السد الإثيوبي

فشل مفاوضات سد النهضة.. مزيد من التعقيد واتساع دائرة الخلاف

فشلت وفود مصر والسودان وإثيوبيا، التي ذهبت إلى كينشاسا للتفاوض حول حاجز المياه الإثيوبي برعاية الرئيس الكونغولي “فيليكس تشيسكيدي” بصفته رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، في صياغة بيان ختامي لجولة المفاوضات التي استمرت على مدار يومين.

ويبدو أن دائرة الخلاف بين وجهات نظر الدول الثلاث اتسعت لتجمع بين الآلية التي تسير المفاوضات وفقاً لها وشروط ملء وتشغيل السد خلال المراحل التالية، ولكن على الرغم من الخلاف الواضح وتمسك كل طرف برؤيته، إلا أن وفود الدول الثلاث قد وافقت على طلب الرئيس الكونغولي بتمديد الاجتماعات ليوم إضافي على أمل إحراز تقدم ولو طفيف في هذه الجولة، ولكن الوفد الإثيوبي انسحب اليوم من المفاوضات مؤكدا انعدام مبدأ حسن النية لديه في تفاوضه مع مصر والسودان

إثيوبيا: تعنت وتصرفات أحادية.. ونوايا بيع المياه

أثبت السلوك الإثيوبي خلال اجتماعات كينشاسا أنه مستمر في المماطلة والتسويف من أجل كسب مزيد من الوقت لفرض الأمر الواقع والبدء في تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه في بحيرة السد دون اتفاق مع دولتي المصب.

وقد اتضح التعنت الإثيوبي في رفض الوفد المفاوض جميع المقترحات التي تقدم بها الوفدان المصري والسودان، حيث اقترحت السودان تشكيل لجنة رباعية دولية تقودها الكونغو الديمقراطية الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي وتشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كوسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق عادل وملزم حول آلية ملء وتشغيل السد، وهو ما رفضته إثيوبيا كلياً، وأصرت على أن تكون المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي فقط.

وعلى الرغم من تقديم مصر مقترحاً باستمرار الآلية التفاوضية القائمة والمتمثلة في قيادة الرئيس الكونغولي ومشاركة المراقبين الدوليين، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا المقترح أيضاً، الأمر الذي يؤكد صدق نوايا مصر والسودان في الوصول إلى اتفاق عن طريق المفاوضات، في حين أثبتت إثيوبيا عكس ذلك تماماً.

أما إصرار إثيوبيا على اتخاذ خطوات أحادية فيبدو جلياً في تصريحات رئيسة البلاد وإبلاغ المبعوث الأمريكي باستمرار إثيوبيا في خططها للملء الثاني في يوليو المقبل، وقد اتخذت إثيوبيا خطوات فعلية على هذا الطريق بإزالة الغابات في محيط بحيرة السد وتجهيز المنطقة لتخزين الكمية الهائلة من المياه. إضافة إلى ما سبق، فقد طلبت السودان مراراً أن تتعاون إثيوبيا في تبادل المعلومات حول السد من أجل ضمان تشغيل سد الروصيرص بفاعلية وأمان، وهوما طالبت به الولايات المتحدة أيضاً، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا الطلب أيضاً وأصرت على عدم تبادل البيانات بحجة أن هذا أمر يخص السودان وإثيوبيا ولا دخل لمصر فيه.

ليس ذلك فقط، وإنما اتضحت النوايا الإثيوبية لبيع مياه النيل مستقبلاً، حيث أجاب المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية “دينا مفتي” عن سؤال حول أحقية بلاده في بيع مياه النيل في لقاء تلفزيوني على شاشة الجزيرة القطرية قائلاً “ما الذي يمنع؟ كل شيء وارد، الفائض من المياه والكهرباء أيضاً”، مؤكداً بذلك على أن بناء السد ليس فقط لتوليد الكهرباء وإنما لحجز المياه وبيعها مستقبلاً، ولكن يبدو أنه استشعر الخطأ الذي وقع فيه ليعود من جديد وينفي هذا التصريح قائلاً أن تصريحاته قد تم فهمها بشكل خاطيء.

فرصة أخيرة ضائعة

وفقاً لتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، فإن منتصف أبريل الجاري هو الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق، كما أن الاقتراب من نصيب مصر من مياه النيل “خط أحمر” ومحاولة تخفيض حصة مصر بأي شكل هو أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً، وسوف يؤدي حدوث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بالكامل، وهي حالة لا يحبذها أي طرف سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي، لأن هذه الحالة سوف تقضي على جهود التنمية التي تبذلها حكومات المنطقة.

وقد أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن اجتماعات كينشاسا كانت تمثل “فرصة أخيرة” وجب على الدول الثلاث اقتناصها قبل البدء في الملء الثاني لخزان السد، وهو نفس الأمر الذي أكد عليه بيان الخارجية المصرية اليوم بشأن فشل المحادثات بشأن العودة للتفاوض وأرجع السبب إلى الموقف الإثيوبي المعيق الذي سيؤدي إلى تعقيد الأزمة وزيادة الاحتقان في المنطقة.

جدير بالذكر أن تصريحات الرئيس السيسي لاقت هجوماً واسعاً من الإثيوبيين على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فأثار كُتّاب ومغردون إثيوبيون فكرة الحرب حول مياه النيل، والمثير للانتباه أنهم بالرغم من التفوق العسكري المصري على كل دول المنطقة إلا أنهم أكدوا قدرة إثيوبيا على المواجهة. وكثّفت صفحات الإثيوبيين على مواقع التواصل الاجتماعي من هجومها على مصر، كما ركزت على فكرة أن لمصر مطامع في المياه التي وهبها الله لإثيوبيا. ولم يتوقف الهجوم عند مصر فقط، بل طال السودان أيضاً، حيث ربط الإثيوبيون بين التدريب الجوي المشترك بين القوات المصرية والسودانية، والذي أجري مؤخراً على الأراضي السودانية، وبين تخطيط مصر والسودان للهجوم على إثيوبيا وتدمير السد لحرمان إثيوبيا من حلم التنمية.

وعلى النقيض من كل ما يثيره الإثيوبيون حول تحالف السودان ومصر ضد إثيبوبيا ورسالة التهديد التي أرسلها البلدان من خلال التدريب الجوي المشترك، فإن مصر والسودان مازالتا متمسكتين بالتفاوض والوصول إلى حل سلمي للقضية، وهو ما أكده بيان الخارجية المصرية اليوم.

الخطوة القادمة

في ظل استمرار مسلسل فشل التفاوض بين الأطراف الثلاثة برعاية الاتحاد الإفريقي، فإن الخطوة القادمة يمكن أن تتمثل في عودة مصر إلى مجلس الأمن من جديد، لكن العودة هذه المرة ستكون أقوى في ظل وجود عدد من المعطيات، أهمها:

  • التقارب الشديد بين الموقفين المصري والسوداني الذي أصبح موقفاً واحداً تقريباً يرفض اتخاذ إثيوبيا أي خطوات دون اتفاق.
  • كما أن السودان يعبر عن مخاوفه من أضرار ومخاطر السد الإثيوبي على كفاءة السدود السودانية بشكل معلن وواضح للجميع في ظل رفض إثيبويا تبادل المعلومات حول ملء وتشغيل سدها.
  • لم تلعب جنوب إفريقيا دوراً مؤثراً في الدفع بالقضية نحو مجلس الأمن بالرغم من عدم قدرتها على إدارة المفاوضات والخروج بنتائج إيجابية، ولكن في وجود الكونغو قد يختلف الأمر برفع تقرير شامل عن موقف الدول الثلاث لمجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم من خطوات.
  • إضافة إلى ما سبق، فإن دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لموقف السودان ومصر سيكون أكبر في ظل إطلاعهم على الموقف الإثيوبي المتعنت الرافض لكل الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق.

ولكن العودة إلى مجلس الأمن مرهونة بسرعة تحرك المراقبن الدوليين لمنع إثيوبيا من الشروع في الملء الثاني دون اتفاق، فقد اسنتفذت إثيوبيا عاماً كاملاً من المماطلة والتسويف منذ الملء الأول والذي حذرت منه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ولكن إقدام إثيوبيا على اتباع نفس النهج في الملء الثاني لن يُقابل بنفس رد الفعل الهاديء المتزن من قِبل مصر والسودان، ففي ظل تصريحات الرئيس السيسي ومخاوف السودان، يعتبر الملء الثاني تهديداً صريحاً للسلم والأمن في المنطقة، وهو ما يستدعي تدخلاً سريعاً وحاسماً من مجلس الأمن وفقاً لما نص عليه الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ختاماً وفي ظل ما تمر به إثيوبيا من أزمات داخلية وصراع على الحدود السودانية، فإن مصلحتها العامة تقتضي التوصل إلى اتفاق وعدم الدفع نحو الحلول الصعبة التي لن ينتج عنها سوى مزيد من التفكك الداخلي والصراع غير المبرر مع دول الجوار، وهو ما يعوق جهود التنمية التي تدعيها الحكومة الإثيوبية الحالية.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى