
إدراج داعش الكونغو وموزمبيق على قوائم الإرهاب.. السياق والدلالات
أعلنت الولايات المُتحدة الأمريكية في 11 من مارس الجاري إدراج فرعي تنظيم داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وقاداتهم على قوائم التنظيمات الإرهابية. وأشارت الخارجية الأمريكية في بيانها حول هذا الشأن إلى أن تصنيف الجماعتين على رأس التنظيمات الإرهابية يأتي بعد وقوع العديد من الهجمات الوحشية التي نفذتها الجماعتان عبر مقاطعتي شمال كيفو وإيتورى في شرق الكونغو الديمقراطية تحت قيادة “سيكا موسى بالكو” فوفقًا لتقارير الأمم المُتحدة كانت الجماعة مسؤولة عن مقتل 849 مدنيًا في عام 2020 جراء هجماتها الإرهابية، كما أشار التقرير إلى أنَ فرع داعش في موزمبيق تحت قيادة “أبو ياسر حسن” قتلت أكثر من 1300 مدني منذُ 2017.
وقالت الخارجية في بيانها إنه يترتب على هذه التصنيفات؛ خضوع الجماعات وقادتها للعديد من العقوبات الأمريكية، من بينها: حظر دخول هؤلاء الأشخاص للولايات المتحدة الأمريكية، وتجميد أرصدتهم وأصولهم في المُؤسسات المالية الأمريكية أو المُؤسسات الخاضعة لنفوذ وسيطرة مواطنين أمريكيين، ويحظر على أي مواطن أمريكي أو المؤسسات الأمريكية ولا سيما البنوك الدخول في معاملات مع الأشخاص والجماعات الإرهابية.
داعش الكونغو الديمقراطية
يُعرف تنظيم داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية باسم “القوات الديمقراطية المُتحالفة” بقيادة “سيكا موسى بالوكو”، وهي جماعة مُتمردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، وتعد من أكثر الجماعات المُسلحة نشاطًا وعنفًا بوسط أفريقيا. وتأسست الجماعة في عام 1995 كجماعة متمردة مقرها في الأصل غرب أوغندا، ثم بدأت تُمارس نشاطها على المناطق الحدودية، بين أوغندا والكونغو، ثُم توسعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت مسؤولة عن مقتل المئات خلال الأعوام القليلة الماضية.
أشارت مجموعة من التقارير المُختلفة إلى علاقة الجماعة بتنظيم داعش الإرهابي، وفى هذا الصدد أعلنت القوات الكونغولية في فبراير 2020 أنها عثرت على مواد وكتب تابعة لتنظيم داعش بحوزة مُقاتلي القوات الديمقراطية المُتحالفة في منطقة “بيني” شرق الكونغو، وفى إبريل 2016 أعلن تنظيم داعش عن ولاية له وسط أفريقيا، ونشر مقطع فيديو لجهاديين في الكونغو مما يرجح علاقة الجماعة بتنظيم داعش الإرهابي.
داعش موزمبيق
يُعرف “داعش” موزمبيق باسم “أنصار السنة” ومحليًا باسم “حركة الشباب موزمبيق” بقيادة “أبو ياسر حسن”. ففي يونيو 2018 أعلن تنظيم “داعش” وجود خلية جديدة تابعة له في موزمبيق. هذه الخلية يطلق عليها الآن “حركة الشباب”، وقد ظهرت الحركة في البداية عام 2017 تحت مسمى “أنصار السنة”، وفى عام 2018 أعلنت ولاءها لتنظيم “داعش”، وفى عام 2020 تغير اسمها لـ “حركة الشباب”.
وتتمتع الحركة بشبكة علاقات واسعة تربطها بعدد من التنظيمات الأخرى المتطرفة في القارة الإفريقية، مثل علاقتها بحركة “الشباب الصومالية”، وتعتمد في تمويلها على (تجارة العاج، وتهريب البضائع، وتجارة الهيروين)، ويقدر عدد أعضائها بـ 1500 مقاتل يعملون على طول الساحل الشمالي بموزمبيق.
سياق مضطرب
يأتي قرار الولايات المُتحدة الأمريكية في سياق مضطرب تعيشه موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، جراء تنامي النشاط الإرهابي وذلك على النحو التالي:
أولًا: جمهورية الكونغو الديمقراطية:
تقع جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليًا بين مطرقة الأوبئة وسندان الإرهاب، حيثُ تُعانى من تنامى الأعمال الإرهابية التي تُنفذها الحركات الإرهابية المسلحة على أراضيها، لعل من أبرزها: مقتل السفير الإيطالي لدى جمهورية الكونغو الديمقراطية “لوكا أتانازيو”، مُتأثرًا بجراحة جراء هجوم استهدف موكب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في فبراير الماضي.
ووفقا لمُؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020، تقع الكونغو الديمقراطية ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تأثُرًا بالإرهاب عالميًا، حيثُ أشار التقرير إلى أن الكونغو سجلت تصاعدًا للنشاط الإرهابي في عام 2019، وارتفع عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب بها بنسبة 36% لتصل إلى 559 حالة وفاة عام 2019 مقارنة ب 410 في عام 2018، كما ارتفعت الحوادث المرتبطة بالإرهاب من 135 في عام 2018 إلى 213 في عام 2019 مما يمثل زيادة بنسبة 58%.
وأشار التقرير الذي أعده مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في 24 من فبراير الماضي، تحت عنوان” القارة السمراء في عين مرصد الأزهر خلال عام2020” إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية شهدت نموًا ملحوظًا في نشاطها الإرهابي عن طريق ولاية وسط إفريقيا التي أسسها تنظيم داعش الإرهابي، خلال عام 2020 مُقارنة ب 2019؛ حيثُ تعرضت المنطقة لنحو 58 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 606 شخصًا وإصابة العشرات، فضلًا عن مقتل 66 عنصرًا إرهابيًا خلال العمليات الأمنية التي نفذتها القوات الكونغولية، بالإضافة إلى اعتقال 203 آخرين.
ومع مطلع عام 2021، شهدت الكونغو الديمقراطية نشاطًا إرهابيًا ملحوظًا على أيدي القوات الديمقراطية المتحالفة وسط أفريقيا أخرى تتجلى أبرزها فيما يلي:
وبالتزامن مع تنامي العمليات الإرهابية، تُعانى الكونغو من انتشار العديد من الأوبئة، فإلى جانب خطر انتشار فيروس كورونا المُستجد؛ تواجه البلاد خطر الإيبولا والطاعون الدبلي. ففي مطلع الشهر الماضي، أعلنت السُلطات في الكونغو بداية ظهور الموجة ال 12 لفيروس إيبولا مُجددًا في شرق البلاد بعد ثلاثة أشهر على إعلان انتهاء المُوجة السابقة من الوباء. ونتيجة لذلك؛ قررت مُنظمة الصحة العالمية إرسال فريق طوارئ إلى الكونغو وحذرت من تفشي أوسع للمرض.
وبالإضافة إلى خطر تفشي وباء الإيبولا، اكتشفت مُقاطعة إيتورى الشمالية الشرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر من 500 إصابة بالطاعون الدبلي، أكثر من 30 منها لقوا حتفهم جراء المرض، وفقًا لتصريحات مسؤولي الصحة المحليين في شهر فبراير الماضي.
ثانيًا: موزمبيق:
وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020 شهدت موزمبيق تدهورًا كبيرًا في عدد القتلى جراء العمليات الإرهابية، حيثُ ارتفع إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في البلاد من 133 في عام 2018 إلى 319 في عام 2019. وبالأمس أعلنت منظمة “أنقذوا الأطفال” للإغاثة، ومقرها في لندن، إن مسلحين إسلاميين يذبحون أطفالًا تبلغ أعمار بعضهم أقل من 11 عامًا في مقاطعة كابو ديلغادو شمالي موزمبيق، حيثُ سعى تنظيم داعش إلى السيطرة على هذه المنطقة، والتي تمتلك مشروعًا من أكبر مشاريع الغاز في المنطقة الإفريقية باستثمارات بلغت 44 مليار جنية إسترليني أو حوالي 60 مليار دولار.
ووفقًا للمنظمة، قُتل حوالي 2500 وفر 700 ألف من منازلهم منذُ بدء التمرد في عام 2017، وينتمي هؤلاء إلى تنظيم داعش. وقال مدير المنظمة في موزمبيق تشانس بريغز: “أحد مخاوفنا الكبرى أن احتياجات الأطفال النازحين وأسرهم في كابو ديلغادو تفوق الموارد المتاحة لدينا لدعمهم”. واضاف: “حوالي مليون شخص يواجهون الجوع الحاد كنتيجة مباشرة لهذا النزاع سواء من النازحين أو المجتمعات التي تستضيفهم”.
دلالات مهمة
يشير إدراج داعش موزمبيق والكونغو الديمقراطية على قائمة التنظيمات الإرهابية إلى تنامي نفوذ داعش مُجددًا في القارة السمراء بعد الهزائم التي تكبدها في منطقة الشرق الأوسط بسوريا والعراق، والتي قادت التنظيم إلى تغيير وجهة تمدده نحو القارة الإفريقية، وبات يعمل على تجنيد الجماعات المسلحة في الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وغيرها من المناطق لفتح مساحات أوسع لانتشاره في العمق الإفريقي.
وتُشير هذه الخطوة إلى بداية تنبه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الخطر الداهم لتمدد تنظيم داعش في إفريقيا والذي أصبح التنظيم الأكثر تغلغلًا ونشاطًا في إفريقيا حاليًا، وفى هذا السياق بدأت القوات الخاصة الأمريكية، الأسبوع الجاري، برنامجًا لتدريب الجيش الموزمبيقي، لمواجهة التمرد المنتشر في شمال شرق البلاد، والذي وصفة مسؤولون أمريكيون أنه يرتبط بتنظيم داعش الإرهابي.
ووفقًا لتقرير أعدته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، سيركز برنامج التدريب العسكري على المهارات الأساسية للجنود، ويمكن أن يؤدي إلى مساعدة أمريكية إضافية لجيش موزمبيق، تتضمن الرعاية الطبية لحالات الإصابة أثناء العمليات القتالية، والتخطيط، واللوجستيات، كما تتطلع أمريكا إلى زيادة المساعدات الاستخباراتية لموزمبيق.
وفي ضوء ما سبق، يُمكن القول إن هذا القرار يُمثل بداية تركيز إدارة بايدن على استراتيجية مُغايرة لترامب الذي تبنى استراتيجية أدت إلى تهميش ملف مكافحة الإرهاب في إفريقيا، بينما تشير التقديرات المُختلفة إلى حرص إدارة بايدن على الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي وتوسيع عمليات مُكافحة الإرهاب في إفريقيا، ومن ثمّ الحفاظ على الدور القيادي لأمريكا في العالم، وعدم السماح للصين بملء أي فراغ.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع