
“منطق عملي” .. هل تعترف أوروبا بحكومة “طالبان” الجديدة؟
أثار الارتباك الذي خلقه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حالة من النقاش والتباين بين القوى الأوروبية حول مدى قدرتهم على الانخراط المستقبلي في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب، وتشكيل حكومة جديدة تحت سيطرة حركة طالبان. وما هى الضمانات التي يتوجب توافرها من قبل الحركة لحماية حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون للأفغان، بعد خروج قواتهم من أفغانستان؟
دفعت الأحداث الأخيرة في كابول؛ بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها ؛ إلى تأكيد أن فكرة إنهاء الحرب الأبدية على الإرهاب، غير صحيحة وأن المعطيات الجديدة التي تشهدها كابول بعد سيطرة طالبان على أخر معاقل المقاومة في الشمال في ولاية نبجشير بقيادة “أحمد مسعود” بعد حصارها، تفرض عليها عددا من الخيارات الاستثنائية لاحتواء الوضع الراهن؛ حيث بدأت التحركات الأوروبية للتواصل مع طالبان لفتح قنوات للحوار معها لبحث سبل التعاون المستقبلي، دون الاعتراف بالحركة التي مازالت تُصنف بإنها إرهابية.
وذلك في إطار إعلان “ذبيح الله مجاهد” المتحدث باسم طالبان في السابع من سبتمبر عن الحكومة المؤقتة الجديدة التي تم تشكيلها بدون تمثيل لكافة الجهات الفاعلة والأقليات في أفغانستان، علاوة على إنها تتألف من رجال فقط بدون تمثيل للنساء برئاسة “محمد حسن أخوند” الذي تولى سابقًا منصب وزير للخارجية، ونائب رئيس الوزراء خلال سيطرة طالبان على البلاد في الفترة من عام 1996 إلى 2001، كما فُرضت عليه عقوبات من الأمم المتحدة، فيما سيكون “عبد الغني بارادار” –الشريك المؤسس للحركة- الرئيس التنفيذي الثاني.
وتم تعيين “سراج الدين حقاني” –المطلوب من قبل مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي لارتباطه بهجوم على فندق في عام 2008، نتج عنه مقتل مواطن أمريكي- رئيس شبكة حقاني الإرهابية، وزيرًا للداخلية. فيما تولى “الملا يعقوب” –نجل الملا عمر المؤسس المشارك لطالبان- وزيرًا للدفاع؛ بينما تولى منصب وزير الخارجية “أمير خان متقي” مفاوض طالبان في الدوحة.
تواصل مشروط
انتقد الاتحاد الأوروبي؛ الحكومة المؤقتة لكونها غير شاملة ولا ممثلة للتنوع العرقي والديني في البلاد؛ حيث قال متحدث باسم الاتحاد في بيان: “لا يبدو أنه تشكيل شامل وتمثيلي للتنوع العرقي والديني الغني في أفغانستان الذي كنا نأمل أن نراه والذي وعدت به طالبان في الأسابيع الأخيرة”.
وقد سبق ذلك طرح الاتحاد الأوروبي عدد من الشروط التي يجب توافرها للتواصل مع طالبان، كما رهن التعامل معها بمدى قدراتها على الالتزام بهذه الشروط الخمسة التي تم الإعلان عنها في بيان صحفي للممثل السامي “جوزيب بوريل” في الاجتماع غير الرسمي لوزراء الخارجية الصادر في الثالث من أغسطس. الذي تم التأكيد فيه على أن أفغانستان تظل قضية رئيسية بالنسبة لهم، إنها تؤثر عليهم وعلى أمن واستقرار المنطقة، لذا فهم ملتزمون بدعم الشعب الأفغاني وهو ما سيفرض عليهم التعامل مع الحكومة الجديدة دون الاعتراف بها ومن أجل ذلك تم وضع عدد من الشروط على النحو التالي:
- ألا تكون بمثابة أساس لتصدير الإرهاب إلى دول أخرى.
- احترام حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق المرأة وسيادة القانون وحرية الإعلام.
- تشكيل حكومة انتقالية شاملة وتمثيلية من خلال المفاوضات بين القوى السياسية في أفغانستان.
- حرية الوصول للمساعدات الإنسانية، واحترام الإجراءات وشروط الخاصة بتوصيلها.
- الوفاء بالتزام طالبان بشأن مغادرة الرعايا الأجانب والأفغان المعرضين للخطر، الذين يرغبون في مغادرة البلاد، تماشيًا مع ما قرره بالفعل قرار الأمم المتحدة الأمني رقم (2593).
بالإضافة على ذلك تطرق “بوريل” إلى عدد من القرارات التي تم التوافق عليها بين وزراء الدول الأعضاء التي تضمنت: “الموافقة على إقامة وجود مشترك للاتحاد الأوروبي داخل كابول، إذا تم توافرت الشروط الأمنية اللازمة لتحقيقه، والتنسيق مع دول جوار أفغانستان لتحقيق الاستقرار في المنطقة، من خلال برنامج للتعاون السياسي الإقليمي للاتحاد الأوروبي الذي سيهتم بإدارة موجات الهجرة، والتصدي لانتشار الإرهاب، مكافحة الجريمة المنظمة وخاصة المخدرات وتهريب البشر”.
فضلاً عن قيام بعضالقوى الأوروبية مثل المملكة المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وفرنسا بالتواصل مع قطر لكونها تمتلك خطوط اتصال مباشرة مع طالبان؛ حيث تستضيف المكتب السياسي للحركة منذ عام 2013، ومحادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، وإنها حليف موثوق فيه من قبل الولايات المتحدة، وتوجد على أرضيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وبرز دورها إبان عمليات الإجلاء باعتبارها مركز للعبور؛ حيث مر بها ما يقرب من 57 ألف شخصًا من أصل حوالي 124 ألف تم إجلائهم، وهو الدور الذي أشادت به الإدارة الأمريكية إبان مُهاتفة “بايدن” لـ “تميم” في 20 أغسطس.
لذا فقد توجه وزير الخارجية البريطاني “دومنيك راب” في الثاني من سبتمبر لتأمين ممر آمن خلال عمليات الإجلاء من أفغانستان، فيما وصف “راب” قطر بأنها “لاعب مؤثر” وحاكمها الشيخ “تميم” بـ “صديقها”. ونقلت المملكة المتحدة سفارتها في أفغانستان إلى الدوحة، فيما تعتزم إيطاليا نقل سفارتها أيضًا وفقًا لما صرح به وزير الخارجية الإيطالي في الخامس من سبتمبر.
وقد سبق ذلك إن التقى الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بأمير قطر على هامش حضور مؤتمر دول جوار بغداد الذي عقد نهاية شهر أغسطس الماضي، لبحث سبل التواصل مع طالبان تسهيل عمليات الإجلاء. ويرجع هذا التحرك إلى أن هناك إدراك بإنه لا سبيل عن التواصل مع طالبان لتسوية الوضع الراهن دون الاعتراف بها.
دوافع عدّة
يرجع الاهتمام بتسوية الوضع الراهن وضمان وجود خطوط اتصال مباشرة، لعدد من الأسباب التي فرضت نفسها على أجندة صانع القرار الأوروبي تتجلى أبرزها:
- التحولات الدولية: يأتي التوجه الأوروبي بالتزامن مع محاولة روسيا والصين فتح قنوات اتصال مع طالبان، من خلال طرح المبادرات ودية لتوطيد روابط الصداقة بين الجانبين، وعدم إغلاق سفاراتهم في كابول على غرار باقي القوى الغربية، كما رحبت الصين بتشكيل الحكومة؛ حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية إنها وضعت حدا لـ “ثلاثة أسابيع من الفوضى في البلاد، وإنها خطوة مهمة نحو استعادة النظام في البلاد وإعادة بنائها”، ومن الضروري أن يفكر المجتمع الدولي في كيفية تجنب تكرار المأساة في أفغانستان”. ويرجع ذلك لمحاولة كل من بكين وموسكو اتباع نهج تصالحي استباقي لحماية مصالحهم من المآلات المحتملة في أفغانستان بعد سيطرة طالبان.
- التخوف من التنظيمات الإرهابية: تسعى القوى الأوروبية لتجنب أن تكون أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهابين، المواليين للقاعدة وطالبان وداعش وفروعها وخاصة بعد إعلان ولاية خرسان مسئوليتها عن الهجوم الأخير بالقرب من مطار كابول في السادس والعشرين من أغسطس والذي نتج عنه مقتل أكثر من 100 أفغاني، و13 جنديًا أمريكيًا، ليكون بذلك الهجوم الأكثر عنفًا ودمويًا منذ عام 2011، وعلاوة على احتمالية إعادة التموضع من قبل الفرارين من مناطق الصراعات للانضمام لهذه التنظيمات القائمة بالفعل على الأراضي الأفغانية، وهو ما سيعرض المنطقة لحالة من عدم الاستقرار قد تمتد تبعاتها إلى الإقليم الأوروبي الذي يحاول التعافي من الهجمات السابقة التي تعرض لها منذ عام 2015. وعليه سيعمل الاتحاد الأوروبي على التصدي لكافة التطورات خاصة فيما يتعلق بالإرهاب والجريمة المنظمة، كما سيتم الاستعانة بتحليلات اليوروبول الخاصة بالمخاطر الإجرامية المرتبطة بالوضع في أفغانستان.
- حدوث أزمة إنسانية: تتخوف القوى الأوروبية من تفاقم الوضع الإنساني بعد سيطرة طالبان؛ حيث من المتوقع أن يزداد الأمر سوءًا، كما إنه لن يكون وليد اللحظة، فقد عانت أفغانستان خلال النصف الأول من العام الحالي من زيادة الضحايا المدنيين بزيادة تصل إلى 47٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2020، فيما ارتفع عدد الفارين من منازلهم إلى حوالي 550 ألف شخص ليبلغ عدد النازحين ما يقرب من 4.2 مليون. ويعاني ما يصل إلى 14.1 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وذلك في سياق تعرض البلاد لجائحة الفيروس التاجي، وانتشار موجات الجفاف وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع عدد الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية تمكنهم من التكيف على الوضع الحالي. لذا تكمن أولوية الاتحاد الأوروبي في استمرار دعمه للشعب الأفغاني بشكل إنساني.
- – الهجرة غير الشرعية: تعد قضية الهجرة واللجوء من أبرز الملفات التي يعمل الاتحاد الأوروبي على الاستجابة لها من خلال عدد من الآليات التي تتجلى أبرزها في: التعاون والتنسيق مع دول الجوار الأفغاني، ودول العبور التي تستضيف عدد من المهاجرين، لتحسين قدراتهم على الحماية وضمان توفير سبل للمعيشة المستدامة، علاوة على الشراكة معهم لتعزيز أمن الحدود لمكافحة الإتجار في البشر وتهرين الفارين. وهو ما تم مناقشته خلال اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في 31 أغسطس اجتماع استثنائي للمجلس لمناقشة التطورات في أفغانستان.
ملاحظات ختامية
- مند سقوط العاصمة الأفغانية في الخامس عشر من أغسطس عام 2021 على يد “طالبان”، انتهجت القوى الأوروبية سياسة الترقب الحذر، والتفاعل مع مجريات الأحداث كرد فعل، لضمان احتواء الموقف بأقل الخسائر؛ حيث برهنت العقود الماضية على مدى فشل الغرب في تحقيق الاستقرار السياسي، والقضاء على الإرهاب، وحماية الحقوق والحريات في أفغانستان. لذا فقد اعتمدت أوروبا على البرجماتية والمنطق العملي تجنبًا لتفاقم الأوضاع.
- مازالت القوى الأوروبية تحت تأثير تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وما تلاها من حالة من الارتباك، بالرغم من إنها كانت متوقعة ولكنهم افتقروا إلى رؤية واستراتيجية واضحة للتعامل مع الوضع الراهن. ويرجع ذلك بشكل نسبي إلى اعتقادهم أن إدارة الرئيس “جو بايدن” ستكون داعمًا لهم، في حين كررت نهج الرئيس السابق “دونالد ترامب”؛ حيثً أثبتت الأزمة الأفغانية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة رغم اختلاف توجهات وآلياتها، إلا إن هدفها واحد وهو “أمريكا أولًا”، وأن الحلفاء الأوروبيين لابد أن يعتمدوا على مقدراتهم لضمان أمنهم وحماية مصالحهم، بالرغم من رسائل الطمأنة التي روجت لها إدارة “بايدن”.
- أعادت إدارة “جو بايدن” في تعاطيها مع أفغانستان إلى الأذهان الأوروبيين ضرورة أن يكون لديهم قوة عسكرية قادرة على الاستجابة والتدخل السريع في مناطق الأزمات والصراعات وهو تصور تعززه بعض الدول الأوروبية، ولكن لم يتم ترجمته على الأرض نتيجة تراجع الإرادة السياسية الأوروبية، لتحسن وتعزيز قدراتها العسكرية، والقيام بعمليات خارج حدودها بدون مظلة حلف شمال الأطلسي، كما أن هناك بالفعل قوة تدخل تم تشكليها من قبل في عام 2007، ولكن لم يتم تحركيها لكونها تتطلب موافقة بالإجماع. لذلك اقترح وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في الثاني من سبتمبر 2021 تشكيل قوة عسكرية أوروبية للرد السريع، وإجراء مباحثات بخصوص هذا الشأن، فيما صرح وزير الدفاع السلوفيني أن “يتراوح عددها ما بين خمسة آلاف وعشرين ألف فردًا، وعلى أن يكون عملية صنع واتخاذ القرار بها قائمة على مبدأ الأغلبية بدلًا من الإجماع بعد تكوينها من قبل الدول الراغبة في المشاركة فيها”.
- أما فيما يتعلق بالاعتراف الذي سيكون مرحلة مقبلة، تتجنب القوى الأوروبية أن تكون في مقدمة الدول التي ستعترف بحكومة طالبان التي أصبحت أمر واقع، لكونها مازالت جماعة إرهابية، وأن جزء من الحكومة التي تم تشكليها لديها تاريخ إرهابي سابق، لذا فقد سبق وأن حذرت بعض الدول من الاعتراف أحادي الأجانب وأكدوا على أهمية التنسيق بهذا الشأن.
- هذا بجانب أن فكرة وضع شروط على طالبان لم تكن مُجدية، ولن تُؤتي بثمارها. فالدول الأوروبية تجاهلت طبيعة وواقع أفغانستان تحت إمارة طالبانية جديدة رغم أنها استمرت هناك لما يقرب من عقدين وهو ما تجلى في الشروط التي تم الإعلان عنها خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة انتقالية شاملة وهو ما يتنافى مع طبيعة الجماعة المتشددة والتي تفتقر إلى الخبرات السياسية التي تؤهلها لإدارة موارد الدولة الأفغانية، وهو ما تجسد في الحكومة التي شكلتها طالبان من الرجال فقط، وغير شاملة وممثلة لكافة المجتمع الأفغاني، ولكنها تكونت من قيادات من الحركة مدرج بعضهم على قوائم الإرهاب الدولية.
- وأخيرًا جاء الشرط المتعلق بألا تكون أفغانستان ملاذًا لتصدير الإرهاب مبالغا فيه، لكونهم وثقوا فيما روجت له الحركة من وعود بإنها تغيرت عن الماضي، ومن الممكن أن تكون شريكا يمكن التعاون معه، وهو ما يبدو بعيدًا عن الواقع.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية