مكافحة الإرهاب

هل تدافع “هيومان رايتس ووتش” عن الإرهاب بغطاء حقوقي؟

حينما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نيتها العمل على إدراج الإخوان كجماعة إرهابية، كانت منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية هي المنظمة الحقوقية الدولية الوحيدة تقريبًا التي دافعت بشكل واضح لا لبس فيه عن الجماعة المصنفة كإرهابية في عدد من دول العالم، ورفضت توجه الإدارة الأمريكية رغم أنه مؤسس على دلائل تؤكد ضلوع الجماعة في الأعمال الإرهابية العديدة التي وقعت في مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط وهددت حياة المدنيين وعرضت الحق في الحياة للخطر.

لكن المنظمة تجاهلت تلك الدلائل تماماً وقررت الدفاع عن الجماعة التي خرجت من رحمها كل جماعات العنف والإرهاب، بل وغضت الطرف عن اعتراف منظر الجماعة المقيم بدولة قطر يوسف القرضاوي بأن أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة وأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش كانا ينتميان للجماعة، وأنهما تأثرا بأفكار مؤسسها حسن البنا ومنظرها الأول ومؤسس منهج التكفير سيد قطب.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاهلت الجماعة مجموعة من الحقائق حول طبيعة الإخوان كجماعة دينية إقصائية، وهو موقفها الرافض لحقوق الإنسان والمبني على قراءات متطرفة للدين، والتي يمكن إجمالها في عدد من النقاط وهي:

  • موقفهم الرافض لتمكين المرأة.
  • عدم قبولهم بحرية الاعتقاد أو تعددية الآراء.
  • –         رفضهم للآخر الديني.
  • احتكارهم للعمل السياسي بوصفهم ممثلي الدين في المجتمع. 
  • انفتاحهم على العمل العنيف وتشكيل جماعات مسلحة تهدد الحق في الحياة.
  • إهدارهم لقيمة استقلال القضاء وتهديدهم الدائم لرجاله بالقتل.
  • معاداة الفن والإبداع والحق في التعبير.

هذه الأفكار المتشددة نابعة من رسائل وتعاليم مؤسس الجماعة حسن البنا وتمثل مجموعة القيم التي تغرسها الجماعة في عقول المنتمين إليها، وهو ما يفسر تشدد أجيال المهاجرين المسلمين من شمال أفريقيا في دول مثل فرنسا وألمانيا، وانضمامهم بكثافة إلى تنظيم داعش.

ثم جاء تورط الجماعة في تأسيس حركتي لواء الثورة وحسم الإرهابيتين وتورط عناصرها في اغتيال النائب العام هشام بركات ووضع عدد من هاربيها في تركيا على قوائم الإرهاب، بالإضافة إلى صدور عشرات الأحكام بحق عناصرها المتورطة في أعمال عنف وتفجيرات ضد مؤسسات أمنية، وانضمام عناصرها لتنظيمات ارهابية وحرقهم للكنائس عقب المظاهرات الشعبية التي اجتاحت مصر وأسقطت حكمهم في 30 يونيو 2013.

ورغم معاداة الجماعة الإرهابية لفكرة حقوق الإنسان إلا أن هيومان رايتس ووتش وفرت للجماعة وتابعيها الغطاء الحقوقي الذي يسمح لهم بالحركة والدفاع عن جماعتهم. ولم يتوقف دفاعها المستمر عن الإخوان عند حدود الإدارة الأمريكية السابقة، بل امتد إلى مساعدتها على التظاهر في الدول التي رفضت إعطاء الجماعة تصاريح التظاهر، ونظمت ندوات وجلسات نقاشية للدفاع عن الجماعة، والهجوم على مصر وعدد من الدول التي صنفتها جماعة إرهابية.

وهو الموقف الذي أثار شكوكًا عديدة حول طبيعة العلاقة بين الجماعة والمنظمة الحقوقية الأمريكية، بل ووجهت لها اتهامات بتلقي تمويلات قطرية داعمة للجماعة. وهو تساؤل يبدو وجيها لعدة أسباب، أولها اللقاء الذي جمع كينيث روث مدير هيومان رايتس ووتش وتميم بن حمد أمير قطر في نيويورك والاتفاق على التعاون بين المنظمة وقطر، والذي ربما يفسر التعامل الخجول من جانب المنظمة مع مأساة العمالة الأجنبية العاملة في ملاعب كأس العالم في قطر، وتركيزها الحاد على الأوضاع في مصر، وانفتاحها على نشر معلومات مغلوطة وبيانات خاطئة مصدرها الوحيد كان جماعة الإخوان الإرهابية.

اندفعت هيومان رايتس ووتش بعيدًا في الدفاع عن الجماعة الإرهابية لدرجة العصف الكامل بما جاء في استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب والتي وضعت عام 2006 ودعت فيها دول العالم والمنظمات الدولية للتعاون من أجل اتخاذ تدابير لمنع الإرهاب ومكافحته؛ إذ تقوم على مبدأ أساسي أن الإرهاب في الأساس هو إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لحياة الشعوب.

وتجاسرت المنظمة الحقوقية على إعلان رفضها لمحاكمة عناصر تابعة لداعش خلال محاكمتهم في عدة دول، وهو ما يضع كثيرًا من الشبهات وعلامات الاستفهام حول توجه المنظمة الأمريكية الداعم لتنظيمات متهمة بالقيام بعمليات إرهابية.

لقد طالبت الأمم المتحدة المنظمات الدولية بالعمل على منع التطرف العنيف، إلا أن هيومان رايتس ووتش سارت في اتجاه معاكس تمامًا للاستراتيجية؛ إذ دافعت عن التطرف العنيف، وهاجمت من يقوم بمكافحة الإرهاب مثل مصر، بل وابتكرت سلاحًا جديدًا للدفاع عن التطرف العنيف بالدعوه إلى ربط التسليح الموجه إلى الدول التي تكافح الإرهاب العنيف مثل مصر وعدد آخر من الدول، بالتقدم في مجال حقوق الإنسان من وجهة نظرهم.

ثم بدأت في توجيه الاتهامات إلى مصر بدون دليل أو سند قانوني، وهو ما ظهر في الترويج لوجود معتقلين سياسيين، الأمر الذي يتنافى مع الحقيقة، فقد أنهت أحكام المحكمة الدستورية وجود معتقلين في السجون المصرية، وأصبحنا أمام متهمين على ذمة قضايا تتعلق بالإرهاب.

 وقدمت الحكومة المصرية الكثير من الدلائل على صحة موقفها خلال الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2019، وهو ما كشف حالة الانفصال عن الواقع التي تعيشها هيومان رايتس ووتش فيما يتعلق بالأوضاع في مصر.

والحقيقة أن مثل هذه التعريفات غير الدقيقة تؤكد حالة التراجع المهني وتسييس عمل المنظمة الحقوقية، واستغلال صفتها الحقوقية في الهجوم على دولة في حالة عداء مع تنظيم إرهابي دولي، وهي من الأشياء التي جرمتها الأمم المتحدة.

إن تكرار حديث هيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية وتركيز توصياتها على تلك النقطة يضفي مزيدًا من التشكك حول علاقة الأمر بحقوق الإنسان، خاصة وأن تلك الأسلحة جزء رئيس من استراتيجية الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، التي تقتل المدنيين وتعرض الحق في الحياة -أحد الحقوق الرئيسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- للخطر.

وتقود مصر جهود الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، إذ استصدرت قرارًا أمميًا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع المكسيك في سبتمبر 2019، باتخاذ موقف دولي موحد وصارم في مواجهة الإرهاب، وإبراز آثاره على التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وأكد القرار مسؤولية الدولة الأصيلة في حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وشدد على أهمية الوقف الفوري لكافة أشكال الدعم الذي تقدمه الدول إلى الإرهابيين والجماعات الإرهابية، بما في ذلك توفير ملاذ آمن ورعاية المنابر الإعلامية التي تتبنى خطاب الكراهية الذي يحرض على العنف والقتل والتدمير، وهذا القرار ملزم لكل دول العالم والمنظمات الحقوقية.

ورغم كل تلك الجهود التي تبذلها مصر في مكافحة الإرهاب، إلا أن هيومان رايتس ووتش تجاهلتها وضربت بالقرار الأممي وباستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بمطالبات وقف التسليح التي تضعف من قدرة الدول في مواجهة المليشيات الإرهابية، وتحد من قدرتها على ضمان الحق في مكافحة الإرهاب، كحق إنساني لا تقدر على صيانته سوى القوة المسلحة التي تملكها الدول.

ورغم انفتاح الحكومة المصرية على الرد على ادعاءات المنظمة الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر وغضها الطرف عن التطورات الكبيرة، التي شهدها ذلك الملف الحيوي والمهم خاصة في ميادين عده مثل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتى انعكست بشكل إيجابي على المواطن المصرى وأهمها تحسن أوضاع السجون، وأماكن الاحتجاز وإخضاعها لرقابة النيابة العامة، وإلغاء سلطة الاعتقال بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا، وتراجع نسب الفقر بفضل مبادرات الحماية الاجتماعية، إلا أن المنظمة أصرت على موقفها المعادي.

وهو ما يدفع للتساؤل حول انفصال المفاهيم والمفردات الحقوقية، التي تستخدمها المنظمة في وصف أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويدفع إلى الاعتقاد بأن الهدف الرئيس لها ليس الدفاع عن حقوق الإنسان، بل الانحياز لجماعات متهمة بالسعي إلى التخريب والتدمير ونشر الفوضى مثل جماعة الإخوان.

ويدفع لتساؤل آخر مهم يربط ما بين إصرار هيومان رايتس ووتش على استهداف الدول التي تستورد منها مصر أسلحتها وتنوع مصادر السلاح المصرى، فالدولة المصرية في الفترة الأخيرة أبرمت صفقات سلاح مع فرنسا وإيطاليا وروسيا وألمانيا، بالإضافة للتعاون العسكري بين مصر والصين، وبالتالي تلعب هيومان رايتس ووتش دورًا لمنع مصر من الاستمرار في تنويع مصادر سلاحها وفي ذلك تمثل المنظمة قوى عظمى ربما غير راضيه عن تطور وتقدم أداء الجيش المصري، وتسعى لوقف ذلك التقدم لصالح قوى إقليمية أخرى.

وكان آخر التقارير المغلوطة لتلك المنظمة يستهدف زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا، وفيه مطالبة للجانب الفرنسي بوقف تسليح مصر، وهو ما رفضه الجانب الفرنسي الذي أكد أن التعاون مع مصر لمكافحة الإرهاب لن يتوقف، وأن حل أي خلاف حول حقوق الإنسان يأتي بالحوار والنقاش، مشيرا إلى انفتاح القاهرة على الحوار وعلاج أي قصور يظهر في ذلك الملف.

الملفت للنظر كان ذلك الاحتفاء الكبير الذي أولاه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، بتقرير هيومان رايتس ووتش الذي يطالب بوقف تسليح مصر، وكذلك قيام منصاتهم الإعلامية بنشر تصريحات المدير التنفيذي للمنظمة “كينيث روث” المسيئة للأوضاع الحقوقية في مصر، خاصة وأن تلك التصريحات، تأتي في سياق اتجاه هيومان رايتس ووتش لدعم جماعة الإخوان.

لهذا نجد أن منظمة هيومان رايتس ووتش جاءت على رأس قائمة عدد من المنظمات الدولية التي تُتهم بتسييس مبادئ حقوق الإنسان، وهو ما أفقدها جزء كبير من النزاهة والحيادية، وأصبح التشكك فيما تعرضه من معلومات عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر محل بحث ونقاش؛ بسبب ما تضمنته تقاريرها من معلومات مغلوطة، وهو ما أكد حالة التربص والترصد من جانب تلك المنظمة تجاه الدولة المصرية، وهو ما دفع كثيرًا من الفاعلين السياسيين في مصر إلى اتهامها بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، وتلقي تمويلات مشبوهة من جانب دول على عداء مع مصر. وهو ما لم ترد عليه المنظمة. تقارير المنظمة المسيسة ضد مصر تكشف منهجية تعامل المنظمة الأمريكية معها، فهي تمارس دور القاضي والجلاد، تتحدث عن انتهاكات حقوق إنسان بطريقة غير مهنية حتى تشوه الوضع في مصر أمام الغرب، ثم تطالب الغرب بعدم تسليح مصر حتى تضعف قوتها في مواجهة التنظيمات الإرهابية.  وكلما زاد ضعف الدولة أصبح هناك مجال لفرض تنازلات عليها يأتي في مقدمتها عودة التنظيم للعمل داخل مصر ووقف ملاحقتهم قضائيًا، وبذلك تحقق المنظمة الهدف الإخواني من تحويل حقوق الإنسان إلى أداة للضغط على الدولة، وتوفير غطاء حقوقي للع

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى