
المجلس الروسي للشؤون الخارجية: ملفات مُهمة على أجندة موسكو الخارجية عام 2021
عرض- أحمد السيد
كتب ” أندري كورتونوف”، أستاذ التاريخ، ومدير المجلس الروسي للشؤون الخارجية، مقالاً على موقع “المجلس الروسي للشؤون الدولية“، يتناول فيه عددًا من الملفات المهمة ، والتي يتعين على الدولة الروسية، وقيادتها وأجهزتها المعنية العمل على إيجاد حلول لها خلال العام 2021.
من هذا المنطلق أوضح الكاتب، أنه ليس من قبِيل التنجيم التوقع بأن العام الحالي “2021” سيكون عامًا صعبًا على كل بلدان العالم، ربُما لن تكون تلك الصعوبات دراماتيكية بشكل كبير كتلك التي شهدها العالم عام 2020. لكن في كل الأحوال يبدو أن العالم أمام أوقات عصيبة أخرى.
في هذا السياق، يحاول الخبراء في جميع أنحاء العالم، رصد المخاطر والتحديات التي ستواجه البشرية ككل، أو تلك التي ستواجه الدول بشكل فردي.
وفي ظل تلك التعقيدات، والضباب الذي يوح في الأفق – فإن روسيا – ليست استثناءًا من هذه التحديات وتلك الصعوبات، كما أن فكرة الدولة وكأنها “جزيرة مُستقرة أو مُنعزلة” عن العالم، هي فكرة عَفى عليها الزمن، في ظل التغير الهائل الذي يشهده عالم اليوم؛ وحتى تتخطى الدولة الروسية التحديات والأخطار، فإن ذلك سيتطلب استجابة سريعة واستراتيجية مرنة من القيادة الروسية.
من هذا المنطلق، يضع الكاتب “روشتة عِلاج” للسلطات الروسية، بأن تولي اهتماما أكبر للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، تفاديًا لتلك المخاطر، ومع ذلك، يضيف أن السياسة الخارجية الروسية ستواجه نصيبها من التجارب والمحن خلال هذا العام.
وفي هذه الورقة، يحاول الكاتب صياغة للمهام التي يُمكن للسياسة الخارجية الروسية المُضي قِدمًا فيها، والتي إذا ما تمت معالجتها بشكل مناسب، فإن ذلك سيعني نجاح السياسة الخارجية للبلاد في هذا العام.
اعتمد الكاتب –الواقعية- في رصده لأهم ملفات السياسة الخارجية، مُبينًاً بألا يجب أن يتم تحديد سياسة خارجية غير واقعية كالحديث عن (إعادة ضبط جديدة في العلاقات مع الغرب، أو حل القضية الإقليمية مع اليابان، أو السعي لكسب انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي).
يوضح الكاتب انه يتناول الحديث عن السياسة الخارجية ككل، وليس فقط الدبلوماسية، مما يعني أن وزارة الخارجية لا ينبغي لها أن تتحمل وحدها المسؤولية عن الملفات والقضايا التي سيتم الحديث عنها في السطور التالية، بل هناك كيانات ووزارات أخرى، منها على سبيل المثال: وزارة الدفاع، وزارة التنمية الاقتصادية، وزارة المالية ووزارة الصناعة والتجارة، ناهيك عن المكتب التنفيذي لرئيس الجمهورية الروسية، كل تلك الوزارات سيكون لها الدور المنوط بها للقيام به.
كما يُمكن إشراك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء والأكاديميين. في هذه السياسات، بعبارة أخرى، يُمكن القول إن الكاتب يسعى لصياغة عدد من الأولويات الوطنية للسياسة الروسية تقوم على بذل الجهود والمساعي الحثيثة من قِبل العديد من الوزارات والمؤسسات وليس الاعتماد على عامل أو كيان مُنفرد. وجاءت أبرز الملفات التي تناولها الكاتب في الاتي:
- تمديد معاهدة نيو ستارت “New START“: بدون هذه المعاهدة، ستنهار السيطرة الثنائية على الأسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وفي هذا السياق، أوضح الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن”، أنه مُستعد بالفعل لتمديد المعاهدة دون شروط إضافية. ومع ذلك، لم يتبقى سوى القليل من الوقت للقيام بذلك، فسريان اَمد المعاهدة سينتهي في أوائل فبراير 2021، وبالتالي سيتعين على الأطراف الاتفاق على تمديدها في غضون أسبوعين من تولي الإدارة الديمقراطية مقاليد السلطة.
- وقف نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا: على الرغم من أنه لم يعد من الممكن إحياء معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، إلا أنه من الواقعي تمامًا السعي إلى الامتثال الفعلي لشروطها وأحكامها من جانب روسيا والغرب. لا سيما بالنظر إلى استعداد موسكو لتوسيع المعاهدة لتشمل أنظمة صواريخ (9М729) المتنازع عليها، بشرط أن يأخذ الغرب في الاعتبار مخاوف روسيا بشأن أنظمة “إيجيس آشورالمضاد للصواريخ “(Aegis Ashore)، {وهو نظام امني ضد الصواريخ الباليستية وهو جزء من مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي}، مع أنظمة “الإطلاق العمودي مارك 14” (Mark 14) المنتشرة في قواعد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوروبا.
- قمة P5: في أوائل عام 2020، اقترحت روسيا أن يعقد الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعاً. لمناقشة العديد من القضايا، لكن هذا الاجتماع لم ينعقد حتى الوقت الراهن، رغم ذلك لا يزال الاقتراح وثيق الصلة بالموضوع. يمكن أن تتناول المناقشات في الاجتماع المبادئ الجديدة للاستقرار الاستراتيجي، وكذلك الصراعات الإقليمية التي تتطلب تدخل مجلس الأمن. جدير بالذكر إن التوصل إلى نتيجة ناجحة لهذا الاجتماع، من شأنه أن يعطي دفعة كبيرة لمزيد من الجهود لتحسين النظام العالمي.
- إحياء البعد العسكري لنشاطات مجلس حلف شمال الأطلسي وروسيا: في أبريل 2014، علق الناتو التعاون العسكري مع روسيا، والذي استلزم، من بين أمور أخرى، تجميد الحوار بين جيوشهم. ومع ذلك، أشار العديد من منتقدي هذا القرار، أن تعليق التعاون لا يعني بالضرورة قطع الاتصالات بشكل تام. ويبدو أن شروط إعادة إطلاق الاتصالات المنتظمة تدريجياً بين جيشي الجانبين من خلال المجلس قد ظهرت مؤخرًا في الغرب، وإذا ما تم إحياء ذلك، فإن ذلك سُيسهم مُساهمة كبيرة في نشر الأمن بأوروبا.
- مشاركة روسيا في تنفيذ “الاتفاقية الخضراء” التي أبرمها الاتحاد الأوروبي: يمكن أن يمثل عام 2021 انفراجًا في التعاون بين موسكو وبروكسل في مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بتغير المناخ وحماية البيئة. في معظم الحالات، لا تغطي عقوبات الاتحاد الأوروبي الحالية ضد موسكو المشاريع المشتركة في مجال الحفاظ على الطاقة وتطوير مصادر الطاقة البديلة وإعادة تدوير النفايات. من هذا المنطلق يُمكن أن تكون المشاريع المتضمنة في اتفاقية “الصفقة الخضراء” بمثابة محركات جديدة للتفاعل بين روسيا وأوروبا.
- الانتقال السياسي في بيلاروسيا: إن أي تغيير للنظام السياسي في بيلاروسيا هو بالطبع مسألة تخص الشعب البيلاروسي. ومع ذلك، يمكن للموقف الروسي أن يبطئ أو يُسرع التغيير السياسي الذي طال انتظاره. لكن سيكون من مصلحة موسكو أن تترك الشأن الداخلي لمواطني بيلاروس، يحددون مصيرهم ومستقبلهم، بحيث يصبح عام 2021 عامًا فاصلاً في تطور دولتهم. حيث إن الاستمرار في دعم الوضع الراهن، محفوف بمخاطر سياسية جسيمة بالنسبة لروسيا، وهو الأمر الذي يجب عليها تفاديه.
- منع التصعيد في دونباس: لسوء الحظ، لم يتم إحراز تقدم يذكر في تسوية النزاع في شرق أوكرانيا في عام 2020. ومن غير المحتمل أن يتغير الوضع في عام 2021. ولهذا من الضروري المحافظة على ما تم تحقيقه حتى الآن، أي استقرار خط التواصل بين قوى جمهورية لوغانسك الشعبية والجيش الأوكراني، مع الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، واستمرار عمليات تبادل أسرى الحرب والمعتقلين.
- منع اشتباكات مسلحة جديدة في إقليم “ناغورنو-كاراباخ”: يمكن أن يُنسب الفضل لروسيا في سعيها لوقف الأعمال العدائية العسكرية في “ناغورنو كاراباخ”، وفقًا لتوصلها لقرار بوقف إطلاق النار بين الجانبين ف نوفمبر 2020. ومع ذلك، فإن احتمالات الصراع في المنطقة لا تزال مرتفعة، ولم يتم تحديد وضع ناغورنو كاراباخ، وقد يعرب الأطراف في ذلك النزاع عن عدم رضاهم واستيائهم من موسكو. ولهذا يجب اتخاذ أولى الخطوات نحو إيجاد تسوية سياسية للنزاع في عام 2021، ويجب أن تترأس روسيا تلك العملية وأن تلعب دور المُيسر الخارجي.
- توسيع جدول أعمال مجلس القطب الشمالي: في عام 2021، ستتولى روسيا رئاسة مجلس القطب الشمالي لمدة عامين. وهذه فرصة جيدة، لمنع المنظمة من الانجرار إلى مواجهة سياسية عالمية بين الشرق والغرب، وأيضًا لتوسيع جدول أعمال المجلس فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة القطب الشمالي، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين الذين يعيشون في تلك المنطقة.
- استكمال مشروع “نورد ستريم-2″: إذا ما تم تنفيذ مشروع خط الغاز نورد ستريم-2، في عام 2021، وهو المشروع الذي تخللته العديد من الصعوبات اثناء تنفيذه؛ سيعني ذلك انتصارًا سياسيًا خارجيًا كبيرًا لروسيا ويظهر قدرة الاتحاد الأوروبي على مواجهة تهديد العقوبات الأمريكية بنجاح. كما أنه سيفتح فرصًا جديدة لتطوير التعاون الاقتصادي بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
- الحفاظ على اّلية “أوبك بلس”: بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساعدت آلية “أوبك بلس” الأسواق الدولية على تجاوز الانهيار في أسعار النفط العالمية في عام 2020. من هذا المُنطلق يُشكل استمرار التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية في عام 2020، أمر بالغ الأهمية للحفاظ على استقرار سوق النفط نسبيًا عند حوالي 50 دولار الأمريكي للبرميل، وهذا السعر هو الأنسب بالنسبة لقطاع الطاقة الروسي.
- تنويع التعاون الاقتصادي مع الصين: في عام 2020، نجحت روسيا في تجنب حدوث انخفاض حاد في تجارتها مع الصين. ومع ذلك، لا يزال الهيكل التجاري قديمًا إلى حد كبير ويحتاج إلى مزيد من التنويع. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتضمن عام 2021 هدفًا مهمًا يتمثل في إنشاء سلاسل تكنولوجية جديدة وتنفيذ مشاريع استثمارية كبيرة بين الجانبين، بما يُحقق مزيد من الشراكة بين موسكو وبكين.
- إطلاق إصلاحات اقتصادية وسياسية في سوريا: من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا في عام 2021. وهذه الانتخابات سترسم صورة التنمية في هذه الدولة على مدار السنوات السبع الماضية. وبعد الانتخابات، ستتاح لروسيا الفرصة لتؤثر بشكل أكثر فاعلية على دمشق بالنسبة لتحسين فعالية الاقتصاد السوري، وتشكيل نظام سياسي قائم على مشاركة أكبر، مع تكثيف نشاطات اللجنة الدستورية السورية.
- تجنب حدوث أزمة في العلاقات الروسية التركية: تظل أنقرة شريكًا مهمًا لموسكو. إلا أن مواقف الطرفين تباعدت بشكل كبير حول العديد من القضايا المهمة، منها سوريا وليبيا وشرق المتوسط وناغورنو كاراباخ والقرم وغيرها. والنجاح في هذا المجال بالنسبة لموسكو يعتمد على منع التصعيد بالنسبة للعلاقات مع تركيا، مع تجنب تقديم تنازلات كبيرة للقيادة التركية في الوقت ذاته.
وفي الأخير، أوضح الكاتب، أن هذه القائمة لا تشمل كل الملفات، إذ ربُما هناك العديد من القضايا الأخرى التي تطرح نفسها خلال العام الجاري، ويشمل ذلك التغيرات غير المتوقعة في الأوضاع الدولية والتي يجب على موسكو أن تستجيب لها بشكل أو بآخر.
وأضاف، بأنه ربما يكون من الصعوبة تنفيذ كل تلك المهام التي تم ذكرها هذه القائمة، كما قد يرى البعض أن هذه القائمة غير موضوعية ويعتريها النقص في عدم إلمامها بموضوعات أخرى، لكنه بيَّن إنه في حال تحقيق نصف هذه المهام التي تم ذِكرها، فعندها يُمكن توقع أن تشهد الأشهر الـ 12 القادمة نجاحات ملموسة للسياسة الخارجية الروسية.