دول المغرب العربي

تصويت على الاستقرار…انتخابات الرئاسة الجزائرية

فتحت أبواب الاقتراع بالخارج للتصويت من أجل اختيار الرئيس الجزائري في السابع من الشهر الجاري، على أن يبدأ الاقتراع بالداخل في الثاني عشر من الشهر ذاته. وتجرى هذه الانتخابات في ظل حالة من انقسام الآراء ما بين مؤيد ومعارض لعقد هذه الانتخابات. وتقع المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الفريق أحمد قايد صالح في صدارة الإتجاه المؤيد لعقد انتخابات، تسهم في وضع حد لحالة الفراغ السياسي الذي تعاني منه البلاد منذ أن تم تنحية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مطلع إبريل الماضي، وتخفيف الضغوط عن المؤسسة العسكرية، التي تولت إدارة ودرء المخاطر الجاسمة أمام البلاد منذ تصاعد الاحتجاجات الرافضة لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة في الثاني والعشرين من فبراير الماضي، ولعب الدور الأكبر في تسيير مهام الفترة الانتقالية للبلاد إلى أن ينتخب رئيس جديد للبلاد. وعلى الجانب الآخر، تصر الحركة الاحتجاجية بما تتضمنه من أطياف مختلفة على عدم إجراء الانتخابات، واستمرت الشعارات المناهضة لعقد الانتخابات حتى الجمعة السابقة على فتح باب الاقتراع مباشرة.

مشهد مضطرب

 تأتي هذه الانتخابات في ظل حالة الاضطراب التي تشهدها البلاد منذ إقرار ترشح الرئيس بوتفليقة، الأمر الذي دفع الجزائرين للاحتجاج حتى تم تنحيته، وإلغاء الانتخابات التي كان مقررعقدها في إبريل الماضي، وتولي الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح رئاسة البلاد لفترة انتقالية تمتد 90 يومًا تعقد عقبها انتخابات في الرابع من يوليو. غير أنه تم إلغاء عقد هذه الانتخابات هي الأخرى لاستمرار الاحتجاجت وتصاعد سقف المطالب حد المطالبة برحيل كافة رموز النظام السابق بما فيهم أحمد قايد صالح نفسه، والرئيس المؤقت ورئيس الوزراء ورئيس المجلس الدستوري ورئيس المجلس الوطني الشعبي ” رحيل الباءات الأربع”، ورهن عقد الانتخابات بتحقيق هذا المطلب، فضلًا عن الإفراج عن كافة المعتقلين ومعاقبة كافة من تورط في تهم فساد من رموز النظام السابق. إلا أن هذه المطالب قوبلت باستنكار قايد صالح، والذي اعتبرها تآمرًاعلى البلاد، خاصة  وأنه يرى أنه الضامن لعملية الانتقال السلمي للسلطة، وأنه من قام باستبعاد الرئيس بوتفليقة وكافة رموزه عن المشهد، فضلًا عن القبض ومحاكمة رموز النظام السابق بالفعل بما فيهم شيق بوتفليقة.

  • إجراء الحوار الوطني

لتهدئة حالة السخط المتصاعدة، وتخفيف حدة التصعيد المتبادل بين السلطة والمحتجين، دعا الرئيس الموقت في منتصف يوليو الماضي إلى إجراء حوار وطني جامع، يشمل كافة أطياف المجتمع الجزائري، بعيدًا عن المؤسسات الحاكمة وكذلك الحراك الشعبي، كمحاولة لتجاوز الأزمة وتهدئة الرأي العام، ووضع خارطة طريق وتصور لكيفية تجاوز الأزمة الراهنة تحظى بتوافق كافة الأطراف، ومحددات عقد الانتخابات الرئاسية، التي لا يمكن الحيد عنها، باعتبارها المسار الدستوري الذي تمسكت به المؤسسة العسكرية منذ بداية الأزمة، وذلك لتجنيب البلاد الغرق في الفوضى والمجهول. 

وشهد الحوار هو الآخر حالة من تباين الآراء حول إجرائه،  ما بين مؤيد ورافض له من القوى السياسية والمدنية والشعبية، إلا أنه بتقديم التقرير النهائي بمخرجات الحوار للرئيس المؤقت بن صالح مثّل الخطوة الاولى في إجراءات نقل السلطة، التي انتهت بدعوة الرئيس المؤقت “عبدالقادر بن صالح” الهيئة الناخبة في الجزائر للاقتراع في الانتخابات الرئاسية في الثاني عشر من ديسمبر المقبل.وتضمن التقرير النهائي أيضًا تعديل القانون الانتخابي، بما يسمح بإنشاء سلطة وطنية مستقلة للانتخابات. 

  • إنشاء سلطة وطنية مستقلة للانتخابات

يكون مهمتها الإشراف على إجراء الانتخابات بداية من تسجيل الكشوف وفتح باب الترشح للانتخاب، مرورًا بمتابعة سير العملية الانتخابية، وصولًا لفرز النتائح والإعلان عن الفائز، وذلك عوضًا عن وزارة الداخلية التي كان منوط بها سبقًا تولي تلك المهمة، ما أدى إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، وهو ما حاد بالسلطات الجزائرية، والقائمين على عملية الحوار الوطني إنشائها، كمحاولة لتعزيز الثقة، وإضفاء النزاهة على الانتخابات المختلف في أمرها. وقامت السلطة بصياغة “ميثاق أخلاق الحملة الانتخابية”، الذي وقع عليه  للمرة الأولى المرشحون الخمسة قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، ويتضمن الميثاق المبادئ التوجيهية والممارسات التي تشكل إطار السلوك الأخلاقي للمشاركين في العملية الانتخابية، وذلك لضمان حسن سير العملية الانتخابية؛ إذ يقضي الميثاق بالامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات تنطوي على تشهير وشتائم وإهانات من قبل مرشح تجاه مرشح آخر. ووفقًا لرئيس السلطة، محمد شرفي، يبلغ العدد الإجمالي للهيئة الناخبة 24 مليونا و474 ألف ناخب، بينهم نحو 914 ألف ناخب يصوتون في الخارج.

الخريطة الحزبية

كان التأييد أو الرفض لاجراء الانتخابات هو الفارق الواضح بين هؤلاء الفاعلين جميعًا ما بين مؤيد ومعارض، ولعل غالبية من كانوا مؤيدين سابقًا لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، هم من يدعمون حاليًا المسار الدستوري وتجنيب البلاد الغرق في الفوضى، فيما استمر الرافضون لترشح بوتفليقة في رفض إجراء الانتخابات دون رحيل كافة رموز النظام، وهو الموقف أيضًا الذي انصرف إلى الحوار الوطني. 

 وكانت هناك أحزاب تدعم ترشح بوتفليقة، ثم انحازت فيما بعد لصوف الحراك الشعبي، على غرار أحزاب الموالاة، وفي مقدمتها حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الحزب الثاني بعد جبهة التحرير الوطني، والذي أعلن انحيازه للحراك الجماهيري، وضرورة تنحي بوتفليقة، ثم انحاز للرأي المؤيد لضرورة عقد انتخابات، وقام بالفعل بترشيح ” عز الدين مهيوبي” في الانتخابات الحالية.

بينما استمرت غالبية الأحزاب اليسارية والاشتراكية على موقفها الرافض لترشح بوتفليقة في البداية، واستمرت على موقفها الرافض للحوار الوطني ومن ثم عقد انتخابات دون رحيل كافة رموز النظام السابق، ومن بين هذه الأحزاب : حزب  العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية، والحزب الاشتراكي للعمال، والاتحاد من أجل التغيير والرقي، والحركة الديمقراطية والاجتماعية، والحزب من أجل اللائكية والديمقراطية، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وعلى جانب آخر، انقسمت أحزاب التيار الإسلامي في مواقفها مابين مؤيد ومعاض على نحو رفض كل من ” حركة مجتمع السلم – حمس”، وجبهة العدالة والتنمية بقيادة عبد الله جاب، ترشح بوتفليقة، ومن ثم رفض الحوار الوطني والسعي نحو إيجاد بدائل لهذا الحوار؛ إذ طرحت جبهة العدالة والتنمية “وثيقة  عين البنيان” كبديل للحوار الوطني، وأقرّ بها رئيس حركة حمس كمخرج من الأزمة. ومن ثم رفضوا الانتخابات والمشاركة فيها. فيما ارتأت حركة البناء الوطني ضرورة المشاركة في الانتخابات، وبالفعل قامت بتقديم “عبد القادر بن قريبنة” مرشحًا لها في الانتخابات الحالية.

ويرى المعارضون أنه لا يجب إجراء الانتخابات بسياسة الأمر الواقع، تحت إشراف الوجوه المحسوبة على النظام السابق، وأن إجراء الانتخابات في حد ذاته مشكلة، ويعمق من الأزمات التي تمر بها البلاد، وإلتفاف على مطالب الجماهير، وأن هذه الانتخابات محاولة لإنقاذ الظام وليس إنقاذ البلاد. كما يرى فريق من المعارضين أن مسؤولية إجراء الانتخابات  تقع على عاتق الوطنيين المستقلين، وذلك لعدم المشاركة في الحوار الوطني وخوض غمار الانتخايات، بما ترك المجال لأنصار النظام البائد بتصدر المشهد مرة أخرى.

بينما يرى المؤيدون لإجراء الانتخابات أن هناك تأمرًا على البلاد من قبل الأجنحة السابقة في الدولة العميقة التي تحرض الجماهير من أجل عرقلة المسار السلمي لانتقال السلطة، وينظرون لعقد الانتخابات كأفضل الحلول السيئة، خاصة مع تجربة العشرية السوداء، والرغبة في تجنيب البلاد حالة الفراغ السياسي، كما أن الاحتجاجات حققت الكثير من مطالبها بالفعل، مع سجن الكثير من الأفراد الأكثر نفوذًا في نظام بوتفليقة. 

الخريطة الانتخابية

مع دعوة الرئيس ” بين صالح” الهيئة الناخبة للاقتراع بموجب مخرجات الحوار الوطني، قام 143 شخصًا بسحب أوراقهم من الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات؛ إلا أن 23 شخصًا فقط قاموا بإيداع أوراقهم لدى السلطة كمرشحين محتملين. وبعد فحص الملفات، أعلنت السلطة الوطنية للانتخابات عن قبول ملفات ترشح خمسة مرشحين فقط ممن استوفوا كل الشروط القانونية. وعلى الرغم من تقدم تسعة من المرشحين المرفوضين بطعون قانونية، إلا أن المجلس الدستوري رفض جميع الطعون ليؤيد قائمة المرشحين الخمسة التي أعلنتها السلطة الوطنية للانتخابات.

وتستمر حالة الرفض لإجراء الانتخابات، الذي يعتبرها الاحتجاج إعادة انتاج للنظام السابق، وأنه لا ضمان لإجراء انتخابات نزيهة شرف عليها النظام القائم، وتأكدت تخوفاتهم مع اعتماد القائمة النهائية للمرشحن؛ إذ أن الخمسة مرشحين المستوفين الشروط القانونية تقلدوا سابقًا مناصب وزارية، أو انتمائهم السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي كان أكبر حزب داعم للنظام السابق، مما يجعلهم في بوتقة المرفوضين من قبل قطاع عريض من المحتجين. وعلى خلفية الإعلان عن هذه القائمة، انتشر هاشتاج بين الجزائريين تحت شعار ” الخمسة بواحد من الخمسة”

وتتضمن قائمة المرشحين الخمسة كلًا من :

  • عبد المجيد تبون

رئيس الوزراء الأسبق، الذي استمر نحو ثلاثة أشهر فقط ما بين مايو وأغسطس من عام 2017، لخلافات مع نظام بوتفليقة، إلا أنه استمر في عضوية جبهة التحرير الوطني، كما تقلد حقائب وزارية في عهد بوتفليقة؛ إلا أنه يترشح حاليًا بصفة مستقلة.

  • علي بن فلس 

رئيس حزب طلائع الحريات “المعارض”، وكان قريبًا من الأحزاب الإسلامية المعارضة ” جبهة العدالة والتنمية” بقيادة عبد الله جاب، وحمس بقيادة ” عبد الرازق المقري”، والذين اتخذوا من معارضة بوتفليقة هدفًا جامعًا لهم؛ إذ أنه انتقل إلى صفوف المعارضة بعد مواقف خلافية مع بوتفليقة، كما ترشح ضده في انتخابات عامي 2004، و2014.

  • عبد القادر بن قرينة

رئيس حركة البناء الوطني الإخوانية، التي قام بتأسيسها عام 2013، وكان أيضًا من بين مؤسسي حركة مجتمع السلم ” حمس”، وانتخب أكثر من مرة في مجلس الشعب الوطني، وعين وزيرًا للسياحة عام 1997.

  • عبد العزيز بلعيد

رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب جبهة المستقبل، الذي أسسه  في عام 2012، بعد أن انشق عن حزب ” جبهة التحرير الوطني” الحاكم، الذي كان عضوًا في اللجنة المركزية للحزب، كما كان نائبًا في مجلس الشعب الوطني في الفترة من 1997 حتى عام 2007، ويعد أصغر المرشحين سنًا.

  • عز الدين مهيوبي

الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ” الموالي”، منذ يوليو الماضي، كما كان وزيرًا للثقافة منذ عام 2015 وحتى إبريل من العام الجاري.

 وتم عقد مناظرة بين المرشحين الخمسة، في الليلة السابقة على فتح باب الاقتراع، هي المناظرة الأولى من نوعها بين المترشحين لرئاسة البلاد؛ إلا أنها لم تلقى قبولًا من المواطنين، الذين اعتبروا المترشحين جميعًا يحاولون إبداء قربهم من الحراك الشعبي، وأنهم جميعًا طرحوا رؤى عامة حول الأوضاع التي تمر بها البلاد. 

كما واجه المرشحون الخمسة رفضًا جماهيريًا خلال حملاتهم الانتخابية؛ إذ صاحب الحملات الانتخابية استمرار الاحتجاجات من جانب، وتراجع الإقبال الجماهيري على مؤتمرات المرشحين ومحاولة عرقلتها من جانب آخر.

تحديات قائمة

  • شرعية منقوصة

يرفض الكثير من الجزائريين إجراء الانتخابات، ويرون أنها إعادة إنتاج للنظام السابق، كما أنهم يرون أن قائمة المشرحين لا تضم من سيقود إلى التغيير الذي تنشده البلاد، واستمرت تلك الاحتجاجات رغم فتح باب الترشح للانتخابات وإنطلاق الحملة الانتخابة، وحتى قبيل فتح باب الاقتراع بيوم، وصاحب ذلك انتشار هاشتاجات على وسائل التواصل الاجتماعي رافضة لعقد الانتخابات في ظل الوجوه الحالية، تحت شعار “لا انتخابات مع العصابات”، ويضعنا هذا إزاء مشهد العزف عن الانتخابات، خاصة الشباب؛ إذ أن غالبية المجتمع الجزائري تحت سن الثلاثين، واتضح هذا مع ضعف حركة الإقبال على صناديق الاقتراع بالخارج مع فتح باب التصويت بالخارج السبت الماضي.

ويقود هذا إلى إفراز الانتخابات رئيسًا لا يحظى بتأييد جماهيري، ما يجعله أمام الكثير من التحديات، يأتي في مقدمتها استمرار الاحتجاجات، وهو ما يضع أمامه تساؤل كيفية إنهاء هذه الاحتجاجات دون مواجهات بين قوات الأمن والمواطنين، حتى يتم الانطلاق في إدارة شؤون البلاد، والتعاطي مع المعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.

  • إرث ثقيل

ينذر المشهد الراهن بأن الرئيس القادم أيًا كانت خلفيته ودرجة التأييد التي تأتي به إلى سدة الحكم أنه لن يتمتع بكامل شرعيته، إذ أنه سيرث إرثًا ثقيلًا يتعين عليه التعاطي معه، وضرورة إيجاد أرضية مشتركة ومشروع وطني جامع لكافة الجزائريين؛ المؤيد منهم والمعارض، خاصة وأن المؤيدين للمسار الدستوري، بما يحافظ على مؤسسات الدولة والأوضاع الأمنية، في مواجة المتمسكين بالمسار السياسي القاضي بإرجاء أو إلغاء الانتخابات دون طرح أي بديل أو تقديم أي مشروع تلتف حوله البلاد بمقدار ما أن رفضهم نابع من الرغبة في إيجاد بديل يضمن بقائهم وسيطرتهم على البلاد. ويفرض هذا المشهد المنقسم على الرئيس القادم ضرورة إطلاق حوار وطني جامع مرة أخرى، يسهم في خلق حالة من التوافق السياسي والمجتمعي حول مستقبل البلاد، وصياغة دستور جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى