
الحكومة الجديدة … إعادة توجيه بوصلة السياسات المصرية
كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم 3 يونيو 2024 رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتشكيل حكومة جديدة، بعدما تقدم الأخير باستقالة الحكومة السابقة، وقد حث الرئيس السيسي على تشكيل حكومة جديدة تضم ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة، وتعمل على تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ظل التحديات الإقليمية والدولية، ووضع بناء الإنسان المصري كأولوية قصوى، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم. كما تشمل الأهداف تعزيز المشاركة السياسية، وتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، إلى جانب تطوير الثقافة والوعي الوطني وتعزيز الخطاب الديني المعتدل لترسيخ مفاهيم المواطنة والسلام الاجتماعي.
كما تضمنت التكليفات مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل الجهود للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، وذلك ضمن إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادي للدولة في جميع القطاعات.
تغيير متوقع
تصاعدت التكهنات على الساحة السياسية حول مصير الحكومة الحالية بعد أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة في 2 أبريل 2024، وكان طرح تغير الحكومة هو فرصة لطرح رؤى مغايرة تظهر فيها الحكومة الجديدة أكثر تضامنًا مع المواطنين، وتتناسب مع تطلعات الجمهورية الجديدة وذلك للسيطرة على التحديات الاقتصادية الحالية والتي تنعكس نتائجها السلبية على المواطن، لذا كان من الضروري أن تتدخل القيادة السياسية للعمل على تشكيل حكومة جديدة تسهم في تحسين الأداء العام للدولة.
تعد وزارة مدبولي هي الوزارة الرابعة والعشرون بعد المائة في تاريخ مصر، وقد أدت الحكومة اليمين الدستورية في 14 يونيو 2018، وقد واجهت حكومة “مدبولي” تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم نتيجة جائحة كورونا مروراً بالأزمة الروسية- الأوكرانية وأخيرا الحرب في غزة، وقد خلفت كل هذه الأزمات الإقليمية والعالمية، تحدياتٍ كبيرة من ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع في أسعار السلع.
وهذه التحديات كانت في أعقاب تحديات أخرى مزمنة أصابت هيكل الاقتصاد المصري، إذ يعاني الاقتصاد المصري من عدة أمراض مزمنة يرجع تاريخها لعقود، لعل أبرزها العجز المزمن في الموازنة العامة، وتهالك البنية التحتية الأمر الذي جعل الاقتصاد المصري بيئة غير مشجعة على الاستثمار لعقود، إلى جانب تفشي البيروقراطية وتضخم الجهاز الإداري للدولة، وارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب، مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، النمو السريع بمعدلات النمو السكاني.
جل هذه التحديات انعكست بصورة سلبية على مظاهر الاقتصاد المصري، والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية. وفيما يلي أبرز التحديات التي كانت تواجه الدولة المصرية خلال الفترة من 2009-2014:
- الأوضاع الاقتصادية نتيجة ما واجهته مصر من مرحلة من عدم الاستقرار السياسي، والاضطراب الأمني، في أعقاب أحداث يناير2011، أثر سلباً على العديد من المؤشرات الاقتصادية، مثل: تصاعد معدل البطالة، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور ملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية، وتراجع ملموس في الاحتياطيات الأجنبية الذي انخفض ليسجل 13.6 مليار دولار أمريكي بنهاية يناير 2013 مقارنة بـ 36 مليار دولار في بداية يناير 2011، بالإضافة إلى تدني نسب نمو اجمالي الناتج المحلي إذ سجلت نسب النمو أقل معدلاتها التاريخية إذ بلغت 1.8% و2.22% و2.2 % لأعوام 2011 و2012 و2013 علي الترتيب، وفيما يلى أبرز المؤشرات الاقتصادية (معدل النمو الاقتصادي- معدل البطالة- عجز الموازنة للناتج- الاحتياطي النقدي- الاستثمارات الأجنبية المباشرة) خلال الفترة من 2009-2013.





- تدهور البنية التحتية والتي تعد مقياس لمكانة الدولة على المستوى العالمي ومعامل أساسي لجذب الاستثمارات، لكنواجهت الدولة المصرية خلال الفترة من عام 2009 حتى عام 2014 العديد من التحديات أبرزها الخلل في التوزيع الحضري للسكان حيث تمركز ما يقرب من 56 % من المواطنين في محافظات القاهرة والإسكندرية، كما وصلت نسبة الأراضي المعمورة والمستغلة من إجمالي المساحة الكلية لمصر 7% عام 2013، مقارنة ب 13.8% في عام 2023. كما كلفت الاختناقات المرورية الدولة ما يقرب من 8 مليار دولار في محافظة القاهرة فقط، وهو ما جعل حكومة مدبولي تعمل على التوسع في شبكات الطرق، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة كامتداد عمراني للمحافظات الراهنة.
بالإضافة إلى تدهور شبكات المياه والصرف الصحي، حيث وصلت نسبة التغطية في شبكات المياه إلى 97% عام 2014، كما كان هناك تحدى متمثل في انخفاض نسب تغطية شبكات الصرف الصحي إلى 50% على مستوى الجمهورية. كذلك كانت قدرة محطات التحلية تصل إلى 80 ألف متر مكعب في اليوم لعدد 35 محطة، ووصلت محطات معالجة الصرف الصحي إلى 410 محطة عام 2014.
كذلك، واجهت الدولة عدم استدامة مصادر الطاقة، فقد وصلت مشروعات انتاج الطاقة إلى 29 ألف ميجا اسمية عام 2014، فضلا عن انخفاض عدد الوحدات التي لديها غاز طبيعي حيث بلغ إجمالي عددهم 6 مليون وحدة عام 2014 مقارنة ب 14.2 مليون وحدة عام 2023.
- الخدمات الاجتماعية والتي كانت تواجه تردى في كافة القطاعات من تعليم وصحة، فقد كان ترتيب مصر العالمي 108 من 187 دولة بتقرير التنمية البشرية لعام 2014، فضلا عن أن 14 % من سكان مصر يعانون من فيروس سي. أما عن المنظومة التعليمية، فقد كانت المؤشرات تعكس انخفاضا في المستوى التعليمي بالداخل، والذى ظهر بشكل كبير في وصول نسب المتسربين من التعليم الإعدادي إلى 4%، كذلك عدم تنوع المسارات الجامعية وتماشيها مع متطلبات سوق العمل المصري والعالمي، فقد بلغ عدد الجامعات المصرية 50 جامعة عام 2014، أما المنظومة الصحية والتي شهدت تدهور في عدد وحالة المستشفيات الحكومية وعدم كفايتها للتناسب مع أعداد السكان، فقد وصل عدد المستشفيات إلى 88 مستشفى عام 2014 مقارنة ب 125 مستشفى عام 2023
تحديات متزامنة
وبخلاف التحديات المتجذرة بالاقتصاد المصري، واجه الاقتصاد المصري تحديات جسام خلال السنوات القليلة الماضية، تجلت صعوبتها في تواليها وتزامنها وعمق تأثيرها. ولعل من أبرز التحديات التي عانى منها الاقتصاد المصري مؤخرًا؛ انتشار جائحة كورونا، وقبل التعافي الاقتصادي من أثار الجائحة اندلعت الأزمة الروسية – الأوكرانية، مسببة أزمة اقتصادية عالمية، تبلورت في معاناة العالم أجمع من التضخم وارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة، وشلل حركة الإمداد حول العالم. ثم أخيرا أزمة غزة المندلعة منذ أكتوبر 2023 والتي كان لها تأثيرات سلبية على عائدات السياحة وانخفاض مدخلات قناة السويس لأقل من 50 % من مدخلاتها.
فالاقتصاد العالمي شهد ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات التضخم، خاصة بعد الآثار السلبية لجائحة كورونا والتي أدت إلى إغلاق كامل في العديد من دول العالم، وما ترتب على ذلك من نقص المخزون الاستراتيجي العالمي، ونقص في الإنتاج بالإضافة إلى أزمة نقص في الطاقة في الأسواق العالمية، وتعثر عمليات الشحن الدولية والتي طالت أسواق أوروبا وأمريكا وبريطانيا والصين، إضافة إلى التغيُّرات المناخية الحادة التي أثرت على الإنتاج الزراعي العالمي.
ولم تكن مصر بمعزل عن هذه الأزمات، بل كانت مصر واحدة من أكثر الدول المتأثرة بهذه الأزمات، باعتبارها تستورد ما يقرب من 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن كونها مقصدًا سياحيًا يحظى بإقبال كبير من كلا البلدين، وهو ما انعكس على معدلات التضخم المحلية الشهرية بشكل عام، ولمجموعة الطعام والمشروبات على وجه التحديد لكونها الأكثر تأثرًا على المديين السنوي والشهري.
أدى الارتفاع في معدلات التضخم العالمي، توجه البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة إلى رفع أسعار الفائدة العالمية أكثر من مرة، لاحتواء الضغوطات التضخمية، وهو ما أدى هروب الأموال الساخنة من الاقتصادات الناشئة؛ ومن بينها مصر حيث خرج ما يزيد عن 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022، فضلاً عن ارتفاع لمعدلات التضخم الأساسي ليسجل %38.7 في عام 2023، وتراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بما يزيد عن 60%، إلى جانب تصاعد حجم المديونية الخارجية، واتساع الفجوة الدولارية بين المطلوب والمعروض من الدولار.
ولم تلبث الدولة المصرية تتخطى الآثار الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية –والتي مازالت مستمرة حتى الآن- حتى اندلعت الحرب على قطاع غزة، والتي كان لها بالغ الأثر على حركة التجارة بقناة السويس، فقد انخفضت أعداد السفن المارة بقناة السويس بنسب تخطت 50% خلال الشهور القليلة الماضية، تجنباً لهجمات الحوثيين جنوب البحر الأحمر. وذلك بخلاف؛ ارتفاع الدين العام، وانخفاض عائدات قطاع السياحة، وتصاعد ارتفاع معدلات التضخم.
كل هذه التحديات مجتمعة كانت أحد الدوافع أمام الدولة للبحث عن حلول ناجعة لعلاج مواطن القصور بهيكل الاقتصاد المصري، فتوجهت الحكومة السابقة للعمل على تحفيز الاستثمار المحلي والاجنبي بمصر، ودعم القطاعات الإنتاجية بالدولة كقطاعات الزراعة والصناعة، والتوجه نحو تعزيز موارد الدولة من خلال تقليل الأعباء بموازنة الدولة، بتخفيض فاتورة الدعم عن بعض السلع الأساسية كـ (الخبز – الكهرباء – والمحروقات). الأمر الذي أثار مخاوف الشارع المصري، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا، من أثار السياسات الاقتصادية الأخيرة.
فقد أدى الإعلان عن تحريك سعر رغيف الخبز المدعم إلى تصاعد الجدل في الشارع المصري، حول مدى قدرة المواطن على تحمل المزيد من الأعباء المالية والاقتصادية. وتصاعدت الآراء المنادية بضرورة تعديل الحكومة وضخ كفاءات جديدة قادرة على إدارة الملفات والتحديات الراهنة، تكون أكثر مرونة وموضوعية في الاستجابة لشكاوى الرأي العام، وتحقيق التوازن الكافي بين استثمار ما تم تحقيقه من تنمية في المجالات الاقتصادية المختلفة، والحفاظ على رضا المواطن المصري.
وقد جاءت استقالة الحكومة، اليوم 3 يونيو 2024، استجابة لمطالب الشارع المصري بضرورة ضخ دماء جديدة للسلطة التنفيذية بالدولة، تكون قادرة على التعامل مع التحديات والأزمات التي تواجه الدولة المصرية الآن، خاصة بالملفات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، والتي تتماس مع المواطن المصري بشكل مباشر.
الآفاق المستقبلية
ومن المتوقع أن يسهم التغير الحكومي في إعادة رسم وصياغة السياسات الراهنة، ولعب دورًا محوريا في تحديد بوصلتها، بما يتماشى مع طبيعة التطورات والتحديات التي تمر بها الدولة في الداخل والأزمات الاقتصادية العالمية، وعمق التوترات والصراعات الجيوسياسية التي تحيط بها في الخارج.
بالتأكيد من شأن ضخ دماء جديدة داخل الحكومة المصرية أن يؤدي إلى تغييرات ملموسة على الأرض، بجانب استمرار الحوار الوطني الذي سيعد بوصلة مهمة من شأنها تصويب مسارات الحكومة، الأمر الذي سيعود بالإيجاب على المواطنين، ويزيد من الدعم الشعبي. وفي هذا الصدد، من المتوقع أن تأتي عدة ملفات على رأس أولويات الحكومة القادمة يرجح أن يكون أبرزها ما يلي:
- الأمن القومي:
تظل الدولة المصرية ملتزمة بالحفاظ على أمنها القومي في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار، ومن شأن الحكومة الجديدة أن تواصل الاشتباك في الملفات التي كانت تنخرط عبرها الحكومة السابقة، ويأتي آخرها ملف حرب غزة، التي لعبت مصر خلاله دوراً مفصلياً كطرف موثوق في المفاوضات بين كافة الأطراف، عبر آلياتها الدبلوماسية وأجهزة الدولة المعنية.
- ملف بناء الإنسان:
يقع ملف بناء الإنسان على رأس قائمة أولويات الحكومة الجديدة، وفق تعليمات سيادة الرئيس، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، وذلك لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وضمان تقديم خدمات أفضل للمواطنين.
وعليه يتعين على الحكومة الجديدة الاستمرار في بذل المزيد من الجهد لتنفيذ المزيد من المشروعات التنموية في تحسين البنية التحتية الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتحسين آليات تقديم الخدمة للمواطنين، بما يتماشى مع حاجة السكان المتزايدة ويحسن من جودة حياتهم، يتلاءم مع التحديات البيئية والاقتصادية التي تجابه الدولة المصرية.
وبالحديث عن ملف الصحة، فيطمح المواطنون إلى أن يلمسوا تحسناً ملحوظاً على صعيد مستوى الخدمات الصحية، عبر تعميم نظام التأمين الصحي الشامل، والتعاقد مع أكبر عدد من مقدمي الخدمات الطبية من القطاع الخاص، وكذلك التوسع في المبادرات الصحية استكمالاً للمبادرات الرئاسية التي حققت نجاحاً واسعاً، مما يقلل من أعباء الإنفاق الطبي في ظل نظام التأمين الصحي الشامل في المستقبل. أما على صعيد الأطباء، فهناك حاجة ملحة إلى تحسين ظروف عملهم، وتعزيز مرتباتهم والاهتمام بالتعويض عن ارتفاع معدلات التضخم، مع سرعة إصدار قانون المسؤولية الطبية، وكذلك تعزيز التسويق للسياحة العلاجية بمصر، كونها الأقل تكلفة مقارنة بعدد من الدول الأخرى.
أما عن ملف التعليم، فسيتعين على الحكومة بذل مجهود مضاعف في هذا الملف، لحل مشكلة الكثافة الطلابية، باستكمال مراحل مشروع “حياة كريمة” وبناء عدد أكبر من الفصول والمدارس، ومكافحة التسرب من التعليم وعمالة الأطفال، وتطوير التعليم الفني اعتباره قاطرة التنمية في دعم قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك العمل على جذب المزيد من الطلاب الوافدين من خلال الجامعات الأهلية، ما يؤدي إلى تحسين مؤشرات جودة التعليم الجامعي في مصر.
أما عن ملف التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمواطن المصري، فتأتي فرص العمل المنبثقة من تعزيز الحكومة لدور المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، أحد الاليات الرئيسية التي يتعين على الحكومة الاستمرار في طرح المزيد من المبادرات لتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الشبابية مع تسهيل وتذليل العقبات أمام تلك المشروعات، وتقديم المزيد من الدعم المالي والتسهيلات الائتمانية لهذه المشروعات التي تلعب دورًا هامًا في الاقتصادات الناشئة والتي تقع مصر من ضمنها؛ إذ تقدم المزيد من فرص العمل، وتسهم في تشغيل ملايين الشباب مما يقلل نسبة البطالة.
ويتوقع من الحكومة المصرية الجديدة أن تعالج التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كضعف رؤوس الأموال، وصعوبة الحصول على العمالة المؤهلة والمدربة، وافتقار اغلب القائمين على المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى الخبرة والقدرات التنظيمية والإدارية والفنية والتسويقية بالداخل والخارج. كذلك افتقار منتجات هذه الفئة من المشروعات للجودة التي تمكنها من منافسة المنتجات المناظرة عالميا.
- العدالة الاجتماعية
على الحكومة الجديدة أن تهدف من خلال هذا الملف إلى بناء مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال سن بعض القوانين التي تعمل على إرساء الحماية الاجتماعية وتوسيع مظلتها وتمكين الفئات الأكثر تهميشا، كالعمل على قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يحقق الانصاف للمرأة المصرية، وغيرها من القوانين الأخرى التي تعمل على مكافحة التمييز والعنف ضد النساء مثل القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة وقانون الزواج المبكر إضافة إلى تعديل القوانين الخاصة بالعمل خاصة في القطاع الخاص وما يتعلق بترتيبات العمل المرن لتحقيق مشاركة أوسع للنساء في سوق العمل ومن ثم ضمان التمكين الاقتصادي لهن.
ومن المستهدف أيضاً أن تعمل الدولة المصرية على توفير الحماية لكبار السن من خلال زيادة المبادرات الصحية المناسبة لهم إضافة الى استمرارية تقديم الزيادات والمنح الاستثنائية وزيادة المعاشات بشكل منتظم ومجزي بما يتماشى مع معدلات التضخم.
بجانب توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وضم المزيد من المستفيدين من الأسر الأكثر احتياجا بالاستناد لقواعد البيانات الخاصة بتكافل وكرامة وحياة كريمة، واتباع نهج الدولة المتمثل في تقديم المزيد من البرامج التي تتسم بالطابع الحقوقي عن الإغاثي لضمان استدامة برامج الحماية الاجتماعية.
- الثقافة والوعي والمشاركة السياسية:
ستواصل الدولة المصرية جهودها لتطوير المشاركة السياسية وتعزيز دور المواطنين في صنع القرار، من خلال الاستمرار في توسيع مشاركة كافة الأطياف السياسية في الحوار الوطني، وذلك تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي بضرورة انخراط كافة الأطياف السياسة في المشهد السياسي المصري، بما يرسخ لمفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.
كما ستعمل الحكومة الجديدة على تطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني وتجديد الخطاب الديني، وذلك لتعزيز مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي، بهدف بناء جيل يتمتع بهوية وطنية وقادر على المنافسة.
وقد يتحقق ذلك عبر زيادة الاهتمام بمبادرات الإبداع والثقافة، وكذلك تنوع المنتجات الثقافية المقدمة للمواطن، بما يراعي خصائص الأجيال المختلفة، وكذلك تطوير الإعلام الرقمي والمنصات الإلكترونية، وتجديد الخطاب الديني، بما يركز على محاربة التطرف الفكري، والأفكار الهدامة، واستغلال القاعدة الشبابية الواسعة التي تشكل النصيب الأكبر من الجمهورية عبر تدريبهم وتأهيلهم، وتعزيز مفهوم الوطنية داخلهم.
- الإصلاح الاقتصادي:
وهو الملف الأصعب أمام الحكومة الجديدة، وبناء على توجيهات السيد الرئيس، ستواصل الدولة المصرية مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق.
وبشكل أكثر تفصيلاً، يمكن أن يشكل الحوار الوطني الاقتصادي عامل مؤثر وفعال وداعم للحكومة الجديدة في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، من خلال طرح رؤي وأفكار المختلفة، بما يسرع من وتيرة تخطي الأزمة الاقتصادية.
فعلى صعيد القطاع النقدي، سيتعين على الحكومة أن تستهدف خفض التضخم إلى أقل مستوياته بنهاية عام 2026. أما على الصعيد المالي، فهناك هدف أساسي يتمثل في خفض العجز الكلي للموازنة وخفض الدين العام وتحقيق فائض، وذلك من خلال الاستمرار في جهود الحفاظ على الاستقرار المالي المتوازن في ظل تداعيات الأزمة الراهنة، والاستمرار في دعم ومساندة القطاعات الإنتاجية والفئات الأكثر تأثراً بالأزمات الاقتصادية، واستمرار جهود تحسين جودة البنية التحتية، كذلك الاستمرار في سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات لضمان كفاءة تخصيص الموارد خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والضغوطات التضخمية على أسعار السلع الأساسية والغذائية.
أما القطاع الخاص، فيجب على الحكومة الحالية أن تستهدف مضاعفة نمو القطاع الخاص إلى ما يفوق نسبة 65%، وجذب المزيد من الاستثمارات، وتذليل التحديات التي تواجه تفعيل دور القطاع الخاص، وزيادة مستويات مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص العمل والاستثمارات ورفع معدلات التصدير، والتي تمثل الهدف الرئيس لـ “وثيقة سياسة ملكية الدولة”.
وعن الصناعة، ستحتاج الصناعة إلى دفعة قوية من التسهيلات والتشريعات القانونية، مثل الرخص الذهبية، وغيرها من الإجراءات التي كانت تعوق حركة الاستثمار، والتعهد بالقضاء على البيروقراطية المترسخة داخل المجتمع وخاصة في الأجهزة التنفيذية، ومن المستهدف أن يسهم استمرار سياسات توطين الصناعة التي تتخذها الحكومة بشكل مستمر في زيادة معدلات تبادلها التجاري مع غالبية دول العالم. وتعزيز التقنيات الذكية والتحول الأخضر، وتعديل التشريعات المتعلقة بالتعريفة الجمركية، ووضوح شرط التعامل مع المستثمرين وطرق فض المنازعات الدولية، وشمولية قانون الاستثمار.
أما ملف السياحة، والذي يعتبر أحد أهم موارد مصر الاقتصادية، فعلى الحكومة الجديدة أن تستهدف تعاظم نمو السياحة المصرية من خريطة السياحة العالمية والوصول إلى أكبر عدد قياسي من السياح في فترة قصيرة، وذلك عبر تعظيم البنية التحتية، وتذليل العقبات أمام السائحين، سواء كانت المتعلقة بعدد الغرف المخصصة لاستقبالهم أو خطوط الطيران المهيأة لنقلهم، وكذلك تطوير الاتصالات ونظام التأشيرات، وكذلك استخدام مفاهيم ترويجية جديدة، ومشاركة القطاع الخاص، وحوكمة القطاع السياحي والاتحادات المنظمة له، والشراكة مع الوكالات الدولية التي تقدم ضمانات ائتمانية، وتحديث الخريطة الاستثمارية السياحية وذلك وفقًا لمحددات منظمة السياحة العالمية،
وعن قطاع الزراعة، على الحكومة الجديدة أن تستهدف زيادة الرقعة الزراعية، ودعم التصنيع الزراعي، وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل، وخاصة الاستراتيجية، وكذلك إنشاء تجمعات للصناعات الزراعية ورفع القيمة الاقتصادية المضافة للمحاصيل الزراعية والموارد المائية المستخدمة، وزيادة الصادرات من المنتجات الزراعية المصنعة، وكذلك تعزيز البحث العلمي في مجالات تطوير الزراعة، وتشجيع مشروعات التصنيع الزراعي، مع حسم الموقف من التعدي على الأراضي الزراعية.
أخيرًا، قرار تغيير الحكومة المصرية يحمل في طياته آمالًا وتوقعات كبيرة من الشعب في تحقيق تحسينات ملموسة في مختلف جوانب الحياة، بدءًا من الاقتصاد وصولًا إلى الخدمات العامة. والتغلب على التحديات الراهنة من خلال آليات وسياسات تنفيذية من شأنها علاج الأمراض الاقتصادية والاجتماعية المزمنة بالمجتمع، وتحسين الظروف المعيشية للأجيال الحالية والمستقبلية دون استنزاف الموارد الطبيعية، من خلال تبني رؤى وسياسات مغايرة تسهم في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة ومن ثم تحسينات جوهرية في حياة المواطنين.