
هل تشتعل حرب جديدة في إقليم كشمير؟
شهدت منطقة كشمير عمليات قتل ترتب عليها حملة اعتقالات موسعة شملت 500 من ساكني المنطقة المسلمين في محاولة لحماية السيخ والهندوس في الإقليم، وحسبما أفادت به الشرطة الهندية، فقد لقى معلمان مصرعهم في عملية إطلاق نار من مسلحين يشتبه في أنهم من المناهضين للهند المنتمين لجبهة مناهضة الهند التابعة لجماعة “شكر طيبة” المتورطة في هجمات مومباي 2008، وذلك إثر هجوم على مدرسة في الجزء الخاضع لسيطرة نيودلهي من إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان.
ولحقت هذه التطورات بقيام مسلحين ينتمون إلى “جبهة المقاومة” بشن ثلاث هجمات منفصلة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين بينهم فرد ينتمي إلى جبهة “آر إس إس” القومية الهندوسية المرتبطة بحزب رئيس الوزراء الهندي مودي. وتعتبر السلطات الهندية “جبهة المقاومة” فرعًا لجماعة “لشكر طيبة” المتشددة التي تنشط من باكستان. وتم تشكيل “الجبهة” بعد قرار حكومة نيودلهي عام 2019 إلغاء الحكم الذاتي الذي كان إقليم كشمير يتمتع به على مدى عقود ضمن الدولة الهندية. وجماعة شكر طيبة تتهمها الهند بأنها المسؤولة عن هجمات مومباي التي وقعت في عام 2008.
وعقب آخر استهداف من جبهة المقاومة نشرت الحركة بيانًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أوضحت فيه أن عامل الدين ليس مشمولًا أبدًا فيما حدث، وأنهم قاموا فقط باستهداف أشخاص يتبعون القومية الهندية.
نفي باكستاني
نفت إسلام أباد الاتهامات الهندية بأنها تدعم التمرد في كشمير، قائلة إنها لا تقدم سوى الدعم الدبلوماسي والمعنوي للشعب الكشميري. وفي هذا الإطار اتهم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الهند بأنها تستلهم التجربة الإسرائيلية في التعامل مع كشمير، من خلال تغيير التوازن الديموغرافي للإقليم. واتهم الهند بخرق اتفاقية جنيف من خلال تغيير الدستور الهندي لإنهاء الحكم الذاتي الكشميري.
هذا خصوصًا أن الهند استفادت أيضًا من العلاقة الاستراتيجية والعسكرية العميقة مع إسرائيل والتي أبرمت أثناء زيارة مودي إليها في يوليو من عام 2017، ثم من خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو إلى الهند في العام التالي – وذلك بعد عقود من الجفاء الدبلوماسي.
وتضمنت العلاقة التطوير المشترك من قبل الصناعات الجوية الفضائية الإسرائيلية والمقاولين الهنود لمنظومة الدفاع الجوي، المعروفة باسم باراك–8، للاستخدام من قبل جيشي البلدين، والتي وصفها وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ الشهر الماضي بالتطورات الـ “مغيرة للعبة”. وفي هذا السياق تستفيد نيودلهي بتحالفها مع الولايات المتحدة، ما يمكنها من الإفلات من المساءلة عما تقوم به من إخماد للمعارضة وإسكات لمن ينتقدها على أفعالها داخل كشمير.
خلفيات التصعيد
يمر الآن عامان على ما قامت به الهند بخصوص إقليم كشمير من إلغاء ميزة الحكم الذاتي للإقليم في خطوة عُدت هي الأكثر دراماتيكية نحو الإقليم المثير للجدل مع الأخذ بالاعتبار أن أوضاع حقوق الإنسان المتردية داخل الإقليم جعلت مصيره مطروحًا للمرة الأولى على مائدة مجلس الأمن.
ولا ترجع حقوق الإنسان المتردية للقمع الأمني فقط، ولكن هناك ممارسات قمعية أخرى تمارسها نيودلهي في الإقليم منها حصر النطاق الذي تستخدم فيه اللغة الأردية، وكذلك محاولات التغيير الديموغرافي؛ وذلك عبر سياسية الترسيم القسري للمناطق التي يقطنها مسلمون، وطمس الهوية الكشميرية للإقليم.
ويشير المراقبون إلى أن وجود ناريندرا مودي في سدة الحكم في الهند على رأس حزب “بهاراتيا جاناتا” قد جعل الأوضاع أكثر سوءًا بالنسبة لسكان كشمير. ليس ذلك فحسب بل أن وجود مودي يؤثر على السلم الإقليمي في المنطقة ككل. ناقلًا الهند من أكثر الديمقراطيات عراقة إلى حالة من الرجعية والتسلط غير المعهودة بالنسبة للتعددية في المجتمع الهندي.
وتقود الدولتان سواء الهند أو باكستان حملة شرسة في المحافل الدولية للترويج لنظريتهم بالنسبة للوضع في كشمير؛ إذ إن كل طرف يدفع بأن الطرف الآخر ينتهج ممارسات قمعية تجاه الأقلية الدينية المنتمية للهند أو لباكستان.
ترسيم قسري
من أكثر الأمور التي تثير قلق كشمير هي محاولات الجانب الهندي لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في المنطقة بما يجعل للأقلية الهندوسية في الإقليم قدرًا أكبر من التمثيل السياسي، خصوصًا بعد أن أصر الجانب الهندي بعد إلغاء الحكم الذاتي للإقليم على إجراء الانتخابات وفقًا للحدود الجديدة للترسيم.
ويمكن التسليط الضوء هنا على نقطة تعطي دلالة مهمة وهو أنه في الوقت الذي تنتهي فيه عملية الترسيم الجديد للدوائر الانتخابية في الهند في عام 2026 فقد انتهت عملية ترسيم الدوائر الانتخابية في كشمير في عام 2020 بالفعل. في خضوع للجماعة الهندوسية في الإقليم والتي تطالب بحقوق متساوية مع سكان منطقة جامو المسلمين منذ عام1950 من حيث عدد المقاعد النيابية.
بينما يدفع الجانب الهندي بأن ترسيم الدوائر الانتخابية في الإقليم في الفترة الحالية يعط منطقيًا؛ نظرًا إلى أن آخر عملية ترسيم للدوائر الانتخابية في الإقليم كانت بناء على التعداد السكاني للمنطقة في عام 1981. مع الإشارة هنا إلى أن تعداد السكان في إقليم كشمير يصل إلى 6.8 مليون نسمة، بينما تضم منطقة جامو على حدة 5.3 مليون نسمة بمعنى آخر فإن هناك خلل في التركيبة الدينية يميل لصالح المسلمين في الإقليم ولذلك اقترح الهندوس أن يتم تقسيم الدوائر الانتخابية بناءً على معايير جغرافية بدلًا من الاعتماد على مبدأ التعداد السكاني رغم أنه الأكثر منطقية وإنصافًا بمعايير الديمقراطية.
وهناك خطة بديلة تتمثل في إضافة مقاعد أخرى لمنطقة جامو مع تخصيصها لفئات معينة تنتمي للهندوس لمحاولة تحقيق نوع من التوازن، وهو ما يحجم التمثيل البرلماني للمسلمين إلى أقل من 50%. ولا شك أن هذه المحاباة للهندوس في الداخل الكشميري ترجع ليس فقط لدعم غير المسلمين، ولكن هناك نظرة أبعد تتضمن حجز أصوات أولئك الهندوس لحزب ” مودي” في الانتخابات المقبلة.
أزمة تجاوزت نصف قرن
كانت كشمير دائمًا منبع خلاف حتى قبل استقلال الهند عن بريطانيا في عام 1947، وبعد الاستقلال كان لدى كشمير حرية الاختيار حول هل ترغب في الانضمام إلى الهند أم إلى باكستان، وفي وقتها اختار حاكم الإقليم “هاري سنج” الانضمام إلى الهند، مما خلق حالة من الحرب استمرت لمدة عامين. وتكررت الصراعات المسلحة في أعوام 1965 و1999 عندما أصبحت الدولتان قوتين نوويتين.
هذا النزاع جعل الإقليم المثير للجدل يعاني من حالة متردية بالنسبة لمراعاة حقوق الإنسان؛ فالإقليم الذي يمثل فيه المسلمون حوالي 60% من تعداد السكان يعاني من البطالة مما جعل حالات العنف تتكرر على فترات قريبة نسبية كان آخرها في عام 2016 بعد أن قُتل الزعيم المتشدد “برهان واني” وكانت له شعبية واسعة في أوساط الشباب في الإقليم واستطاع أن يحقق حالة من التأثير الكبير عن طريق توظيف وسائل التواصل الاجتماعي. وتنبغي هنا الإشارة إلى أن تشييع جثمانه شهد مقتل 30 آخرين من مشيعيه.
وتوقفت المحادثات بين الهند وباكستان بخصوص وضع الإقليم منذ عام 2017 عندما اتهمت الهند الجماعات المتطرفة الموجودة في باكستان باستهداف قاعدتها الجوية في ولاية شمال البنجاب. إضافة إلى أن الهند تتخوف من زيادة وتيرة العنف في الإقليم بعد أن تمكنت طالبان من إحكام قبضتها على أفغانستان بما يوحي بمزيد من الدعم للمتطرفين في كشمير وزيادة الأعمال الإرهابية وقتل الأبرياء وهو ما وضع علامات استفهام حول الأوضاع في إقليم كشمير بعد تحكم جماعة متطرفة في الأمور داخل أفغانستان بحيث يظهر حتى الآن أن الهند هي الخاسر الأكبر من وصول طالبان التي بدا وقد خلا لها وجه العالم بعد الانسحاب الفاضح للولايات المتحدة.
وفي هذا التوقيت الحساس الذي تصعد فيه الهند يبدو أنها غير قادرة على الإدارة الفعلية للمشهد بسبب الصراع الخفي مع بكين وسوء العلاقات مع باكستان وكذلك الخسارة التي منيت بها نيودلهي في أفغانستان، إضافة إلى أن الأوضاع الاقتصادية في الإقليم ليست في أفضل حالاتها على خلفية أزمة المهاجرين في المنطقة الشمالية الشرقية منذ انقلاب ميانمار.
باحث أول بالمرصد المصري



