أسواق وقضايا الطاقة

الدولة المصرية تعزز تواجدها في سوق الهيدروجين الأخضر

تمر صناعة الطاقة بمرحلة فريدة من نوعها خلال القرن الحالي، وسط تحديات ثلاثة ذات طابع خاص؛ الأول هو هيمنة الوقود البترولي والأحفوري على تغذية الصناعات ووسائل النقل؛ حيث تقترب نسبة استهلاك النفط عالميًا من ١٠٠ مليون برميل يوميًا، وفي ارتفاع مستمر، رغم جائحة كورونا والعوامل الأخرى والأزمة الروسية الأوكرانية الحالية، كما تدل على ذلك حركة الأسواق العالمية من عمليات العرض والطلب حاليًا والثاني جدية المحاولات العالمية للتعامل مع التغير المناخي بإحلال طاقات خضراء مستدامة بدلًا من الوقود الأحفوري أو التقليدي الذي يُعتبر مصدرًا أساسيًا للانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري، بينما التحدي الثالث والأخير بناءً على التجارب التاريخية لعمليات التحول من طاقة إلى أخرى جديدة.

ومن المتوقع بروز مرحلة هجينة عند منتصف القرن الحالي ، حيث سيستمر استهلاك النفط خاصة بعد معالجته لسحب ثاني أكسيد الكربون منه؛ وهو الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار استهلاك النفط الأخضر، ولكن بانخفاض الطلب عليه ومن ثمّ انخفاض سعره، كما يتوقع استمرار استهلاك الغاز الطبيعي، خاصةً بعد سحب ثاني أكسيد الكربون منه أيضًا، لكن في الوقت نفسه يبرز وقود جديد صديق لمرحلة صفر انبعاثات.

مقدمة

يُعتبرالهيدروجين من أهم البدائل القوية للنفط إذا تم تطوير تكنولوجيا استخلاصه من مصدر ما، حيث إنه من المتوقع أن يسيّر كل شيء في المستقبل القريب، والهيدروجين غاز عديم اللون والرائحة، ويتوافر بكميات لا تنضب في أنحاء العالم كافة، وعُرف كوقود منذ زمن بعيد، وتم استخدامه في سفن الفضاء منذ الستينيات، كما أكدت العديد من التقارير أن المشكلات التي عانت منها سفينة أبوللو تعود إلى تسرّب الهيدروجين من خلايا الوقود التي تسيّر المركبة.

ويُستخدم الهيدروجين عن طريق حرقه عوضًا عن البنزين في محركات السيارات، أو بطريقة أخرى عن طريق مزجه مع الأكسجين في خلايا الوقود لتوليد الكهرباء وتسيير السيارات، ورغم توافر هذين النوعين من التكنولوجيا حاليًا؛ إلّا أن النوع الثاني لاقى اهتمام أكبر من النوع الأول، وينتج العالم حاليًا أكثر من ۹٠ مليون طن من الهيدروجين سنويًا، كله ناتج من الوقود الأحفوري، الذي يُصدر الانبعاثات في الهواء، فصناعة الهيدروجين تستهلك اليوم ٥٪ من إنتاج الغاز الطبيعي و٢٪ من إنتاج الفحم، وتعمل على توليد حوالي ٨٠٠ مليون طن سنويًا من الانبعاثات، وعلي سبيل المقارنة ما يعادل الانبعاثات السنوية لأكبر اقتصادات أوروبا وهو اقتصاد ألمانيا.

مدخل

تمتلك مصر أكبر مصادر للطاقات المتجددة من الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤهلها لأن تكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة النظيفة، وهو ما سيساعد في إنقاذ البيئة في المنطقة، حيث كانت مصر تخطط لتصل نسبة مشاركة الطاقات المتجددة من إجمالي الطاقة المستهلكة في البلاد ٢٠٪ بنهاية عام ٢٠٢٢، إلا أنها نجحت بالفعل في ذلك الأمر قبل نهاية عام ٢٠٢١، وهو أيضًا ما أكده إطلاق مصر لاستراتيجية تغير المناخ ٢٠٥٠ والتي ستُمكن الدولة المصرية من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة ودعم تحقيق غايات التنمية المستدامة وأهداف رؤية مصر ٢٠٣٠ باتباع نهج مرن ومنخفض لانبعاثات الكربون.

كما يأتي الإنتاج المرتقب للهيدروجين الأخضر في مصر في سياق الاهتمام الدولي المتزايد بالوقود البديل، وذلك من أجل تقليل الآثر البيئي وإبطاء التغير المناخي؛ ويصير ذلك قابلًا للتحقيق من خلال تمكين مصر من توليد واستخدام الهيدروجين الناتج عن الطاقة المتجددة، بدلًا عن الوقود الأحفوري، حيث يُعد الاقتصاد الأخضر هو طوق النجاة للدول لمواجهة مخاطر تغير المناخ والتحديات البيئية المتزايدة.

 وفي ضوء استراتيجية مصر للمضي قدمًا في تفعيل آليات وأدوات التنمية المستدامة والحفاظ على الرفاهية التي تحققت بفعل سنوات التنمية الاقتصادية السابقة؛ كانت مصر نموذجًا إفريقيًا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر عبر العديد من المشاريع والتي من أهمها إنتاج الهيدروجين الأخضر، ويحظى الهيدروجين الأخضر في مصر باهتمام كبير ومتزايد، خاصة مع توافر إمكانات الطاقة المتجددة.

وتزامنًا مع استعدادات مصر لاستضافة الدورة رقم ٢٧ لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  (COP27)، المقرر عقدها في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ، أعلنت الحكومة إطلاق خطة وطنية للهيدروجين بقيمة تخطت ٤٠ مليار دولار في الأشهر القادمة، إدراكًا منها لأهمية إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا وتخزينهما وتجارتهما، في إطار استراتيجيتها للتنمية الاقتصادية؛ ومن المتوقع أن تصل تكلفة مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، دون بنية تحتية إضافية نحو حوالي ٢٠ مليار دولار.

جدير بالذكر أنه يوجد أربعة أنواع مختلفة من الهيدروجين، والفرق الرئيس بينها هو مدى وجود انبعاث لثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج من عدمه:

النوع الأول الهيدروجين الأخضر، تم تسميته بهذا الاسم لاعتماده على الطاقة المتجددة لاستخراجه وهي الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة، وهو عبارة عن وقود خال من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء، من خلال فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين بالماء، بواسطة كهرباء يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة.

النوع الثاني الهيدروجين الرمادي، وهو إنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة المنتجة من الوقود التقليدي التي تضم مستويات مرتفعة من انبعاثات الكربون ويمثل الهيدروجين المنتج من الوقود التقليدي حوالي ۹٤٪ من إنتاج الهيدروجين حول العالم.

النوع الثالث الهيدروجين الأزرق، وهو هيدروجين رمادي يتم فيه التقاط انبعاثات الكربون المنتجة أثناء العملية، وإما أن يتم تخزينها أو إعادة استخدامها؛ ويُعد هذا النوع من الهيدروجين نظيفًا بيئيًا حسب التقنية المستخدمة وكفاءة العملية.

النوع الرابع الهيدروجين الفيروزي،وهو  إنتاج الهيدروجين من خلال عملية تسمى الانحلال الحراري، حيث يتم تسخين الغاز الطبيعي (الميثان)، ما يؤدي إلى تفككه إلى غاز الهيدروجين ومواد صلبة كربونية أما الفرق الرئيس بينه وبين الهيدروجين الأزرق فهو عدم انبعاث الكربون خلال العملية، إذ إن الكربون الناتج يكون على شكل مواد صلبة.

من هنا البداية

يحظى الهيدروجين الأخضر باهتمام متزايد من الدول كافة، بوصفه أحد أنواع الوقود الخالية من الكربون، في إطار خطط التحول إلى الحياد الكربوني، وخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة، ولم تكن الدولة المصرية بمعزل عن الحراك العالمي نحو الهيدروجين الأخضر، خاصة أنها تتمتع بإمكانات كبيرة للطاقة المتجددة، مما يؤهلها لتقديم دور كبير في سوق الطاقة المستقبلية، مستغلة في ذلك موقعها بالقرب من أسواق الطاقة العالمية في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتماشيًا مع التوجه العالمي في مجال الطاقة المتجددة، والنظرة إلى الهيدروجين الأخضر باعتباره وقود المستقبل، والمتوقع بأن يغطي نسبة حوالي ٢٤٪ من حاجة العالم من الطاقة بحلول عام ٢٠٥٠، فقد وجه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال اجتماع في يوليو من عام ٢٠٢١ مع الدكتور مصطفي مدبولي  رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، بإعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين بالتعاون مع جميع القطاعات المختلفة بالدولة المصرية، بهدف امتلاك مصر القدرة في مجال توليد واستغلال الهيدروجين بالشراكة مع الخبرات العالمية، ولإضافة طاقة الهيدروجين الأخضر للمنظومة الوطنية المتكاملة للطاقة.

خطوات مصرية مُفعلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر

بدأت مصر خطوات فعلية للدخول في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر وإنتاجه كمصدر نظيف للوقود تمثلت أهم تلك الخطوات في التالي:

  • تشكيل لجنة وزارية للبحث في جميع البدائل الممكنة لتوليد الهيدروجين الأخضر والاستعانة بالتجارب الدولية في هذا المجال لاستخدامه في المستقبل القريب في مصر. 
  • وقعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة وشركة سيمنز الألمانية، في يناير عام ٢٠٢١ اتفاق نوايا Letter of intent (LOI) وذلك للبدء في المناقشات والدراسات لتنفيذ مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر كخطوة أولى نحو التوسع في هذا المجال وصولًا إلى إمكانية التصدير.
  • أعدت وزارت الكهرباء والبترول والبيئة بالاشتراك مع صندوق مصر السيادي دراسة جدوى لتدشين مشروعات الطاقة المستخلصة من الهيدروجين الأخضر باستثمارات مبدئية تصل إلى ٤ مليارات دولار.
  • اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير عام ٢٠٢١ مع الرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات البلجيكية ديمي لأعمال التكريك وميناء أنتويرب، وفلوكسي لبحث آفاق التعاون مع تحالف الشركات البلجيكية للاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر لتوليد الطاقة.
  • توقيع اتفاق تعاون في مارس عام ٢٠٢١ بين الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وشركة أبوقير لإدارة وإنشاء الموانئ وتحالف شركات DEME – Fluxys – Port of Antwerp  البلجيكي بهدف تطوير مشروع متكامل لإنتاج ومعالجة وتداول وتجارة الهيدروجين الأخضر، وتم استلام التقرير النهائي لدراسة الجدوى المقدمة من التحالف في يونيو عام ٢٠٢١.
  • وافق رئيس مجلس الوزراء في مايو عام ٢٠٢١، على السير في إجراءات توقيع مذكرة تفاهم مع شركة تيسين كروب الألمانية، لتنفيذ مشروع إنشاء مصنع للأمونيا الخضراء لتصدير الهيدروجين الأخضر لألمانيا.
  • نظم منتدى القاهرة للتغير المناخي في يوليو عام ٢٠٢١ حلقته النقاشية السادسة والسبعين، والتي ناقش فيها خبراء من ألمانيا ومصر إمكانات الاستثمار في الهيدروجين الأخضر في المستقبل.
  • وقعت الحكومة المصرية مع شركة إيني الإيطالية في يوليو عام ٢٠٢١ مذكرة تفاهم للتعاون في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق وتقييم الجدوى الفنية والتجارية لمشروعات إنتاجه المستهدفة في مصر، وبمقتضى هذا الاتفاق ستتعاون شركة إيني مع الشركة المصرية القابضة للغازات في إجراء الدراسات اللازمة حول المشروعات المشتركة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
  • أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة تحديث استراتيجية الطاقة ٢٠٣٥ لتشمل الهيدروجين الأخضر كمصدر لها.
  • توقيع مذكرة تفاهم مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لتمويل الأعمال الاستشارية لإعداد الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين.
  • توقيع اتفاقية التطوير المشترك لمشروع إقامة وتشغيل منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة حوالي ١٠٠ ميجاواط، في المنطقة الصناعية بالعين السخنة التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
  • توقيع اتفاقية الشروط الرئيسة لعقد شراء الهيدروجين، بين كل من صندوق مصر السيادي، وشركات سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة، وأوراسكوم للإنشاء، وفيرتيجلوب.
  • توقيع مذكرة تفاهم بين كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وشركة أبو ظبي لطاقة المستقبل مصدر الإماراتية، وشركة حسن علام للمرافق، ذراع الاستثمار والتطوير لمجموعة حسن علام القابضة.
  • توقيع مذكرة تفاهم بين كل من صندوق مصر السيادي، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وشركة مصدر الإماراتية، وحسن علام للمرافق.
  • بموجب مذكرتي التفاهم، ستشكل شركتي مصدر وحسن علام للمرافق ائتلافًا استراتيجيًا لتطوير محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وعلى ساحل البحر المتوسط، بمراحل مختلفة، تمتد حتى عام ٢٠٣٠، لإنتاج ما يصل إلى حوالي ٤۸٠ ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، وذلك من خلال محللات كهربائية بقدرة حوالي ٤ جيجاواط.
  • توقيع مذكرة تفاهم بين كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وشركة ميرسك العالمية؛ لإقامة مشروع لإنتاج الوقود الأخضر لإمدادات تموين السفن والوصول للحياد الكربوني.
  • أبرمت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عددًا من الاتفاقيات مع كبرى الشركات العالمية الرائدة في مجال الطاقة النظيفة، لإنشاء مجمعات صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
  • وفي مايو الجاري، أعلنت الهيئة الاقتصادية لقناة السويس توقيع ٦ مذكرات تفاهم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر والأمونيا باستثمارات تصل إلى حوالي ١٠ مليارات دولار ومنها التوقيع على مذكرة تفاهم بين كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وتحالف شركتي توتال الفرنسية، وإنارة كابيتال المصرية، وذلك لإقامة مشروع لإنتاج الأمونيا الخضراء من الطاقة النظيفة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالسخنة.
  • كما وقعت شركة أيميا باور الإماراتية مذكرة تفاهم مع هيئة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإنتاج حوالي ٣۹٠ ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويًا في العين السخنة لأغراض التصدير.
  • وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة سكاتك النرويجية خططًا لتطوير منشأة هيدروجين وأمونيا خضراء بقيمة حوالي ٥ مليارات دولار، وبسعة إنتاجية حوالي مليون طن من الأمونيا الخضراء في البداية، مع إمكان ارتفاعها إلى حوالي ٣ ملايين طن سنويًا.
  • ومن أبرز هذه المشروعات أيضًا، إعلان شركة المرافق الفرنسية المملوكة للدولة إي دي إف، وشركة زيرو ويست، توقيع مذكرة تفاهم مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لإنتاج حوالي ٣٥٠ ألف طن من الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر سنويًا في منطقة العين السخنة، ومن المقرر بدء التشغيل في الربع الأول من عام ٢٠٢٦.

وجدير بالذكر؛ إن سعة مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر تصل إلى حوالي ١١٬٦٢ جيجاواط، أي ما يعادل أكثر من حوالي ١٬٥٧ مليون طن؛ ما يضع الدولة المصرية في المراتب الأولى عالميًا، وذلك بعد أستراليا وبالتوازي مع موريتانيا، حيث من المتوقع أن تدخل مشروعات الهيدروجين الأخضر مرحلة التشغيل قبل عام ٢٠٣٥، ويجب الإشارة إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تستحوذ على أكثر من حوالي ۸٠٪ من مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر وذلك مع شراكات عالمية، من خلال أكثر من ٦ مشروعات معلنة في الأشهر الماضية، وذلك بسعة إجمالية حوالي ١٠٬٧٦ جيجاواط، مما يعني إنتاجًا أكثر من حوالي ١٬٥ ملايين طن من الهيدروجين الأخضر.

وتترقب أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من النفايات في مصر الموافقات النهائية، تمهيدًا لبدء شركة إتش إندستريز الألمانية، أعمال البناء، وتوقعت الشركة تسليم أول إنتاج من المحطة نهاية عام ٢٠٢٥، بإنتاج يصل إلى حوالي ٣٠٠ ألف طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر، وقدرة على المعالجة تصل إلى حوالي ٤ ملايين طن سنويًا، بما يشمل النفايات العضوية والمواد البلاستيكية، وتبلغ تكلفة أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من النفايات في مصر، المُزمع إنشاؤها في شرق بورسعيد حوالي ٣ مليارات دولار، وتوفر المحطة المخطط بناؤها وقودًا اصطناعيا للناقلات العابرة لقناة السويس، بينما تُعد تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر من النفايات الأقل على الإطلاق، مقارنة بإنتاجه عبر التحليل الكهربائي، أو تكلفة إنتاج نوعيه الآخرين الرمادي والأزرق، وجاء ترحيب الدولة المصرية بإصدار الموافقات المبدئية على مشروع أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من النفايات، وذلك تماشيًا مع استعداداتها لاستقبال قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي في نوفمبر المقبل. 

تحديات صناعة الهيدروجين

لقى الوقود الأحفوري الغني بالكربون مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم نجاحًا في الماضي بسبب تميزه بأفضليات كثيرة منها كثرة مجالات استعماله، ارتفاع معدل الطاقة التي ينتجها، وسهولة تخزينه ونقله، لكن كانت أكبر سلبياته وأخطرها هي تأثيره على البيئة، إذ يعد أحد المسببات الرئيسة للاحتباس الحراري، وقد مثل عام ٢٠٢٠ نقطة تحول مهمة ومحورية في مجال توجه العالم نحو استخدام الطاقة النظيفة والخضراء، فمع أكبر أزمة في تاريخ قطاع النفط والغاز ازداد الحديث عن الانتقال إلى مصادر الطاقة الخالية من الكربون، وفي السياق الأوسع للأهداف الحالية المتعلقة بتغير المناخ، واجهت شركات النفط الوطنية والدولية تحديات دفعتهم لإنشاء أقسام للطاقة المتجددة والهيدروجين في شركاتهم، ولكن على الرغم من هذا التوجه نحو استخدام الطاقة النظيفة عموما والهيدروجين الأخضر خصوصًا، فإن إنتاج الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة ما يزال يوجه بعض الصعوبات وأهمها أنه أكثر تكلفة من المصادر الأخرى للطاقة بالنظر للتكلفة المرتفعة للطاقة المتجددة، والتي تعتبر العنصر الأساسي في إنتاج الهيدروجين الأخضر، فإنتاج الهيدروجين عمومًا والهيدروجين الأخضر خصوصًا يتطلب طاقة أكبر من بقية أنواع الوقود.

ولا تزال عمليات إنتاج الهيدروجين الأخضر مكلفة حتى اليوم، وفي تقرير تم نشره عام ٢٠١۹، قدرت وكالة الطاقة الدولية تكلفة الهيدروجين الأخضر بما يتراوح بين ٣ و٧٬٥ دولارات للكيلو، مقارنة بحوالي ٠٬۹٠ إلى ٣٬٢٠ دولارًا للإنتاج باستخدام إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وستكون محاولة عمليات خفض تكلفة المحلل الكهربائي أمرًا بالغ الأهمية لتقليل سعر الهيدروجين الأخضر، لكن ذلك سيستغرق وقتًا ونطاقًا، وأشارت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها بأن تكاليف المحلل الكهربائي من الممكن أن تنخفض بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام ٢٠٤٠، من حوالي إجمالي ٨٤٠ دولارًا لكل كيلووات من السعة اليوم، وأيضًا تتطلب دراسة الجدوى الخاصة بإنتاج الهيدروجين الأخضر كميات ضخمة وكبيرة للغاية من الكهرباء المتجددة الرخيصة نظرًا لعمليات الفقد في خطوات التحليل الكهربائي، وتتراوح نسبة كفاءة المحلل الكهربي المستخدم من حوالي ٦٠ إلى ٨٠ ٪، وفقًا لتقارير بعض الشركات الكبرى.

خلاصة القول، ما لا شك فيه إن صناعة الهيدروجين الأخضر في مصر تنتظر مستقبلا واعدا، بالنظر لما تمتلكه مصر من مقومات طبيعية وإمكانات بشرية قادرة على جعل مصر ضمن الصفوف الأولى لدول العالم في هذا المجال ، فمصر لديها شواطئ تمتد لأكثر من ٣٠٠٠ كيلو متر على البحرين الأحمر والمتوسط ، كما أن مصر تتميز بتوافر مصادر الطاقة المتجددة سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لتوافر الظروف المناخية وتوافر المساحات الشاسعة من الأراضي الصحراوية، كما تتميز مصر بقربها من أسواق الاستهلاك الرئيسة في أوروبا، بالإضافة إلى تواجد الإرادة السياسية التي تولي هذا الملف اهتماما شديدًا ومستمرًا ، كل هذه الجهود من شأنها تحويل مصر إلى ممر لعبور الطاقة النظيفة والخضراء إلى أوروبا والعالم، ولذلك تعمل الجهات المعنية أيضًا بدأب لتعظيم الاستفادة من الفرص المطروحة في ضوء رئاسة مصر للدورة رقم ٢٧ لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير لمؤتمر المناخ والمقرر عقده بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر المقبل، لجذب مزيد من التعاون والاستثمارات لمشروعات التحول الأخضر، لا سيما إنتاج الهيدروجين الأخضر.

+ posts

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى