أوروبا

الحرائق الموسمية في اليونان.. الأزمة تتفاقم

تعيش اليونان في هذه الأيام على وقع أزمة بيئية غير مسبوقة، فقد اضطرت السلطات المحلية مساء أمس إلى رفع درجة الطوارئ في خمسة من أقاليمها الإدارية إلى المستوى الخامس، وهو المستوى الأعلى من درجات الإنذار والتي يرمز إليها باللون الأحمر، ويعود ذلك إلى وجود خطر داهم وشديد على المواطنين في تلك الأقاليم بسبب تفشي انتشار الحرائق البرية.

فيما اضطرت اليونان إلى رفع درجة الطوارئ في ستة أقاليم أخرى إلى المستوى الرابع من الإنذار وهو الذي يرمز إليه باللون البرتقالي، وذلك لانتشار بقع الحرائق المتناثرة داخل تلك الأقاليم والتي يصعب حاليًا السيطرة عليها، فيما أبقت السلطات على باقي الأقاليم عند مستوى الخطر وهو الذي يرمز إليه باللون الأصفر وذلك لوجود احتمالية عالية لظهور الحرائق بها مما يهدد الأرواح والممتلكات. 

أزمة على المستوى الأوروبي

داهم حوض البحر المتوسط خلال أواخر شهر يوليو الماضي وأوائل شهر أغسطس الحالي موجة غير مسبوقة من حرارة الطقس، ولقد قامت الجهة المختصة بمتابعة التغير المناخي داخل الاتحاد الأوروبي والمسماة بـ The European Union’s Copernicus Climate Change Service بتسجيل تلك الظاهرة التي وصفتها بأنها من أعلى موجات الحرارة التي ضربت دول الاتحاد. ولقد كانت تلك الموجة سببًا مباشرًا في معاناة عدد من الدول الواقعة بجنوب أوروبا وشبه جزيرة البلقان من انتشار عدد كبير من الحرائق البرية، فقد أبلغت دول كاليونان وإيطاليا وكرواتيا وصربيا ورومانيا وأوكرانيا وتركيا وشمال مقدونيا وألبانيا عن ظهور بقع من الحرائق في مناطق الغابات البرية –انظر الخريطة التالية رقم 1 -.

خريطة رقم 1: الدول المضارة من الحرائق البرية شمال حوض البر المتوسط – المصدر: الموقع الرسمي لقناة Deutsche Welle الألمانية

وهو ما استدعى تحركًا أوروبيًا شاملًا لمحاولة التصدي لهذه الأزمة المتصاعدة، فقام المركز الأوروبي لتنسيق الجهود في حالات الطوارئ Emergency Response Coordination Centre EU بتعبئة إمكانات الدول الاوربية لتحييد انتشار النيران، وذلك تحت المظلة المعروفة بآلية الحماية المدنية للاتحاد الأوروبيThe EU civil protection mechanism ، حيث استقدمت الجهات المختصة بالاتحاد الأوروبي طائرات إطفاء وفرق فنية من كل من فرنسا وقبرص والتشيك وهولندا وسلوفينيا من أجل مجابهة النيران بدول إيطاليا واليونان وألبانيا وشمال مقدونيا. فيما تسعى سلطات الاتحاد الآن إلى توسيع دائرة الدول المشاركة بعمليات الإطفاء؛ وذلك من أجل مجابهة مواقع النيران المتزايدة بسبب موجة الحرارة المرتفعة حاليًا. 

اليونان من أكبر المتضررين

منذ 10 يوليو الماضي بدأت وسائل الإعلام الأوروبية في تداول العديد من الأخبار حول اندلاع حرائق متعددة داخل دولة اليونان، الحرائق ظهرت بالأساس في المناطق البرية التي تتميز الآن بانتشار الأعشاب والأشجار اليابسة فيها، وذلك بفعل حرارة الجو في فترة الصيف، ولقد كان متوقعًا أن تكون تلك الحرائق محدودة وبسيطة كما هو معتاد كل عام، لكن حجم ومواقع الحرائق أخذت في الزيادة خلال شهر يوليو الماضي بفعل هبوب موجة الحر الأخير على الجنوب الأوروبي.   

فقد صرحت السلطات اليونانية عن تسجيلها للعشرات من الحرائق المتفرقة في نهاية شهر يوليو الفائت، وصرحت أيضًا باحتمالية تصاعد عدد وحجم الحرائق، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة المعتادة خلال شهر أغسطس من كل عام، حيث يشهد ذلك الشهر ذروة موسم الصيف وهو ما يعزز من تنامي الأزمة. ولقد كانت تلك التوقعات في محلها بنسبة كبيرة حيث بلغت درجات الحرارة أكثر من 44 درجة مئوية، وهي درجة حرارة نادرًا ما تم تسجيلها في اليونان، وكذلك فإن سرعة الرياح التي فاقت 38 كيلو متر في الساعة كانت سببًا في تسهيل انتقال ألسنة الهب من مكان إلى اخر. 

وتبين الخرائط الصادرة عن الأمانة العامة للدفاع المدني اليوناني حجم تنامي الحرائق داخل أقاليم الدولة، فبينما نوهت السلطات في أول أغسطس إلى أن أغلب مناطق البلاد لا تعاني من أخطار عالية، لكن لابد من أخذ قدر كبير من الحذر بالمناطق الجنوبية والشرقية والغربية -انظر الخريطة التالية رقم 2-، إلا أنها عادت لتصرح بأن كافة مناطق البلاد أصبحت تحت الخطر، وأن نصف أقاليم البلاد أصبحت تحت التهديد المباشر للنيران -انظر الخريطة التالية رقم 3 -. 

شكل رقم2: خريطة توضح حجم التهديد الناتج عن الحرائق الموسمية بمختلف أقاليم اليونان 1/8/2021. المصدر: الأمانة العامة للدفاع المدني اليوناني
شكل رقم3: خريطة توضح حجم التهديد الناتج عن الحرائق الموسمية بمختلف أقاليم اليونان 6/8/2021. المصدر: الأمانة العامة للدفاع المدني اليوناني

السلطات اليونانية تتصدى للأزمة

منذ اللحظة الأولى لبداية انتشار الحرائق، كانت السلطات اليونانية على أتم الاستعداد من أجل مجابهة الأزمة التي تعرف بالمزمنة، حيث تتكرر حرائق الغابات في كل عام بمعدلات شبه ثابته، لكن العام 2021 كان مختلفًا عما سبقه من الأعوام؛ إذ أدى توسع عدد وحجم مناطق النيران إلى دفع الحكومة اليونانية إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لمعالجة الأزمة التي أصبحت وفق وصف البعض مركبة ومعقدة. لذلك استدعت السلطات المحلية أسطولًا جويًا مكونًا من 10 طائرات من أجل المشاركة في إخماد الحرائق، وطلبت العون من عدد من الدول الأوروبية من أجل إمدادها بالمزيد من الطائرات، فيما توجهت ناحية دول أخرى من أجل تأجير طائرات إطفاء عملاقة.

إلى جانب ذلك، قامت السلطات بإخلاء عدد من القرى الواقعة بالقرب من مناطق الغابات، والتي تكاد أن تصبح الآن محاطة بالنيران من كافة الاتجاهات، فيما أعطت تعليمات لكافة سكان البلاد بالبقاء يقظين وحذرين خلال تلك الفترة، مع أخذ كافة الاحتياطات اللازمة من أجل حماية أنفسهم وممتلكاتهم من خطر الأزمة.

وعلاوة على ذلك، قامت السلطات بإلغاء كافة الاحتفالات والتجمعات العامة، وأغلقت كافة المرافق غير الأساسية والمواقع السياحية الواقعة في المناطق المهددة بشكل جزئي، وذلك لحماية مرتاديها من احتمالية وقوع أي حادث طارئ بها، وأيضًا لتسهيل حركة وعمل فرق الطوارئ في حال الاحتياج إليها. 

ولقد أدت تلك الإجراءات حتى الآن إلى تحقيق قدر من الإنجاز؛ إذ تقلصت الخسائر البشرية إلى أدنى الحدود، فلم تسجل السلطات اليونانية إلى الآن أي حالات وفيات، ولم تتعد الإصابات المسجلة أصابع اليد، فيما ينتظر خلال الفترة القادمة والتي ستلي انتهاء الأزمة أن يتم حصر الخسائر المادية، وهو ما سيُظهر مدى تأثير إجراءات إدارة الازمة التي اتخذتها حكومة اليونان على تقليص حجم تلك الخسائر.  

 ختامًا، ازمة حرائق الغابات في اليونان مستمرة ويُنتظر أن تشهد المزيد من التصاعد خلال شهر أغسطس الحالي، لكن مجهودات الدولة اليونانية ستؤدي إلى تحييد تأثيراتها على المواطنين وممتلكاتهم، لكن أزمة حرائق اليونان خاصة وحرائق أوروبا عامة، تدق ناقوس الخطر أمام كل دول العالم، فالاحتباس الحراري والتغير المناخي أصبحا يهددان الكوكب بتغيرات أيكولوجية غير مسبوقة، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تحييد موارد الشعوب والأضرار، وهو ما سيدفعهم بالتالي إلى الدخول في العديد من الصراعات والاضطرابات غير المتوقعة وذلك للحفاظ علي ما بقي لديهم من تلك الموارد. لذلك لابد من الإسراع في تنفيذ التعهدات الدولية التي ارتضتها كافة دول العالم من أجل الإقلال من حجم الانبعاثات الغازية الملوثة للبيئة، وأيضا خفض كميات الملوثات المادية التي تلوث الكوكب على مستوى البر والبحر.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى