أفغانستان

سيطرة طالبان على كابول: أين تقف القوى الأوروبية مما يحدث في أفغانستان؟

سعت القوى الأوروبية إلى توضيح موقفها مما يحدث من أفغانستان من خلال عدد من التصريحات والإجراءات التي جاءت كرد فعل على ما أثاره الانسحاب الأمريكي من البلاد، دون وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع حركة طالبان -التي وظفت هذه الخطوة لصالحها وزادت من نفوذها واستحواذها على  كافة الأراضي الأفغانية-، أو وجود ضمانات كافية لحماية الموظفين الأجانب والمواطنين الأفغان الذين يفرون من ويلات حكم “طالبان” بعد سقوط العاصمة “كابول” تحت سيطرتها يوم الأحد الموافق الخامس عشر من أغسطس 2021، بشكل سريع ومفاجئ في أعقاب زيارة وتيرة انسحاب القوى الغربية، وتراجع قدرات الجيش الأفغاني الذي لم يستطع الصمود أمام التقدم الذي أحرزته الحركة، علاوة على ضعف قوات الشرطة، وهروب الرئيس الأفغاني تاركًا البلاد لسيطرة طالبان دون أي مقاومة منه. 

والجدير بالذكر، أن حلف شمال الأطلسي وافق على سحب ما يقرب من 7 آلاف جندي غير أمريكي من أفغانستان في أبريل، فيما أنهت كل من ألمانيا وإيطاليا مهمتيهما في أفغانستان في 30 يونيو، وعادت آخر القوات البولندية إلى بلادها، بعد أن خدم ما يقرب من 33 ألف جندي في أفغانستان خلال 20 عامًا السابقة. وقد سبق أن أعادت رومانيا، وجورجيا، والنرويج، والدنمارك، وإستونيا، وهولندا، إسبانيا، والسويد وبلجيكا قواتهم المتبقية إلى بلادهم. وكذا، غادرت القوات التي نشرتها كل من سلوفينيا، وفنلندا، وألبانيا، والبرتغال، وجمهورية التشيك، ومقدونيا الشمالية، ولوكسمبورغ.

مآلات مُتصاعدة

أدت عملية الانسحاب التي تظهر إنها متدرجة ولكنها غير مدروسة بشكل كبير إلى اضطرار القوى الأوروبية لسحب قواتها المتبقية على الأراضي الأفغانية لأنها تدرك صعوبة البقاء دون حماية أمريكية، وأن تكلفة الاستمرار ستكبدها خسائر بشرية ومالية في وقت تسعى فيه العديد من القوى الأوروبية للتعافي من تداعيات أزمة “كوفيد-19” التي انعكست عليها بشكل سلبي. 

أما فيما يتعلق بسقوط كابول، فإنه حدث مفاجئ نتيجة التقدم السريع غير المتوقع للحركة في الاستيلاء على العاصمة الأفغانية دون أي مقاومة، وخاصة في هذا التوقيت. وهو ما أدى إلى حالة من الارتباك الاستراتيجي حول كيفية التعامل مع الوضع الأمني القائم والمحفوف بالمخاطر والذي يهدد مصالحها، وكيفية إجلاء الموظفين الأجانب والمواطنين الأفغان العاملين معهم. 

وكذلك، فإنه أعاد للأذهان النقاش حول المآلات السلبية للوضع الراهن على الأمن الأوروبي وخاصة فيما يتعلق بعودة تدفقات الهجرة غير النظامية، وتوظيفها من قبل القوى الأخرى كورقة ضغط عليهم، وخاصة إنهم حتى الآن لم ينجحوا بشكل فعال في إداراتها منذ عام 2015. هذا علاوة على أنها مازالت من أهم الأزمات المثيرة للانقسام بين القوى الأوروبية؛ وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال تصريحات بعد المسؤولين الأوروبيين، مثل ما صرح به وزير الهجرة اليوناني “نوتيس ميتاراشي” للتلفزيون المحلي يوم الاثنين الموافق السادس عشر من أغسطس 2021 أن “بلاده لن تكون بوابة لموجة جديدة من اللاجئين لأنها لا تريد تكرار أزمة عام 2015”. وأكد “أرمين لاشيت” رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي مراعاة عدم تكرار “أزمة عام 2015″، واستكمل “لا ينبغي أن نرسل إشارة مفادها أن ألمانيا يمكن أن تستقبل كل محتاج”، وذلك بالتزامن مع التركيز على المساعدات الإنسانية. 

بالإضافة إلى التخوف من تنامي تجارة المخدرات وخاصة “الأفيون”، فضلًا عن احتمالية انغماس بعض الإرهابين بين المهاجرين أثناء توجههم للحدود الأوروبية وهو ما يعيد سيناريو تعرض الدول الأوروبية لموجة جديدة من العمليات الإرهابية على خلفية ما حدث سابقًا نتيجة مشاركتها في التحالف الدولي لمحاربة التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. 

فضلاً عن محاولة تجنب حدوث أزمة إنسانية من المحتمل أن تكون نتيجة حدوث حرب أهلية في البلاد أو تفشي لوباء “كوفيد-19” بين الأفغان، أو أن تصبح البلاد ملاذًا آمنًا للإرهابين الفارين من مناطق الصراع، أو موالين جدد للحركة التي استطاعت تحقيق النصر والاستيلاء على الأراضي الأفغانية، هو ما يجعلها حركة جاذبة للعديد من المجاهدين يمكن الانضمام إليها، كما حدث عند ظهور “داعش” بعد أن استطاعت السيطرة على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا وأعلنت دولة الخلافة، كانت بمثابة تنظيم جاذب للعديد من الإرهابين، والمنشقين عن التنظيمات الأخرى التي لم تستطيع إحراز نفس التقدم. 

علاوة على استمرار حالة الضباب فيما يتعلق بمستقبل الوضع السياسي في البلاد، وإلى أي مدى يمكن التعاطي مع طالبان أو الاعتراف بها في أي حكومة مستقبلية؛ حيث لا يمكن تجاهلها من أي مسار سياسي قادم، بعد سيطرتها على البلاد. 

استجابات مُتتالية

جاءت الاستجابة الأوروبية متأخرة إلى حد ما ومشروطة بما ستقدمه حركة “طالبان” من تفاهمات ستساهم في خلق مساحة للحوار يتم من خلالها ضمان أمن وسلامة المواطنين الأفغان، ومواطني الاتحاد الأوروبي، المتواجدين حتى الآن داخل البلاد، ومدى التزامها بالحفاظ على المكاسب التي حققتها القوى الأجنبية منذ عام 2001 المُتعلقة بالتعليم والصحة وحماية النساء والأقليات، وعليه تجلت أبرز الاستجابات على النحو التالي:

  1. ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية: دعا الاتحاد الأوروبي -خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية المُنعقد في السابع عشر من أغسطس 2021- جميع الأطراف إلى احترام كافة الالتزامات التي تم التعهد بها، مع ضرورة التسوية السياسية الدائمة والشاملة دون استخدام للقوة، بل من خلال المفاوضات المُرتكزة على سيادة القانون والحكم الدستوري، والديمقراطية، على أن تكون حماية جميع حقوق الإنسان وتعزيزها، وخاصة حقوق النساء والفتيات، جزءًا لا يتجزأ من هذه الجهود. لكون أي تعاون مستقبلي مع أي حكومة أفغانية في المرحلة المقبلة سيكون مشروطًا بتسوية سلمية شاملة. 
  2. وقف أعمال العنف: شدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة وقف كافة أشكال العنف، واستعادة الأمن والنظام المدني، وحماية واحترام الحياة المدنية، والكرامة، والممتلكات في البلاد، معربًا عن قلقه عن الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث في عدد من المناطق. كما يجب على أفغانستان، باعتبارها دولة موقعة على ميثاق الأمم المتحدة، التمسك بالقيم والحقوق والمبادئ المنصوص عليها فيه وتعزيزها والوفاء بالتزاماتها الدولية.
  3. معالجة الوضع الإنساني: سيعمل الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدة للشعب الأفغاني، داعيًا كافة الجهات الفاعلة السماح بوصول آمن للمساعدات الإنسانية إلى النساء والرجال والأطفال الأفغان المحتاجين، بما في ذلك النازحين داخليًا دون عوائق. كما سيدعم دول الجوار التي من المتوقع أن تشهد تدفقات لموجات الهجرة واللجوء. فيما أعلن “جوزيف بوريل” في أعقاب الاجتماع إنه “لا يمكن أن تكون هناك مدفوعات للمساعدة الإنمائية حتى نوضح الموقف” مع قادة طالبان”، وخاصة إن المفوضية تعهدت بتقديم نحو 1.2 مليار يورو كمساعدة إنمائية لأفغانستان للفترة من 2021 إلى 2024. وفيما يخص المساعدات الإنسانية فإنها ستستمر وربما تزداد. وقد جاء ذلك بعد إعلان الحكومة الألمانية تعليق مساعدتها التنموية لأفغانستان. 
  4. التواصل مع حركة “طالبان”: أوضح “بوريل” إنه “سيتعين عليهم التحدث مع طالبان بعد انتصارها في الحرب لفتح حوار معها في أقرب وقت لتجنب حدوث كارثة إنسانية أو هجرة مُحتملة ولا سيما أزمة إنسانية، لذا يجب أن يركز الحوار على آليات منع عودة الوجود الإرهابي في أفغانستان”. 
  5.  تأمين الرحلات الجوية: أوضحت المملكة المتحدة إنها ستقوم بعمل دوريات في مطار كابول بعد حالة الفوضى التي اجتاحت مدرج إقلاع الطائرات من خلال مجموعة من الجنود البريطاني تقدر عددهم بما يقرب من 900 جندي، كجزء من تأمين عمليات الإجلاء. أما فيما يتعلق باللاجئين ومدى استجابة المملكة المتحدة لهم فقد أشار “دومينيك راب” وزير الخارجية إنه “سيتم إجلاء 350 من مواطني المملكة المتحدة والأفغان الذين عملوا مع القوات البريطانية في الأيام المقبلة”، وإنها تدرس عدد اللاجئين الأفغان الذين ستستقبلهم. كما تعتزم المملكة المتحدة عقد اجتماع افتراضي لقمة الدول السبع لمناقشة أبعاد الوضع المتدهور في أفغانستان، فضلاً عن تواصلها مع فرنسا للتوافق حول كيفية التعاطي مع أي حكومة مستقبلية.
  6. تعليق ترحيل المهاجرين الأفغان: أعلنت كل من هولندا وألمانيا إنهم سيعلقون عمليات ترحيل المهاجرين الأفغان، نتيجة تدهور الوضع الأمني. كما ضغطت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على النمسا حتى لا تقوم بترحيل المواطنين الأفغان حتى نهاية أغسطس على أقل تقدير. وقد سبقهم توقف فرنسا منذ بدابة شهر يوليو، التي شهدت ارتفاع في طلبات اللجوء المقدمة من الأفغانيين في عام 2020 التي وصلت إلى 8886 طلب. كما يُعد طالبي اللجوء الأفغانيين ثاني أكبر عدد بعد السوريين؛ حيث تبلغ نسبتهم ما يقرب من 10.6% من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي في عام 2020. ولكن ما زال السفير الفرنسي لدى أفغانستان متواجد في كابول لإدارة عمليات الإجلاء، ونقلت سفارتها إلى مطار كابول لمواصلة الإجراءات. ويُذكر إنه منذ بداية العام الحالي تم إعادة 1200 شخص من الاتحاد الأوروبي إلى أفغانستان.
  7. التصدي لموجات الهجرة غير النظامية: صرح الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” يوم الإثنين الموافق السادس عشر من أغسطس، -خلال خطاب مسجل مبسقًا-، بإن فرنسا وألمانيا سيواجهان تدفقات الهجرة غير النظامية من خلال خطة أوروبية تستهدف مكافحة التدفقات غير النظامية، ومواءمة معايير الحماية، وإقامة تعاون مع دول العبور والمضيفة مثل تركيا أو باكستان أو إيران، لأن أوروبا لا تستطيع بمفردها تحمل الوضع الراهن. فيما أشار “ماكرون” إلى “إن أفغانستان يجب ألا تعود لتصبح ملاذًا للإرهاب. وفرنسا لن تتخلى عن الأفغان الذين عملوا لصالحها والذين يجدون أنفسهم تحت تهديد طالبان. ويذكر أن فرنسا سحبت جميع جنودها من أفغانستان بحلول نهاية عام 2014، إلا إنها كانت استمرت في العمل مع المجتمع المدني. 

ختامًا، جاء التعاطي من الأزمة الأفغانية متأثرًا بالدروس التي حاولت القوى الأوروبية الاستفادة منها من خلال خبراتهم في سوريا والعراق، لذا فقد اعتمدت جهودها على ضرورة تأمين مواطنيها ومصالحها، والسعي إلى التصدي إلى موجات محتملة للهجرة غير النظامية، ورفض تحول أفغانستان كملاذ للإرهابيين في المستقبل. وذلك دون وضع رؤية مستقبلية واضحة يمكن من خلالها تجنب تفاقم الوضع الحالي، ولكن القوى الأوروبية مازالت مقتنعة بضرورة العمل متعدد الأطراف لمواجهة هذه الأزمة لأن أوروبا بمفردها لن تستطيع مواجهتها.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

آية عبد العزيز

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى