أفريقيامصر

العلاقات المصرية الصومالية كركيزة لأمن القرن الأفريقي

شهدت المباحثات التي عُقدت في القاهرة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود تركيزًا واضحًا على الأوضاع والتطورات الإقليمية، وملف سد النهضة، والأمن في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وهو مؤشر عكس أولوية التنسيق الأمني بالنسبة للدولتين، خصوصًا في ضوء حالة التأزم التي تشهدها المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، إثر تفاقم الصراعات السياسية والطائفية، وتنامي حضور التيارات الإرهابية، إلى جانب احتدام التنافس الدولي على الحضور فيها.

اتفاق على ترسيخ الأمن والاستقرار

أعقب المباحثات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود مؤتمر صحفي أكد فيه الرئيس على أن الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي حظيت بأولوية كبيرة خلال المناقشات، حيث تم الاتفاق على العمل معًا لترسيخ الأمن والاستقرار، في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية. وأضاف “السيسي” أنه تم تكثيف التعاون والتنسيق بين مصر والصومال فيما يتصل بأمن البحر الأحمر، مشيرًا إلى الاتفاق على مسؤولية الدول المشاطئة عن صياغة كافة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي بالغ الحيوية، من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية. 

وكذا أكد الرئيس على تطرق المباحثات إلى قضية سد النهضة، والتشديد على ضرورة التوصل بلا إبطاء إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة. وفي سياق متصل، أكد “السيسي” على دعم مصر لجهود تعزيز السلم والأمن في الصومال، والقضاء على الإرهاب سعيًا إلى تحقيق التنمية المنشودة في هذا البلد الشقيق، ومن أجل تخطي التحديات الراهنة، وتحقيق تطلعات الشعب الصومالي، نحو مستقبل أفضل يفضي إلى عودة الصومال ليتبوأ موقعه كعضو فاعل ومؤثر في منطقة القرن الأفريقي وعلى المستويين العربي والقاري.

وقد عكس مضمون وطبيعة المحادثات الثنائية وما تمخض عنها من مواقف معلنة اتفاق الطرفين المصري والصومالي على إيلاء الأولوية في المرحلة المقبلة للتعاطي بفاعلية مع التحديات التي تواجه منطقة القرن الأفريقي، خصوصًا ذات الطبيعة الأمنية؛ لكون هذه التحديات تهدد أمن القارة الأفريقية ككل، والأمن القومي للدولتين، وانطلاقًا من قواعد “المفهوم الشامل للمواجهة”؛ إذ لم يفصل الرئيسان بين البعدين الأمني والتنموي في عملية المواجهة، وكذا أولوية الحد من التدخلات الخارجية وتقليل حدة تأثيرها على التفاعلات في المنطقة، وهو ما تجسد في التأكيد على أولوية وضع الخطط الخاصة بأمن البحر الأحمر من قبل الدول المشاطئة له.

ثوابت مصرية تجاه منطقة القرن الأفريقي

يمكن القول إن الحضور المصري في القارة الأفريقية ككل، وفي منطقة القرن الأفريقي على وجه التحديد، شهد فاعلية وزخم كبير منذ العام 2014، وذلك بعد سنوات من الغياب عن هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة إثر العديد من الأبعاد، الجدير بالذكر أن هذا الحضور والفاعلية المصرية يرتكز على عدد من المحددات والثوابت، وذلك على النحو التالي: 

1- عبرت سياسات الدولة المصرية إزاء منطقة القرن الأفريقي منذ العام 2014، وكذا المباحثات التي جرت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس حسن شيخ محمود، عن تغيرات كبيرة في نمط وطبيعة تفاعل مصر مع قضايا المنطقة؛ إذ انتقلت مصر من فكرة الاهتمام بملف واحد (ملف الأمن المائي) إلى تبني مقاربة شاملة تضع في الحسبان كافة التحديات والمتغيرات التي تواجه المنطقة، خصوصًا وأن هذه التحديات تهدد الأمن القومي المصري بشكل أو بآخر.

في هذا السياق، تنظر الدولة المصرية إلى الصومال بوصفه شريكًا استراتيجيًا على مستوى مواجهة تحديات منطقة القرن الأفريقي؛ وذلك انطلاقًا من الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية الكبيرة للصومال، وكذا العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين.

2- يعد الصومال بحكم موقعه الجغرافي واحدًا من الدول المهمة الرئيسية المشاطئة للبحر الأحمر، وهو الأمر الذي أكسبه أهمية جيوسياسية متزايدة. ومع التهديدات الأمنية الكبيرة التي تواجهها الدولة الصومالية -خصوصًا مع تنامي أنشطة حركة الشباب الإرهابية، وسعيها إلى تكرار نموذج طالبان أفغانستان (أشار إلى ذلك نائب رئيس الحركة في تصريحات في يونيو 2022)- فإن ذلك يمثل تهديدًا كبيرًا لتماسك ووحدة الدولة الصومالية، وبالتالي تهديدًا لأمن البحر الأحمر، وهو الممر البحري الذي يحظى بأهمية كبيرة بالنسبة للدولة المصرية، وهي عوامل عززت من الحاجة إلى زيادة التنسيق الأمني بين الجانبين.

3- يمثل ملف الأمن المائي لمصر والسودان أحد القضايا الرئيسة بالنسبة لصانع القرار المصري والدولة المصرية حكومةً وشعبًا. ومع النهج الإثيوبي المتعنت في هذا الصدد، تتبنى الدولة المصرية استراتيجية تقوم على “الصبر الاستراتيجي” سعيًا إلى تجنيب المنطقة أي سيناريوهات قد تزعزع الاستقرار والأمن، وتسعى في الوقت ذاته إلى التنسيق مع الدول الأفريقية خصوصًا الفاعلة منها في هذا الملف، وعلى رأس هذه الدول الصومال، بما يدفع باتجاه الضغط من أجل موقف أفريقي يقوم على أولوية الوصول لاتفاق ملزم لكل الأطراف، ويراعي الأمن المائي لمصر والسودان.

4- أكد الرئيس “السيسي” خلال المباحثات مع نظيره الصومالي على دعم مصر لجهود مكافحة الإرهاب في الصومال، والحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الصومالي، وهو تأكيد يتماشى وثوابت السياسة الخارجية المصرية عمومًا في السنوات الأخيرة، وهي الثوابت التي كان على رأسها أولوية تعزيز مفهوم الدولة الوطنية في المناطق المأزومة، ودعم تماسك مؤسسات الدولة، في مواجهة تهديدات الفاعلين المسلحين دون الدول والحركات الإرهابية، وهي التهديدات التي تعزز حالات عدم الاستقرار، وتمثل بيئة خصبة لتمدد الإرهاب، وجعل هذه الدول ساحة للتنافس الدولي والإقليمي.

متغيرات صومالية مهمة

تأتي زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة، وما تبعها من تنسيق مواقف بين الدولتين، في إطار بيئة داخلية صومالية تشهد بعض المتغيرات المهمة، بما يدفع باتجاه تعزيز التعاون الأمني بين القاهرة ومقديشو، ومن هذه المتغيرات:

1- وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى سُدة الحكم، والبدء في تشكيل حكومة جديدة، وتحييد الرئيس الأسبق “محمد عبد الله فرماجو” وأتباعه عن دوائر صنع القرار الصومالية، خصوصًا مدير المخابرات الصومالية الأسبق “فهد الياسين”؛ إذ إن الصومال تبنى خلال فترة حكم الرئيس الأسبق سياسات تقوم على التحالف مع بعض القوى الإقليمية التي كان يوجد تباينات سياسية بينها وبين مصر، الأمر الذي أدى إلى حالة من الجمود والتباين في العلاقات الثنائية.

2- تأتي زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى مصر بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء الجديد في الصومال “حمزة عبدي بري” عن التوجه نحو إطلاق عملية شاملة في الصومال لمواجهة حركة الشباب الإرهابية، وتحرير المناطق المحتلة من قبلها، وهي عملية سوف تدفع باتجاه زيادة التنسيق بين البلدين، خصوصًا في ضوء الخبرة والتجربة المصرية المهمة في مجال مكافحة الإرهاب، وإدراك الصومال وكذا الدول الأفريقية، لامتلاك مصر لقدرات كبيرة عسكريًا واستخباراتيًا ما يجعلها شريكًا أمنيًا مهمًا ومحل ثقة كبيرة.

3- جاءت زيارة الرئيس الصومالي إلى القاهرة في إطار سعيه إلى تبني مقاربة جديدة في سياسته الخارجية، تقوم على ضرورة إيلاء اهتمام كبير بالدائرة والمحيط الأفريقي للصومال، وهو ما تجسد في جولاته الأفريقية المتتالية، وسعيه إلى تبني سياسة خارجية متوازنة بعيدًا عن المحاور والتكتلات، وهو عامل يدفع باتجاه تعزيز التعاون الثنائي على مختلف الأصعدة.

وختامًا، يمكن القول إن زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة تُمثل فرصة كبيرة لتعزيز التعاون المصري الصومالي على كافة المستويات في المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء الأولوية التي توليها مصر في السنوات الأخيرة لعمقها الأفريقي، الأمر الذي يتطلب ترجمة هذه الإرادة السياسية المتوفرة إلى آليات عملية خصوصًا على المستوى الأمني، بما يضمن الدفع باتجاه مواجهة كافة التهديدات الأمنية في المنطقة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى