
“الرئاسي الليبي” ومحاولات التوفيق بين مجلسي النواب والدولة
أطلق المجلس الرئاسي الليبي، منذ أيام، مبادرة لحل الأزمة في البلاد، ودعا مجلسي النواب والدولة إلى مناقشة القاعدة الدستورية المتعثرة، بحضور المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي. ويبدو أن المجلس الرئاسي يسعى إلى لعب دور ما. وقد جرى في الأيام الأخيرة تعليق التواصل بين مجلسي النواب والدولة؛ إذ يظهر أن كلًا منهما لديه حسابات خاصة به، وبمن يقف وراءه. ومن هنا بدأ المجلس الرئاسي في تقديم نفسه كوسيط. فهل هذا ممكن؟
بالنسبة لمجلس النواب، يوجد ارتباط وثيق بينه وبين كل من الجيش الوطني الليبي، داخليًا، وبمحور الاعتدال العربي، خارجيًا. وفيما يتعلق بمجلس الدولة، وبالنظر إلى هيمنة جماعة الإخوان عليه، يبدو مرتبطًا بمحور التنظيم الدولي، وعلاقاته المتشعبة في المنطقة والعالم. فأين يقع المجلس الرئاسي وسط مثل هذه الارتباطات، وهل يمكنه حقًا أن يكون وسيطًا نزيها بين النواب والدولة؟
يمكن القول إن الخلاف الأساسي بين المجلسين (النواب والدولة)، يتعلق، من بين كثير من الأمور، بقضة رئيسة تخص بنودًا محددة، ألا وهي مدى أحقية العسكريين في الترشح لانتخابات الرئاسة مستقبلًا، وكذلك مزدوجي الجنسية، وأيضًا من صدرت بحقهم أحكام قضائية غير نهائية.
على هذا جرت لوقت طويل المفاوضات بين النواب والدولة؛ للوصول إلى قاعدة دستورية. لقد أبدى مجلس النواب بعض المرونة اللافتة لحل الأزمة، ووافق لمجلس الدولة على وضع عراقيل أمام من هم تحت الملاحقة القضائية؛ لمنعهم من الترشح، حتى لو لم تكن قد صدرت بحقهم أحكام نهائية.
لكن أطماع مجلس الدولة تبدو كبيرة، ولا يريد أن يكتفي بإبعاد بعض المدنيين من المحسوبين على نظام القذافي، بل يريد حاليًا أن يبعد قادة عسكريين أيضًا، وشخصيات تحمل جنسية أجنبية من أي انتخابات مقبلة، بحجج مختلفة. وتدور في أروقة مجلس الدولة مؤشرات على رغبة الإخوان في تقلد المزيد من المناصب التنفيذية. وبين حين وآخر، تتصاعد الطموحات الإخوانية إلى التفكير في رئاسة الحكومة؛ أي تشكيل حكومة جديدة برئاسة إخوانية خالصة، وفتح الباب لتشكيل مجلس رئاسي جديد برئاسة أحد المحسوبين على محور مجلس النواب.
بيدَ أن الأمور ليست بتلك البساطة، ومن الصعب إيجاد توافق دولي للسماح بتحقيق رغبات البعض على حساب الآخرين في ليبيا. لهذا ما زالت المفاوضات بين النواب والدولة على وضع القاعدة الدستورية تراوح مكانها. وعليه ظهرت مبادرة المجلس الرئاسي.. وهذا الأخير، على ما يبدو، يسعى إلى تمهيد الطريق لإلغاء دور مجلسي النواب والدولة، وأن يتولى بنفسه في نهاية المطاف وضع القاعدة الدستورية.
يمكن للمجلس الرئاسي أن يصل إلى هذه المرحلة من الجرأة بالفعل في ظل وجود السيد عبد الله ياتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا؛ لأنه في حال استمرار فشل مجلسي النواب والدولة في التوافق في مقدوره أن يكشف عن بعض النوايا بإمكانية وضع القاعدة الدستورية بعيدًا عنهما! أو يمكن للمجلس الرئاسي، في تكهنات أخرى، أن يفتح الباب لاختيار مجموعة من الشخصيات الليبية، لإصدار القاعدة الدستورية، مثلما حدث عند اختيار مجموعة من الشخصيات لحكومة الدبيبة وللمجلس الرئاسي نفسه، منذ نحو سنتين.
الهدف من عمل المجلس الرئاسي، منذ البداية، هو أن يقوم بإنجاز ملف المصالحة الوطنية، لأنها يمكن أن تسهم، إلى حد كبير، في حل الكثير من المختنقات في عموم ليبيا. ويظهر أنه لم يحقق أي إنجاز يذكر في هذا الملف، حتى الآن. ومع ذلك قد تكون مبادرة المجلس الرئاسي مجدية، لأنها، على الأقل، تتماشى مع رؤية المبعوث الأممي، باتيلي؛ في محاولة جمع النواب والدولة والرئاسي معًا، بحثًا عن توافق حول القاعدة الدستورية.
لكن أين ذهب الحديث عن خلافات مجلسي النواب والدولة حول رؤساء المناصب السيادية، كديوان المحاسبة، والرقابة الإدارية، وغيرها؟ وأين الحديث عن الرغبة في توحيد السلطة التنفيذية؟ ما زالت تراوح مكانها أيضًا. لكن يسود الاعتقاد بأن كل هذه الإشكاليات قابلة للحل إذا ما توافق المجلسان حول القاعدة الدستورية، لأنها –ببساطة- ستؤدي إلى انتخابات تقضي على كل المختنقات الموجودة، أو هكذا تدور الظنون على أية حال. لهذا دخل المجلس الرئاسي على الخط.
ومع ذلك يعاب على مبادرة المجلس الرئاسي أنها فضفاضة، ولا تتضمن بنودًا محددة، وتترك الكثير من خلافات مجلسي النواب والدولة كما هي. وهذا ما لا يريده أحد، فيما عدا الراغبين في استمرار الانقسام والفوضى، واستمرار وجود الميليشيات والمرتزقة والمقاتلين الأجانب. ووسط مثل هذه الخلافات والمبادرات والتكهنات، تقوم الحكومة منتهية الولاية باستغلال الموقف، والاستمرار في العمل، ورفض الخروج من طرابلس.