دول الخليج العربي

وثيقة الكويت.. الهدف وسياقات طرحها وانقسام الآراء حولها

سلّم النائبان السابقان في البرلمان الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي والدكتور عبيد الوسمي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، وثيقة سياسية لنائب أمير دولة الكويت وولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح، أُطلق عليها اسم “وثيقة الكويت”.

وغرد النفيسي والرسمي عبر حسابيهما في موقع “توتير” قائلين: “خرجنا قبل قليل من لقاء سمو نائب الأمير حيث سلمنا له شخصيًا “وثيقة الكويت” التي راعينا أن تعرض عليه قبل عرضها على الرأي العام تقديراً لمكانته ورغبة في أخذ ملاحظاته بما تضمنته من تصور بشأن الإجراءات الخمس اللازمة والعاجلة وآليات تنفيذها، متمنين لسموه التوفيق وللكويت الأمن والرخاء”.

وقد أثارت “وثيقة الكويت” جدلاً حول مضمونها ودلالات طرحها في هذا التوقيت، وهو ما يدعونا لفهم السياق الذي طٌرحت فيه هذه الوثيقة، ودلالات هذه الوثيقة، ومعرفة ردود الأفعال حولها. 

السياق الذي طٌرحت فيه “وثيقة الكويت”

قد تم طرح الوثيقة في ظل حالة من القلق في الكويت بسبب تضافر عوامل صحيّة وسياسية واقتصادية أشاعت حالة من عدم اليقين، ويمكن توضيح تلك العوامل على النحو التالي:

عوامل صحية

أعلن الديوان الأميري في الكويت، في الثالث والعشرين من يوليو 2020، وصول أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى الولايات المتحدة بهدف استكمال علاجه. وقال الديوان في بيان أوردته وكالة الأنباء الكويتية ” كونا”، إن الشيخ صباح وصل إلى الولايات المتحدة وإنه “بحالة صحية مستقرة” وذلك لاستكمال العلاج.

وصدر أمر أميري يسمح بالاستعانة بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، مؤقتًا، بهدف ممارسة بعض اختصاصات أمير الكويت الدستورية، على خلفية توجه أمير البلاد إلى المستشفى لإجراء فحوصات طبية.

وينتاب الكويت هذه الأيام قلق كبير، رغم التطمينات بأن صحة الأمير تتحسن، فقد صرح الشيخ صباح الخالد الصباح، في التاسع من سبتمبر الحالي بأن “آخر تقرير من الفريق الطبي الكويتي المرافق لصاحب السمو: الحمد لله صحة سموه مستقرة وفي تحسُّن، وندعو الله العلي القدير أن يمنَّ عليه بالشفاء العاجل وعودته إلى أهله وبلده في أقرب وقت”. 

عوامل سياسية

تشهد الساحة السياسية الكويتية، حالة التوتّر بفعل كثرة الصراعات ويتجلى ذلك على النحو التالي: 

  • الصراع على السلطة: تعيش الكويت على وقع صراع على السلطة بين أعضاء في الأسرة الحاكمة وتتدخل فيه قُوى سياسية وشخصيات وأصحاب مصالح محسوبون على هذا الطرف أو ذاك. وقد أثارت صحيفة القبس الكويتية في أغسطس الماضي هذا التساؤل بشكل صريح على صدر صفحتها الأولى في مقال افتتاحي حمل عنوان “صراع الأسرة.. وساعة الصفر”، وجاء فيه أنّ “المعركة الطاحنة التي حذّر منها رجالات الكويت طوال السنوات الماضية وصلت إلى مرحلة تكسير العظام، وتهشيمها”، مشيرة إلى أنّ المعركة المقصودة تتثمل في “صراع أبناء الأسرة غير المحسوم على السلطة”، ومؤكّدة أنّ المعركة “أصبحت اليوم أخطر من أي وقت مضى بعد أن دقّت ساعة الصفر، وأصبحت جميع الأوراق مباحة”.
  • قضية التجسّس على المواطنين: والمتمثّلة في تسريب شريط مسجّل يتحدّث فيه شخصان أحدهما شيخ من الأسرة الحاكمة عن عمليات تجسّس إلكتروني استهدفت مواطنين وشخصيات عامّة، لتثير التساؤل حول إن كان تفجّر مثل تلك القضايا في هذه اللحظة الصعبة من تاريخ الكويت، هو بسبب الخلافات والصراعات داخل أسرة آل الصباح.
  • قضايا فساد: فقد تورّط أفراد من الأسرة الحاكمة في بعضها على غرار قضيّة الاتجار بالإقامات وقضية ما يعرف بالصندوق الماليزي التي يجري التحقيق فيها مع نجل رئيس الوزراء الكويتي السابق الشيخ جابر المبارك الصباح.
  • الشدّ والجذب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

يواجه رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح أزمات متعددة على أكثر من ملف فيما يتعلق بتداعيات تفشي فايروس كورونا وملفات الفساد والتجسس، التي أثرت بشكل مباشر على العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولم تخلُ الفترة الماضية من مساعي نائب الأمير للتهدئة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

فهناك أزمة متفاقمة تعصف برئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، بعد إقرار جلسة برلمانية في 30 سبتمبر الجاري للتصويت على “عدم التعاون” مع حكومته. وستجد حكومة رئيس الوزراء الكويتي نفسها أمام سيناريوهات الإقالة من أمير البلاد أو حل مجلس الأمة ثمّ تنظيم انتخابات برلمانية جديدة. ووفقًا للمادة 102 من الدستور الكويتي الصادر في العام 1962 على أن “لمجلس الأمة في حال عدم تمكنه من التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أن يرفع الأمر إلى الأمير الذي له أن يعفي مجلس الوزراء أو يحل المجلس، فإذا ما حل المجلس وصوت المجلس الجديد بالأغلبية على عدم التعاون مع نفس رئيس مجلس الوزراء عُدّ معزولًا وتشكل وزارة جديدة”. 

عوامل اقتصادية

قد تعرض الاقتصاد الكويتي لضربات موجعة منذ بداية العام الحاليّ بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، واعتماد الكويت على موارد النفط كأكبر مورد اقتصادي لديها، حيث تمثل الصناعة النفطية فيها أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من الصادرات و80% من الإيرادات الحكومية، ووجدت الكويت نفسها في مأزق بسبب الهبوط الكبير الذي شهده سوق النفط خلال الآونة الأخيرة.

فقد وصل الاقتصاد الكويتي إلى أزمة وصلت إلى حد احتمالية العجز عن دفع رواتب الموظفين والعمال بالدولة، ووفقاً لوكالة وكالة «بلومبيرج» في تقريرها الصادر في أغسطس 2020، فقد حذر وزير المالية الكويتي براك الشيتان في العشرين من أغسطس أن بلاده لا تمتلك سوى ملياري دينار (أي ما يعادل 6.6 مليار دولار) من السيولة في خزينتها، وأن هذه الأموال تكفي لتغطية رواتب الدولة حتى شهر أكتوبر المقبل، وما بعد ذلك ما زال في إطار المجهول. 

كما خفضت مؤسسة “موديز” للتصنيف الائتماني تقييمها للدين السيادي بالعملة المحلية والأجنبية لدولة الكويت من Aa2 إلى A1، مع تغيير نظرتها المستقبلية إلى مستقرة. وأرجعت “موديز” الخفض إلى ما اعتبرته زيادة في أخطار توفر السيولة للحكومة الكويتية، وكذلك تقييمها الضعيف للمؤسسات الحكومية، مشيرة بخاصة إلى العلاقة بين البرلمان والحكومة.

وفي محاولة للخروج من هذا المأزق أحالت الحكومة للبرلمان مشروع قانون الدين العام الشهر الماضي، هذا المشروع الذي يسمح لها باقتراض نحو 65 مليار دولار على مدى 30 عامًا، ولكن نجد أن هناك عدم توافق بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة بشأن إقرار قانون الدين العام، وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي يزداد سوءًا يومًا تلو الآخر. 

مضمون “وثيقة الكويت”  

لم يعلن الدكتور عبد الله النفيسي، والدكتور عبيد الوسمي عن تفاصيل الوثيقة التي تقدما بها لنائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ولكن سرّب عدد من النشطاء الكويتيين على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” صورًا لوثيقة الكويت، وقد تضمنت تفاصيل “وثيقة الكويت” المسربة التالي: 

  • تفاصيل عن المشهد السياسي في الكويت، وبعض الأحداث التاريخية التي مرت عليه، وتطرقت لتجارب سابقة عما وصفتها “المحاولات المستترة للانقضاض على الدستور وتفريغه من محتواه؛ بما أدى إلى إضعاف الرقابة الشعبية وتعطيل فعالية المؤسسات. 
  • لفتت الوثيقة المسربة إلى ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات صلاحيات واسعة، تعمل وفق جدول زمني محدد على إيجاد البدائل لهيكلة مؤسسات الدولة.
  • أكدت ضرورة التوافق الوطني على نظام انتخابي انتقالي يعكس التمثيل الشعبي الحقيقي وسلامة العملية، ومنع التأثير أو التدخل في خيارات الشعب.
  • دعت إلى إعادة تشكيل السلطة القضائية ومؤسساتها العاملة وأجهزتها، والسعي إلى المحافظة على استقرار المجتمع والدولة.

ردود الأفعال على “وثيقة الكويت” 

على الرغم من عدم إعلان “الوسمي” و”النفيسي” أي تفاصيل بشأن الوثيقة والاكتفاء بالإعلان عن تسليمها، فإنه جرى تسريب ما قيل إنها مسودة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء حولها، فهناك من أيد الوثيقة، وهناك من أعترض عليها، ويمكن ذكر أسباب احتفاء البعض بالوثيقة وأسباب عدم قبول البعض هذه الوثيقة على النحو التالي: 

الآراء التي أيدت “وثيقة الكويت” 

هناك أراء أيدت الوثيقة من منطلق أن الكويت تواجه تحديات سياسية واقتصادية وجميعها أمور تستدعي أن يلتحم الكويتيون شعبا وقيادة في لقاءات تشاورية، واعتبروا أن “وثيقة الكويت” هي خطوة على الطريق الصحيح، وتضم أرضية مشتركة يمكن من خلالها تجاوز التحديات التي تواجه الكويت في الفترة الحالية. 

الآراء التي رفضت ” وثيقة الكويت” 

هناك من عارض الوثيقة لأنها غير واضحة الملامح، ورأوها محاولة للانقضاض على الدستور والمكتسبات الدستورية والضرب بعرض الحائط أحكام القضاء لهاربين من القضاء وخارجين عن القانون.

The Saudi Reality - الواقع السعودي - النفيسي والوسمي يقدمان لنائب أمير  الكويت وثيقة تدعو لإصلاحات سياسية ونشطاء يسربون فحواها.

كما رأى معارضوها أنها فُصّلت لخدمة أطراف في المعارضة الكويتية، فهناك عدة قوى سياسية استغلت دخول أمير الكويت “صباح الأحمد الصباح” إلى المستشفى وتفويض ولي العهد “نوّاف الأحمد” بجزءٍ من صلاحيات الأمير، وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين من القوى التي تسعى لاستغلال مرض ولي العهد، فعملوا على صياغة “وثيقة الكويت” لخدمة مصالحهم، ونجد أن من قاما بصياغة الوثيقة يمثلون فصيل الإخوان في الكويت، ويتضح ذلك على النحو التالي:  

  • الدكتور عبد الله النفيسي، سياسي وأكاديمي كويتي انتُخب عضوًا بمجلس الأمة في انتخابات عام 1985 عن الدائرة الانتخابية الثامنة، وحصل على المركز الأول بدعم من تنظيم الإخوان. وحاول شأنه شأن التنظيم الإخواني إثارة الفتنة بين بلاده ودول الخليج، بالإساءة للدول ورموزها.
  • أما عبيد الوسمي، فهو سياسي كويتي، وأستاذ في جامعة الكويت بكلية الحقوق، وعضو في مجلس الأمة لعام 2012، وله تصريحات منصفة للإخوان، مثل أن الإخوان أكثر الفصائل السياسية تنظيمًا، وهم الأقدر على ملء الفراغ في حال غياب السلطة، لأن توجه الشارع يكون دائما للإسلاميين. وشدد على أن الإخوان المسلمين في الكويت مكون أساسي في المعادلة السياسية الكويتية. 

إجمالا لما سبق، يمكن القول إن فصيل الإخوان في الكويت يسعى إلى استغلال الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها الكويت، ولذلك جاءت وثيقة الكويت لتحقيق مصالح لفصيل الإخوان، فهي وثيقة لم تحظ بتوافق وطني حولها، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي: 

  • مكاسب سياسية: يسعى فصيل الإخوان في الكويت للحصول على مكاسب انتخابية، فالساحة الكويتية تتجهز حاليا للانتخابات البرلمانية المنتظر إجراؤها نهاية نوفمبر المقبل. ولذلك يطالب من صاغا “وثيقة الكويت” التوافق الوطني على نظام انتخابي، ونجد أن الغرض من ذلك المطلب هو رغبة فصيل الإخوان في الكويت في تغيير القانون الانتخابي بما يزيد عدد المقاعد للمنتمين للفصيل الإسلامي في المؤسسة التشريعية الكويتية.
  • المصالحة الوطنية على حساب أمن الكويت: دعت “وثيقة الكويت” إلى تحقيق مصالحة وطنية، ولكن بالتمعن في هذا المطلب نجد أن من صاغا الوثيقة يسعيان لتحقيق مصالحة وطنية على حساب أمن الكويت. فقد أثيرت أحاديث أن المقصود بتحقيق مصالحة وطنية هو العفو عن خلية العبدلي الإرهابية، وتعود أحداث خلية العبدلي إلى أغسطس 2015، عندما أعلنت وزارة الداخلية الكويتية الكشف عن خلية مكونة من 25 كويتيًا وإيراني، تتعامل مع إيران وحزب الله، يخزن أفرادها كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات بهدف القيام بأعمال عدائية ضد الكويت.

مرفق “وثيقة الكويت” المسربة على مواقع التواصل الاجتماعي

Image
Image
+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى