العالم

“إدارة الخلافات” .. أجواء قمة مجموعة العشرين في روما

تعقد على مدار يومين ؛ السبت ٣٠ أكتوبر الجاري والأحد ؛ في العاصمة الإيطالية روما، فعاليات قمة مجموعة الدول العشرين، وسط أجواء دولية تستمر فيها التداعيات الصحية والاقتصادية بسبب تفشي جائحة كورونا، وتتصاعد فيها الخلافات الاقتصادية والسياسية بين كبار دول العالم حول عدة ملفات، وهو ما جعل التحاور والنقاش في مثل هذه الأجواء، بمثابة التحدي الأبرز أمام قادة دول المجموعة، الذين يجتمعون بشكل مباشر وحضوريا للمرة الأولى منذ بدء تفشي الجائحة، في استكمال للقاءات المباشرة التي جمعت بين بعض قادة العالم، سواء خلال قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في يوليو الماضي، أو خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي.

يعد تجمع دول العشرين، بمثابة المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي، حيث يضم دولا متقدمة ونامية، تضم نحو ثلثي تعداد سكان العالم، وتمثل مجتمعة نحو 80 بالمائة من الاقتصاد العالمي، وثلاثة أرباع حجم التجارية الدولية. تأسس هذا التجمع عام 1999، ويضم في عضويته كلا من الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، ايطاليا، اليابان، المكسيك، جمهورية كوريا،  روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا،  تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي.

كانت اجتماعات دول هذا التجمع في البداية، تعقد على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، لكن منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، تم رفع مستوى اجتماعات هذه المجموعة، لتضم بشكل سنوي ؛ قادة وزعماء الدول الأعضاء فيها، وهو ما أسفر بالضرورة عن شمول المناقشات التي تتم في هذه الاجتماعات، القضايا السياسية والاجتماعية، بجانب القضايا الاقتصادية.

كواليس اجتماع روما

الأجواء المصاحبة لاجتماعات اليوم وغداً في روما تعتبر عاملا أساسيا من عوامل تحديد مدى أهمية النتائج المتوقعة منها، حيث يبرز في هذا الصدد بعض الغيابات التي قد تكون مؤثرة، على رأسها عدم حضور كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ لهذه الاجتماعات، وتفضيلهما الإدلاء بمداخلاتهما عن بعد.

يضاف إلى عدم حضور؛ بوتين وبينغ، غياب قادة أخرين، مثل الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الذي سيدلي بمداخلاته في اجتماعات روما عن بعد، نتيجة لتزامن هذه القمة مع الانتخابات اليابانية العامة.

عدم مشاركة بوتين وبينغ في قمة روما يعتبر ؛ حسب رأي بعض المحللين، بمثابة رسالة موجهة بصفة أساسية إلى أوروبا، فالأول يمثل دولة تعد المصدر الأساسي للغاز إلى أوروبا، والثاني يمثل ثاني قوة اقتصادية على المستوى الدولي، تعد هي المصدر الأول لانبعاثات الكربون العالمية. يضاف إلى ذلك أن التوترات الأخيرة بين موسكو وحلف الناتو، بشأن الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي شرعت قيادة الحلف في اتخاذها ضد روسيا مؤخراً، خاصة في ظل تعاظم وجود الحلف داخل دولة الكتلة الشرقية السابقة، وتصاعد التوتر بين موسكو وبعض هذه الدول وعلى رأسها أوكرانيا.

الصين من جانبها، فضلت ارسال وزير خارجيتها وانغ يي لحضور القمة حضورياً، وهو نفس ما فعلته خلال اجتماع مجموعة العشرين الطارئ حول أفغانستان منذ أسابيع، ولعل من اليسير فهم سبب عدم حضور الرئيس الصيني لقمة روما، بالنظر إلى تصاعد التوتر بين بكين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي وتايوان، يضاف إلى ذلك أن قمة هذا العام تتزامن مع اجتماع تحتضنه روما أيضاً، للتحالف البرلماني الدولي بشأن الصين، الذي يشار إليه اختصاراً بـ (IPAC)، وهو عبارة عن تجمع متعدد الجنسيات للقانونيين والسياسيين، يستهدف مطالبة دول مجموعة العشرين بانتهاج تدابير أكثر صرامة ضد بكين.

اللافت هنا أن وزير خارجية تايوان جوزيف وو، سوف يلقي كلمة عن بعد خلال فعاليات هذا الاجتماع، علماً انه يقوم حالياُ بجولة في أوروبا، شملت لقاءات تمت أمس وأول أمس مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، وصاحب هذه اللقاءات، توجيه مدير مكتب رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، رسالة إلى نواب الاتحاد الأوروبي، تطالبهم بدعم ليتوانيا بعد أن توعدتها الصين على خلفية الإعلان عن افتتاح ممثلية لتايوان على أراضيها.

قمة روما تأتي أيضاً عقب التوتر الذي شاب العلاقات بين تركيا وعدة دول أوروبية، على خلفية قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، طرد عشرة سفراء أوروبيين، على خلفية ما اعتبره “تدخلا” من جانبهم في الشأن الداخلي التركي. وعلى الرغم من تراجع أردوغان عن هذا القرار، إلا أن تداعيات هذا التوتر ستكون بالتأكيد محل نقاشات بينه وبين القادة الأوروبيين خلال اجتماعات اليوم وغداً، ناهيك عن لقاؤه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يتوقع أن يتم خلاله بحث طائفة واسعة من الملفات الشائكة، والتي تعد مبعث اهتمام لأوروبا والولايات المتحدة، مثل العملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري، والقضية القبرصية، وملف تسلح تركيا.

تضمنت القمة حتى الآن، لقاءات لافتة منها لقاء الرئيس الأمريكي وقرينته مع البابا فرانسيس في الفاتيكان، حيث دام هذا اللقاء لمدة ساعة ونصف. من النقاط اللافتة في هذه الكواليس، شبه العزلة التي وجد الرئيس البرازيلي إيليان جايير بولسونارو نفسه فيها خلال حضور القمة، على خلفية ملف إزالة الغابات المطيرة في الأمازون، حيث لم يعقد أي لقاءات ثنائية حتى الآن، سوء لقاء بروتوكولي مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ولقاء آخر مع ماتياس كورمان، الرئيس الجديد لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، التي تسعى البرازيل للانضمام إليها. على الجانب الأخر، سيجرى الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز، سلسلة طويلة من اللقاءات مع الزعماء المشاركين في القمة، بجانب لقاء هام مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، لبحث الديون المستحقة على الأرجنتين.

الملف النووي الإيراني في واجهة المناقشات

كان اللقاء الذي جمع أمس بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من ثمار اجتماعات قمة روما، نظراً للأجواء الإيجابية التي صاحبته، والتي يمكن من خلالها القول ان الجانبين تمكنا من تجاوز التداعيات التي أسفر عنها تحالف “اوكوس” الأمني، وإلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا.

أهمية هذا الاجتماع لم تقتصر فقط على هذا الملف، بل تناولت ملفا دوليا مهما وهو الملف النووي الإيراني، وهو ما تم بحثه بشكل رئيسي خلال الاجتماع الرباعي الذي تم اليوم بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.

بحث هذا الملف يكتسب في هذا التوقيت أهمية خاصة، نظراً لأنه يأتي بعد عدة أيام من اتهام مسؤولين أمريكيين لإيران، بالضلوع في هجوم بطائرات دون طيار على قاعدة “التنف” الأمريكية جنوب سوريا، وقد تلا ذلك توقيع وزارة الخزانة الأمريكية سلسلة من العقوبات على اثنين من أعضاء الحرس الثوري الإيراني وشركات إيرانية.

هذا الجو عكسه ؛ البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماع الرباعي، حيث عبر قادة الدول الأربعة عن قلقهم من “تسارع الإجراءات الاستفزازية التي تتخذها إيران”. رغم هذا مازالت الولايات المتحدة على مسارها الأساسي لمحاولة أحياء الاتفاق النووي لعام 2015، حيث قال جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، أن الولايات المتحدة ما زالت تحاول تحديد ما إذا كانت إيران جادة بشأن المفاوضات.

التغير المناخي والاقتصاد … ضيفان دائمان على أجندة قمة العشرين

تتزامن قمة العشرين لهذا العام مع انطلاق قمة أكبر حول المناخ تعقدها الأمم المتحدة على مدار 12 يوما في مدينة جلاسكو الأسكتلندية، حيث تستهدف الأمم المتحدة ونشطاء المناخ الضغط على مجموعة العشرين، كي تفي بتعهداتها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا كمساعدات مناخية لمساعدة الدول الفقيرة على التعامل مع آثار الاحتباس الحراري. إذا ما تم الاتفاق خلال قمة هذا العام على آلية توجيه هذا المبلغ، سيكون لهذا الاتفاق أثر إيجابي على إنجاح قمة جلاسكو، المسماة “COP26”.

الانبعاثات الحرارية تعد معضلة أساسية في هذا الإطار، فقد دعت مجموعة العشرين باستمرار إلى إنهاء دعم الوقود الأحفوري منذ عام 2009، وقد حاولت الولايات المتحدة وأوروبا التعامل مع هذا التحدي، عبر فرض ضريبة على الانبعاثات الكربونية، بواقع متوسط ثلاثة دولارات للطن الواحد، لكن حتى الآن لا يبدو أن هذه الضريبة ساهمت في حل هذه المشكلة، نظراُ لأن تقديرات صندوق النقد الدولي، تشير إلى أن هذه الضريبة يجب أن تكون في حدود 75 دولارا للطن، كي تحقق الأهداف التي تم التوافق عليها في مؤتمر باريس للمناخ، بشأن تحجيم الاحتباس الحراري، وتقليل انبعاثات الكربون والميثان.

على الرغم من تعهد دولة مثل المملكة المتحدة، بخفض الانبعاثات الحرارية الصادرة منها بنسبة 68 بالمائة بحلول عام 2030، وكذلك إعلان الولايات المتحدة نيتها خفض الانبعاثات الحرارية الصادرة عنها بنسبة 52 بالمائة بحلول نفس العام، الا ان دولتين مثل الهند وأستراليا مثلاً، مازال حجم التزامهما بالحد من الانبعاثات الحرارية غير واضح.

الصين من جانبها قدمت من أيام خطة جديدة لخفض الانبعاثات الحرارية، بحيث تصل إلى نسبة الانبعاثات الأقصى بحلول عام 2030، ومن ثم تبدأ في خفض الانبعاثات الكربونية تدريجياً لتصل إلى صفر بالمائة بحلول عام 2060، وهذه الخطة تشمل عدم حفر مناجم جديدة لاستخراج الفحم. تشير التسريبات الحالية حول مسودة بيان قمة روما، إلى أن البيان سيؤكد على التزام دول المجموعة بالتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري وترشيده بحلول عام 2025 والحد من استخدام الفحم، التي يعد السبب الرئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري.

الانتعاش الاقتصادي والتعافي من تداعيات جائحة كورونا، يعد أحد أهم بنود جدول أعمال هذه القمة، فقد اعلن الرئيس الأمريكي عن رغبته في مصادقة القمة على حد أدنى عالمي للضرائب تبلغ نسبته 15 بالمائة، حيث تعتقد الإدارة الأمريكي أن هذا الملف سينهي الخلاف العالمي حول معدلات ضرائب الشركات. النقاشات الحالية تدور حول تقديم كل دولة مقترحها الخاص بهذه الضريبة، التي تتعلق بفرض رسوم ضريبية على الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، بمعدل لا يقل عن 15 بالمائة، على أن يتم تسديد هذه الضرائب في البلدان التي تمارس فيها هذه الشركات أنشطتها، وهو ما يعد فعلياً “إعادة تشكيل لقواعد الاقتصاد العالمي”.

في نفس الإطار الاقتصادي، سيتم خلال قمة هذا العام مناقشة ملف “الديون السيادية”، التي تفاقمت بسبب تفشي جائحة كورونا، ورفض الدائنين من القطاع الخاص المشاركة في إعادة هيكلة الديون أو مفاوضات تخفيضها، حيث أوقفت مجموعة العشرين المدفوعات الثنائية للبلدان منخفضة الدخل، ما أدى إلى تأخير حوالي 5.7 مليار دولار من المدفوعات في عام 2020، وقد زادت الديون المترتبة على البلدان النامية بنحو 500 مليار دولار في نفس الفترة. جدير بالذكر أن مجموعة العشرين كانت قد فعلت في مايو 2020، مبادرة تمت اسم “خدمة تعليق الديون”، استفادت منها 46 دولة منخفضة الدخل، تضمنت تأجيل سداد القروض المستحقة عليها، لكن ستنتهى مدة صلاحية هذه المبادرة نهاية العام الجاري، وهذا يقتضي بحث إمكانية تجديدها خلال قمة هذا العام.

الملف الصحي يعد أيضاً من الملفات الملحة على قمة هذا العام، فخلال اجتماع وزراء الصحة والمالية لمجموعة العشرين أمس، تم الاتفاق على اتخاذ خطوات للتأكد من تلقيح 70 بالمئة من سكان العالم بحلول منتصف العام المقبل، أي قبل نصف عام من الجدول الزمني السابق. هذا الاتفاق يأتي في ظل عدم وصول سوى 356 مليون جرعة لقاح فقط إلى الدول النامية، من بين 1.3 مليار جرعة وعدت الدول الغنية بالتبرع بها للدول الفقيرة في إطار برنامج تسهيل الوصول العالمي للقاحات التابع لمنظمة الصحة العالمية. وقد وجهت المنظمة مؤخراً انتقادات للدول الغنية، بسبب قيامها بتخزين اللقاحات وعدم إرسالها للدول الفقيرة.

ملف براءات الاختراع وحمايتها سيكون ايضاً ضمن الملفات التي سيتم بحثها على الجانب الصحي، ففي أكتوبر الماضي، قدمت الهند وجنوب إفريقيا نداء إلى منظمة التجارة العالمية نيابة عن مجموعة من البلدان، تحث على التنازل عن حماية براءات الاختراع حتى تتمكن تلك البلدان من إنتاج نسخ عامة من اللقاحات، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان أعاقت هذه الجهود. ولا تزال مجموعة العشرين منقسمة حول تحرير التجارة في اللقاحات وتقديم إعفاءات للملكية الفكرية للسماح بمزيد من الإنتاج المحلي من قبل البلدان النامية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى