
أي مٌستقبل ينتظر منظمة “شنغهاي للتعاون” في ضوء الخلافات بين أعضائها؟ (2-2)
في التنظيم الدولى، لا تتشكل المنظمات الدولية مُتعددة الأطراف من تِلقاء نفسها، بل تتاَلف من عدد من المشاركين، تجمعهم رؤى مُشتركة، وأهداف يسعون لبلوغها وتحقيقها، ويتحدد مدى نجاح أو فشل هذه المنظمة وهذا التنظيم من خلال التوافق بين أهداف ورؤى هؤلاء المشاركين، وإلى أي مدى يُمكنهم الاستعداد لتحقيق هذه الأهداف؟ وكيفية التفاعل فيما بينهم؟ إلى أخره من المسائل المُشتركة.
تناولنا في الجزء الأول من هذا الموضوع نشأة منظمة “شنغهاي للتعاون”، والأسس التي قامت عليها، والأهداف التي سعى أعضاء المنظمة لتحقيقها، فضلاً عن أهميتها الجيوستراتيجية ومكانتها الإقليمية والدولية.
وفي هذا الجزء سنفرد لأبرز التحديات والصراعات الأخيرة بين عدد من أعضاء المنظمة، وخاصة الخلافات الأخيرة بين الهند وباكستان، والخلافات الحدودية بين الصين والهند، لمحاولة التوصل إلى معرفة أي مدى يُمكن أن تقود هذه الخلافات إلى إحداث شلل في سير عمل المنظمة؟ وهل يُمكن التغلب على هذه الخلافات من أجل مُستقبل أفضل لجميع الأعضاء داخل المنظمة؟. هذا ما سنحاول التطرق إليه في السطور القادمة.
جدل بشأن انضمام الهند وباكستان لمنظمة شنغهاي للتعاون
عندما تم قبول الهند وباكستان في منظمة “شنغهاي للتعاون” عام 2017، انقسم الخبراء والسياسيون إلى معسكرين ما بين متفائل ومتشائم، توقع المتشائمون أن قبول نيودلهي وإسلام اَباد في المنظمة هو إيذان بنهايتها، وساورهم التخوف من أن يتم جلب الصراع الدائر بين الهند وباكستان إلى المنظمة، مما يشل عملها بشكل تام. بينما على العكس من ذلك، رأى المتفائلون، إنه بدون الهند وباكستان، لا يمكن بناء نظام أمني مُستقر بشكل كامل في أوراسيا، لذلك رفضوا فكرة طرح سؤال حول قبولهم من عدمه، وقالوا بأحقية قبولهما في المنظمة تماشيًا مع روح المنظمة النابع من التعاون والتفاهم المتبادل بين الأعضاء، وأضافوا إذا ما تم قبول هاتين الدولتين للمنظمة فإنهم سيقرورن وضع خلافاتهما جانبًا، والمساعدة مع الأعضاء الأخرين في بناء أوراسيا مزدهرة وهادئة. وأمام هذين الرأيين تم قبول الدولتين في المنظمة وأصبح كلاهما عضوًا فيها.
يذكر أنه وقبل إنضمام هاتين الدولتين إلى المنظمة بشكل رسمي، فقد حققًّت المنظمة نجاحات واسعة فيما يتعلق بالهدف الرئيسي الذي نشأت من أجله وهو مكافحة الإرهاب، لكن، وفي الوقت الحالي فقد تراجع هذا النجاح بصورة ملحوظة، إن لم يكن توقف عمليَا.
ففي البداية كان هناك تعاون فعًّال بين جميع الأطراف المعنية داخل الهيكل التنظيمي للمنظمة، وكان يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية في هذا الشأن، لكن الآن يرى البعض أن هذا الهيكل أصابه الشلل بشكل كبير، فوفقًا للقواعد التنظيمية والأسس التي قامت عليها المنظمة؛ فإنها نصًّت على أن تتعاون الدول الأعضاء في تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية لمكافحة الإرهاب، لكنًّ الجانبين الهندي والباكستاني يرفضان تبادل المعلومات، وهذا يُصعب بشكل كبير من جهود مكافحة الإرهاب، الأكثر من ذلك أن القوات الهندية والباكستانية لا يكفان عن تبادل القصف المدفعي بشكل شهري تقريبًا على طول خط السيطرة في كشمير.
فضلاً عن ذلك يقوم جهاز الاستخبارات الباكستاني (the Pakistani Inter-Services Intelligence) (ISI) بتدريب وإدخال مسلحين في كشمير لمهاجمة الجنود وضباط الشرطة الهنود وتفجير المكاتب الحكومية وإطلاق النار على الموالين للحكومة الهندية.
في السياق ذاته، يزعم الجانب الباكستاني، أن العديد من الأزرع الأمنية داخل أجهزة المخابرات الهندية، وأبرزها جناح البحث والتحليل (the Research & Analytic Wing) (R&AW)، يقومون بأنشطة تخريبية في “بلوشستان” الباكستانية، ويزودون المتمردين “البلوش” بالأسلحة والمعدات والمعلومات، لمواصلة حرب العصابات ضد القوات الباكستانية.
كذلك يحدث، في الوقت الذي يتعين فيه على أجهزة مخابرات كلا البلدين تبادل المعلومات لاستئصال الورم الإرهابي، لكن يبدو من الواضح أن الدعم والتعاون المخابراتي يكون فقط في قضايا ثانوية، بينما حالة عدم الثقة اَخذة في الازدياد فيما يتعلق بالقضايا الأمنية ذات الطبيعة الحساسة.
بشكل عام، يُمكن القول أن الأوضاع قد ساءت بشكل كبير داخل منظمة شنغهاي للتعاون، ووضح ذلك بشكل كبير، عندما تم قبول الصين والهند لعضوية المنظمة.
خلافات وتحديات أخرى
لم تثر الخلافات بين الهند وباكستان فقط، بل امتدت الخلافات أيضًا بين الصين والهند، ففي عام 2018، وبعد زيارة رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، إلى مدينة “ووهان” الصينية، ولقاءه بالرئيس الصيني “شي جين بينغ”، بدأت وسائل الإعلام الهندية تتحدث عن ما أسمته “روح ووهان”، في خطوة رأتها وسائل الإعلام بمثابة تعزيز للثقة في العلاقات الثنائية بين نيودلهي وبكين. تعززت تلك الثقة عندما قام الرئيس الصيني “شي جين بينغ” برد الزيارة وقام بزيارة مدينة “ماهاباليبورام” (Mahabalipuram) الهندية، وبعدها ببضعة أشهر، أعلن وزير الخارجية الهندي “سوبراهمانيام جايشانكار”، أن الهند تخطط لحل مشكلة الحدود طويلة الأمد مع الصين في المستقبل القريب من أجل المنفعة المتبادلة بين البلدين.
لكن لم تستمر هذه الثقة بين الجانبين سوى بضعة، ويبدو أن “روح ووهان” قد تبًّخرت، عندما وقعت اشتباكات بين الطرفين الهندي والصيني، على خط الحدود الفاصل بينهما في “لاداخ” قُتل فيها عشرات الأشخاص من الجانبين.
جدير بالذكر أن كلا الطرفان، لا يريد مزيد من المواجهة مع الطرف الأخر، إذ يخشى النظام الحاكم في الهند من أن تؤثر هذه الاشتباكات على استقراره، وفي الجانب الأخر لا تريد الصين فتح جبهة جنوبية، ستُكلفها موارد وقوات إضافية، وربما تدفعها لتحويل جزء من قواتها ومواردها عن مسرح المحيط الهادئ – الذي يُمثل أولوية قصوى لها – وهذا ما لا تريده بكين في الوقت الحالي.
هل تؤثر هذه الخلافات على عمل منظمة شنغهاي للتعاون؟

من حيث المبدأ، يُمكن القول إن الوضع غير حرج بشكل كبير. وبالعودة إلى السابق، وعندما كانت المنظمة في طور التكوين، كانت هناك نزاعات إقليمية بين الصين من جهة وطاجيكستان وروسيا من جهة أخرى، وقد تم التوصل إلى حل هذه الخلافات بعد بضع سنين من تشكيل المنظمة. أيضًا، وحتى الوقت الراهن لم يتم بعد ترسيم الحدود بشكل كامل بين قيرغيستان وأوزباكستان؛ ولا تزال بين الحين والأخر تجري اشتباكات ومناوشات بين الجانبين. هذه الأمثلة تُعني أن منظمة شنغهاي للتعاون، من حيث المبدأ، قد تمكنت من العمل بنجاح على الرغم من الظروف التي تستمر فيها النزاعات الإقليمية بين أعضائها.
لكن المشلة – وخاصة بين الهند وباكستان – تكمن في أن كلاهما انضم إلى المنظمة بأهداف مختلفة للغاية. فلا يكاد أي شخص في نيودلهي وإسلام أباد يعتقد بجدية أن الهند، بعد انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ستطرد “البلوش” الانفصاليين أو أن باكستان ستتوقف عن دعم المسلحين الكشميريين.
وكلا البلدان، كانا له أهداف مُحددة من انضمامه لمعاهدة شنغهاي للتعاون، فمن ناحية أرادت باكستان رفع مكانتها وعدم التخلف عن الركب في عمليات التفاوض بشأن مستقبل أوراسيا، ومن الناحية الأخرى، أرادت الهند إيجاد منصة أخرى لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية، حيث يمكنها معارضة الصين. ويثير هذا الاختلاف في الأهداف تساؤلات حول مستقبل منظمة شنغهاي للتعاون.
سيناريوهات مُستقبلية
في خِضم المشكلات والتحديات الراهنة التي تواجه منظمة شنغهاي للتعاون وخاصة التحديات التي ذكرناها بين الهند وباكستان من جانب، والصين والهند من جانب أخر، يُمكن توقع عدد من السيناريوهات التي يُمكن أن تحدث في المستقبل القريب، وهي:
- السيناريو الأول: “تفاؤلي”، يفترض أن الصين والهند قد تتوصلان إلى تفاهم مُشترك فيما يتعلق بقضية الحدود بينهما، أو تُعيدان الأمور لما كانت عليه، أو قد يجدان طريقة أخرى للتاكد من أن مشكلة الحدود لا تتعارض مع تنمية العلاقات بينهما (على سبيل المثال، تحويل المنطقة المتنازع عليها إلى منطقة محايدة). وبالمثل قد يتم حل التناقضات بين الهند وباكستان أو التخفيف من حدتها بهذه الطريقة. وهذا هو السيناريو المثالي والتفاؤلي والذي من شأنه أن يُعطي دفعة جديدة لعمل المنظمة، ويزيد بشكل كبير من أهميتها كمنظمة إقليمية. لكن من غير المرجح أن يتم تنفيذه بالكامل في المستقبل المنظور: فإذا كانت الهند مستعدة من حيث المبدأ للتفاوض مع الصين، فإن نيودلهي لا تعتبر حتى أنه من الضروري الدخول في حوار هادف مع باكستان في المستقبل القريب. ففي السنوات الأخيرة، عملت الهند بشكل منهجي على بناء علاقات اقتصادية وسياسية تتجاوز باكستان، وبالتالي يُستبعد أن تتوصل لتفاهم مع باكستان في الوقت الراهن، لكن حتى لو تم التوصل ولو بشكل جزئي لصيغة تفاهم مُشنتركة مع باكستان، فسيكون ذلك جيدً على أي حال.
- السيناريو الثاني: يفترض أن المنظمة ستتجاهل الخلافات بين أعضائها، ولن تعتبر أيًا من هذه الخلافات بمثابة تحديات على الإطلاق، وستثتمر العمل في المجالات التي لن يكون فيها تعارض بين الهند من جهة والصين وباكستان من جهة أخرى، وتترك المسائل الخلافية بعيدًا عن أجندتها. على سبيل المثال، فيما يتعلق بمجال مكافحة الإرهاب، سيتم نقله إلى المستوى الثنائي، لكنًّ ذلك سيترتب عليه تضييق قُدرات المنظمة بشكل كبير في المستقبل القريب، وسيُقلل من دورها بشكل كبير، وربما يُسهم ذلك في تحولها إلى منظمة غير فعًّالة مثل العديد من المنظمات الأخرى.
- السيناريو الثالث: أن تنقسم منظمة شنغهاي إلى منظمتين، واحدة يُمكن أن نطلق عليها –منظمة شنغهاي للتعاون الموسع – حيث يتفاعل جميع المشاركين من الدول الأعضاء في القضايا التي لا تُسبب أي تناقضات أو حساسية بين أعضائها. والأخرى يُمكن أن نطلق عليه –منظمة شنغهاي للتعاون – باَليات بديلة للتفاعل، يتم خلالها إجراء حوار حول الموضوعات ذات الطبيعة الحرجة كتلك التي بين الهند وباكستان، أو الهند والصين. وهنا ستفتقد المنظمة لروح التعاون والتفاعل والمُشاركة التي نشأت بالأساس من أجلها.
- السيناريو الرابع: “تشاؤمي”، وهو توقع انهيار وحل منظمة شنغهاي، لكن إذا انهار هذا التنظيم، فسيكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة لجميع الدول، إذ لا يوجد بديل لهذا التنظيم في الفضاء الأوراسي حتى الأن، كما لا يوجد أي بديل يُمكن التعويل عليه في المستقبل القريب.
المصادر:
- Alexei Kupriyanov, “The SCO and the Conflict between India and Pakistan”, (Valdai Club, 08.12.2020): https://valdaiclub.com/a/highlights/the-sco-and-the-conflict-between-india-and-pakistan/
“الجزء الأول”
أي مُستقبل ينتظر منظمة شنغهاي للتعاون في ضوء الصراعات بين أعضائها (1-2)
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية