أفريقيا

مصر – الصومال: مقاربة شاملة ومصير مشترك

عودة صومالية لقلب العروبة، من خلال سياسة مصرية تعاونية للقيادة السياسية المصرية والرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود الذي أُعيد انتخابه في مايو الماضي، بعد فترة انتقالية قادها الرئيس عبد الله فرماجو منذ عام 2017، شهدت الصومال خلالها عدة توترات، لتستقيم مرة أخرى في ظل الدور المصري في مكافحة الإرهاب ودعم التعليم ومكافحة الفكر المتطرف هناك، والتوافق حول القضايا الحيوية التي تهم منطقة القرن الأفريقي وتقارب الرؤى وخلق موقف أفروعربي موحد لقضية سد النهضة، في ظل المكانة الجيوسياسية للدولة الصومالية والتي تقع على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس. 

وهو ما يضعنا أمام زيارة تُعيد تشكيل أواصر التعاون التاريخية بين مصر والصومال، مع الرغبة الصومالية القوية في اعتمادها على دبلوماسية “تصفير الأزمات”، وسياسة مصرية باحتواء الأشقاء. 

حسن شيخ وعلاقات وثيقة مع مصر

ترتبط مصر والصومال التي تحظى بأهمية جيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي نظرًا لموقعها بمدخل البحر الأحمر، بعلاقات تاريخية عدة منذ الدور المصري في دعم استقلال الصومال، وانضمامها إلى جامعة الدول العربية وحركة عدم الانحياز وكانت من الدول الأولى المؤسسة للاتحاد الإفريقي. 

ويرتبط الرئيس حسن شيخ بعلاقات قوية مع مصر منذ الفترة الأولى لرئاسته للصومال خلال الفترة من (2012- 2017)، حيث شهدت عودة فتح السفارة المصرية في مقديشيو عام 2013، وهو ما سينعكس على شكل العلاقات بين القادة السياسيين للبلدين من خلال المؤشرات التالية: 

– تعاون سياسي ودبلوماسي: تأتي الزيارة الحالية، في إطار دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي لجهود الصومال في استعادة دورها في منطقة القرن الأفريقي والعودة للقومية العربية، ويقابلها سياسة صومالية جديدة للعودة للأصول العربية من خلال الدولة المصرية والحصول على الدعم الاقتصادي والتنموي والأمني، في ظل دبلوماسية “صفر أزمات” فجاءت مصر كسابع محطة خارجية للرئيس شيخ، بدأت بمحيطه الإقليمي وانتهت بتنزانيا التي طالب فيها بالانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا، إلا أن هذه الزيارة على الرغم من كونها الأولى له إلى مصر منذ توليه الولاية الثانية للصومال؛ إلا أن حسن شيخ محمود حرص على بناء علاقات وثيقة مع مصر خلال فترة ولايته الأولى (2012 – 2017)، حيث أجرى 4 زيارات إلى القاهرة بدأت بحضور حسن شيخ مراسم تنصيب الرئيس السيسي في 2014، وعقد عدة لقاءات رئاسية على هامش اجتماعات القمة الإفريقية 2016. 

إعادة بناء المؤسسات الوطنية الصومالية: ساهمت مصر في حث القوى الدولية على دعم الدولة الوطنية الصومالية، وبناء المؤسسات باعتبارها عضوًا فاعلًا في مجموعة الاقتصاد الدولية المعنية بالمشكلة الصومالية، ودعم كافة الأطراف الصومالية إلى الانتهاء من الانتخابات الصومالية البرلمانية والرئاسية التي تم تأجيلها مرارًا، في ظل الخلافات المستمرة عقب انتهاء ولاية الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، وصولاً إلى تولي الرئيس الحالي حسن شيخ في مايو 2022، وهو ما ظهر كذلك في استقبال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي لرئيس الوزراء الصومالي آنذاك محمد روبلي في أغسطس 2021، وحضور مدبولي مراسم تنصيب الرئيس حسن شيخ يوليو 2022 نقل فيها دعوة الرئيس السيسي لشيخ لزيارة القاهرة، كما استقبلت عدة مراكز بحثية في القاهرة الرئيس الحالي شيخ باعتباره مرشح للرئاسة الصومالية لعرض وجهات نظره قبيل الانتخابات.

– المشاركة في القوات الأفريقية في الصومال (أميصوم): كان أكثر ما يهدد الانتخابات الصومالية الوضع الأمني المتردي، وحركة الشباب المنتشرة هناك، وفي ظل الانقسامات الحكومية التي كانت قائمة بين قوات فرماجو الرئيس المنتهية صلاحيته والقوات الأمنية الداعمة لروبلي رئيس الوزراء آنذاك، اتخذت قوات أميصوم جانب الحياد السياسي مما أغضب بعض القوى السياسية المتنافسة على الحكم، فحاولت عرقلة تمديد وجود البعثة، وهو ما سيكون له بالغ الأثر على الوضع الأمني المتردي بالفعل في البلاد، في ظل الدعوة لوجود قوات أممية بجانب القوات الأفريقية أو توسيع المشاركة الأفريقية، وهو ما عدته السياسة الصومالية آنذاك تدخلًا في الشأن الداخلي. 

ونظم مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ السلام في يناير الماضي، عدة مناقشات بمشاركة الحكومة الصومالية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الشركاء الدوليين، حول الوضع الأمني في الصومال والمقاربة الشاملة لترتيبات ما بعد 2021، وهو ما ركز عليه وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره الصومالي “عبد سعيد موسى علي” عند لقائه في فبراير 2022، على هامش اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، باعتباره خطوة نحو استكمال الاستحقاقات الوطنية، مع تأكيده على ضرورة استناد الترتيبات الخاصة لبعثة أميصوم فيما بعد 2021، والمقاربة الشاملة لتشمل بناء مؤسسات الدولة وإعادة الإعمار والاقتصاد والتنمية بجانب الأبعاد الأمنية والعسكرية. مع ضرورة تدريب القوات الصومالية المحلية.

وهو ما انعكس على قرار مجلس الأمن بإجماع أعضائه على إعادة تشكيل قوة جديدة لحفظ السلام في الصومال أطُلق عليها “أتميس”، أي البعثة الانتقالية للاتحاد الأفريقي في الصومال في أبريل الماضي، وتتضمن القوة الجديدة 20 ألف عسكري وشرطي ومدني، ومن المقرر أن تخفض أعدادهم تدريجيًا للوصول إلى الصفر بحلول 31 ديسمبر 2024.  وهو ما يتطلب تنسيقًا على مستوى العلاقات الثنائية السياسية بين البلدين لتحقيق معايير “الأمن والتنمية” في الصومال. 

مصر والصومال والمقاربة الشاملة

تدعم مصر في علاقتها مع الصومال مفهوم “المقاربة الشاملة” في مجالات عدة، من خلال الحفاظ على معايير الأمن والاستقرار وبناء مؤسسات الدولة الوطنية، ومواجهة التطرف والإرهاب، بجانب التعاون التنموي والاقتصادي من خلال ارتقاء مستوى التعاون السياسي الثنائي بين البلدين، ودعم الدور المحوري في المنطقة، وهو ما انعكس في المؤتمر الصحفي المنعقد عقب لقاء الرئيس السيسي وشيخ، وظهر في التالي: 

إرساء أمن واستقرار البحر الأحمر: تقع الصومال في منطقة جيواستراتيجية مهمة لمصر والإقليم ككل، فتقع على الممر الدولي ومضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر ومدخل قناة السويس، مما ينعكس على ضلوعها كدولة مشاطئة إلى المشاركة في كافة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي، وظهر الدعم المصري في تحقيق أمن واستقرار الصومال إما على المستوى الداخلي وبناء المؤسسات الوطنية، أو جهود مكافحة القرصنة، من خلال عضويتها ضمن مجموعة الاتصال الدولية المعنية بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، حيث تولت رئاسة مجموعة العمل الرابعة المنبثقة عن مجموعة الاتصال، وهي مجموعة تختص بدعم الجهود الدبلوماسية ونشر الوعي بشأن ظاهرة القرصنة.

وتحتاج بعثة “أتميس” الحالية الأفريقية للدعم المادي وتدريب عناصر الأمن المحلي، حتى لا يتم خلق فراغ أمني عند انسحابها كما حدث مع بعثة أميصوم، وبالتالي اتفق الرئيسان على أهمية التدريب لبناء كوادر صومالية. 

– مكافحة الإرهاب والتطرف:  تعتمد مصر على استراتيجية مجابهة الإرهاب بجانب الدعم الأمني إلى محاربة الأفكار المتطرفة، عبر بناء القدرات الصومالية من خلال التعليم والتدريب، فعقدت مصر والصومال برتوكولًا تعليميًا بجانب البعثات المصرية التعليمية؛ إلا أنه على الرغم من التقارب الذي كان قد أظهره فرماجو – الرئيس السابق للصومال – عند توليه الحكم بعقد لقاءات سياسية مع الرئيس السيسي عام 2017، إلا أن سياسة البُعد عن المحيط العربي الأفريقي التي انتهجها، قد دفعته لإلغاء البروتوكول وإخلاء البعثات المصرية لمقراتها داخل المدارس عقب انتهاء فترة ولايته 2020، فحاول رئيس الحكومة آنذاك محمد حسين روبلي، حلحلة الجمود الدبلوماسي مع القاهرة خلال زيارته التي أسفرت عن زيادة عدد المنح الدراسية المصرية للصوماليين، والتعاون مع الأزهر الشريف لنشر الفكر المعتدل ومكافحة الأفكار المتطرفة. 

– الارتقاء لمستوى العلاقات الثنائية السياسية بين البلدين: اتفق الرئيسان في الزيارة الحالية، على دعم أطر العلاقات الثنائية والسياسية، وشهد الجانبان المصري والصومالي في 2019 توقيع ثلاث مذكرات تفاهم لوضع آلية للتشاور السياسي، وإنشاء لجنة مشتركة على مستوى وزيري الخارجية، بجانب التعاون بين معهدي الدراسات الدبلوماسية، وتوقيع بروتوكول تعاون بين مجلسي النواب للبلدين قي 2017 لإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الثنائية. 

– دعم الدور الصومالي في منطقة القرن الأفريقي: من خلال العمل على دعم أمن واستقرار الصومال، التي تشهد سلسلة من العمليات الإرهابية من حركة الشباب والتي تنتقل إلى دول بالقرن الأفريقي وشرق أفريقيا وكان أخرها الهجوم على أجزاء من إقليم صوماليا الإثيوبي، والتي تستمر مصر في إدانة تلك الأعمال الإرهابية والتي تؤثر على استقرار المنطقة المضطربة بالفعل نتيجة النزاعات الداخلية والإرهاب والصراع على السلطة، ودعم الدولة الصومالية من خلال تحسين مناخ الاستقرار السياسي والاقتصادي وزيادة الاستثمارات، سيسهم في تحقيق التفاهم المشترك وخفض الأعداد المشاركة في حركة الشباب بدافع اقتصادي، وبالتالي نقل حالة الاستقرار للدول المجاورة والمساهمة في تقريب وجهات النظر. 

وبجانب المساعدات المصرية المختلفة في تقديم الدعم الغذائي والطبي أثناء الأزمات، فهناك عدد من الاتفاقيات بين البلدين لتحقيق التكامل الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار في الصومال، وخاصة على مستوى القطاع المصرفي وأثنى الرئيس السيسي على فتح فرع لبنك مصر هناك، وكذلك في مجالات البترول والغاز حيث تم توقيع اتفاقية تعاون لنقل الخبرات المصرية في هذا المجال عام 2020، هذا إلى جانب إدارة المشروعات الزراعية والموارد المائية. 

– الرؤى المشتركة في القضايا الإقليمية: تم مناقشة العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك في ضوء الوضع الراهن للإقليم، والعمل على إيجاد رؤية مشتركة حول قضايا التنمية والمياه وهو ما انعكس على مناقشة قضية سد النهضة، وخاصةً أن الصومال كانت قد وقفت  أمام قرار جامعة الدول العربية بعدم اتخاذ أي من الدول قرارات أحادية في عملية الملء؛ إلا أن هذا الموقف تغير أمام عدم تحفظها على قرار الجامعة العربية بالعودة لمجلس الأمن، وهو ما تم تأكيده اليوم خلال اللقاء بالتوافق حول أضرار السياسات الأحادية في مشروعات الأنهار العابرة للحدود، والتأكيد على أهمية التعاون والتشاور. 

إجمالًا، تضعنا ملفات الزيارة الحالية أمام عودة صومالية للبعد العربي دون الاستغناء عن الدور القاري وخاصة في شرق أفريقيا، والابتعاد عن سياسة المحاور التي ساهمت في خلق فجوة في القرارات في عدة قضايا سابقة، وهو ما سيتم مناقشته خلال لقاء رئيس جامعة الدول العربية والرئيس شيخ، في ظل دبلوماسية سياسية مصرية صومالية قائمة على تحقيق مفهوم المقاربة الشاملة لما لها من انعكاسات على الأمن القومي المصري والثقل المصري في صون أمن واستقرار المنطقة العربية والإقليمية والأفريقية، وتحقيق استقرار الصومال من خلال مؤشرات واضحة لاستعادة زخم العلاقات بين القاهرة ومقديشيو.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى