الأزمة الأوكرانية

ما هو مصير اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية؟

وقعت كل من روسيا وأوكرانيا في يوليو 2021 عن طريق وساطة كل من تركيا والأمم المتحدة اتفاقية تسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر الأسود مرورًا بتركيا إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. تم تمديد مدة هذه الاتفاقية مرتين منذ توقيعها، ومن المفترض انتهاؤها في 18 من مايو الجاري، وترفض روسيا تمديدها مرة أخرى بعد هذا التاريخ بسبب عدم وفاء الأمم المتحدة بوعودها لروسيا على حد تعبير المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، مما يثير أسئلة حول أسباب رفض روسيا، وموقف باقي أطراف الاتفاقية، ومصير هذه الاتفاقية، وتأثير هذا المشهد على الدول المستوردة لهذه الحبوب.

آثار توقيع الاتفاقية

حققت الاتفاقية العديد من الآثار الإيجابية فور توقيعها، فمنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2020 وغلق روسيا للموانئ الأوكرانية الأساسية وتطبيق الكثير من العقوبات على روسيا؛ شهد العالم أزمة اقتصادية حادة شملت بشكل أساسي الطاقة والسلع الغذائية. وحاولت دول كثيرة التوسط لإيجاد حلول لتخفيف هذه الأزمة، خصوصًا أزمة الغذاء حيث شهد العالم زيادة قياسية في أسعار المنتجات الغذائية بعد الحرب. إلا أنه بعد توصل روسيا وأوكرانيا بوساطة كل من تركيا والأمم المتحدة إلى هذه الاتفاقية بدأت الأزمة في الانخفاض تدريجيًا بشكل ملحوظ.

ومن ضمن شروط الاتفاقية هو سريانها لمدة 4 شهور ثم يتم تجديدها، واستطاعت أوكرانيا بموجبها تصدير 11 مليون طن من المواد الغذائية في أول 4 شهور فقط من الاتفاقية، ووصلت كمية الحبوب المصدرة الآن لما يقرب من 25 مليون طن منذ يوليو 2022. وقد نتج عن هذا انخفاض كبير في أسعار الحبوب بعد زيادتها الكبيرة بنسبة تزيد عن 20%. 

أسباب رفض روسيا

أخذت روسيا وعودًا من الأمم المتحدة بتسهيل وإزالة بعض العواقب في تجارة المنتجات الغذائية والأسمدة الزراعية الخاصة بها في مقابل السماح للسفن التجارية الخاصة بالسلع الغذائية الأوكرانية الدخول والخروج من الموانئ الأوكرانية بشكل آمن. بالرغم من أن العقوبات الموقعة على روسيا لم تشمل السلع الغذائية إلا أنها تؤثر عليها بشكل غير مباشر كما وصفتها السلطات الروسية. 

وحدثت بعض المشاكل قبل التمديد الأخير للاتفاقية في مارس الماضي من الجانب الروسي بسبب رؤيته أن الأمم المتحدة لم تفِ بوعودها، ولذلك قامت روسيا بتمديد الاتفاقية لمدة 60 يومًا فقط وليس 120 كما كان متفقًا عليه، محذرة من أنها إن لم تحصل على وعود الأمم المتحدة لها لن يكون هناك تجديد آخر.

من الممكن أيضًا أن يكون الرفض الروسي لتجديد الاتفاقية هو وسيلة ضغط على أوكرانيا وحلفائها من الدول الغربية؛ إذ إن عدم تجديد الاتفاقية سيشكل عبئًا اقتصاديًا ضخمًا على أوكرانيا، ويهدد بزيادة القلق في المنطقة. ويمكن لروسيا استغلال هذا في الحصول على المزيد من التنازلات سواء من الجانب الأوكراني أو الحلفاء الغربيين مقابل الموافقة على تمديد الاتفاقية مرة أخرى، وفي حال عدم نجاح هذا ستنجح في تحقيق الكثير من الخسائر الاقتصادية لأوكرانيا.

وبالإضافة إلى ذلك، يمثل الهجوم الذي استهدف الكرملين الروسي بطائرتين مسيرتين عامل إعاقة آخر لمفاوضات تمديد الاتفاقية؛ إذ نتج عنه توتر الوضع بشكل أكبر، تزامنًا مع استعدادات أوكرانيا المكثفة لشن هجو مضاد في الربيع. ومن ثم لا توجد دلالات على نية مفاوضات على الأقل من الجانب الروسي في الوقت الراهن. 

مواقف باقي أطراف الاتفاقية

كان الهدف من توسط كل من الأمم المتحدة وتركيا لتوقيع هذه الاتفاقية هو تخفيف حمل الأزمة الاقتصادية خصوصًا أزمة السلع الغذائية، بالنظر إلى أن روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للسلع الغذائية في العالم بالأخص لدول أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. لهذا السبب لم تطبق أي عقوبات على روسيا في مجال السلع الغذائية حتى لا تتضرر الدول المستوردة لها. 

كانت الخطوة الأكثر أهمية هي فك الحصار الروسي عن الموانئ الأوكرانية. ومن المؤكد أن موافقة روسيا على مثل هذه الاتفاقية لها مقابل يساوي في القيمة فوائد هذه الاتفاقية لأوكرانيا. وصرحت روسيا بأن جزءًا من الاتفاقية هو تخفيف الأمم المتحدة بعض العقوبات التي تؤثر سلبًا بشكل غير مباشر على تجارة السلع الغذائية والأسمدة الزراعية الروسية، إلا أن الأمم المتحدة رفضت ربط هذه الوعود بالاتفاقية وأكدت أنهما اتفاقان مستقلان تمامًا.

تشير عدم استجابة الأمم المتحدة لمطالب روسيا أيضًا إلى أنه لا توجد محاولات جادة لتنفيذها، مما أثار بعض المشاكل أثناء عملية التمديد الأخيرة. وبالرغم من ذلك لم تحقق الأمم المتحدة أي تقدم في هذه الوعود، وهو ما يشير إلى أنه لا نية لتحقيق هذه الوعود بالرغم من أن الأمم المتحدة تحاول بشكل جاد اقناع روسيا بتجديد الاتفاقية مرة أخرى عن طريق تقديم حلول مختلفة عن مطالب روسيا.

ويضاف إلى ذلك أن روسيا طالبت كذلك في آخر اجتماع مفاوضات جمع جميع أطراف الاتفاقية يوم 5 مايو الجاري بتطبيق إجراءات أمنية وتفتيشية أكثر، وهو ما لم يرحب به الجانب الأوكراني؛ إذ أن السفن يتم تفتيشها مرتين، مرة في الموانئ الأوكرانية ومرة أخرى عند مرورها بتركيا سواء كانت خارجة أو قادمة لأوكرانيا، بالإضافة إلى إرسال قائمة بالسفن والسلع التي تحملها لروسيا للموافقة عليها قبل حركتها. من المرجح أن يكون رفض الجانب الأوكراني لزيادة الإجراءات الأمنية هو لعدم تعطيل حركة السفن بشكل أكبر، إلا أن هذا الرفض كان معطلًا آخر في طريق التمديد؛ بما وصل إلى إعلان الأمم المتحدة يوم 6 مايو فشل التوصل إلى اتفاق لتمديد الاتفاقية.

وسيكون لإنهاء العمل بمثل هذه الاتفاقية أثر سلبي ضخم عالميًا، وقد تنتج عنه أزمة غذائية حادة وزيادة كبيرة في أسعار الحبوب والسلع الغذائية، بما قد يمثل عامل ضغط عالمي على الأمم المتحدة وأوكرانيا لتلبية المطالب الروسية التي من الواضح عدم إمكانية إقناع روسيا بالتنازل عنها. وفي المقابل، من غير المرجح أن تقبل الأمم المتحدة وأوكرانيا بهذه المطالب كاملة بالنظر إلى أن هذا من شأنه أن يجعل روسيا تضيف مطالب أخرى معتمدة على الضغط العالمي. 

ختامًا، لا يشير الوضع الراهن إلى إحراز أي تقدم إيجابي بشأن هذه الاتفاقية، خصوصًا مع اقتراب موعد نهايتها؛ فروسيا لم تحصل ولن تقبل بالتجديد قبل تحقيق مطالبها بشكل كامل، ومن الجانب الآخر من الصعب على الأمم المتحدة وأوكرانيا تنفيذ المطالب كاملة لما قد يسببه هذا من تعقيد ومطالبة روسيا بالمزيد من الشروط فيما بعد. ومن جانب آخر، من غير المرجح قبول الدول الغربية بتخفيف العقوبات على روسيا بأي شكل، لا سيّما وأن العقوبات بشكلها الحالي لم تؤثر بالشكل المرجو على روسيا التي تمكنت من وضع أوكرانيا تحت ضغوط متعددة على هذا المستوى، إما القبول بشروط موسكو أو إنهاء العمل بالاتفاقية بما يضيف عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على كييف.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى