
تونس وإنهاء العشرية السوداء.. قيس سعيد يطوق قيادات النهضة بالمساءلة القانونية
بينما استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الجمعة الماضي الموافق 10 فبراير، السيدة ليلى جفال وزيرة العدل، بقصر قرطاج، لتناول مآلات عدد من القضايا التي تترقب الحسم إثر تأجيلها غير مرة، نفذت السلطات التونسية حملة توقيف شملت قيادات سياسية وقضائية ورجال أعمال نافذين، للتحقيق معهم في قضية تتعلق بالتآمر على أمن الدولة والتخطيط لقلب النظام.
اللقاء الذي جمع الرئيس سعيد بوزيرة العدل، تطرق إلى موضوع اللجنة التي وقع تأطيرها لمتابعة سير قضيتي اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والمتهم في هذه العملية، وكذا التخلص من وثائق قضائية مهمة للتعتيم على المتورطين في الحادث الإرهابي التابعين لحركة النهضة (فرع جماعة الإخوان بتونس). وقد أشار سعيد إلى أن السير الطبيعي للعدالة لا يقتضي مثل هذه اللجان فضلًا عن إتلاف الأدلة والوثائق. ولذلك يقدر سعيد أهمية الاستجابة لقرار الشعب في المحاسبة بوصفه ضرورة وطنية أو باعتباره واجبًا مقدسًا على حد تعبيره.
حملة الإيقافات التي نفذتها السلطات التونسية، استهدفت قيادات بارزة في حركة النهضة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، إذ أوقفت في مساء الاثنين 13 فبراير نائب رئيس حركة النهضة ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، الذي سبق أن وضع تحت الإقامة الجبرية نحو ثلاثة أشهر لوجود شبهة إرهاب في ملفه، تتصل بقضية منح جوازات سفر وشهادات جنسية وبطاقات هوية بطريقة غير قانونية إلى أشخاص أجانب لأغراض إرهابية، ومنها تسفير هؤلاء إلى بؤر التوتر والانخراط في تنظيمات إرهابية مسلحة.
جاء ذلك في سياق موجة تنفيذية قامت بها السلطات التونسية أدرج فيها رجل الأعمال صاحب النفوذ الواسع في مجال المال والسياسة، كمال اللطيف، ورئيس محكمة التعقيب السابق، الطيب راشد، وقاضي التحقيق السابق، البشير العكرمي، الذي كان مكلفًا بملف اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بالإضافة إلى عن القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.
ينظر الكثير من التونسيين والحركات السياسية المؤيدة للرئيس قيس سعيد وخاصة حزب التيار الشعبي، إلى ما يحدث الآن أنه يمثل لحظة مفصلية في تاريخ تونس باعتبار أن الموقوفين يمثلون “مافيا” تحكمت في مقدرات البلاد خلال سنوات العقد الفائت. كما أن مسار محاكمتهم وتقديمهم للعدالة يضمن للبلاد أفقًا آخر شريطة أن يمضي القضاء نحو نسق العدالة الناجزة في عديد الملفات التي تم تعطيلها، وخاصة قضايا الاغتيالات والجهاز السري للإخوان وما يتعلق بتسفير الشباب نحو بؤر التوتر الساخنة، والتي تم القبض على علي العريض نائب رئيس حركة النهضة على خلفيتها وكذا عمليات غسيل الأموال.
الرئيس سعيد ظهر في لقاء مرئي بثته صفحة الرئاسة التونسية، عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، مساء الثلاثاء 14 فبراير، أثناء اجتماعه بوزيرة التجارة وتنمية الصادرات، كلثوم بن رجب، يتحدث عن خيوط أزمة اختفاء السلع والعمل على ارتفاع قيمتها، بشكل غير مبرر، من خلال أشخاص محددين قامت بالاحتكار والمضاربة وتخزين السلع الأساسية، والعمل على تقييد حركة إدخال السلع نحو الأسواق الكبيرة، الأمر الذي فرض أعباء ضخمة على المواطنين، مما فرض ضرورة المواجهة وحتمية التصدي لكافة أطر الفساد عبر آليات القانون.
الرئيس التونسي الذي قدم في ذلك الحديث أول تعليق رسمي على قرارات الإيقاف الأخيرة، لمح إلى أن تلك القرارات طالت أشخاصًا تورطوا بالإثباتات في ملفات تآمر على أمن تونس محليًا وإقليميًا، وهم أنفسهم من يعملون على تأجيج الأوضاع الاجتماعية عبر “عصابات منظمة” راكمت آلام ومعاناة المواطن التونسي، بيد أن يد الدولة حاضرة وتملك من الأدوات التنفيذية ما يؤهلها لحماية المواطنين.
مؤكدًا بكلمات صريحة ومباشرة أن الشعب يريد المحاسبة، وينبغي أن يقع الحساب دون أي استثناء، مشددًا أنه “لن نخيب آمال شعبنا في تطبيق القانون ونصوصه على الجميع من خلال القضاة الشرفاء الذين يمتلكون القدرة على تحقيق دولة القانون ومجتمع القانون”.
عبر تلك الكلمات، يبدو الرئيس التونسي ماضٍ في استخدام سلطاته الدستورية، ضد من يعتبرهم خصوم الدولة الوطنية الذين واصلوا تحركاتهم خلال الفترة الأخيرة ضد استقرار تونس، وتأليب المواطنين بواسطة التلاعب بأسعار السلع الأساسية، في ظل أزمة اقتصادية تضرب العديد من الدول على خلفية تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتباك الأسواق الدولية.
مؤشرات عديدة تستقر يومًا بعد الآخر، تشي أن خارطة الطريق التي أقرها الرئيس مع إجراءات 25 يوليو عام 2021، تمضي في ثبات وعبر قناعات راسخة في ذهنه وتمنحه تأويل مقاربته السياسية، بأن يذهب ببلاده بعيدًا عن واقع العقد الماضي والعبث بمقدرات الوطن في عشرية سوداء.
إلى ذلك يضع الرئيس قيس سعيد نقطة جديدة في مسعاه نحو انعقاد مجلس النواب خلال شهر مارس القادم، وقد استطاع أن يقيد تحركات خصومه خاصة من قيادات حركة النهضة التي سعت خلال الفترة الماضية إلى الاصطفاف مع بعض الشخصيات والاختفاء وراء تنظيمات سياسية، بغية حلحلة وضعية الرئيس والضغط عليه، عبر تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بهدف سيولة الشارع وتظاهره ضد إجراءات الرئيس، سيما مع محاولاتهم توظيف ضعف المشاركة في الانتخابات البرلمانية في المرحلتين الأولى والثانية كصورة ذهنية عن انفصال الشارع والرئيس. غير أن واقع الأحداث يشير إلى أن إجراءات الدولة تميل نحو عديد المواطنين، الأمر الذي بدا واضحًا مع تصدر نوايا التصويت الأخيرة لصالح الرئيس قيس سعيد.
وضعية تونس في سياقها السياسي كواحدة من الدول، التي خبرت أحداث العام ٢٠١١، تثبت بدلائل راسخة ضرورة إعمال الحوار الوطني كمسار شامل، تخضع فيه كافة مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لاشتباك موضوعي، يفرز إجابات واقعية لسؤال الديمقراطية وتأويلاتها المناسبة، بحسب ظروف وتطور التجربة التاريخية لكل دولة، الأمر الذي يضمن تقديم الأمل وبث التفاؤل للأجيال القادمة.



