
لماذا عادت الولايات المتحدة إلى عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؟
كان قرار انسحاب الولايات المتحدة من عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قبل عامين مفاجئًا للمجلس وأعضائه ولمجتمع حقوق الإنسان الدولي الذي ترتبط كثير من مكوناته بالإدارة الأمريكية، بعدما تعودت على استخدام مفهوم حقوق الإنسان كأداة من أدوات سياستها الخارجية.
وربما كان الغياب متوقعًا من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي اهتمت أكثر بحصد الولايات المتحدة للمكاسب الاقتصادية من علاقاتها الخارجية. وأيضًا كانت العودة متوقعة للإدارة الديمقراطية للرئيس جو بايدن؛ إذ يأتي ما يعرف بـ”دبلوماسية حقوق الإنسان” ضمن أولويات الإدارات الديمقراطية المتعاقبة نظرًا لارتباطها بمجتمع حقوق الإنسان ولوبياتها داخل الكونجرس الأمريكي.
وبحسب إعلان أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي فإن الرئيس بايدن أصدر تعليماته لوزارة الخارجية بالمشاركة فورًا وبقوة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو ما رحبت به الأمم المتحدة، وتم الاتفاق على العودة الأمريكية بصفة “مراقب” وتعني المشاركة دون التدخل في أعمال الجلسات العامة للمجلس الذي يراقب أوضاع حقوق الإنسان في الدول الاعضاء عبر آلية المراجعة الدورية الشاملة.
الولايات المتحدة قالت إنها ستتحرك بصفة مراقب لمخاطبة المجلس والمشاركة في المفاوضات، والتحالف مع الآخرين لإصدار القرارات عبر تحالفات ستظهر مع دول أخرى وصفتهم بالحلفاء والأصدقاء؛ وذلك لإحداث تغيير في نمط عمل المجلس، وتحديد أولويات أخرى لعمله.
وحتى تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ تلك التوجهات، أعلنت أنها ستسعى إلى إصلاح الأوضاع داخل المجلس، فقد وصف بلينكن مجلس حقوق الإنسان بالهيئة المليئة بالعيوب وتحتاج إلى تعديل برنامجها وعضويتها وأولوياتها، بما في ذلك الاهتمام غير المتناسب الذي توليه لإسرائيل.
لكن الواضح أن هدف الولايات المتحدة من عودة عضويتها لمجلس حقوق الإنسان لن يكون إصلاح المجلس لحماية اسرائيل فقط، بل استخدام المجلس في صراعها مع الصين وروسيا اللتين تصنفهما الإدارة الأمريكية دولًا قمعية لا يقوم المجلس تجاههم بالدور المأمول، حيث شدد بلينكن على ضرورة أن يستخدم المجلس ثقله في الضغط على ما أسماها بالدول القمعية، في إشارة ضمنية إلى روسيا والصين، فهو يرى أنها استغلت غياب إدارة ترامب عن أعمال المجلس لمصلحتها.
بلينكن أشار في تصريحاته إلى أن “مجلس حقوق الإنسان عندما يعمل كما ينبغي، يسلط الضوء على البلدان التي لديها أسوأ سجل في حقوق الإنسان ومساندة من هم يعانون من الظلم والاستبداد على حد وصفه.
التحركات الأمريكية تعطي انطباعًا بأن إدارة بادين تستعد لاستخدام حقوق الإنسان كسلاح ضد الدول التي تسعى إلى تطويقها بشكل متطابق مع إدارة اوباما، وقد بدأت في تنفيذ ما احتوت عليه قائمة المطالب التي أصدرتها مؤسسة هيومان رايتس ووتش الأمريكية ووجهتها لرئيس الولايات المتحدة القادم قبل الانتخابات وتضمنت عددًا من النقاط وهي:
- أن يجدد الرئيس بايدن التزامه بالتعددية، ويضع حقوق الإنسان في صميم التحركات الدولية لإدارته، وهو ما أعلنته الإدارة بالقول والفعل.
- أن تشارك الولايات المتحدة مجددًا بشكل كامل في عمل “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”، وتعود إلى تمويل “صندوق الأمم المتحدة للسكان” ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” (الأونروا) وهم ما تم بالفعل أيضًا.
- أن تعلن التصدي للحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان، وتعيد النظر في تحالفاتها الخارجية من هذا المنطلق.
- أن توقف المساعدات العسكرية أو مبيعات الأسلحة أو غيرها من المساعدات الأمنية للحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان
- ان تعارض الولايات المتحدة السماح للحكومات المنتهِكة للحقوق باستضافة أحداثًا متعددة الأطراف مثل قمة “مجموعة الـ 20”.
- أن توجه الإدارة رسالة واضحة إلى السلك الدبلوماسي مفادها أن حقوق الإنسان ستكون في صميم عملها اليومي، وأن تضغط لإخضاع رؤساء البعثات لتدريب في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وأن يتلقوا إحاطات منتظمة عن حالة حقوق الإنسان في البلدان المضيفة، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني المحلية، لا سيما تلك التي تمثل الفئات المهمشة.
هذه المطالب السابقة على نجاح بايدن والمبنية على الاقتراب بين تلك المؤسسة والإدارة الأمريكية الحالية تؤكد أن إدارة بايدن ستتجه إلى استخدام ملف حقوق الإنسان بشكل واسع ضد خصومها السياسيين في العالم، وأنها ستمارس التصعيد من ذلك المنطلق ضد روسيا والصين في المقام الاول.
وهو ما سيطرح إشكالية ستواجه السياسة الدولية الأمريكية وهو خضوع سياستها الخارجية لمثل تلك المؤسسات الحقوقية المسيسة والتي تتلاعب بحقوق الإنسان بشكل مكثف، وتحديدًا في المنطقة العربية، وهو ما سيعود بالسلب على السياسة الخارجية الأمريكية، وسيدفع الولايات المتحدة إلى خسارة حلفائها لتصل إلى نقطة العزلة التي شهدتها إدارة اوباما خلال سنواتها الاخيرة.
وكذلك، ستصطدم تلك السياسة بقواعد الشرعية الدولية التي لم تعط لأي دولة ميزة على دولة أخرى حتى تفرض عليها شروطًا أو تمارس عليها ضغوطًا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فضلًا عن أن ممارسة أمريكا لهذا الدور أو استغلالها لمكانتها كقوة عظمى في العالم يتعارض تماما مع أحد الحقوق المهمة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وتتمتع به الدول الأعضاء وهو حق تقرير المصير، وهو حق تملكه الشعوب في المقام الأول، وبالتالي لا يحق لأي دولة أن تمارس الوصاية على دولة أخرى.
هذا بجانب أن الاستخدام المكثف من جانب الإدارة الأمريكية لمفهوم حقوق الإنسان لا يتمتع بمصداقية عالية، خاصة مع سجلها المتخم بالانتهاكات الداخلية، وتمسكها بازدواجية المعايير خاصة فيما يتعلق بالمظاهرات التي شهدها الكونجرس، والتي عدّتها أعمال عنف وشغب، وقامت باعتقال من شارك فيها ومحاكمته، بينما اعتبرت مظاهرات مماثلة شهدتها دول أخرى بأنها ممارسة للحق في التظاهر، ورفضت أي قيود على حريتهم.
فضلًا عن أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد ناقش خلال العام الماضي مشروع قرار خاص بالعنصرية ضد الأفارقة وذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، بعد مقتل المواطن الأمريكي ذي البشرة السوداء جورج فلويد على يد الشرطة.
وطالب مشروع القرار الذي تقدمت به دول أفريقية لجنة التحقيق الدولية المستقلة الذي دعا المشروع إلى إنشائها بفتح تحقيق في ردود الإدارة الأمريكية على الاحتجاجات، بما في ذلك استخدام القوة. ويدعو الحكومة الأمريكية والدول الأخرى إلى التعاون مع لجنة التحقيق وتيسير عملها.
ودعا مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الأفريقية وعددها 54 إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة لإثبات الوقائع والظروف المتعلقة بالعنصرية وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات ضد الأفارقة والمنحدرين من أصول إفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية وأجزاء أخرى من العالم، وتقديم الجناة إلى العدالة، إلا أن الادارة الأمريكية السابقة وحتى الحالية تجاهلت الأمر تمامًا، رغم أن العنصرية تعد أزمة حقوقية ضاغطة على المجتمع الأمريكي.