الأمريكتان

ما بين إنهاء الصراع أو الدخول في حرب أوسع.. مأزق إدارة “بايدن” في أفغانستان

أعلنت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي(*) أوائل شهر مارس الجاري. جاء في الوثيقة أن الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء الإقليميين في الشرق الأوسط على مكافحة الجماعات الإرهابية ومنع عودة تنظيم “داعش” الإرهابي. وأضافت الوثيقة أن الإدارة الجديدة لا تعتقد أن القوة العسكرية هي خيار التعامل مع التحديات الإقليمية. 

وذكرت الوثيقة أن الاستراتيجية ستركز على “تصحيح حجم الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط” وأن حماية أمن الأمريكيين يتطلب مواجهة التحديات القادمة من الفاعلين من غير الدول أيضا مثل الجماعات الإرهابية والإجرامية. 

وأوضحت الوثيقة أن واشنطن ستعمل على إنهاء الحرب الأمريكية في أفغانستان وستأخذ في الحسبان حين القيام بذلك ألا تتحول الأخيرة إلى ملاذ للإرهاب أو أن تُتخذ أفغانستان منطلقاً لشن هجمات إرهابية على الولايات المتحدة. 

وتصدر هذه الوثيقة بالتزامن مع قرب انتهاء المهلة التي حددها الاتفاق الذي أُبرم في فبراير من العام الماضي بين “طالبان” وإدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، والتي تنص على خروج القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلنطي “ناتو” من أفغانستان خلال 14 شهر منذ تاريخ الاتفاق، أي في الأول من شهر مايو المقبل.  

ومع عدم التزام “طالبان” بالاتفاق المُشار إليه وتأكيد مسؤولين ومعنيين، من بينهم السيناتور الأمريكي “بوب مينينديز”، لهذا الأمر وتوقع نتائج كارثية في أفغانستان إذا ما انحسبت القوات الأمريكية وقوات الناتو من البلاد بدون التوصل إلى حل هناك، باتت سياسة إدارة الرئيس بايدن تجاه أفغانستان تواجه تحديات حقيقية في المستقبل القريب سنحاول إيضاحها فيما يلي.

ماذا إذا انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول مايو 2021؟ 

طالبان رداً على الظواهري: لن ننفذ عمليات عسكرية خارجية

لعل أبرز التحديات التي تواجهها إدارة بايدن في أفغانستان هذه الأيام هي الموعد المحدد لسحب قواتها وقوات حلف “الناتو” من أفغانستان بحلول الأول من مايو المقبل. فحركة “طالبان” لم تُظهر حتى الآن التزاماً بالاتفاق الذي أبرم في فبراير من العام الماضي، والذي نص على اكتمال سحب قوات التحالف الدولي في أفغانستان خلال 14 شهر “شريطة أن تفي طالبان بالتزاماتها”، كما أنها لا تزال تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لأفغانستان. 

ولم تلتزم “طالبان” بهذا الشرط المُشار إليه حتى الآن ولا تزال تشن هجمات إرهابية ضد قوات الأمن الأفغانية كان من بينها هجوم استهدف نقطة تفتيش في منطقة “خان عابد” بولاية قندوز شمالي البلاد تم الإعلان عنه السبت 13 مارس 2021 وأدى لمقتل 6 أفراد من الأمن الأفغاني.  

(قندوز شمال شرقي أفغانستان)

وتشير بيانات هيئة الأمم المتحدة لعام 2020 إلى أن أفغانستان شهدت ارتفاعاً في معدلات العنف، كما شهدت الأشهر الثلاث الأخيرة من العام الماضي في أفغانستان وقوع 2792 ضحية من المدنيين نتيجة أعمال إرهابية من بينهم 891 قتيلاً. وخلال الفترة نفسها، شهدت أفغانستان ارتفاعاً في عمليات اغتيال نشطاء المجتمع المدني والعاملين الحكوميين والصحفيين، كما أن المعارك تتصاعد في جنوبي البلاد .(*) 

وكان استطلاع للرأي قد أجرته وكالة أنباء “بجواك” الأفغانية خلال الفترة ما بين 30 نوفمبر 2020 وحتى 3 فبراير 2021، نُشر على شبكة “طلوع” الإعلامية الأفغانية في 13 فبراير الماضي، قد أظهر أن “طالبان” تسيطر على 52% من مساحة أفغانستان في الوقت الحالي وأن الحكومة الأفغانية، التي يقودها الرئيسُ أشرف غني، تسيطر على 46% فقط من مساحة أفغانستان. وأوضح الاستطلاع أن 59% من السكان يعيشون في مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة.  

وأشار الاستطلاع إلى أن طالبان تتحكم في 337 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأفغانية، بينما تسيطر الحكومة على مساحة أقل تبلغ 297 ألف كيلومتر بينما لا يخضع 18 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأفغانية لسيطرة أي طرف.

وطبقاً للتقرير الأفغاني، تسيطر الحكومة بشكل كامل على 64 مقاطعة كاملاً مقابل سيطرة “طالبان” على 27 مقاطعة أخرى بشكل كامل أيضا، فيما يتشارك الطرفان السيطرة على باقي المقاطعات البالغ عددها 297. وتزعم “طالبان” أنها تسيطر/ أو لديها نفوذ داخل حوالي 70% من مساحة أفغانستان، إلا أن متحدثاً باسم وزارة الداخلية الأفغانية أكد أن “طالبان” لا تملك أي حضور دائم في أي جزء من البلاد، كما نفى مستشار الأمن القومي الأفغاني “حمد الله محب” مزاعم “طالبان”.(*)

وعلى أي حال، لا تزال “طالبان” تشكل تهديداً جوهرياً للأمن في أفغانستان، خاصة وأنها تتلقى الدعم من بعض الجهات البارزة وترتبط محلياً بقبائل البشتو التي يُقال إنها تمثل 62% من تعداد السكان في أفغانستان. 

وعليه، فإذا ما رحلت القوات الأجنبية والأمريكية، البالغ عددها إجمالاً 8 آلاف جندي،(*) إضافة إلى قوات التحالف، في الوقت الذي لا تزال فيه القوات الأمنية الحكومية الأفغانية بحاجة إلى مزيد من الدعم والتدريب، فإن موجة العنف في أفغانستان من المتوقع للغاية أن تزداد وأن تسيطر “طالبان” على مساحات جغرافية في ذلك البلد المضطرب أمنياً بالأساس.  

ولذا، فإن العديد من المعنيين داخل الولايات المتحدة يحثون إدارة بايدن على إعادة النظر في الاتفاق المُبرم مع “طالبان” في العاصمة القطرية الدوحة العام الماضي والذي، كما تمت الإشارة آنفاً، ينص على انسحاب قوات التحالف الدولي من أفغانستان بحلول مايو المقبل. 

ومن أبرز هؤلاء الداعين يجيء رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور بوب مينينديز، الذي نصح إدارة بايدن بإعادة النظر في موعد سحب القوات العسكرية من أفغانستان مؤكداً أن “طالبان” لا تفي بالتزاماتها التي وردت في اتفاق العام الماضي.

عضو بارز بمجلس الشيوخ قلق من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في مايو - RT  Arabic

( السيناتور الأمريكي بوب مينينديز)

ولهذه الأسباب تقع إدارة بايدن في حيرة من أمرها إزاء التعامل مع هذا الملف؛ لأنه إذا تُركت أفغانستان في ظل عدم تلقي القوات الأمنية الحكومية داخلها التدريب الكافي، فإن الخيار الأرجح هو أن مساحة وحجم نفوذ “طالبان” سوف يزداد مما يهدد معه أمن أفغانستان والمنطقة. 

ومن الجدير بالذكر في هذه النقطة أن إدارة بايدن أكدت أنها في إطار سياستها للتعامل مع أفغانستان تسعى ألا تنطلق من الأخيرة هجمات إرهابية تهدد الولايات المتحدة كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001. وعليه، فإن خيار الانسحاب الأمريكي في الموعد المحدد له، الأول من مايو المقبل، سيكون صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً. 

ولإدراك الإدارة الأمريكية الجديدة هذه المخاوف، فقد بعثت مؤخراً برسالة إلى الحكومة الأفغانية في كابل تهدف من ورائها إلى إنهاء الصراع في أفغانستان. وقد كتب الرسالة وزير الخارجية أنتوني بلينكن وسلمها إلى زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون أفغانستان، خلال زيارته إلى كابل. وقد اقترحت الولايات المتحدة في الرسالة عقد اجتماع برعاية الأمم المتحدة بحضور وزراء خارجية كلٍ من إيران، الصين، روسيا، باكستان، والهند لمناقشة “مدخل موحد” للسلام في أفغانستان.   

وعلى أية حال، فلربما يعيد الماضي نفسه، حيث إن الإدارتين الأمريكيتين السابقتين، ترامب وباراك أوباما، أعلنتا أيضا من قبل أنهما سيسحبان جميع الجنود الأمريكيين من أفغانستان، إلا أنهما قررا في النهاية عدم إمكان تنفيذ ذلك على أرض الواقع. 

ماذا إذا لم تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان في مايو؟  

تعول “طالبان” كثيراً على مسألة خروج القوات الأمريكية والدولية من أفغانستان أوائل شهر مايو المقبل؛ وذلك من أجل مد سيطرتها على أراضٍ داخل ذلك البلد. وعليه، فإذا سارت الأمور كما هي ولم تنسحب القوات الدولية من أفغانستان، فربما تلجأ “طالبان” إلى تنفيذ هجمات إرهابية ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي على الأراضي الأفغانية، ما يعني بدء حرب جديدة من الممكن أن تكون أشد مما كانت عليه خلال السنوات التي سبقت التوصل إلى اتفاق 2020، كما أن المشهد الأفغاني سيكون أكثر تعقيداً على أي حال مما هو عليه الآن. 

ومن المتوقع في هذه الحالة أن تُزيد واشنطن من تعداد قواتها العسكرية على الأراضي الأفغانية لمكافحة انتشار الإرهاب في أفغانستان عموماً وحماية جنودها من هذه العمليات أيضا، ما يعني إذاً مزيداً من الانخراط في المشهد الأفغاني. 

ولكن يمكن لإدارة بايدن من أجل تجنب هذا السيناريو أن تعمل على إعلان تمديد موعد الانسحاب ربما بعد الحديث مع “طالبان”. 

خيار وسط: البقاء من أجل الحل النهائي 

 عبّرت بعض الأوساط في واشنطن عن إمكان تمديد بقاء القوات الأمريكية والدولية في أفغانستان بعد مايو المقبل. وفسّرت أن الهدف من ذلك إطلاق مفاوضات في المستقبل بين الحكومة الأفغانية الرسمية و”طالبان” لحل مشكلة الأمن وإيجاد نوعٍ من التسوية السياسية النهائية في أفغانستان. وهذه العملية بالأساس كانت قد أطلقتها واشنطن عقب اتفاق فبراير 2020 مع “طالبان” ولكنها تعثرت خلال الفترة السابقة. 

ويشير هذا السيناريو إلى بدء عملية مفاوضات لإيجاد توافق محلي في الحكم بين الحكومة الأفغانية و”طالبان” من أجل التحضير لمغادرة القوات الأمريكية والدولية أفغانستان. وتقول هذه الأوساط إن هذا التمديد ربما يبلغ أشهراً أو سنواتٍ. 

وحول هذا السيناريو، يشير لوريل ميلر(*)، القائم بأعمال الممثل الخاص الأمريكي السابق في أفغانستان خلال عهد إدارة أوباما، إلى أنه من الضروري التفاوض من أجل تمديد وجود القوات الأمريكية في أفغانستان، ذلك لأن الحكومة الأفغانية و”طالبان” ليس من المتوقع أن يتوصلا في أبريل المقبل إلى اتفاق. ويضيف ميلر، الذي يعمل الآن في مجموعة الأزمات الدولية، أن “طالبان” من الممكن أن تقبل نوعاً من التسوية السياسية في هذه العملية، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حققت أهدافها في أفغانستان.  

 وإجمالاً 

 يبدو الانسحاب الأمريكي والدولي من أفغانستان في الأول من مايو المقبل شبه مستحيل عملياً؛ وذلك لنتائجه الكارثية، كما أن وجود القوات الأمريكية في أفغانستان إلى أجلٍ غير مسمى يبدو هو الآخر غير عملي. وربما هذا هو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى أن تعلن منذ أيام أن “جميع الخيارات ما زالت مطروحة” بالنسبة لقواتها المتبقية في أفغانستان.

وعليه، فإن أقرب الخيارات إلى الواقع سيكون تمديد واشنطن بقاء قواتها وإطلاق عملية تسوية محلية في أفغانستان كما سبق إيضاحه. ولكن من المحتمل أن تبدأ واشنطن في هذه الترتيبات قبل حلول الأول من مايو المقبل؛ حتى تتجنب المزيد من هجمات “طالبان” الإرهابية. 

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى