القضية الفلسطينية

عملية “الدرع والسهم” في غزة.. عملية عسكرية أم عملية اختبار؟

شنت إسرائيل عملية عسكرية، في الساعة الثانية ونصف فجر يوم الثلاثاء 9 مايو 2023؛ لاستهداف قيادات ومستودعات صواريخ سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة. وقد أطلق الجيش الإسرائيلي على العملية اسم “الدرع والسهم” الذي يشير حسب شرح مُتحدثِه الرسمي إلى محاولة ترميم منظومة الردع من خلال ضربات استباقية.

هل كانت العملية مفاجئة؟

بالنظر إلى التسلسل الزمني الذي يشرح التجهيز العسكري والأمني للقوات الإسرائيلية في مواجهة قطاع غزة، يتبدى أن العملية لم تكن مفاجئة، ويمكن سرد التسلسل بالشكل التالي:

1 – في فجر يوم 30 أبريل، حلقت طائرات استطلاع إسرائيلية فوق سماء غزة وكانت تحمل صواريخ. مما يعني أن إسرائيل كانت تبحث عن هدف يمكن استهدافه في أية لحظة حينها.

2 – في 1 مايو، أجرى الجيش الإسرائيلي مناورة عسكرية في غلاف غزة تتخللها حركة نشطة لقوات الأمن؛ تمهيدًا لعملية عسكرية في قطاع غزة.

3 – في 2 مايو، أعلنت سرايا القدس استنفارًا عسكريًا لجميع وحداتها العسكرية في غزة، وألغت سفر قيادتها إلى الخارج لحضور اجتماعات مكتبها السياسي الخارجي، وذلك بعد ورود نبأ استشهاد “خضر عدنان” خلال إضرابه عن الطعام.

4 – في 3 مايو، جرى تشغيل 3 بطاريات دفاع جوي “القبة الحديدية” لصد 75 صاروخًا أُطلقت من قطاع غزة ردًا على استشهاد القيادي في الجهاد الإسلامي “خضر عدنان”.

5 – في 5 مايو، وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية على شن عملية “الدرع والسهم”؛ لاغتيال كبار مسؤولي الجهاد الإسلامي ومهاجمة الأهداف الخاصة بالحركة.

6 – في 8 مايو، خرجت مظاهرة لسكان سديروت على غلاف غزة ضد سياسة الرد الضعيفة التي تنتهجها حكومة نتنياهو.

وبناء على هذا التسلسل، يمكن القول في هذا السياق إن إسرائيل كانت تجهز لعملية عسكرية في قطاع غزة، ولكن تأخر وقت تنفيذها.

دوافع إسرائيل

تتعدد دوافع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشأن قرار شن العملية العسكرية ضد قطاع غزة، بين دوافع سياسية وأخرى أمنية.

أولًا: الدوافع السياسية

تخفيض حدة الأزمة السياسية داخل إسرائيل: يواجه نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف أزمة سياسية غير مسبوقة قادت إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي بين معسكرين غير متكافئين: الأول وهو الأغلب يناهض مشروع الإصلاح القضائي، والآخر المحسوب على التيار اليميني-القومي المتطرف بقيادة وزير الأمن العام “بن غفير” المؤيد للمشروع بل والداعي إلى سرعة تنفيذه. ويسعى نتنياهو إلى “أمننة” المشهد السياسي؛ أي الدفع إلى إكسابه طابعًا أمنيًا من خلال شن عملية عسكرية ترفع راية الأولوية لأمن إسرائيل قبل ديمقراطيتها.

تسكين أزمة داخل الائتلاف: يواجه الائتلاف الحكومي أزمة أخرى في الداخل بين معسكر متطرف يميل إلى ابتزاز الحكومة بتمويلات وسياسات أمنية سيئة التداعيات. ويقود هذا المعسكر ايتمار بن غفير وزير الأمن العام الذي يسعى إلى تصعيد المواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مهددًا بالانسحاب من الائتلاف.

ثانيًا: الدوافع الأمنية

رأب صدع سلاح الاحتياط: واجهت إسرائيل أزمة عميقة الأثر في ملف الجنود الاحتياط الذين انخرطوا في الفوضى السياسية عقب أزمة الإصلاح القضائي؛ إذ احتج الاحتياط ورفضوا الانضمام إلى التدريبات عبر إرسال عرائض مسببة. حتى لو بدا أن جنود الاحتياط قد هدأوا، فلا يزال التهديد بعدم التطوع في الاحتياط قائمًا ومن المرجح أن يتم تجديده إذا تم الترويج له في الكنيست. لذا بدأت الحكومة الإسرائيلية في إصدار قرارات استدعاء قوات من الاحتياط على مدار الأسابيع الماضية؛ لرأب الصدع وضمان خفوت الأزمة، وضمان نجاح خطط الاستدعاء والانتشار. وهو ما يفسر عدد الأسراب الجوية الكبيرة التي خرجت لتحييد عشرة أهداف فقط في غزة (40 طائرة مقاتلة).

ترميم منظومة الردع: كفل نتنياهو لنفسه مهمتين استراتيجيتين أساسيتين هما: (أ) ضمان وضع إيران على بوصلة الصراع الإسرائيلي في المنطقة وما يلحقها من فصائل موالية لها في غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن، (ب) ترميم منظومة الردع لتحييد الخطر الأول على إسرائيل وهو إيران. وتأتي سياسة ترميم منظومة الردع الإسرائيلية عبر تحقيق الضمانات التالية: الانتشار العسكري في النقاط المهمة والحرجة، واستدعاء ناجح للاحتياط وتسلمهم السلاح والذخيرة اللازمة، وتوجيه ضربات استباقية على بنك أهداف دقيق ومدروس.

تنفيس الخطر في غزة: أشار رئيس الأركان العامة الإسرائيلي هارتسي هاليفي إلى أن هناك مناسبات ثلاث مهمة وهي: ذكرى قيام الدولة 14 مايو، وذكرى النكبة 15 مايو، ومسيرة الأعلام 18 مايو. وخشيت حكومة نتنياهو من أن تتعرض إسرائيل لهجوم صاروخي في المناسبات الثلاثة المذكورة من قطاع غزة. وعليه، لجأت لتنفيذ ضربات استباقية لتصفير الردع الصاروخي الذي تملكه الفصائل الفلسطينية في غزة.

اختبار فتح الملاجئ: أعلنت بلديات كفار سابا، ورعنانا، وهرتسليا، ويافنه، وبات يام، وريشون لتسيون (الواقعة في محيط مدينة تل أبيب) فتح الملاجئ. وفي وقت سابق اليوم، فتحت مدينتا بئر السبع وعسقلان (جنوب اسرائيل) الملاجئ. ويُلاحظ أن إسرائيل تدفع بفتح الملاجئ في عدد من البلديات الإسرائيلية بشكل فريد عقب تلك العملية العسكرية الأخيرة مقارنة بأي عملية عسكرية أخرى، وهو ما يؤشر على أن الحكومة تختبر خطط فتح الملاجئ ووصول الإسرائيليين إليها بسلام.

أبعاد العملية العسكرية الأخيرة

هناك بعدان أساسيين يلحقان بالعملية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة، مما يضيف إليها دوافع استراتيجية جديدة، وهما:

1 – التمهيد لحرب ضد عناصر حزب الله: فقد أجرى الجيش الإسرائيلي عددًا كبيرًا من المناورات العسكرية على حدود جنوبي لبنان (منطقة الجليل)، وأجرى سلاح الجو تدريبًا عسكريًا في قبرص يحاكي حربًا في لبنان (يوم 8 مايو 2023) يحمل اسم شمس زرقاء. ورغم أن التدريب الجوي الإسرائيلي في قبرص هو شبه سنوي تقريبًا، ولكن يبدو أن إسرائيل تعمل على تجهيز عملية عسكرية خاصة ضد عناصر حزب الله في سوريا ولبنان. 

ويعزز ذلك أن إسرائيل اتهمت حزب الله رسميًا بالتورط في عملية مجيدو (منطقة الجليل) في مارس 2023، وهو ما دفع حزب الله في مناسبة أخرى بسرعة نفي مسؤوليته عن الصواريخ (35 صاروخًا) التي تم إطلاقها من جنوب لبنان صوب إسرائيل في إبريل 2023. ويمتلك حزب الله ترسانة صاروخية ردعية سلبية التداعيات على الجبهة الداخلية والأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، وفي حال ارتأت إسرائيل تحين الفرصة لضرب البرنامج النووي الإيراني فلن يتأتى ذلك قبل تحييد ترسانة حزب الله الصاروخية.

2 – كشف نقاط اختباء العناصر الفلسطينية في الضفة: تستهدف إسرائيل في آخر عمليتين عسكريتين في غزة أغسطس 2022 ومايو 2023 إثارة رد فعل الفلسطينيين المسلحين في الضفة الغربية التي فشلت قوات إسرائيل نسبيًا في كشف أماكنهم في الضفة الغربية. وبالتالي، يضطر المسلحون الفلسطينيون المحسوبون على حركة
“عرين الأسود” أو “وكر الصقور” للخروج من مخابئهم ومن ثم تحييدهم بسهولة، ومن ثم يُبرر لإسرائيل شن عملية عسكرية أخرى في الضفة الغربية تستهدف بها تسكين أزمة سياسية مع بعض الأحزاب الائتلافية في الحكومة مثل حزب “عوتسماه يهوديت”.

ختاما، يمكن القول إن العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في غزة لها دوافع متعددة، ولا يمكن اقتصار تسميتها على كونها عملية عسكرية بل مسرحًا لاختبار عدد من تكتيكات الحرب في غزة؛ تمهيدًا لعمليات عسكرية أكثر خصوصية على جبهات أخرى قد تكون إقليمية.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

شادي محسن

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى