المراكز الأوروبيةمكافحة الإرهاب

الصعود في الشرق… لمحة إقليمية عن عمليات تنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا

عرض – تقى النجار

مع فقدان تنظيم “داعش” سيطرته المكانية في مناطق نفوذه التقليدية في سوريا والعراق، بدأ في البحث عن ساحات بديلة، حيث سعى إلى الانتقال الاستراتيجي إلى آسيا من أجل إيجاد مناطق جديدة لنشاطه. وفي هذا السياق أصدر مركز” Combating Terrorism Centre at West Point” في يوليو 2020، تقريرًا مهمًا بعنوان: “الصعود في الشرق: لمحة إقليمية عن عمليات تنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا”. إذ يسعى التقرير إلى دراسة طبيعة التهديد الداعشي في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، وذلك باستعراض بداية الوجود الداعشي في منطقة جنوب شرق آسيا، وإلقاء الضوء على اتجاهات النشاط الداعشي، كذلك تناول روابط التنظيم مع الجماعات المحلية في المنطقة.

ظهور “داعش” في جنوب شرق آسيا

أشار التقرير إلى بداية ظهور تنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا، حيث بدأ التنظيم في تعزيز نفوذه في المنطقة منذ منتصف عام 2014، وذلك بمبايعة عدد من القيادات الإرهابية في المنطقة للتنظيم على رأسهم “إسنيلون هابيلون” (قيادي في جماعة أبو سياف ومقرها الفلبين)، و”سانتوسو” (أمير جماعة “مجاهدي شرق إندونيسيا”). وفي أواخر عام 2014، نجحت قيادات إرهابية في تشكيل تحالف يضم الجماعات المحلية الموالية للتنظيم في إندونيسيا. وأطلق على هذا التحالف “جماعة أنشاروت الدولة” وعملت تلك الجماعة على تسهيل التواصل بين العناصر الإرهابية في الفلبين وإندونيسيا.

وقد أوضح التقرير أن تنظيم “داعش” في عام 2016 قَبل المبايعة من تلك الجماعات، كذلك عيّن التنظيم “إسنيلون هابيلون” أميرًا لفرع ولاية “داعش في جنوب شرق آسيا”. حيث نجحت الولاية في توفير أيديولوجية موحده لجذب العناصر الإرهابية من الجنسيات المختلفة. كذا أتاحت تعاونًا غير مسبوق بين الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة. 

كذلك لفت التقرير إلى وجود تباين في حجم التهديد الداعشي بين الدول الثلاث (الفلبين وإندونيسيا وماليزيا). حيث تواجه الفلبين تهديدًا إرهابيًا أكثر تعقيدًا مما تواجهه إندونيسيا، نظرًا للتنوع الهائل للجماعات الإرهابية التي تهدف إلى زعزعه استقرارها. وبالنظر إلى الوضع في إندونيسيا، أشار التقرير إلى أن التهديدالإرهابي لديها يتمثل في عدد الجماعات المحلية التي تدين بالولاء لتنظيم “داعش”، وعدد المقاتلين الأجانب الذين انتقلوا إليها. وعلى عكس الفلبين وإندونيسيا، لا توجد جماعة محلية في ماليزيا تعهدت بالولاء لتنظيم “داعش”، غير أن المخاوف في ماليزيا تبرز في التهديد من الجماعات الإقليمية بدلًا عن الجماعات المحلية المبايعة للتنظيم.

اتجاهات النشاط الداعشي في جنوب شرق آسيا

استعرض التقرير في هذا المحور طبيعة النشاط الداعشي في منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك في الفترة من يناير 2014 إلى يوليو 2019، من حيث عدد العمليات، ونتائجها، وأهدافها، كذا أبرز التكتيكات المستخدمة من قبل التنظيم، هو ما سوف يتم تناوله على النحو التالي:

1-عدد العمليات: أشار التقرير إلى أن عدد هجمات تنظيم “داعش” التي شهدتها المنطقة في الفترة سالفة الذكر بلغت حوالي (115) هجمة؛ إذ شهدت ماليزيا في تلك الفترة حوالي (23) هجمة، كما شهدت إندونيسيا حوالي (42) هجمة، كذا شهدت الفلبين حوالي (50) هجمة. وتجدر الإشارة إلى أن الفلبين تعرضت للنصيب الأكبر من تلك الهجمات، وذلك في مقاطعات “لاناو ديل سور” و”باسيلان” و”ماجوينداناو” في منطقة “مينداناو” جنوب الفلبين.

Country/Year201420152016201720182019*Total
Indonesia0514710642
Malaysia12656323
Philippines0118225450
Total1838342113115

*من يناير إلى يوليو 2019

2- نتائج العمليات: طبقًا للتقرير، أسفرت هجمات التنظيم التي تعرضت لها المنطقة عن حوالي 909 حالة وفاة وإصابة. وبشكل عام، شهد عام 2016 أعلى مستويات لنشاط “داعش” في جميع أنحاء المنطقة، حيث بلغ مجموع الهجمات حوالي (38) هجمة أسفرت عن حوالي (421) حالة وفاة وإصابة. وشهد عام 2017حوالي (34) هجمة أسفرت عن حوالي (233) حالة وفاة وإصابة. كما شهد عام 2018 حوالي (21) هجمة أسفرت عن حوالي (131) حالة وفاة وإصابة.  أما عام2019(من يناير إلى يوليو) فقد شهد حوالي (13) هجمة أسفرت عن حوالي (172) حالة وفاة وإصابة.

3- الأهداف: أكد التقرير أن معظم هجمات التنظيم في المنطقة استهدفت أهدافًا مدنية، ففي عامي 2015 و2019 تم توجيه أكثر من 60% من الهجمات نحو أهداف مدنية (الأماكن العامة مثل: الأسواق والمتنزهات). وقد مثل عام 2016 استثناء من حيث طبيعة المستهدف، حيث جاءت هجمات التنظيم تجاه الأهداف المدنية مساوية لهجماته تجاه مؤسسات الدولة.  إلا أنه منذ عام 2017 كان هناك اتجاه ثابت نحو زيادة الهجمات على الأهداف المدنية وذلك لسهولة الوصول إليها.

4-التكتيك: أشار التقرير إلى وجود زيادة ملحوظة في تكتيك العمليات الانتحارية من قبل تنظيم “داعش” في المنطقة خلال عامي 2018، و2019. فقد شكلت الهجمات الانتحارية حوالي 29٪ من جميع الهجمات في عام 2018 وأكثر من 50٪ في الأشهر السبعة الأولى من عام 2019.

وقد تم تفسير دوافع تصاعد تكتيك الهجمات الانتحارية في ضوء ثلاثة احتمالات؛ يتعلق أولها بأن ذلك التكتيك تم استحداثه مع عودة العناصر الإرهابية من العراق وسوريا. وينصرف ثانيها إلى تصاعد حالة اليأس لدى التنظيم نتيجة لزيادة الإجراءات الصارمة ضد مقاتلي التنظيم في جميع أنحاء المنطقة. ويتصل ثالثهما برغبة التنظيم في تعزيز صورته الجهادية في منطقة جنوب شرق آسيا بزيادة عدد ضحاياه.

تحالفات تنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا

تناول التقرير في هذا المحور تحالفات تنظيم “داعش” في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث تحالف التنظيم مع حوالي (6) جماعات إرهابية، وهو ما سوف يتم استعراضه على النحو التالي:

1-جماعة أنشاروت الدولة: تعد أكبر جماعة إرهابية في إندونيسيا. بايعت تنظيم “داعش” منذ عام 2014. وتتشكل من حوالي (20) جماعة إندونيسية متطرفة. يتميز الهيكل التنظيمي لها بدرجة كبيرة من الاستقلالية؛ فعلى الرغم من سعي الجماعة إلى شن هجمات مرتبطة بالقيادة المركزية لتنظيم “داعش”، إلا أن المجموعات الإرهابية الصغيرة التي تشكل المجموعة تستطيع إجراء عمليات مستقلة عن قيادة التنظيم. 

تعمل الجماعة على اتباع تكتيك الإرهاب العائلي، وظهر ذلك بوضوح في تفجيرات “سورابايا” في 13 مايو 2018م، والتي استهدفت 3 كنائس، تقع في مدينة “سورابايا”، التي تعد أكبر ثاني مدينة في إندونيسيا. حيث نفذتها عائلة مكونة من (6) أفراد من بينهم ابنين (بعمر 16 و18 عامًا) وابنتان (9 أعوام و12 عامًا). إذ فجر كل فرد من أفراد الأسرة حزامه الانتحاري بشكل فردي. 

2- جماعة مجاهدي شرق إندونيسيا: تأسست ما بين عامي 2011 و2012 في إندونيسيا على يد “سانتوسو” (قائد جماعة “أنشاروت التوحيد” السابق). وتعد من أول الجماعة الإرهابية التي بايعت “داعش” في إندونيسيا.  ترتبط الجماعة بعلاقات مع مجموعتين تابعتين لتنظيم داعش وهما: جماعة “أنشاروت الدولة” في إندونيسيا، وجماعة “أنصار الخلافة” في الفلبين.  وبمقتل مؤسسها على أيدي الشرطة الإندونيسية في 18 يوليو2016، والقبض على خليفته “محمد بصري “تقلص نشاط الجماعة،وتجدر الإشارة إلى أن الجماعة في الوقت الحالي يقودها “على كالورا”.

3- جماعة أبو سياف: تشكلت عبر الإنشقاق عن “جبهة تحرير مورو الإسلامية” عام 1991م في جنوبي الفلبين، أنشأها “عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني”. ومنذ منتصف التسعينيات ترتبط الجماعة بعلاقات مع تنظيم “القاعدة”، إلا أن بوفاة “جنجلاني” في عام 1998 انقسمت الجماعة إلى فصيلين؛ أحدهما بقيادة “رادولان ساهيرون” في مقاطعة “سولو”، والآخر بقيادة “إسنيلون هابيلون” في مقاطعة “باسيلان”. وعلى الرغم من علاقة الجماعة الأولية بالقاعدة، إلا أن الفصيل بقيادة “هابيون” أصبح تابعًا لتنظيم “داعش” في الفلبين، وتم تعيين الأخير أميرًا لولاية “داعش” جنوب شرق آسيا”. وقد اشتهرت الجماعة بمعركة “مراوي”،التي استمرت بين مايو وأكتوبر من عام 2017. وأسفرت عن مقتل”هابيلون”،وتم تنصيب “خطيب حجان سواديجان ” كخليفة له.

4- جماعة ماوتي: أسسها الشقيقان عبد الله وعمر ماوتي في مقاطعة ” لاناو ديل سور” في مينداناو، جنوب الفلبين، في عام 2012.شكلت الجماعة تحالفًا مع “جبهة تحرير مورو الإسلامية”، غير أنه تم فك هذا التحالف بعد نزاع الأولي مع قائد الأخيرة في عام 2014. وقد أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم “داعش” في إبريل 2015. و شاركت مع جماعة “أبو سياف” في معركة “مراوي”، ما أسفر عن خسائر كبيرة تعرضت لها سواء على مستوي القيادات أو السلاح، غير أنها نجحت في إعادة التموضع مرة أخري في مقاطعة ” لاناو ديل سور”. 

5- جماعة مقاتلي بانجسا مورو الإسلامية من أجل الحرية: تشكلت عام 2010 في الفلبين على يد “أمريل أومبرا كاتو” والمقاتلين الذين اتبعوه عقب الانشقاق عن “جبهة تحرير مورو الإسلامية” لرفضهم اتفاقية السلام التي أبرمتها الأخيرة مع الحكومة الفلبينية. وقد توفي “كاتو” في عام 2015، وتم نقل قيادة الجماعة إلى “إسماعيل أبو بكر” الذي وصف بأنه أكثر تشددًا من الأول. أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم “داعش” في 2016، غير أنها واجهت تحديًا متمثلًا في حدوث عدد كبير من الانشقاقات داخل صفوفها.

6- أنصار الخلافة: تأسست في الفلبين على يد “محمد جعفر ماجويد” عام 2008(أشار التقرير إلى أن تاريخ تأسيس عام 2008 غير أن هناك مصادر أخرى أكدت أن الجماعة تم تدشينها في أغسطس 2014). وتعهدت بالولاء لتنظيم “داعش” في سبتمبر 2014.  وأصبحت الجماعة تلعب دورًا في تجنيد وتدريب العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم “داعش” في منطقة جنوب شرق آسيا. وفي إطار سعي الفلبين إلى مكافحة الظاهرة الإرهابية قُتل “ماجويد” في عملية قامت بها وكالة الاستخبارات الوطنية، بالتنسيق مع الشرطة الوطنية الفلبينية، في يناير 2017، ولا تزال المعلومات محدودة بشأن أمير الجماعة الجديد.

دلالات أساسية

بناءً على ما تقدم في التقرير، يمكن استخلاص جُملة من الدلالات التي يمكن استعراضها على النحو التالي:

أولًا: سعى تنظيم “داعش” إلى إيجاد مناطق نفوذ جديدة بعد تراجعه في سوريا والعراق، بهدف تجاوز هزائمه، واستعادة نشاطه، لذلك كان الانتقال الاستراتيجي للتنظيم إلى منطقتي آسيا وغرب إفريقيا، لما يتوافر في تلك المناطق من عوامل محفزة للإرهاب والتطرف؛ حيث الصراعات الطائفية، والانقسامات العرقية، والتباينات الدينية.

ثانيًا: يُعوّل التنظيم في المرحلة الحالية على الإرهاب المحلي، ويقصد به الاعتماد على جماعاتٍ إرهابيةٍ محليةٍ مشكلةٍ وناشطةٍ تقوم بمبايعة التنظيم العالمي وتنسب نفسها إليه، مقابل تلقيها الدعم المالي والبشري واللوجستي، مع تمتعها بقدرٍ من الاستقلالية. وبالتالي يتمكن التنظيم من توسيع مساحات نشاطه وإعادة تموضعه الجغرافي في مناطقٍ متعددةٍ دون الحاجة إلى السيطرة على الأرض. وقد بدأ التنظيم في توظيف تلك الاستراتيجية في الساحتين الآسيوية والإفريقية.  وهو ما انعكس بوضوح في الارتباط الذي جمع بين تنظيم “داعش” والجماعات المحلية الناشطة في منطقة جنوب شرق اسيا.

ثالثًا: تٌعد معركة “مراوي” من أهم الأحداث المرتبطة بتنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا، والتي بدأت في مايو 2017 عندما استولت مجموعة من المسلحين التابعيين للتنظيم، بقيادة فصيل”إسنيلون هابيلون “على مدينة “مراوي”، إلى أن نجحت القوات المسلحة الفلبينية في استعادت المدينة في أكتوبر 2017. وقد اعتبر تنظيم “داعش”المعركة نجاحًا استراتيجيًا ودعائيًا. وزادت شهرة الفلبين كوجهة للتنظيم لأولئك الذين لم يتمكنوا من السفر إلى العراق وسوريا.

رابعًا: لجأ تنظيم “داعش” في منطقة جنوب شرق آسيا إلى تكتيكات مختلفة، حيث اعتمد على الإرهاب الانتحاري، والعائلي، والنسائي، ما يلقي بظلاله على تغلغل الفكر الداعشي في المنطقة، وتغلغل التطرف في المجتمعات المحلية. الأمر الذي يتطلب  

جهدًا مستمرًا لمعالجة العوامل المرتبطة بالمجتمعات المحلية التي تؤدي إلى التطرف وتساعد على التجنيد.

مجمل القول

في ضوء الخسائر التي مُنى بها تنظيم “داعش” في معاقله الرئيسة، من المرجح أن يسعى إلى التأكيد على وجوده في ساحات أخرى. وتعد منطقة جنوب شرق آسيا واجهة محتملة لتصاعد النشاط الداعشي ولاسيما في ضوء ما تتميز به من محفزات للتطرف والإرهاب.

للاطلاع على نص التقرير، راجع:Amira Jadoon, Nakissa Jahanbani, Charmaine Willis, “Rising in the East: A Regional Overview of the Islamic State’s Operations in Southeast Asia”, Combating Terrorism Center at West Point, July 2020, Available at:  https://ctc.usma.edu/wp-content/uploads/2020/07/Rising-in-the-East.pdf

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى