الأمريكتانسياسة

المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر 2021.. ما بين حقائق السياسة وأكاذيب الإعلام الدولي

بدأت مصر في تلقي المساعدات الأمريكية عام 1946، وقد زادت ونقصت بل وعُلقت تلك المساعدات في بعض السنوات، وذلك على ضوء صعود وهبوط العلاقات المصرية الأمريكية، إلى أن تم ضبط تلك المساعدات باتفاق دبلوماسي عقب انحياز الرئيس الراحل محمد أنور السادات للكتلة الغربية على حساب الكتلة الشرقية في سنوات الحرب الباردة وإيمان الرئيس الراحل بأن سنوات الاتحاد السوفيتي أصبحت معدودة ويجب اللحاق بالفريق الرابح وليس الخاسر فيما تصفه بعض الأدبيات السياسية بالحرب العالمية الثالثة في الإشارة إلى أربع عقود من الحرب الباردة وبالوكالة حول العالم بين موسكو وواشنطن.

وفى السنوات الأخيرة وصلت المساعدات الأمريكية الى مليار و425 مليون دولار سنويًا، ويطلق عليها مصطلح “مساعدات” وليس “معونات”، وتنقسم إلى 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، وباقي المبلغ مساعدات اقتصادية تدخل في أنشطة الحكومة التي يديرها مجلس الوزراء المصري.

ولكن الكونجرس الأمريكي قرر في مناقشة ميزانية عام 2021، أن يتم حجب 300 مليون دولار من المساعدات، مقسمة إلى 225 مليون من المساعدات العسكرية و75 مليون من المساعدات الاقتصادية، ما يعني 5.2 % من مجمل المساعدات الأمريكية السنوية لمصر.

وبحسب النص الصادر، فإن عودة المبلغ المقتطع من المساعدات مرهون بما أسماه الكونجرس الأمريكي “اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات لتعزيز سيادة القانون، والمؤسسات الديمقراطية، وحقوق الإنسان متضمنة حماية الأقليات الدينية وحقوق النساء، فضلًا عن تنفيذ إصلاحات لحماية حرية التعبير والتنظيم والتجمع السلمي، بما في ذلك تمكين منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام من العمل دون تدخل، ومحاسبة قوات الأمن في حال وجود مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان، والتحقيق في وقائع القتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري”.

ويحمل النص الأمريكي تناقضًا صارخًا مع ما أنجزته الدولة المصرية ومؤسساتها في ملف حقوق المرأة، كما أن مصطلح “أقليات دينية” هو مصطلح مرفوض رسميًا وشعبيًا حيال المصريين أبناء الطوائف المسيحية المختلفة، إذ عادة ما يشار إليهم باعتبارهم “مصريين مسيحيين” ومصريين أقباط” دون الإشارة إليهم باعتبارهم أقلية دينية.

وفى هذه الإشارة هنالك تجاهل صارخ لملف تمكين بعض الشخصيات المصرية المسيحية سياسيًا، ما بين كتلة هي الأكبر في تاريخ البرلمان المصري في مجلسي النواب والشيوخ، وتولي أول مسيحي لمنصب المحافظ وأول مسيحية للمنصب ذاته، ووجود ثلاثة محافظين مسيحيين في أقل من عامين، وإقرار قانون بناء الكنائس وتقنين أوضاع مئات الكنائس المصرية وافتتاح كاتدرائية السيد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة جنبًا الى جنب مع مسجد الفتاح العليم في أولى خطوات تشييد العاصمة الجديدة.

وكانت المساعدات الأمريكية قد شهدت ازدهارًا في سنوات الرؤساء “جيمي كارتر ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وبيل كلنتون”، ولكن مع حلول إدارة جورج بوش الابن في يناير 2001 وبدء التوتر في العلاقات المصرية الأمريكية، بدأت واشنطن تلوح صراحة بإلغاء المساعدات بشكل كامل أو تقليصها، ولكن التطبيق الفعلي لهذا التقليص قد بدأ على يد إدارة باراك أوباما عام 2014 عقب ثورة 30 يونيو 2013 في معاقبة صريحة للشعب والدولة المصرية على مخالفة الكتالوج الأمريكي للربيع العربي والثورة على حكم تنظيم الإخوان الذى كان يحظى بدعم غربي لتنفيذ الأجندة الغربية في الشرق الأوسط.

ومع مجيء إدارة دونالد ترامب في يناير 2017، استطاع الأخير أن يحرر المساعدات الأمريكية لمصر من دوائر الدولة العميقة الأمريكية، وبحلول يوليو 2018 حصدت القاهرة على المساعدات الامريكية كاملة أعوام 2018 و2019 و2020.

ولكن هذا التعليق المفاجئ لـ 300 مليون دولار، واكبه تعليق من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي من المقرر أن يغادر البيت الأبيض في 20 يناير 2021، حيث قال ترامب إن سبب تعليق المساعدات العسكرية هو أن “الجيش المصري يحصل على تلك المساعدات ويشترى بها سلاحًا روسيًا”.

إن تصريح ترامب يكشف بجلاء حقيقة متعارف عليها في السياسة الأمريكية، وهي أن الرئيس المنتهية ولايته عادة ما يمتلك نفوذًا رمزيًا على مناقشة ميزانية العام الجديد الذي لن يكون فيه رئيسًا، وكذلك الكونجرس المنتهية ولايته والذي من المقرر أن يسلم السلطة التشريعية لكونجرس جديد في الأسبوع الأول من يناير 2021.

وبالتالي فإن تعليق 300 مليون دولار من المساعدات الأمريكية قد تكون أولى خطوات إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن حيال ملف العلاقات المشتركة بين القاهرة وواشنطن، أما تصريح ترامب فهو لا يعني عدم قدرته على التأثير على مناقشات الكونجرس ومحاولته حفظ ماء وجهه فحسب، ولكن يعني أيضًا عدم إلمامه بتفاصيل المساعدة العسكرية الأمريكية للقاهرة، إذ تذهب المعونة العسكرية إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ومنه إلى صندوق ائتماني في وزارة الخزانة، وأخيرًا للشركات الأمريكية التي ترسل السلاح إلى مصر، وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية المصرية لا تتلقى المال من الولايات المتحدة الأمريكية حتى تمتلك القدرة على شراء سلاح آخر من روسيا او الصين أو غيرها.

كما أن الرئيس الأمريكي لم يكتشف فجأة في ديسمبر 2020 أن مصر تشتري سلاح من روسيا، فهو أمر يحدث منذ منتصف خمسينات القرن العشرين وتوقف ما بين عامي 1975 و2005 قبل أن يعود بقوة في سنوات الرئيس السيسي، كما أن ترامب عاصر صفقات السلاح الروسية لمصر حينما كان في البيت الأبيض أعوام 2017 و2018 و2019 وحتى عام 2020 دون أن يوجه كلمة بهذا الصدد سواء بشكل رسمي أو حتى في لقاءاته السنوية المكثفة مع الرئيس السيسي.

قد يبدو للبعض وفقًا للمعطيات الحالية أن بايدن سوف يعود الى نهج أوباما في تعليق المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر طالما لا يوجد وفاق سياسي بين البلدين، وهو الأمر الذي كان قد بدده ترامب في سنواته الأربع وخلق مساحات مشتركة بين البلدين على ضوء صعود الدور الدولي والإقليمي المصري. 

لكن من المؤكد أن إدارة بايدن ستسعى إلى صناعة أكثر من “بالونه اختبار” للعلاقات المصرية الأمريكية في أشهر ولايته الأولى لفهم ودراسة ردة الفعل المصرية وإنتاج الأسلوب الأمثل للتعامل الأمريكي مع حقيقة أن مصر هي أهم وآخر قوة إقليمية باقية في الشرق الأوسط على ضوء تفكيك دويلات الربيع العربي وتآكل تركيا وإيران على يد الإسلام السياسي.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى