أوروبا

الانتخابات الألمانية .. العالم يترقب هوية المستشار القادم

توجه أكثر من 60 مليون ألماني اليوم الأحد لانتخاب نوابهم في البرلمان ” البوندستاغ” واختيار مستشارهم الجديد خلفاً ” للمرأة الحديدية الألمانية” أنجيلا ميركل والتي اختارت عدم خوض الانتخابات الحالية ووضع نهاية لمسيرتها السياسية.

ويهتم العالم أجمع بالانتخابات الألمانية كونها ستحدد اسم المستشار القادم للاقتصاد الرابع عالمياً لما لألمانيا الاتحادية من تأثير على السياسات العالمية ولأهمية دورها في القيادي في الاتحاد الأوروبي و حلف الناتو.

ويتنافس على خلافة “ميركل” ثلاث شخصيات ذائعة الصيت في المجتمع الألماني وهم ارمن لاشيت عن الحزب الديمقراطي المسيحي و ألف شولز عن الحزب الاشتراكي وأنالينا بايربوك عن حزب ” الخضر” 

وقبل استعراض توجهات وخلفيات المرشحين المحتملين لمنصب ” المستشار الألماني” يتوجب فهم النظام الانتخابي الألماني والذي سيسفر عن انتخاب 598 عضواً ل”بوندستاج”  بناء على التصويت الذي بدأ اليوم ، الجدير بالذكر أن التصويت عن طريق مراكز الاقتراع قد بدأ اليوم لكن التصويت عن طريق البطاقات البريدية بدأ منذ يومين .

وسيحق لــ 60,4 مليون ألماني منِ منَ تجاوزوا سن ال18 التصويت في الانتخابات الحالية ، وعلى الرغم من أن الحزب الفائز يعلن مع نهاية فرز الأصوات إلا أن تشكيل الحكومة لن يكون قبل أن يقوم الحزب الفائز بتشكيل تحالف يسيطر به على الأغلبية البرلمانية حال فشل في الوصول إليها منفرداً من خلال التصويت، لذا لا يمكن معرفة المستشار الألماني القادم قبل أن يتمكن الحزب الفائز من تشكيل تحالف يمنحه الأغلبية البرلمانية.

وفي الغالب ما يكون منصب ” المستشار” من نصيب الحزب الفائز من الانتخابات بعد تشكيل التحالف الجديد ، الأمر الذي يستوجب توافقات سياسية حول عدد من القضايا كما توزيع الحقائب الوزارية على الأحزاب المشكلة للتحالف ، وبعد الوصول لاتفاق حول أسم المستشار الجديد بين الأحزاب المشكلة للتحالف يطرح الاسم على أعضاء البوندستاغ الجدد للتصويت بالموافقة عليه.

وبالعودة للانتخابات ، يقوم المواطن الألماني بوضع ورقتين في صندوق الاقتراع ، الأولى لاختيار نائب محلي عن المقاطعة  أو ما يعرف بــ”تصويت الدائرة الانتخابية لانتخاب النائب المحلي” لانتخاب 299 نائبا عن المقاطعات الألمانية  ، والثانية لاختيار أحد الأحزاب المتنافسة فيما يعرف بنظام ” التمثيل النسبي ”  وهو ما يتيح اختيار باقي الأعضاء ال 299 وفقا للنسبة التي حصل عليها كل حزب. 

أما عن الأحزاب الأبرز في السباق فيبرز أسم الحزب المسيحي الديمقراطي ” حزب أنجيلا ميركل” الذي سيطر رفقة الحزب الشقيق له في إقليم بافاريا المعروف باسم ” الاتحاد الاجتماعي المسيحي” 

حال فوزه بالانتخابات سيرشح الحزب أرمن لاشيت لمنصب المستشار على الرغم من انخفاض شعبيته بالمقارنة بمنافسيه بسبب عدد من المواقف أخرها كان انتشار صورة له وهو ” يضحك” خلال زيارة لقرية ضربتها السيول يوليو الماضي ، لدرجة أن البعض يفضل أن يطرح التحالف المسيحي ” الحزب المسيحي الديمقراطي و الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا” أسم قائد الاتحاد الاجتماعي المسيحي ” ماركوس سودير” بدلاً من لاشيت لمنصب المستشار لكنه أمر يبقى مستبعد بسبب  الحجم النسبي الضئيل للاتحاد المسيحي مقارنتاً بالديمقراطي المسيحي.

ويواجه التحالف المسيحي في هذه الانتخابات منافسة شرسة من قبل ” الحزب الاشتراكي الديمقراطي” بقيادة أولف شولز وهو الحزب صاحب الأفضلية البسيطة في استطلاعات الرأي حتى صباح يوم فتح باب التصويت ، حال فوزه بالانتخابات سيرشح الحزب قائده ووزير المالية الحالي  أولف شولز لمنصب المستشار .

ثالث الأحزاب المتنافسة والأقل حظاً رغم صعود أسهمه في الأونة الأخيرة هو حزب ” الخضر” المعروف بمناصرته للقضايا البيئية وتوجهه الصارم نحو حل أزمة المناخ العالمية وخفض انبعاثات الكربون كما قاعدته الجماهيرية ذات الأغلبية الشبابية ، حال فوزه سيرشح الحزب انالينا بيربوك وهي لم تحصل على مناصب حكومية سابقة لكن يمكنها لعب دور كبير في التحالف القادم وفقاً للنسبة التي ستحصل عليها الحزب في الانتخابات.

وعلى الرغم من بعدها عن المنافسة ألا أن أحزابا أخرى يمكن أن تلعب دوراً في تشكيل التحالف القادم مثل حزب الديمقراطيين الأحرار اللبراليين و حزب ” البديل” المتطرف والمعروف بمعادات المهاجرين والإسلام والذي يكتسب شعبية كبيرة في المقاطعات الشرقية لكنه يبقى مستبعداً في أي تحالف مع الأحزاب الرئيسية بسبب سياساته المتطرفة.

من هو المستشار القادم ؟

ولما لها من أهمية كأحد أكثر الدول تأثيراً في النظام العالمي يهتم العالم أجمع بما ستفرزه الانتخابات الألمانية لمعرفة هوية ” المستشار القادم” الذي سيشكل السياسات العامة والخارجية لألمانيا بعد سيطرت “ميركل” على المنصب لــ16 عاماً ، وكما ذكرنا سابقاً تدور الترشيحات حول ثلاث أسماء برزت خلال السنوات الأخيرة على الساحة الألمانية السياسية نستعرض فيما يلي خلفيات وحظوظ المرشحين للمنصب الأرفع على سلم السياسة الألمانية.

ارمين لاشيت :-

المرشح المفضل للــمستشارة الحالية أنجيلا ميركل كونه من حزبها ” الحزب المسيحي الديمقراطي” ، لاشيت صاحب ال60 عاماً كان هو المرشح ذو الأفضلية في استطلاعات الرأي ، لكنه تراجع فيها بسبب العثرات في حملته الانتخابية بالإضافة للأخطاء الشخصية في الأماكن العامة وأمام أعين الكاميرات ما  نال من شعبيته وأخر من ترتيبه في استطلاعات الرأي ، كما وبالإضافة لذلك شهدت شعبيته انخفاض مستمر بسبب سوء إدارته لأزمة جائحة كورونا في المقاطعة المسؤول عن إدارتها بصفته رئيس وزراء مقاطعة  “شمال الرين وستيفاليا”  الصناعية بامتياز وذات الكثافة السكانية العالية مما وضعه في مرمى نيران النقد الأمر الذي أستفاد منه منافسوه في الهجوم عليه والانتقاص من شعبيته لصالحهم.

وعن حظوظه وحظوظ حزبه تفيد استطلاعات الرأي أن الحزب المسيحي الديمقراطي يحل ثانياً ب 23% بعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في قبول السيد لاشيت في الشارع الألمان حيث ووفقا لاستطلاعات الرأي فإن 1 من كل 5 ألمان يرونه يصلح لمنصب المستشار القادم.

أما عن مواقفه السياسية فمن المعروف أن السيد لاشيت داعم لصناعات الفحم في ألمانيا وقد كان له موقف معروف من قانون نهاية استخدام الفحم للطاقة في ألمانيا بحلول العام 2038 حيث كان من أبرز معارضي القرار، كونه رئيس لوزراء مقاطعة صناعية بامتياز تعتمد على الفحم بنسب كبيرة كما ربط البعض بين موقفه ووظيفة والده الذي كان عاملاً بالمناجم.

وعن سياسته الخارجية فالسيد لاشيت يتمتع بعلاقات دولية جيدة بالأخص في الدوائر الأوروبية فهو معروف بدعمه للاتحاد الأوروبي كما أنه كان أحد نواب الاتحاد الأوروبي سابقاً بالإضافة لذلك يتمتع بشعبية جيدة في أوساط الألمان من أصول تركية وهو ما مكنه من الحصول على منصب وزير ” الاندماج والتكامل” وهو المنصب المستحدث في حقبة ميركل بعد قرار السماح بدمج المهاجرين في 2015 وهو القرار الذي دعمه لاشيت بقوة في ذلك الوقت.

 أنالينا بيربوك:-

قائدة حزب الخضر المعروفة بمناصرتها للقضايا البيئية والبطلة الرياضية السابقة تبلغ من العمر 40 عاماً وتطمح لخلافة أنجلا ميركل كثاني سيدة تتقلد منصب المستشارة الألمانية ، درست العلوم السياسية بجامعة هامبورج كما مثلت حزب الخضر في البرلمان الأوروبي ، كما أنها نائبة في البرلمان الألماني منذ العام 2013 ، وعلى الرغم من كفاءتها وشعبيتها إلا أنها لم تحوز أي منصب وزاري سابق على العكس من منافسيها  الأمر الذي تبرره ب “بتأمر الدولة العميقة والسياسيين عليها” 

في وقت مبكر أظهرت استطلاعات الرأي تفوق لحزب الخضر بنسبة 25% مما دعا العديد من أنصار الحزب للتفاؤل بفوزها بالمنصب قبل أن تتعرض حملتها لانتكاسة بسبب فضيحة ” الادعاءات الكاذبة والغش” فيما يتعلق بسيرتها الذاتية ، ويعتمد حزب الخضر ومرشحته على اهتمام الألمان بقضية التغير المناخي التي تشكل أولوية للحزب ولقائدته التي تنادي بخفض انبعاثات الكربون وخفض عدد السيارات في ألمانيا وهو التوجه الذي يلقى قبولاً لدى شريحة الشباب التي تعول عليهم بيربوك للحصول على الأصوات، أما خارجياً فمن المعروف عنها تبني نهج أكثر صرامة تجاه الصين وروسيا، ووفقاً لاستطلاعات الرأي  فإن أنالينا بيربوك هي المرشح الأقل حظاً لحوز المنصب الرفيع.

أولف شولز:-

شغل أولف شولز عدد من المناصب السياسية وله باع طويل في أروقة السياسة الألمانية كما يشغل حالياً منصب وزير المالية الألماني في حكومة ميركل.

نائب في البرلمان الألماني منذ 1998 حتى 2011 ومحافظ مقاطعة هامبورج من العام 2011 لــ 2018 .

دارس لقانون العمالة وهو ما كان له أثر على حياته السياسية حيث كان دائم الإنحياز لدعم الصناعات المحلية ، كما له موقف مشهود مؤخراً حول منحة الدعم الطارئة المخصصة لمجابهة الجائحة بقيمة 750 مليار يورو والتي ساهمت بشكل كبير في أنقذ الاقتصاد الألماني والمشاريع الصغيرة والمتوسطة للتجار الأمان إبان الموجة الأولى للجائحة، الأمر الذي أستفاد منه بزيادة شعبيته كونه من أنقذ التجار الالمان من خلال تبنيه خطة  الدعم الطارئ للصناعات من قبل الحكومة الفدرالية.

ومن المعروف عنه أنه دائم العمل لدرجة تلقيبه من قبل الألمان بــ ” شولز الذي لا يهدا” ، وعلى الرغم من كونه من حزب منافس لحزب ميركل إلا أنه تمكن من إقناع الألمان أنه  ” مرشح الاستمرارية ” لنهج ميركل ، حيث يرى الأمان تشابهاً كبيراً بين المستشارة ميركل والمرشح شولز لما يتمتعان به من أسلوب رصين وخبرة سياسية، يبقى شولز هو المرشح الأوفر حظاً لحوز المنصب على الرغم من دعم ميركل للسيد لاشيت إلا أن استطلاعات الرأي تشير لتفوق شولز عن منافسيه.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى