
ليبيا.. حرب الإخوة الأعداء في تاجوراء
تمر منطقة تاجوراء الواقعة شرق العاصمة الليبية طرابلس، بأزمة كبيرة بسبب الاشتباكات بين المجموعات المسلحة التي سقط خلالها خمسة قتلى على الأقل، من بينهم أمراء لبعض الميليشيات المسلحة في تلك المنطقة. بالإضافة إلى ذعر السكان الذين يبلغ عددهم نحو ثلث مليون نسمة. وتعد ميليشيا رحبة تاجوراء أقوى الميليشيات هناك ويقودها بشير خلف الله وشهرته بشير البقرة، وهو أحد أبناء المنطقة وذو ولاءات متباينة.
وحاول البقرة مرات عدة الهجوم على مقرات قوات الردع، السلفية المدخلية، المتمركزة في مطار معيتيقة القريب من تاجوراء، من أجل إخراج مساجين متهمين بالانتماء لأنصار الشريعة وتنظيم داعش، وجميعهم من بنغازي.
والبقرة مدعوم كذلك من المفتي المتهم بتبني الإرهاب، الصادق الغرياني، الذي يقيم في تاجوراء أيضًا. وبعد أن كان البقرة متعاونًا مع باقي ميليشيات تاجوراء اشتعلت نار الخلافات بينهم. وتدور منذ أيام الحرب بين ميليشياته وباقي ميليشيات المنطقة الأصغر والأضعف، ومنها ميليشيا الشهيدة صبرية، وميليشيا أسود تاجوراء، وميليشيا فتح مكة، وميليشيا شهداء الحميدية، وميليشيا الميناء، وغيرها..
الاشتباكات الحالية تتركز بين ميليشيات رحبة تاجوراء من جانب، وميليشيات صبرية وأسود تاجوراء من جانب آخر، وتتبع كل هذه الميليشيات الحكومة منتهية الولاية في طرابلس. وكانت هذه الميليشيات حتى أسابيع قليلة مضت، تبدو على صفاء ويظهر عليها أنها تعيش كلها في سلام وتعاون، إلى أن وقع خلاف فيما بينها على مناطق النفوذ.
لإدراك تعقيد الموقف في تاجوراء، لا بد من العلم بأن الكثير من عناصر ميليشيا شهداء صبرية، مثلهم مثل عناصر من أسود تاجوراء، هم بالأساس من مجموعة أنصار الشريعة، وتنحدر أصول بعضهم من مدينة بنغازي وكانوا حتى 2018 يقاتلون ضد الجيش الوطني في شرق البلاد، ثم فروا إلى شمال غرب ليبيا.
هنا يمكن التساؤل: وأين الميليشيا المعروفة باسم ضمان تاجوراء؟ هذه تم تفكيكها منذ نحو ثلاثة أعوام، حيث تبعثرت عناصرها بين باقي ميليشيات تاجوراء. كان آمرها هو علي دريدر. وكان يحظى أحيانًا بدعم ميليشيات رحبة تاجوراء، خاصة أثناء الحرب ضد الجيش الوطني في طرابلس في 2019 و2020.
إلا أن اشتباكات بين رحبة تاجوراء وضمان تاجوراء في ذلك الوقت، تسببت في مقتل قيادي تابع للبقرة اسمه نادر الأزرق. ومن ذلك الحين لم يعد هناك وجود لميليشيات ضمان تاجوراء، ومع ذلك طال هجوم ميليشيات رحبة تاجوراء قبل ساعات بيوت تابعة لعناصرها، ومنها بيوت لأقارب دريدر نفسه.
الإشكال الذي أشعل النار الأخيرة بين ميليشيات تاجوراء، يتعلق بخلاف على توزيع حصص البنزين، ومقدار ما يخصها وما يخص المواطنين. وتطور الأمر واتهمت ميليشيات البقرة ميليشيات صبرية وأسود تاجوراء، بقتل عناصر تابعة لها من بينهم ابن عم البقرة واسمه عبيدة خلف الله، ويشغل منصب آمر اللواء 51 مشاة، ومن بين القتلى أيضًا محمود الزياني (وشهرته الصيص) من اللواء 51 نفسه.
وردت ميليشيات البقرة سريعًا، فتم اتهامها بقتل بلال المهدي، القيادي في ميليشيات صبرية وأسود تاجوراء، وعلى ذلك بدأت آلة الحرب بين الطرفين مع تخوف السكان من التطورات المرعبة، بعد أن قامت ميليشيات البقرة خلال الساعات الماضية بعمليات انتقامية ضد كل من ميليشيات الشهيدة صبرية وميليشيات أسود تاجوراء. واجتاحت معسكرات تابعة لهما وشددت من مواقعها وتمركزاتها في غوط الرمان، والأربع شوارع، ومفرق سوق النشيع، وبئر التركي، ومنطقة أبو شوشة.
ومن جانبها بدأت ميليشيات الشهيدة صبرية وميليشيات أسود تاجوراء، في التحرك المضاد ولوحت باستخدام أرتالها المسلحة الثقيلة ومدرعاتها ضد ميليشيات رحبة تاجوراء. ويمكن أن تُسمع هدير الآليات العسكرية وهي تتأهب لخوض معركة كسر عظم في المنطقة.
من يدفع الثمن في تاجوراء هم السكان الأبرياء الباحثين عن لقمة العيش، وهذا لا يمنع من أن يؤدي النزاع بين ميليشيات المنطقة، في إعادة خارطة التحالفات بين من يمسكون السلاح، ليس في تاجوراء فقط، بل في طرابلس وخارجها أيضًا.
كذلك يمكن أن يتسبب الاقتتال بين ميليشيات تاجوراء في إضعافها، وهذا يصب في مصلحة ميليشيات أخرى من طرابلس ومصراتة وغيرها، ويمكن أن يؤدي تفاقم الأوضاع الأمنية في تاجوراء، إلى إحراج كبير للقيادات السياسية في العاصمة، خاصة تلك التي نزع عنها البرلمان في الشهور الماضية غطاء الشرعية.