
مصر في عين العاصفة: أزمة الرقائق الإلكترونية تضرب كُبرى شركات السيارات
أهلًا بحضراتكم وسهلًا في العدد الأول من تقريرنا غير الدوري “وزن الوقت”، الذي يستهدف تسليط الضوء على قضايا محورية شديدة الأهمية تحدث على الساحتين المصرية والدولية، لنضعها في سياقها التاريخي، ونتوقع تطوراتها في المُستقبل.
لعل حضراتكم تابعتم صباح يوم أمس تقريرنا للشركات الدولية، الذي تناولنا فيه موضوع التناقص الشديد في إمداد الرقاقات الإلكترونية، وكيف أن عدم كفاية هذه الرقاقات دفع بعض شركات السيارات إلى تعليق العمل في مصانع كاملة، فما هي الرقائق الإلكترونية، وما سبب نقص المُتاح منها؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على سيارتك التي تقودها الآن، أو ثمن السيارة التي تنوي شرائها خلال العام الحالي.
بداية، الرقائق الإلكترونية هي لوحات صغيرة الحجم تصنع من عناصر أشباه الموصلات التي تقع في مكانة وسيطة بين المواد المعدنية الموصلة للكهرباء مثل الحديد والنحاس، والمواد غير الموصلة للكهرباء مثل الزجاج والخشب، وتكمن قيمتها الحقيقية فإن قدرتها على توصيل الكهرباء ترتفع كُلما ارتفع درجة حرارتها، على عكس الوضع مع المعادن التي ترتفع مقاومتها مع ارتفاع درجة الحرارة.
تدخل أشباه الموصلات في معظم الصناعات الالكترونية بداية من التليفزيون مرورًا بالهواتف، الحواسيب وحتى الطائرات، وتتخذ في الغالب لون اخضر أو أزرق داخل الأجهزة الكهربية، ولا يُمكن الاستغناء عنها في أيًا من هذه الصناعات، بالتالي فإن نقصها يؤدي إلى عدم اكتمال المُنتج، وهو الوضع الذي تعيشه صناعة السيارات في العالم خلال الأشهر الماضية.
يرجع سبب نقص الرقائق الإلكترونية الذي تُعاني منه صناعة السيارات في الأساس إلى الإغلاقات التي سببتها جائحة كورونا، مما سبب طلبًا مُرتفعًا للغاية على المُنتجات التكنولوجية من الحواسب والهواتف وأجهزة الألعاب الإلكترونية، بسبب الأوقات الطويلة التي يقضيها الناس في المنازل، وهو ما حول الإنتاج من الرقائق لهذه المُنتجات بدلًا من صناعة السيارات.
يُضاف إلى ذلك تراجع العرض بسبب إغلاق عدد كبير من المصانع بشكل تام أو جزئي لفترات تجاوزت الأشهر، خلال الموجتين الأولى والثانية من الجائحة، خاصة أن مُعظم إنتاج الرقاقات يأتي من جنوب شرق أسيا.
كانت القصة بدأت في جذب الانتباه مع إعلان “هوندا” بأنها ستغلق مصنعها في سويندون – بريطانيا لمُدة أربعة أيام بسبب عدم وجود أشباه الموصلات اللازمة لاستكمال الإنتاج. (13/01/2021).
لكن إعلان “هوندا” كان قد سبقه إعلانات متوالية من “فولكس فاجن” أنها ستخفض إنتاجها بنحو 100 ألف سيارة في الرُبع الأول من 2021، كذلك اضطرت نيسان وهوندا، ثاني وثالث أكبر شركات صناعة السيارات في اليابان، إلى خفض الإنتاج بما سيؤثر على طراز “Note” أكثر سيارات نيسان مبيعًا في السوق اليابانية.
انضمت “فورد” إلى فريق المُتضررين بعد إغلاق مصنعها في ألمانيا لمُدة شهر لذات السبب (18/01/2021).
التحول الدراماتيكي للقصة جاء مع توقع عدد كبير من المُحللين أن صناعة السيارات ستُعاني بشدة وأنها مُعرضة لفقدان ثُلث انتاجها بسبب نقص إمدادات أشباه الموصلات التي تدخل في إنتاج الرقاقات الإلكترونية في إثر تعثر سلاسل الإمداد نتيجة جائحة كورونا. وبناءً عليه توقع المُحللون أن تفقد صناعة السيارات العالمية نحو 1.5 مليون سيارة، وتُوقع أن تكون هوندا أشد المتضررين بخسارة 300 ألف سيارة من إنتاجها خلال 2021. (20/01/2021)
تحققت التوقعات مع إعلان “جنرال موتورز” أنها ستوقف إنتاجها بالكامل لمُدة أسبوع في مصانعها بكلٍ من فيرفاكس، كانساس، انجرسول، أونتاريو، سان لويس، بوتوسي، والمكسيك، بالإضافة لوقف نصف الإنتاج من مصنعها في Bupyeong 2 في كوريا الجنوبية. (03/02/2021)
في عكس ذلك الاتجاه أعلنت “تويوتا”، أكبر مُنتج للسيارات في العالم أنها لا تواجه مُشكلة في هذا الخصوص حيث إنها كانت قد وفرت مُدخلات أربع أشهر على الأقل بالصدفة البحتة في إطار خطة استثمارية لتأمين احتياجاتها الصناعية بعدما تعلمت الدرس من الموجة الأولى. (16/02/2021)
حتى شركات السيارات الفارهة التي يقتصر انتاجها على أعداد محدودة نسبيًا استشعرت الازمة، حيث صرح “أوليفر بلوم” المدير التنفيذي لشركة بورش أن “موضوع أشباه الموصلات خطير للغاية وقد يطال صناعة السيارات بأكملها ولفترات تتجاوز شهور”. (22/02/2021)
الشركات المُسيطرة على الإنتاج خارج قطاع السيارات طالتها الازمة، إذ أطلقت “سامسونج” تحذيرات بشأن تأثر عملياتها بسبب أزمة الرقائق، وأكدت على أن الأزمة على وشك الانتقال إلى قطاع التكنولوجيا. (17/03/2021)
أخيرًا عادت “تويوتا” لتقرر تعليق عملياتها في مصنعها بجمهورية التشيك لمدة أسبوعين بسبب نقص الرقائق، وهو أحدث توقف للإنتاج في شركة صناعة السيارات اليابانية بسبب اضطرابات سلسلة التوريد. (20/03/2021)
لعلك الآن تتسأل يا صديقي كيف ستوثر هذه الأزمة على السوق المصرية، التأثير في الحقيقة مُتعدد الأوجه، أهم جوانبه:
- أن المعروض من السيارات الجديدة في حالة استمرار الوضع لشهرين أخرين سينخفض بشدة، مما سيرفع أسعار السيارات الجديدة بنسب قد لا تقل عن 10: 15%.
- أما السيارات القديمة، فستشهد نفس الارتفاع، بعد تحول الطلب من الجديدة إليها.
- حتى أن قطع غيار السيارات قد تتأثر وبشدة، حيث أغلقت “بوش” أحد أكبر مُصنعي قطع الغيار في العالم بعضًا من مصانعها.
–
سيارتك الحالية أو القادمة إذن عزيزي القارئ ستتأثر بما يحدث في العالم، والتأثيرات على الداخل لا تقتصر على سيارتك وحدها، بل الاقتصاد القومي بالكامل وذلك من ناحيتين:
- أولًا لدينا ما يزيد عن 15 مصنعًا تعمل في تجميع السيارات، ستطالها الأزمة بالتأكيد، خاصة إذا انخفض عدد قطع الغيار الواردة من الخارج، أو قل عدد أشباه الموصلات الداخلة في عمليات التجميع ذاتها.
- التراجع في عمليات التجميع سيؤثر من جانب أخر على المعروض من السيارات في الأسواق، وهو ما سيؤدي بالترتيب إلى رفع السعر.
- ستزداد بشكل ضئيل مُعدلات البطالة، مع تسريح العمال.
لكن الأزمة تُقدم كذلك فرصة جديرة بالانتباه من المُستثمرين المحليين أو الأجانب بالإضافة إلى الحكومة، حيث إن شركات السيارات ستتعلم الدرس، وستقوم لاحقًا بتنويع مصادرها من الرقائق الإلكترونية وغيرها من الصناعات المُغذية للسيارات، ولا يوجد أفضل من هذا الوقت للدخول إلى السوق، وليس أقرب منا لأماكن التصنيع في أوروبا والولايات المُتحدة الأمريكية للاستفادة منه، خاصة وأن مصر تتمتع بموارد ضخمة من السليكون المُستخدم في صناعة الرقاقات.
حري بنا كذلك تذكيركم أننا على وشك البدء في إعادة تقديم شركة نصر لصناعة السيارات المحلية، ونحن نعتقد أنه في حالة وجود أزمة مُشابهة في المُستقبل فإنها ستكون في زيل القائمة للحصول على المُنتجات من الرقائق أو غيرها، وهو ما يُعزز فرص الدخول في هذه الصناعة للتوريد المحلي، سواء للشركة الجديدة أو لمصانع التجميع القائمة لتوفي نسبتها من المُنتج المحلي.