في الصحراء الكبرى .تأت المحاولات التركية للدخول للحوض الجنوبي الليبي بالتزامن مع تطويع قبائل الطوارق النشطة في هذه المنطقة، حيث استقبلت وفد يضم 10 من القيادات القبلية هناك، في إبريل الماضي، وقد رصد المرصد المصري في مادته عن “تركيا والميدان الليبي .. إلي أين؟” عن طبيعة وأهداف نشاط النظام التركي مع قبائل الطوارق.
أما خطوط الإمداد البديلة، فقد جاءت عبر تونس طبقاً لتصريحات المتحدث الرسمي للجيش الليبي، العقيد أحمد المسماري.
حيث اتهم المتحدث باسم “الجيش الوطني الليبي” أحمد المسماري المخابرات التركية، بنقل عناصر تنظيمي “داعش” و”النصرة” من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة التونسي.
ونقلت “بوابة الوطن” المصرية عن المسماري قوله: “بالتأكيد تم نقل عناصر من تنظيم “داعش” الإرهابي و”جبهة النصرة”، تم نقلهم من سوريا بواسطة المخابرات التركية والكثير من المقاتلين، وهذا الموضوع خطير جدا، لأن هناك استخداما لأحد مطارات تونس في هذا الجانب، وهو مطار جربة، حيث يتم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، ويتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطارات مصراتة وزوارة ومعيتيقة استقبلت أعدادا كبيرة من “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش”.
وأشار المسماري إلى أن “البرلمان التونسي السابق تحدث عن ذلك في إحدى جلساته، وهناك أحاديث للسياسيين التونسيين عن هذا الأمر بالأرقام، والدولة التونسية تحت سيطرة حزب “النهضة”، التابع لتنظيم الإخوان الدولي، وهم الذين يسيرون الدولة”.
خاتمة
تحاول تركيا استنساخ النموذج السوري في الأراضي الليبية، لتحويلها لبؤرة صراع إقليمية تخضع للتجاذبات العسكرية فيها قبل الدبلوماسية والسياسية، لتحقيق مكاسب تتعلق بالنفوذ، وموضع تركيا التائه من خريطة الطاقة الناشئة في شرق المتوسط وخطوط تداول وإمداد الطاقة لجنوب أوروبا، مستخدمةً في ذلك الأنساق ذاتها التي طوعتها وابتكرتها في أنماط حروب الوكالة واستخدام الميلشيات المسلحة والإرهابية كموجة أولي تمهيدية لعمليات دخول القوات النظامية لأرض الميدان. وقد أعطت الحصيلة الأخيرة لقتلي ميلشيات سرت التي ضمت 11 قتيل من أصحاب الجنسية السورية، صورة لما قد تحدثه عمليات نقل الإرهابيين من تمديد لساحات الاقتتال والعبث بالأمن القومي لدول الجوار.